q
ولد النور من مكة المكرمة وشعَّ وأضاء الدنيا منها وهذا أكبر دليل على عموم وشمول الرسالة الإسلامية والدِّين الخاتم الذي جاء به الرسول الأكرم (ص) فولادته يعني ولادة الدِّين وبعثته تعني نزول القرآن الحكيم وهو آخر كتاب لله سبحانه ينزله لخلاص البشرية من ظلمات الجهل والجاهلية ليرفعهم...

ولد الرسول الأكرم (ص) في 17 ربيع الأول من عام الفيل في مكة المكرمة

مقدمة نورانية

في رواية نورانية عجيبة يصف بها الإمام علي بن أبي طالب (ع) ولادة الرسول الأكرم في عالم الأنوار، قبل عالم التجلي والظهور لذلك النور الأنور، قَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : كَانَ اَللَّهُ تَعَالَى وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ نُورُ حَبِيبِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اَلْمَاءَ، وَاَلْعَرْشَ، وَاَلْكُرْسِيَّ، وَاَللَّوْحَ، وَاَلْقَلَمَ، وَاَلْجَنَّةَ، وَاَلنَّارَ، وَاَلْحِجَابَ، وَاَلسَّحَابَ، وَآدَمَ، وَحَوَّاءَ، بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ عَامٍ فَأَمَرَ اَللَّهُ تَعَالَى طَاوُسَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَهُوَ جَبْرَئِيلُ لَمَّا خَلَقَ نُورَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بَقِيَ أَلْفَ عَامٍ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُسَبِّحُهُ وَيُحَمِّدَهُ فَقَالَ اَللَّه:ُ يَا عَبْدِي أَنْتَ اَلْمُرَادُ، وَأَنَا اَلْمُرِيدُ، وَأَنْتَ خِيَرَتِي مِنْ خَلْقِي، فَوَ عِزَّتِي وَجَلاَلِي؛ لَوْلاَكَ مَا خَلَقْتُ اَلْأَفْلاَكَ، وَلاَ اَلدُّنْيَا، وَلاَ اَلْأَرْضَ فَمَنْ أَحَبَّكَ أَحْبَبْتُهُ، وَمَنْ أَبْغَضَكَ أَبْغَضْتُهُ، فَتَلَأْلَأَ نُورُ رَسُولِ اَللَّهِ( صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَاِرْتَفَعَ شَأْنُهُ وَشُعَاعُهُ، فَخَلَقَ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْ نُورِهِ اِثْنَيْ عَشَرَ حِجَاباً أَوَّلُهَا حِجَابُ اَلْقُدْرَةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلْعَظَمَةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلْعِزَّةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلْهَيْبَةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلْجَبَرُوت،ِ ثُمَّ حِجَابُ اَلرَّحْمَةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلنُّبُوَّةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلْكِبْرِيَاءِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلْمَنْزِلَةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلرِّفْعَةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلسَّعَادَةِ، ثُمَّ حِجَابُ اَلشَّفَاعَةِ، ثُمَّ أَمَرَ اَللَّهُ تَعَالَى نُورَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنْ يَدْخُلَ فِي حِجَابِ اَلْقُدْرَةِ فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ عَالِمِ اَلسِّرِّ وَاَلْخَفِيِّ عَشَرَةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي حِجَابِ اَلْعِزَّةِ فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اَلْمَلِكِ اَلْمَنَّانِ تِسْعَةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلْجَبَرُوتِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اَلْكَرِيمِ اَلْأَكْرَمِ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلرَّحْمَةِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّ اَلْعَرْشِ سَبْعَةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلْمَنْزِلَةِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ اَلْعَظِيمِ اَلْأَعْظَمِ سِتَّةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلْكَرَامَةِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ اَلْحَمِيدِ اَلْمَجِيدِ خَمْسَةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلرِّفْعَةِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ ذِي اَلْمُلْكِ وَاَلْمَلَكُوتِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلسَّعَادَةِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ يُزِيلُ اَلْأَشْيَاءَ وَلَمْ يَزَلْ ثَلاَثَةَ آلاَفِ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلشَّفَاعَةِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اَللَّهِ رَبِّيَ اَلْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ أَلْفَيْ عَامٍ، ثُمَّ دَخَلَ فِي حِجَابِ اَلْكِبْرِيَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ ذِي اَلْعِزَّةِ وَاَلسُّلْطَانِ أَلْفَ عَامٍ). (الأنوار في مولد النّبی (ص): ج۱ ص5)

