ولد الامام الحسن المجتبى في السنة الثالثة للهجرة بالمدينة المنورة في النصف من شهر رمضان بعد واقعة أحد بسنتين.
وذكر الشيخ المفيد والشيخ الطوسي بأن ولادته (عليه السلام) في 15 شهر رمضان السنة الثالثة للهجرة..
ويقول ابن الاثير بعد ان ولد الامام المجتبى بالتاريخ المذكور وضع رسول الله (ص) لسانه في فمه، وسماه الحسن، وهو أكبر اولاد علي وفاطمة (عليهما السلام).
وبعد أن ولدت السيدة الزهراء بالحسن، كان النبي (ص) قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، وقالت السيدة فاطمة(ع): يا عليّ سمّه،
فقال علي (ع): ما كنت لأسبق بإسمه رسول الله (ص)، فجاء النبيّ (ص) فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسن (ع) يمصّه، ثم قال لهم رسول الله(ص): ألم أتقدّم اليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء؟! فدعا (ص) بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى الصفراء، وأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعلىّ (عليه السلام): ما سمّيته؟
قال علي (ع): ما كنت لأسبقك بإسمه،
فقال رسول الله (ص): ما كنت لأسبق ربّي بإسمه، قال: فأوحى الله عزّ ذكره الى جبرئيل(ع) أنّه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط اليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل على النبي وهنّأه من الله عزّوجلّ ومنه، ثم قال له: إنّ الله عزّوجل يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون،
قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر،
قال: لساني عربي،
قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن.
وعن جابر عن النبي (ص): أنّه سمّى الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون.
فإمامنا الحسن أول من سمي بهذا الاسم. والحسين اشتق من هذا الاسم أيضا والمروي أن رسول الله (ص) سمى حسناً وحسينا (عليهما السلام) واشتق اسم حسين من اسم حسن. واسم الامام الحسن (ع) لم يكن يعرف بالجاهلية.
وكنيته ابو محمد، كناه به رسول الله (ص)، ويذكر ابن شهر أشوب بان كنيته ابو محمد وابو القاسم..
فالامام الحسن بن الامام علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن ابو محمد الهاشمي سبط رسول الله (ص) وريحانته واحد سيدي شباب اهل الجنة.
واما النسب، فان قيل هناك اشرف الانساب وحسب الفضيلة، فعراقة اصل الامام الحسن (ع) تفوق شرف الانساب، وحسب الفضيلة.
فالحسن أفضل الناس جدا وجده.
وافضل الناس خالا وعمة،
وافضل البشر بأجمعهم ابا واما.
ومن ذكرنا كلهم في الجنة، والحسن واخيه الحسين في الجنة، ومن يحبهم في الجنة.
فانه (ع) دوحة الفضل والنبوة، التي طابت فرعا واصلا، وشعبة الرسالة التي سمت رفعة ونبلا.
وهذا النسب تتضاءل عنده الانساب، فلاحاجة لذكر النسب، والامام الحسن يعرفنا نفسه اذ قال: ((يا ايها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فانا الحسن ابن علي، وانا ابن النبي، وانا ابن الوصي، وانا ابن البشير، وانا ابن النذير، وانا ابن الداعي الى الله باذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل الينا، ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)).
لقد عمل الرسول الأعظم (ص)، مضافا إلى توصية أتباعه الاهتمام بتربية الأطفال وبذل العناية البالغة بإحياء الشخصية فيهم، على تطبيق جميع النكات والدقائق اللازمة بالنسبة إلى أولاده، فقد بعث فيهم الشخصية الكاملة منذ الصغر. لقد كان (ص) يراقب أطفاله منذ الأيام الأولى للولادة، فالرضاع، فالأدوار الأخرى خطوة خطوة، ويرشدهم إلى الفضائل العليا والقيم المثلى، يحترمهم ويكرمهم حسب ما يليق بهم من درجة تكاملهم الروحي.
