الحديث عن شخصية وشاخص هذا المخلوق المكرَّم على خالقه سبحانه وتعالى بشكل لا يوصف ولا يُعرف، ولا يمكن لنا كبشر أن نعرف كنه تلك الكرامة، ولا حتى تلك الشخصية المباركة، بحيث جعله الله تعالى علَّة الخلق والإيجاد لهذا الوجود المحدود، فهو مخلوق لأجل الله، والخلق...
مقدمة عن عالم النور
الحديث عن شخصية وشاخص هذا المخلوق المكرَّم على خالقه سبحانه وتعالى بشكل لا يوصف ولا يُعرف، ولا يمكن لنا كبشر أن نعرف كنه تلك الكرامة، ولا حتى تلك الشخصية المباركة، بحيث جعله الله تعالى علَّة الخلق والإيجاد لهذا الوجود المحدود، فهو مخلوق لأجل الله، والخلق خُلقوا لأجله وكرامة له روحي له الفداء، هذه الحقيقة التي يجهلها أهل ملَّته الذين جُلَّ معرفتهم وحبهم وتقديرهم للصحابة، والحكام من قريش، ثم السلاطين حتى الشياطين منهم.
فلم يستطيعوا الارتفاع والسمو بمحبتهم، ثم بمعرفتهم لتلك الحقيقة النورانية لرسول الله (ص) ولذا جاء أهل الجاهلية الحديثة يتحدثون عنه وكأنه ساعي بريد، أو مراسل، أو طارش، أو غير ذلك من تلك الأوصاف التي لا تليق إلا بأصحابها، ومطلقيها، وهي ليست جديدة بل هي قديمة أطلقها صبيان النار الأموية، وولاتهم الذين كانوا على أشكالهم كخالد القسري والي العراق فكان يقول: "إن خليفة الرجل في أهله أفضل من رسوله في حاجته"، يعني أن الخليفة هشاماً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نبرأ إلى الله من هذه المقالة". (الكامل في التاريخ: ج2 ص442)
وهذا الخبيث خطب في مكة المكرمة، فقال: "أيها الناس أيهما أعظم، خليفة الرجل على أهله أو رسوله إليهم؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة إلا أن إبراهيم خليل الرحمن استسقاه فسقاه ملحاً أجاجاً، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً، يعني بالملح زمزم، وبالماء الفرات بئراً حفرها الوليد بثينة طوىً في ثنية الحجون وكان ماؤها عذباً وكان ينقل ماءها ويضعه في حوض إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم، فغارت البئر وذهب ماؤها فلا يُدرى أين هو اليوم". (الكامل في التاريخ: ج2 ص333، البداية والنهاية: ج9 ص76)
والحجاج بن يوسف الثقفي؛ فقد روى السيد ابن عقيل في كتاب النصائح الكافية لمَنْ يتولَّى معاوية: "أن الحجاج خطب بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة قال: تباً لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله". (النصائح الكافية؛ ص ٨١)
فهذا منطق الأعراب قديماً، وأحفادهم من نجد الشيطان حديثاً، فهم يعبدون السلطان والشيطان، ولا يعرفون معنى ولا مبنى للرسالة لأن دينهم الملك والسلطان، كما قال سيدهم أبو سفيان في مجلس أول حكام بني أمية: "والذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار إنما هو الملك، تلاقفوها يا بني أمية تلاقف الصبيان للكرة"، ثم تبعه حفيده يزيد الشر فقال:
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
فعدم الإيمان بالله تعالى وتوحيده هو أصل كل كفر وشرك وإلحاد في هذه الحياة، فالقوم تعشَّقوا حب الأصنام، والأوثان، فكان رسول الله (ص) يقول لهم: قولوا أحد، أحد، فيأتي الجواب من أبي سفيان: هُبلٌ، هُبل، فما كُسروا حتى كُسر هُبل وألقي من أعلى الكعبة المشرَّفة، وتطهَّرت من الأصنام والأوثان كلها، فحملتها قريش في قلوبها حقداً على الله ورسوله وانتظرت الوثبة على أهل بيته الأطهار (ع) الذين هم أساس الدَّعوة وأمناء الرسالة في هذه الدنيا.
شخصية رسول الله (ص)
فعندما نقول: أنهم ما عرفوا رسول الله (ص) فنحن نستند إلى الدليل القاطع في ذلك، ولا نلقي الكلام جُزافاً كغيرنا من دعاة ومتأسلمين للسلطان لا للرحمن، وللحاكم والخليفة، لا للنبي والرسول الأعظم (ص)، فتراهم يُقدسون الخليفة والصحابي، والقرشي، لأنهم اتصلوا برسول الله ورافقوه، ولكنهم يزحفون بالجيوش ليحرقوا بيته على ابنته، ويقتلوا أبناءه، ولحمه ودمه ويُطاردوهم تحت كل حجر ومدر لا لذنب لهم بل حقداً على جدِّهم رسول الله (ص) ولكن جبناء لا يجرؤون بالتصريح برسول الله فيقولوا: حقداً وبغضاً لعلي بن أبي طالب (ع) وهو منه نوراً وروحاً وجسداً ورسالةً.
