منهج الإمام علي (ع) يقوم على مبدأ اللاعنف والاحتواء وديمومة الفكر الإسلامي، في حين نجد في يومنا هذا، اتجاه اغلب الساسة نحو تقديم السلطة والمنافع الشخصية، على حساب المصالح العامة وخدمة الشعب، فالقيم المادية متجذرة فيهم ومتغلبة على بقية قيمهم المعنوية الصحيحة، وذلك ما جعل من المجتمع...

يؤخَذ على الفكر السياسي المتجذر بالعراق، بأنه الفكر العنيف الذي يعتمد على القتل والقمع، وتقديم المصلحة الشخصية للحاكم على المصلحة العامة، ومجموعة الأساليب القائمة في يومنا هذا بإدارة السلطة، لا تمت بصلة إلى منهج الإمام علي (ع) أو منهج الغدير، فهذا المنهج الغدير يستند إلى الأحقية في السلطة، ويقوم على قيم الإنصاف والعدل والتسامح والتعايش المجتمعي.

منهج الإمام علي (ع) يقوم على مبدأ اللاعنف والاحتواء وديمومة الفكر الإسلامي، في حين نجد في يومنا هذا، اتجاه اغلب الساسة نحو تقديم السلطة والمنافع الشخصية، على حساب المصالح العامة وخدمة الشعب، فالقيم المادية متجذرة فيهم ومتغلبة على بقية قيمهم المعنوية الصحيحة، وذلك ما جعل من المجتمع يتجه نوح المادية الاستهلاكية.

مما أدى إلى ظاهرة قياس الفرد على أساس مظهره وماله، لا على أساس أفكاره وخدمته للمجتمع، وعند أخذنا لمنهج الإمام علي كأنموذج لتحسين الواقع السياسي في العراق، يجب على الساسة فهم أن السلطة شيء ثانوي، وخدمة الشعب هي الأمر الأساس، وأن يعملوا على مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولا مجال للمحسوبية والواسطة، فمنهج الإمام علي (ع) قائم على عدم التمييز بين شخص وآخر، واختيار الشخص حسب مؤهلاته لا على أساس علاقته الوطيدة بأصحاب السلطة.

فقوة الدولة قائمة على أساس الخطة التي يسير عليها صنّاع القرار، وبالنتيجة إنْ سار سياسيو العراق على منهج الإمام علي فسوف يصبح وضع البلد في حالة ازدهار دائم، وتقدم مستمر، فمنهج الغدير الذي يقوم على معايير العدل، والاستقامة والإنصاف والكفاءة، هو المنهج الذي يستحق أن يكون أنموذجا لجميع قادة المسلمين بل العالم أجمع.

(شبكة النبأ المعلوماتية) احتفلت بعيد الغدير، وتوجهت لعدد من المفكرين والكتاب، بالسؤال التالي: كيف نستثمر منهج الإمام علي (ع) في تحسين المنظومة السياسية بالعراق؟

السلطة بين منهج الإمام علي (ع) والآخرين

الكاتب والمفكر الشيخ مرتضى معاش، أجابنا بالقول: الفرق بين منهج الإمام علي (عليه السلام) والآخرون، أن منهجه قائم على المبادئ وتحقيق المصالح العامة للجميع، دون أي تمييز عنصري أو طبقي أو فئوي، وهذا هو المنهج الذي يؤدي لتحقيق الاستقرار السياسي وترسيخ سياسة الإنصاف.

أما الآخرون اللاهثون نحو السلطة والمصالح الشخصية، فإنهم يمارسون الطريق التدميري الصفري، واستفزاز كل الرذائل واستنبات الأنانية والتوحش والعنف، وبالتالي إشعال الصراعات والنزاعات وتحولها إلى حلقة مفرغة، تستمر في إنتاج الشرور.

وهذا الطمع والنزعة العدمية التي لا تهتم بالعواقب الخطيرة، هي التي تعمق حالة الفساد والإفساد.

وما الكوارث التي تستمر في الظهور إلا تعبير عن الشغف الأعمى بالسلطة، وتحولها إلى طغيان يدمر كل شيء.. ولا اعلم كيف يصل هؤلاء المفسدين الى هذه الدرجة من الغباء، وترسيخ سلطتهم عبر تدمير كل شيء وإهلاك الحرث والنسل.

وهذا هو طريق الفوضى المدمرة الذي انحرفوا به عن منهج الغدير، فرسخوا أساليب اللصوصية والقتل العبثي والتدمير الشامل للإنسان.

فلو تم السير على منهج غدير الرسول الأعظم والإمام علي لكان العالم يرفل بالسعادة والازدهار، ولأثمرت الفضائل وساد السلام والأمن، فمنهج الإمام علي يقوم على إنصاف الآخر، وحماية حقوقه، واستشعار الرحمة في القلوب، واقتلاع القسوة في إطار شامل يحقق الفوائد للجميع.