والمجتبى فتح عينيه في أحضان رسول الله (ص)، وقد مر علينا أعلاه بأن النبي (ص) تدخل حتى في تسميته (ع)، بل وحتى كنيته، وكل صغيرة وكبيرة منذ ولادة السيد التقي، الى يوم وفاته (ص)، وهذا ماذكرته كتب السير والتراجم.
وكل ذلك أشارت الى مكانة الامام الحسن (ع) لدى الرسول (ص)، لاسيما وأن نبي الله (ص) كان لديه من الاهميات الكبرى فيما يتعلق بتطبيق أحكام الرسالة السماوية.
وقد كان المسلمون حديثي العهد بالاسلام، ومن أجل ذلك لايمكن أن يكون لدى النبي (ص) أوقات فراغ.
ومع هذا الانشغال القيادي نرى منفذ الأطروحة السماوية قد وضع وقت لحدث ولادة الامام الزكي.
وجعل هذا المولود جزء لايتجزأ من رسالة الاسلام، وقد ذكرنا مسبقا بان اسم الامام الحسن لم يكن معروفا بالجاهلية او بعد الاسلام.
ومن هذه المسالة ايضاح وافي وكافي لهذه المكانة الكبيرة التي يحظى بها الامام المجتبى، والتي تشير منذ الوهلة الاولى بأن فعل النبي (ص) لم يأتي اعتباطا، بل لله سبحانه أمر في ذلك.
لقد خرج النور الطاهر من بطن البتول الطاهرة الى بيوت ورد ذكرها في آيات من القران الكريم، فقد قال جل وعلا: {بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} سورة النور، أية 36.
وترعرع ونمى في أجواء الدين وعبق الرسالة، فقد عاش الامام طفولته في ظلال النبوة.
وعلاقة رسول الله (ص) بأبنه الحسن (ع) فاقت حدود العلاقة العائلية الموروثة كعلاقة الأب بأبنه وما يصحب هذه العلاقة من انشدادات عاطفية وانجذاب مشترك بين الطرفين، بل كانت علاقة تتجاوز هذا الحد.
فالرسول المصطفى (ص) يرعى تربية الحسن (ع) رعاية مميزة وخاصة، فكان يغذيه بآدابه ومعارفه، فقد كان يخشى عليه من كل مكروه لحبه له وخوفه عليه لأنه أمانة الله عنده ووصي من بعد أبيه (ع). والامتداد الطبيعي للرسالة الإسلامية.
فكانت طفولة الامام المجتبى في عهد النبي الاعظم (ص) قد التقت بها جميع العناصر الحية، فالرسول (ص) تولى تربيته، وأفاض عليه بمكرمات نفسه. وبذلك سمت فترة طفولته لتكون مثلا للتكامل الانساني. وأما المدة التي عاشها الامام في كنف النبي (ص)، كانت سبع سنوات وستّة أشهر من عمره الشريف.
وهذا الفترة من العمر كافية للتربية لاسيما وأن المربي رسول ونبي، وهنا حتما ستكون تلك التربية مختلفة، حيث غرس الايمان في نفس المتربي. وهكذا حياة الانبياء مع أوصياءهم، فنرى في قصة يوسف عبرة في هذه المسألة، فقد كان ابن النبي يعقوب. هذا الطفل المحبوب تلقى درس الإيمان بالله من أبيه العظيم، ونشأ طفلا مؤمنا في حجر يعقوب... لقد نقم إخوته الكبار منه وصمموا على إيذائه، فأخذوا الطفل معهم إلى الصحراء وبعد أساليب مؤلمة ووحشية فكروا في قتله، ثم انصرفوا عن هذه الفكرة إلى القائه في البئر...
وكانت النتيجة أن بيع الطفل إلى قافلة مصرية، وبصدد معرفة عمره عندما ألقي في البئر يقول أبو حمزة: «قلت لعلي بن الحسين عليهما السلام: ابن كم كان يوسف يوم ألقوه في الجب فقال: ابن تسع سنين».