كم نحتاج من العلم، والوقت، والجهد لفهم وشرح هذا الحديث النوراني العجيب الذي يحدث به أعلم وأشرف خلق الله الإمام علي بن أبي طالب (ع) عن الأصل النوراني لسيده ومولاه ومعلمه الذي ربَّاه رسول الإنسانية محمد بن عبد الله (ص)؟

الولادة برواية الوالدة المكرمة

ونأخذ الرواية في الولادة الميمونة عن الوالدة المكرمة السيدة آمنة بنت وهب حيث نقلها سماحة الإمام الشيرازي الراحل في كتابه (من حياة الرسول الأعظم (ص) فيقول: (قالت آمنة (رضوان الله عليها): لما قربت ولادة رسول الله (ص) رأيتُ جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي فذهب الرُّعب عنِّي، وأُتيتُ بشربة بيضاء وكنتُ عطشى، فشربتها فأصابني نورٌ عال.

ثم رأيت نسوة كالنخل طوالاً تحدثني، وسمعتُ كلاماً لا يشبه كلام الآدميين، حتى رأيتُ كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض، وقائل يقول: خذوه من أعز الناس.

ورأيتُ رجالاً وقوفاً في الهواء بأيديهم أباريق، ورأيتُ مشارق الأرض ومغاربها، ورأيتُ عَلَماً من سندس على قضيب من ياقوتة، قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة، فخرج رسول الله (ص) رافعاً إصبعه إلى السماء.

ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته، فسمعت نداءً: طوفوا بمحمد (ص) شرق الأرض وغربها والبحار، لتعرفوه باسمه ونعته وصورته، ثم انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن، وتحته حريرة خضراء، وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب، وقائل يقول: قبض محمد (ص) على مفاتيح النصرة، والريح، والنبوة.

ثم أقبلت سحابة أخرى فغيبته عن وجهي أطول من المرة الأولى، وسمعت نداءً: طوفوا بمحمد (ص) الشرق والغرب، وأعرضوه على روحاني الجن والإنس، والطير والسباع، وأعطوه صفاء آدم، ورقة نوح، وخلة إبراهيم، ولسان إسماعيل، وكمال يوسف، وبشرى يعقوب، وصوت داود، وزهد يحيى، وكرم عيسى (عليهم السلام).

ثم انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء، قد طويت طياً شديداً وقد قبض عليها، وقائل يقول: قد قبض محمد (ص) على الدنيا كلها، فلم يبقَ شيء إلاّ دخل في قبضته.

ثم إن ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجههم، في يد أحدهم إبريق فضة ونافحة مسك. وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لـها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء، وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله.. فقبض على وسطها، وقائل يقول: اقبض الكعبة.. وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها، فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين فيه، فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات، ثم ضرب الخاتم على كتفيه، وتفل في فيه فاستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه وكلائته، قد حشوت قلبك إيماناً، وعلماً، ويقيناً، وعقلاً، وشجاعةً، أنت خير البشر، طوبى لمَنْ اتَّبعك، وويل لمَنْ تخلَّف عنك.. ثم أدخل بين أجنحتهم ساعة، وكان الفاعل به هذا رضوان، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: أبشر يا عزّ بعزّ الدنيا والآخرة.

ورأيتُ نوراً يسطع من رأسه حتى بلغ السماء، ورأيتُ قصور الشامات كأنه شعلة نار نوراً، ورأيتُ حولي من القطاة أمراً عظيما قد نشرت أجنحتها.