وهذا المنهج هو الذكاء المطلق الذي يرسم منهج العدالة للجميع، ويضع البشرية في طريق صحيح نحو بناء الإنسان، وتقدمه المعنوي والعقلي.

لكنَّ هؤلاء المتلاعبين العدميين يسترزقون بالفوضى، ويعبثون بالتوازن الكوني الذي يؤدي إلى اختلال النظام، فيفتحون صندوق الشرور ليقفوا على جبال الأنقاض.

وما الكوارث التي نشاهدها اليوم في العراق إلا نتيجة للعبث السياسي الذي تمارسه جهات تدّعي أنها تسير على منهج الإمام (عليه السلام)، فهي تمارس العسكرة والعنف والقتل، لإشباع شهواتها وتعميق سلطتها، وممارسة الاحتكار والتهميش، دون أي تفكير بالعواقب، حيث تقف على حافة جهنم، غير مكترثة بالوعيد الإلهي، وسوف تسقط سريعا، كما سقط كل أولئك الذين انحرفوا عن منهج الغدير.

الغدير فرصة للاختيار الأنسب

من جهتها أجابت الكاتبة فهيمة رضا، بالقول: واقعة الغدير تعلمنا أن الاختيار يجب أن يكون للأنسب والأفضل، وان حدث عكس ذلك سوف تكثر المشاكل، كما حدث في زمن الخلافة الغاصبة، وسوف يتأذى الشعب وتتغير مفاهيم الحياة ويتأذى الدين أيضا.

يجب أنْ نعرف بأن السياسة لا تنفك عن الدين، بل هي ركن من أركانه، وهي عنوان للعيش بسلام، وواقعة الغدير فيها دروس كثيرة ومنهج أمير المؤمنين عليه السلام خير منهج، للقضاء على البطالة والفساد والخلاص من الفاسدين.

تعلّمنا واقعة الغدير أنّ الاختيار يجب أن يكون للأنسب، حتى وإن كان الأصغر، فهناك مجموعة من الكبار في السن، ولكن لم يصلحوا لتولي مهام معالجة المشاكل التي تعاني منها البلاد والمؤسسات بشكل عام، لذا فإن المسؤول الذي لا يكون مناسبا للمسؤولية، لا يستطيع أن يتولى مهامها، فتصدر فجوات وعقبات كبيرة بسبب عدم الفهم، وعدم القدرة على تولي المسؤولية.

إن منهج الإمام علي في السياسة كان راقياً جدا، لم يكن بطل الحروب فقط، بل كان يمتلك فن الكلام والبلاغة، وفن التأثير على الآخرين وفن التفاوض.

كذلك نلاحظ أهمية المساواة في منهج الإمام (ع)، ورفض التمايز بين المسلمين عند التعامل معهم، فيما تسبب المناهضون في هذا الأمر الذي رفضه أمير المؤمنين عليه السلام، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يساوي بين المسلمين، ويقول مخاطبا طلحة والزبير حينما عاتباه: (وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة، أي التسوية في العطاء، فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني بل وجدتُ أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله، قد فرغ منه فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه وأمضى فيه حكمه).

إن منهج الإمام (ع) في التعامل مع نفسه وعمله الدؤوب، لم يجعل لنفسه امتيازات، ولم يحسب نفسه متمايزاً عن الآخرين، بل كان يعيش وسط القوم ومعهم، يرى معاناتهم ويساعدهم ويعيش بأبسط صورة، ويقوم على الإصلاح الاجتماعي وعمارة البلدان، حيث كان يزرع النخيل بيديه الشريفتين، ويعمل على تنمية الاقتصاد والعمران.

كثيرا ما نرى الرؤساء يهتمون بتنمية جانب دون الآخر، مثلا تنمية الجانب العسكري والأمني، فيما يعاني البلد من مشاكل الفقر وكثرة الضرائب، أما في منهج الإمام عليه السلام، فكان الاهتمام ينصبّ على جميع الجوانب، وكان مصداقاً للعمل الدؤوب والفكر السليم، ولكل ما يحتاجه الشعب لأجل الترقية والتطور.

يقول الإمام (ع) في رسالته لمالك الأشتر: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبّة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ. فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه).

السياسة ليست مجرد تعامل مع فئة معينة، بل إنها معالجة الأمور ورعاية كافة الجوانب، مثلا طريقة التعامل مع العدو الخارجي، والتعامل مع العدو الداخلي، لكن الأهم في ذلك هو التعامل مع الشعب وإعطائه الحياة الكريمة في الدنيا قبل الآخرة، كي يكون الفرد مرتاحاً من جميع النواحي، المادية والنفسية والاجتماعية.