وتجاه الوضع الحرج والمؤلم ليوسف (ع)، نرى في موقفه قوة الإيمان.
وقد ورد في الحديث: «لما أخرج يوسف من الجب واشتري قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيرا. فقال لهم يوسف: من كان مع الله فليس في غربة».
والموقف الاخر في طفولة النبي محمد (ص) مع العلم أنه (ص) قد تربى على يد الخالق، فاحد الصور التي تبرهن اسمى المعاني للتربية ماحصل له (ص) مع مرضعته حليمة السعدية. تقول حليمة: لما بلغ محمد (ص) الثالثة من عمره قال لي:
- أماه، أين يذهب إخوتي نهار كل يوم؟
- فأجبته: يخرجون إلى الصحراء لرعي الأغنام.
- قال: لماذا لا يصحبوني معهم؟
- فقلت له: هل ترغب في الذهاب معهم؟
- قال: نعم.
فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت في عنقه خيطا فيه جزع يمانية، فنزعها ثم قال لي: «مهلا يا أماه، فإن معي من يحفظني».
وهكذا نرى المربي في سنته الثالثة من الطفولة يؤمن بالحافظ، فياترى بعد نزول الوحي كيف سيربى ابنه الحسن (ع)؟
وبصورة أساسية فإن الرسول الأعظم (ص) كان يعامل جميع الأطفال سواء كانوا أبناءه أو أبناء غيره بالشفقة والعطف والحنان. وقد جاء في الحديث: «والتلطف بالصبيان من عادة الرسول».
وعلى سبيل الشاهد نذكر نماذج من سلوكه (ص) في تربية أولاده وأولاد المسلمين أيضا.
روي عن أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب - مرضعة الحسين (ع) - قالت: « أخذ مني رسول الله (ص) حسينا أيام رضاعه فحمله، فأراق ماء على ثوبه، فأخذته بعنف حتى بكى. فقال (ص): مهلا يا أم الفضل، إن هذه الإراقة الماء يطهرها، فأي شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟»
إن مرضعة الحسين (ع) ترى في البلل الذي أحدثه على ثوب جده - شأنه في ذلك شأن سائر الأطفال - عملا منافيا، ولذلك فهي تأخذه من يد رسول الله (ص) بعنف في حين أن ذلك يخالف سلوك النبي (ص) مع الأطفال، ومع فلذة كبده الحسين بصورة خاصة.
وأحد جوانب اهتمام النبي (ص) بتربية الامام المجتبى (ع)، في هذه الرواية، فيروى: «دعي النبي (ص) إلى صلاة والحسن متعلق به، فوضعه النبي (ص) مقابل جنبه وصلى. فلما سجد أطال السجود، فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف رسول الله (ص)، فلما سلم قال له القوم: يا رسول، لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها، كأنما يوحى إليك. فقال: لم يوح إلي، ولكن ابني كان على كتفي، فكرهت أن أعجله حتى نزل».
ذات يوم وبينما الإمام الحسن (ع) كان مع رسول الله (ص) إذ عطش الحسن (ع) واشتد ظمأه فطلب له النبي (ص) ماءً فلم يجد فأعطاه لسانه فمصه حتى روي.
وعن أنس بن مالك قال: دخل الحسن على النبي (ص)، فأردت أن أمطيه عنه، فقال (صلى الله عليه وآله): «ويحك يا أنس، دع ابني، وثمرة فؤادي، فإن من آذى هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».
وعن عمران بن الحصين قال: قال النبي (ص): يا عمران بن الحصين، إن لكل شيء موقعاً في القلب وما وقع موقع هذين الغلامين (أي الحسن والحسين) من قلبي شيء قط، فقلت: كل هذا يا رسول الله. قال: يا عمران وما خفي عليك اكثر أن الله أمرني بحبهما).
وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله (ص) للحسن بن عليّ: (اللّهم إني أحبه وأحب من يحبه).