وقالت آمنة (ع): إن ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء لـه كل شيء وسمعت في الضوء قائلاً يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسمِّيه محمداً). (من حياة الرسول الأعظم (ص): ص10)

لو لم يكن لدى الأمة الإسلامية إلا هذا الحديث الشريف عن المولد المبارك لرسول الله (ص) لكفاها علماً ويقيناً بأنه أكرم خلق الله وأعظمهم، وكيف ولدينا العشرات وربما المئات من الأحاديث الشريفة التي تتحدث عن الأصل النوراني، وأنه النور الأول الذي خلقه الله تعالى من نور عظمه، لا سيما الحديث المشهور وربما المتواتر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اَللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ؟ فَقَالَ: (نُورُ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ خَلَقَهُ اَللَّهُ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ)، فكل خير خُلق من نوره الأبهج.

بشارات المولد الشريف

البشارات والإشارات التي رافقت المولد الشريف كثيرة مروية في كتب التاريخ والسيرة النبوية لا سيما تلك البشارات الأرضية، والإشارات الكونية التي رافقت مولد (ص) في مكة المكرمة وغير تلك التي رأتها أمه المكرمة، أو القوابل من حولها حيث شهدوا بأن النور سطع منه فأنار ما بين المشرق والمغرب، إلا أن الأمر كان أعظم من ذلك بكثير حيث أن العالم العلوي في السماوات، والسفلي في الأرض شهدت أحداثاً تحمل إشارات عظيمة لذوي البصائر والحِجى، وبشارات جليلة وجميلة لأهل الإيمان واليقين.

ويروي سماحة الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) في ذلك ويقول: (لما وُلد رسول الله (ص) رميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه!

وقال عمرو بن أمية ـ وكان من أزجر أهل الجاهلية ـ: انظروا هذه النجوم التي يُهتدى بها ويُعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حَدَث.

وانكبَّت الأصنام كلها على وجهها صبيحة ولد النبي (ص)، وارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة (في إيران)، وفاض وادي السماوة (في العراق)، وخمدت نيران فارس ولم تُخمد قبل ذلك بألف عام، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق (والمغرب، وعمَّ العالم أجمع).

ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلاّ أصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها (شيطانها).

ولد النور وانقشع الظلام

نعم؛ ولد النور من مكة المكرمة وشعَّ وأضاء الدنيا منها وهذا أكبر دليل على عموم وشمول الرسالة الإسلامية والدِّين الخاتم الذي جاء به الرسول الأكرم (ص) فولادته يعني ولادة الدِّين وبعثته تعني نزول القرآن الحكيم وهو آخر كتاب لله سبحانه ينزله لخلاص البشرية من ظلمات الجهل والجاهلية ليرفعهم إلى بحبوحة الأنوار والعلوم القدسية، لأن الحياة تقوم وتتطور وتنمو وتزدهر بالعلم ولذا أول آية خاطبت الرسول الأعظم (ص) كانت قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (سورة العلق: 1)، ثم السورة الثانية: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (سورة القلم: 1)، والعلم ينطلق من القراءة والكتابة، والعلم أساس المَدَنية، وهي بداية الحضارة الراقية، ولكن لتكون حضارة يجب أن تلتزم بمنظومة القيم الحضارية التي تقوم عليها وإلا فإنها حضارة بلا روح، ولا قيمة، ولا فضيلة كالحضارة الرقمية اليوم.

فيوم ولد الرسول الأعظم (ص) يعني ولادة تلك المنظومة القيمية الحضارية في الحياة البشرية وفي دنيا الإنسانية، ولذا كانت ولادة كونية وليست ولادة عادية وطبيعية ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى يشهد الكون كله عليها ليذكرهم بما أخذ عليه ميثاقهم وغرسه في فطرتهم من قبل أن يخرجهم في هذه الدنيا، لأن الشهادة بالنبوة والرسالة الخاتمة للرسول الأعظم (ص) هي من الأمور الفطرية في الطينية البشرية.