إدارة العالم عبر منهج الغدير

حيدر عاشور، صحفي وكاتب في مجلة الأحرار، يقول: الغدير فرصة إنسانية عالمية قد لا تتكرر، لأنها نقطة ضوء لعدالة السماء إلى الأرض ومحاربتها بدأت من يوم تنصيب الإمام علي عليه السلام للولاية. فعلى مثقفي الولاية العلوية الحسينية المهدوية أن يخططوا سياسيا، لمنهجية إدارة العالم بأسره، وليس إدارة مناطقية محددة، وأن يبتعدوا عن العاطفة والمحاباة على حساب العهد لولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

فبدلا من أن تكون الاحتفالات (ولائمية) لملء البطون، الأجدر العمل بمبدأ الإمام في رعاية الأيتام، واستثمار السلطة ضمن مبدأ عدالة الإمام، وتوظيف من هم قدوة في إفهام العالم من هو صاحب نهج البلاغة في أصعب المراحل التي مر بها الإسلام، والتركيز على شريحة الأطفال والمدارس والكليات والمعاهد العليا، بأن علياً ولي الله وقائد الغر المحجلين الذي ارتفع اسمه إلى السماء، فتعجبت الملائكة به.

علينا أن نثبت بأن صلاتنا لا تكتمل إلا بذكر علي بن أبي طالب عليه السلام... لأنه الوحيد بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم، نادى حي على خير العمل، وهذا الخير هو الإنسان الذي يحب أخيه الإنسان في الظروف الصعبة.

ونحن الآن في الاحتكاك العملي والمعرفي الكبير بخير، فالقادة كلهم من ولاية أسد الله الغالب، عليهم أن يكونوا جديرين بعليّ ومنهجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأخلاقي الذي ما زال قائما، تعمل به الأضداد (عالمية التحرر)، ونحن نضع العصا في دواليب نهج الإمام علي عليه السلام.

البعد السياسي لحكم الإمام علي (ع)

الكاتب رئيس تحرير مجلة الهدى محمد علي جواد تقي قال: أولاً: باعتقادي ثمة خطوتين نشترك فيها كمواطنين مع النخبة السياسية، لاستثمار منهج الغدير لتحسين الواقع السياسي في العراق:

الخطوة الأولى: المطالعة المعمقة والمتأملة لشخصية الإمام وصفاته وسيرته، فإذا عرفناه بشكل دقيق يسهل علينا إتباع منهجه وطريقته، والمعرفة هنا تكون في جانب العقل أكثر من العاطفة، ومشاعر الحب والحزن والانفعال.

الخطوة الثانية: أن نفرد لأمير المؤمنين مساحة لا بأس بها في منظومتنا الفكرية والسلوكية، وأن يكون الإمام حيّاً في النفوس، لا مجرد اسم كبير نعتد ونفخر به أمام العالم بأننا ننتمي إليه. وهذا يساعدنا على تغيير بعض المعايير المتبعة لدينا فيما يتعلق بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، لاسيما في ملفات مثل؛ العنف السياسي، والوعي، والحرية، والعدالة، وكيف كان الإمام يتعامل مع هذه المفردات؟

الأمر الآخر الموجه الى المواطنين الكرام، أننا إذا أردنا -حقاً- الاستفادة من منبع الغدير الزلال، علينا غض النظر عن كثير من المتبنيات الفكرية والتقاليد والقناعات الذاتية التي نصنع منها أحكام ونظاما لحياتنا، والتي تتعارض مع منهج الغدير. فالماء الزلال العذب لن يكون إلا في إناء نظيف وشفاف مثله.

ومن أهم المسائل في هذا الإطار؛ طريقة اختيار الحاكم وعلى أية أسس وقواعد.. هل على أساس المنفعة؟ أم المصلحة العامة؟ وهل لتوفير بعض الطلبات الوقتية المحددة، أم وفقاً لرؤية بعيدة المدى وإستراتيجية؟

المسألة الأخرى: ضرورة تربية الكفاءات في مجال الحكم، ضمن تخصصات: الإدارة والاقتصاد والسياسية والقانون، وحتى علم النفس، وكل ما له شأن في صناعة القرار الصائب، والمطابق لمصالح الأمة ويلبي طموحات واحتياجات الناس.

وهو ما فعله أمير المؤمنين، عليه السلام، في تربية شريحة متألقة، كانوا له مثل الدرع الواقي والحجج البالغة، والنموذج العملي لكل ما يحمله من قيم ومبادئ سامية، ومن أولئك الصفوة؛ مالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، وميثم التمار، وسلمان، وعثمان بن حنيف ومسلم بن عقيل وآخرين.

اضف تعليق


التعليقات

حيدر عاشور
العراق
جهود كبيرة ومثابرة لموقع النبأ. ما تم قرأته في سؤال( كيف نستثمر منهج الإمام علي (ع) في تحسين المنظومة السياسية بالعراق؟) كان انموذجيا في تناول هذا النهج العلوي كمنظومة سياسية تعاصر كل العصور في عدالتها ولم تشبهها منظومة في عصرنا الحالي سوى بالاسم فقط... تحية حب واحترام للكاتب حسين ابو نادر لهذا الجهد البناء الذي يريد ان يقول فيه ذكر ان نفعت الذكرى.2021-07-31