وفي رواية أخرى عن عائشة: أن النبي (ص) كان يأخذ حسناً، فيضمه إليه، ثم يقول: اللهم إن هذا ابني، وأنا أحبه، فأحببه، وأحب من يحبه.
كما أنه (ص) يجلس في المسجد، ويقول: أدعوا لي ابني، قال: فأتى الحسن يشتد.. إلى أن قال: وجعل رسول الله (ص) يفتح فمه في فمه، ويقول: اللهم إني أحبه، فأحبَّه، وأحبَّ من يحبه، ثلاث مرات..
لقد كان الإمام الحسن (ع) أحب الناس إلى النبي (ص).
أن رسول الله (ص) وعلى مرأى ومسمع من الناس في المسجد، وهو يخطب والى جانبه ابنه الحسن (ع) فكان (ص) ينظر إلى الناس مرة والى الحسن (ع) مرة، ثم يوجه أنظار الناس إلى الحسن (ع) ويقول: ابني هذا سيد شباب أهل الجنة.
وخرج رسول الله (ص) على الناس ذات يوم فأعلن قائلاً: (من سرّه أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي)..
ووضع رسول الله (ص) ابنه الحسن (ع) على عاتقه فقام بتعريفه لعامة المسلمين وكان يقول (ص): (من حبني فليحبه) ولمّا لقيه رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام (وكان يوجه الكلام للحسن) كان رسول الله (ص) يقول له: (ونعم الراكب هو)..
وفي حديث ابي بكره عن رسول الله (ص) قال الحسن ريحانتي من الدنيا.
وأن النبي (ص)، قال في حديث له: «لو كان العقل رجلاً لكان الحسن».
وقد زق الامام المجتبى العلم زقا، فلقد كان (ع) وعلى صغر سنه، يأتي إلى مجلسه (ص) فيصغي بسمعه إلى حديث جده (ص) وهو يبث رسالة الله في الناس، وبعد أن يستمع الحسن (ع) إلى ما قاله رسول الله (ص) ينطلق مسرعاً إلى أمه فاطمة (ع) فيخبرها بلسان فصيح صادق كلّ ما دار في حديث الرسول (ص) مع الناس، فيأتي الإمام علي (ع) فتخبره فاطمة (ع) بحديث رسول الله (ص) في المجلس فيسأل الإمام علي (ع) عن الذي أخبرها بذلك، فتقول: ابنك الحسن (ع).
فتخفّى عليّ (ع) يوماً في الدار ليستمع إلى ما يقوله الحسن (ع) من كلام رسول الله (ص) فدخل الحسن (ع) وقد جاء من مجلس الرسول (ص) فأراد أن يلقي لوالدته الزهراء (ع) فارتج عليه الأمر، فعجبت أمه من ذلك فقال الحسن (ع): لا تعجبي يا أماه فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني فخرج علي (عليه السلام) إليه فضمه وقبّله.
ونرى أن الإمام الحسن (ع) كان منذ صغره يتلقى علوم الوحي من رسول الله (ص) وذلك من خلال الأسئلة عن أمور عديدة، منها ما ذكره الإمام الصادق (ع) انه: (بينما الحسن (ع) يوماً في حجر رسول الله (ص) إذ رفع رأسه فقال: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنة ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنة).
وهناك قصة ثانية توضح الأثر العلمي لرسول الله (ص) في شخصية ابنه الحسن (ع) يروي هذه القصة أحد حواريي رسول الله (ص) الذي هو حذيفة بن اليمان يقول:
(بينما كان رسول الله (ص) وجماعة من أصحابه، إذ أقبل إليه الحسن فأخذ النبي (ص) في مدحه، فما قطع رسول الله (ص) كلامه حتى أقبل إلينا أعرابي يجر هراوة له، فلما نظر رسول الله (ص) قال: قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم، وإنه يسألكم عن أمور، وإن لكلامه جفوة.