لأن الحياة والدنيا خلقت من أجل الإنسان المكرم والمفضل عند خالقه، ولكن فضيلته وكرامته بعبادته وطاعته لربه سبحانه وتعالى وإذا ترك عبادة ربه تسافل وسقط حتى يعبد الحجر أو الشجر أو البشر، وكأنه لا عقل له، ولا قلب وفهم ولا علم ولا كرامة له في نفسه فـي تساقطه عندما يعبد صنماً من تمر وإذا جاع أكله؟

وعبادة الله سبحانه وطاعته يجب أن تكون كما أراد الله وأمر في كتابه وعلى لسان نبيه وأوليائه (عليهم السلام) وإلا فكل إنسان يعبد نفسه وهواه، ويكون حاله كحال البهيمة همها علفها وتقممها، وشغله بين نثيله ومعتلفه – كما يقول أمير المؤمنين (ع) – فالدَّال على الله والمرشد إلى صراطه ومعلم الناس معالم دينهم وسبل وطرق طاعتهم لربهم هو الرسول الأكرم محمد (ص) ولذا جعل الله الشهادة الثانية كالشهادة بالوحدانية في فطرة البشر.

نبي الهداية والسعادة

فالحقيقة التي يجب أن نعرفها ونعترف بها ثم نؤمن بها إيماناً قاطعاً ويقينياً؛ هي أن النبي الأعظم (ص) الذي بعثه الله بالهداية، والنور، والعلم، والتقدم، والتطور، والحضارة الإنسانية هو أمين الله على البشرية والساعي في طريق سعادتها ولا سعادة لبني البشر إلا باتباع نهج وطريقة ودين هذا النبي العظيم (ص) الذي بعثه الله بعظيم الأخلاق، حيث انعدمت الأخلاق في المجتمع الجاهلي إلا النذر اليسير منها فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سورة القلم: 4)، فصاحب هذا الخلق العظيم كانت بعثته لإتمام مكارم الأخلاق، وكأنه قال (ص): (إنما بعثت لأتمم أسس الحضارة الإنسانية)، لأن الحضارة بلا قيم وحضورها في المجتمع ليست بحضارة، فالولادة الميمونة والمباركة لرسول الله (ص) كانت ولادة الحضارة الراقية والتي تسعد البشرية في ظلها لا تشقيهم، وتعمِّر لا تدمِّر، وتبني ولا تهدم، وتحيي ولا تقتل، لأن الدِّين والرسالة السماوية جاءت لتحيي الناس وتسعدهم كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24)

فدعوة الرسول الأكرم (ص) هي للحياة السعيدة، وليس للحياة التعيسة التي يدعو لها أشقياء الأرض، وشياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض من الفساد والإفساد في البلاد والعباد، كما نرى ونعيش في هذا العصر الرقمي والحضارة المادية البراقة الخالية من كل معاني السعادة والقيم الإنسانية، ولذا ترى البشر اليوم انحازوا إلى البهائم والحيوانات فأحدهم يفضِّل أن يعيش مع القطة، أو الكلب، أو غيرها ولا يعيش من الإنسان مثله، وحتى أن بعض الأغنياء منهم أوصى بتركته لكلبه من بعده.

وكأن أهل هذه الحضارة حنُّوا إلى أصلهم الحيواني كما يقول الفلاسفة ونسوا أنهم مخلوقات مفضلة ومكرمة على خالقهم، ولكنهم أبعدتهم الحضارة وأصحابها من الأشقياء عن ربهم وعبادته وطاعته فكانت معيشتهم ضنكاً، وجحيماً وكثيراً منهم ينهونها بالإنتحار.

بركة المولد النبوي الشريف

فكم هي عظيمة بركة مولد النبي الأعظم (ص) حيث انبعث وولد معه كل خير ونزلت كل بركة وانبعث كل نور في هذه الحياة في البشر وأعاد الإنسان إلى فطرته التي فقدها في الجاهلية الأولى، وهو أمين وضامن لعودته في هذا العصر حيث الجاهلية الثانية تلوح في الأفق، والعالم والإنسانية كلها لو عرفت هذا النبي الكريم (ص) وتمسكت بدينه، وكتابه، القرآن الحكيم لعادت لهم سعادتهم وكرامتهم من جديد.

نسأل الله الهداية والنور والسعادة لجميع المؤمنين وكل عام وأنتم بألف خير وسعادة.

اضف تعليق