فجاء الأعرابي فلم يسلّم وقال: أيكم محمد؟
قلنا: ما تريد؟ قال رسول الله (ص): مهلاً.
فقال: يا محمد لقد كنت أبغضك ولم أرك والآن فقد ازددت لك بغضاً.
فتبسم رسول الله (ص) وغضبنا لذلك، وأردنا بالأعرابي إرادة، فأومى إلينا رسول الله أن اسكتوا.
فقال الأعرابي: يا محمد إنك تزعم أنك نبي، وأنك قد كذبت على الأنبياء، وما معك من برهانك شيء.
فقال له (ص): وما يدريك؟ قال: فخبّرني ببرهانك.
قال (ص): إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد برهاني. قال: أو يتكلم العضو؟ قال (ص): نعم يا حسن قم. فازدرى الأعرابي نفسه، وقال: ما يأتي، ويقيم صبيّا ليكلّمني.
قال (ص): إنك ستجده عالماً بما تريد.
فابتدره الحسن (ع): مهلاً يا أعرابي:
ما غبـــــياً ســــألت وابن غبي.......بل فقـــــيهاً إذن وأنت الجهول
فإنّ تك قد جهــــلت فإنّ عندي.......شفاء الجــهل ما سأل السؤول
ونجراً لا تقسّــــــمه الــــدّوالي.......تراثاً كـــــان أورثـــــه الرسول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن أن شاء الله.
فتبسم الأعرابي وقال له هيه:
فقال له الحسن (ع): نعم، اجتمعتم في نادي قومك وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل، وخرق منكم فزعمتم أن محمداً صنبور ـ أي لا خلف له ـ والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت أنك قاتله، وكان في قومك مؤنته، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك وعمي عليك بصرك، وأبيت إلا ذلك، فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر وإنك إنما جئت بخير يراد بك. أنبئك عن سفرك، خرجت في ليلة ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة، اشتد منها ظلماؤها وأظلت سماؤها، أعصر سحابها، فبقيت محر غماً كالأشقر، إن تقدم نُحِر، وإن تأخر عُقر، لا تسمع لواطئ حسّاً، ولا لنافع نارٍ جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجّةٍ وتهبط لجّة، في ديمومة قفر، بعيدة القعر، مجحفة بالسّفر، إذا علوت مصعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينك، وظهر دينك وذهب أنينك.
قال الأعرابي متعجباً: من أين قلت يا غلام هذا؟ كأنك كشفت عن سويداء قلبي، ولقد كنت كأنك شاهدتني وما خفي عليك شيء من أمري وكأنه علم الغيب.
ثم قال الأعرابي للحسن (ع): الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. فأسلم الأعرابي وحسن إسلامه، وعلّمه رسول الله (ص) شيئاً من القرآن فقال: يا رسول الله ارجع إلى قومي فأعرّفهم ذلك؟ فأذن له (ص) فانصرف إلى قومه ثم رجع ومع جماعة من قومه فدخلوا الإسلام، وكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (ع) قالوا لقد أعطي ما لم يعط أحدٌ من الناس.
هذا هو الحسن بن علي (عليهما السلام) يتحدث عن لسان رسول الله (ص)، وكيف به وقد نهل من معارف النبوة وتغذى من آداب الرسالة، فصار يقارع بذلك عقول الرجال على صغر سنه، بعد أن يفصح بأبلغ بيان دلائله ويكشف بأوضح بصائر صحيحه، لا سيما وأنه عاش في ظل الوحي ومعدن التنزيل، فلا شك في كونه يسير على خطى السلوك المحمدي ولقد قال جده المصطفى (ص) فيه: (حسن مني وأنا منه).
وأن النبي (ص)، قال في حديث له:
«لو كان العقل رجلاً لكان الحسن».
وفي حديث عنه (ص) يقول فيه عن الإمام الحسن (ع): «وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فإنه ليس مني الخ».
وفي أخر لحظات من حياة الرسول (ص) عندما قرب اجل النبي (ص) أتت فاطمة (ع) بابنيها إلى رسول الله (ص)، فقالت يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئاً، فقال(ص): أما حسن فله هيبتي وسؤددي وأما حسين فله جرأتي وجودي.
ولم يقتصر أرث الحسن من رسول الله (ص) على التربية والعلم والهيبة والسؤدد، بل كان شبيه النبي (ص) في الخلق والاخلاق.
وهذه الحقيقة التي تناقلها المسلمون يؤيدها ويقرها العلم الحديث من خلال القانون الوراثي، فالموجود الحي ينقل كثيراً من الصفات والخصائص إلى الأجيال التي تليه، فالجيل اللاحق يكتسب صفات الجيل السابق. وفي هذا المضمار تثبت التحقيقات العلمية إلى أن في (الكروموسومات) أجساماً صغيرة جداً أطلق عليها إسم (الجينات)، وأثبت أن هذه الأجسام هي الناقلة للصفات الوراثية في الحقيقة.
وإن الصفات الوراثية ترتبط بعوامل معينة تسمى بـ (الجينات) وإن عددها كثير جداً. هذا ولا تخلو الجينات من تأثير على بعضها البعض. فقد يرتبط تأثير واحد بعدة جينات بمعنى أن كلاً منها ينقل جزء معيناً من تلك الخواص والصفات.
وهذا بشكل عام في النبات والحيوان والانسان.
فالنبات كبذرة الزهرة تحفظ في نفسها خصائص الساق والورقة والزهرة والألوان الطبيعية لها، وبعد الانبات تأخذ بإظهار تلك الخصائص واحدة تلو الأخرى.
وبذرة المشمش تشتمل على جميع الصفات الحائزة للشجرة التي وجدت منها، فعندما تزرع هذه البذرة، وتنبت، وتأخذ بالنمو تظهر تلك الصفات تدريجياً.
والحيوان كالقطة الصغيرة، فانها تشبه أبويها في هيكلها وشعرها ومخالبها، وترث صفات أسلافها.
أما الانسان، فعلى سبيل المثال الطفل الافريقي، فهو يشبه أبوبه في سواد البشرة وتجعد الشعر، ووضع الأنف ولون العيون في حين أن الطفل الأوروبي يرث المميزات التي يختص بها العنصر الذي ينتمي إليه أبواه في لون البشرة والعيون والشعر ووضع الأنف وما شاكل ذلك.
وهذا القانون هو الذي يكفل للنبات والحيوان والانسان بقاء صورها النوعية الخاصة بها... وعلى هذا الأساس يكتسب الأبناء صفات الآباء من دون حاجة إلى أي نشاط إرادي منهم.
وكما ذكرنا هذا قانون عام يدركه كل انسان عادي، وربما معرفته بهذا القانون بشكل فطري.
ومن هذا التوضيح المختصر نجد بأن صحة الروايات والاخبار التي ذكرت في الكتب بصدد تشابه الامام الزكي بالنبي (ص) متطابقة علميا ومنطقيا.
ولنقرأ ماورد بهذا الشأن:
قال أمير المؤمنين (ع): «إنّ الحسن ابني أشبه برسول الله (ص) وسلّم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين (ع) أسفل من ذلك».
وأخرج البخاري في صحيحه قولا لابي بكر قال فيه عن الامام الحسن (ع): بابي شبيه بالنبي... ليس شبيها بعلي.
وعن البهي قال: تذاكرنا من أشبه الناس بالنبي (ص) من أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه الحسن بن علي (عليهما السلام) رأيته وهو ساجد فيركب رقبته (أو قال ظهره) فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.
ويقول أنس بن مالك: لم يكن أحد أشبه برسول الله (ص) من الحسن بن عليّ (عليهما السلام).
وعن عبد الله الباهلي مولى الزبير في حدي مع عبد الله بن الزبير بأن الامام الحسن اشبه الناس بالنبي (ص).
وعن عبدالله بن نمير، ويزيد بن هارون، ومحمد بن كناسة الاسدي، قالوا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: قلت لابي جحيفة: رأيت النبي (ص)؟
قال: نعم، كان أشبه الناس به الحسن بن علي.
فشِبهه (ع) لجدّه في الخَلق، هو أمر واضح، من ناحية التشابه بالملامح والمنطق... أمّا شِبهه في الخُلُق يُعدّ الدليل الاكبر لذلك المنصب الإلهي، الذي هو وراثة وخلافة النبي الأعظم (ص)، ثمّ وصيّه علي بن أبي طالب (ع)، نعم من هنا نعرف السرّ والهدف الذي يرمي إليه النبي الأعظم (ص) في تأكيداته المتكررة، تصريحاً، وتلويحاً على ذلك الدَور الذي ينتظر الإمام الحسن وأخاه (عليهما السلام)، فقد قال واصل بن عطاء: كان الحسن بن علي (ع) عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك.
وهناك رواية خبرية تؤكد على أن المجتبى (ع) كان شبيها للنبي (ص)، فلقد قال (ص) له ـ: «أشبهت خلْقي وَخُلُقي».
وقد وصف الامام المجتبى النبي (ص)، وهذا دليل على نباهة السيد الزكي وفطنته على ملامح الرسول الاعظم (ص)، إذ كان دقيقاً في وصفه لحلية النبيّ (ص) ومكارم أخلاقه، وممّا جاء في وصفه لمنطق الرسول (ص) قوله:
«كان رسول الله (ص) متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختمه بأشداق.
ويتكلّم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا المهين، يعظم المنّة وإن دقّت، لا يذمّ منها شيئاً، ولا يذّم ذوّاقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يستقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، إذا أشار بكفّه أشار بكفه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها فضرب براحته اليمنى باطن ابهامه اليُسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حبّ الغمام...».
وقد لقد اهتمّ الإمام الحسن المجتبى بنشر حديث النبيّ (ص) وسيرته ومكارم أخلاقه، فنذكر بعض الأحاديث التي رواها عن جدّه (ص)، التي منها:
1 ـ «إنّ من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم.. ».
2 ـ «يا مسلم! اضمن لي ثلاثاً أضمن لك الجنّة: إن أنت عملت بما افترض عليك في القرآن فأنت أعبد الناس، وإن قنعت بما رُزِقت فأنت أغنى الناس، وإن اجتنبت ما حرّم الله فأنت أورع الناس... ».
3 ـ «من صلّى الفجر فجلس في مصلاّه إلى طلوع الشمس ستره الله من النار ».
4 ـ « حيثما كنتم فصلّوا عليَّ، فإنّ صلاتكم تبلغني ».
5 ـ «جاءت امرأة إلى النبي (ص) ومعها ابناها فسألته فأعطاها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحد منهما تمرةً فأكلاها، ثم نظرا إلى اُمّهما فشقّت التمرة اثنتين فأعطت كلّ واحدة منهما شقّ تمرة، فقال رسول الله (ص): رحمها الله برحمتها ابنيها ».
6 ـ «ودعا (ص) بهذا الدعاء: اللهم أقلني عثرتي، وآمن روعتي، واكفني من بغى عليّ، وانصرني على من ظلمني، وأرني ثأري منه... »
ومن روايات الامام الحسن عن رسول الله (ص): عن أبي ليلى عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (ص): يا أنس، أنطلق فادع لي سيد العرب (يعني عليا)، فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟
قال (ص): أنا سيد ولد ادم، وعلي سيد العرب.
فلما جاء علي (ع) أرسل رسول الله (ص) الى الانصار فأتوه، فقال لهم: يامعاشر الانصار، ألا ادلكم على ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعده.
قالوا: بلى يارسول الله.
قال (ص): هذا علي فأحبوه بحبي وكرموه لكرامتي، فان جبرائيل (ع) أمرني بالذي قلت لكم عن الله عزوجل.
اضف تعليق