وقبل أيام اتصل علينا معترضاً أحد هؤلاء فقال: "ما بلكم حصرتم الدِّين كله بالحسين وما هو إلا شخص من بني هاشم"، فقلتُ متعجباً: نعم هذا منطقكم، لأنكم تنظرون لرسول الله نفس النظرة القاصرة هذه، فالله قصر دينه، ورسالته، وكتابه على رسول الله وأهل بيته الأطهار (ع) بعد أن اصطفاهم، واختارهم، وطهَّرهم من كل رجس ودنس، بقوله سبحانه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب: 33)
وجعل مودتهم أجراً للرسالة السماوية كلها بقوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى: 23)، فلولا رسول الله (ص) لما كانت الرسالة ولا نزل الكتاب الحكيم، لأنه ليس في هذا الكون شخصاً مؤهلاً لحمل هذه الرسالة، ويستطيع تلقي هذا الوحي المقدس.
هذا وقد جاء في الحديث الشريف في السلسلة الرضوية الذهبية، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي (عليه السلام): فقلتُ: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟
فقال: يا علي إن الله تبارك وتعالى فضَّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضَّلني على جميع النبيين والمرسلين والفضلُ بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.. يا علي الذين يحملون العرش ومَنْ حوله يُسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا.. يا علي لو لا نحن ما خلق الله آدم، ولا حواء، ولا الجنة، ولا النار، ولا السماء، ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه، وتهليله، وتقديسه؟ لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده..).
إلى أن يقول (ص): (وإنه لما عرج بي إلى السماء أذَّن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال لي: تقدم يا محمد، فقلتُ له: يا جبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم لأن الله تبارك وتعالى فضَّل أنبيائه على ملائكته أجمعين وفضَّلك خاصَّة، قال: فتقدمتُ فصليتُ بهم ولا فخر، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل: تقدم يا محمد وتخلَّف عنِّي فقلتُ: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني، فقال: يا محمد إن انتهاء حدِّي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدِّي حدود ربي جل جلاله فزخَّ بي في النور زخة حتى انتهيتُ إلى حيث ما شاء الله من علوِّ ملكه فنُوديتُ: يا محمد؛ فقلتُ: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت. فنُوديتُ: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد، وعليَّ فتوكل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على بريتي، لك ولمَنْ اتَّبعك خلقتُ جنَّتي ولمَنْ خالفك خلقتُ ناري ولأوصيائك أوجبتُ كرامتي، ولشيعتهم أوجبتُ ثوابي) (علل الشرائع: 1 - 5 وعيون أخبار الرضا (ع): 1 - 262)
هذا رسول الله (ص) أول الخلق في عالم النور، حيث قال له الباري عز وجل: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليٌّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما)، وفي حديث الكساء المشهور عن سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) قال: (وَعِزَّتِي وَجَلالِي إنِّي ما خَلَقتُ سَّماءً مَبنِيَّةً وَلا أرضاً مَدحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمساً مُضِيئَةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجرِي وَلا فُلكاً يَسرِي إلاّ لأجلِكُم وَمَحَبَّتِكُم).
فمَنْ ذا الذي يعرف قدر رسول الله (ص) دون أن يؤمن به، أو يعرفه بشخصه الأرضي دون شاخصه الملكوتي، فهذا غير معقول ولا منطقي أيضاً، لأن مَنْ يريد أن يعرف رسول الله (ص) يجب أن يتصل بشعاعه، ويتعرَّض لنوره كما الشمس في هذه الحياة؟
أول مخلوق نور النبي (ص)
وكيف لهذا المخلوق المادي الأرضي المحدود من كل النواحي أن يستوعب تلك النصوص والروايات التي تتحدث عن عالم الأرواح والأشباح، أو عن عالم النور وأول الخلق؟ كهذا النص الذي جاء عن جابر بن عبد الله، قال: قلتُ لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: (نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله ثم جعله أقساماً، فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاء الله، ثم جعله أقساماً فخلق القلم من قسم، واللوح من قسم، والجنة من قسم.
وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ثم جعله أجزاء فخلق الملائكة من جزء، والشمس من جزء، والقمر والكواكب من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله، ثم جعله أجزاء فخلق العقل من جزء، والعلم والحلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله، ثم نظر إليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور وقطرت منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين).
فمَنْ يستطيع أن يفهم تلك المقامات، أو يستوعب هذه الكلمات النورانية التي جاء بها صاحبها الذي يتحدث عن نفسه المقدسة وعن أول ما خلقه الله تعالى وكيف جرت مراحل التكوين إلى أن وصلت إلى هذه الدنيا التي هي آخر مرحلة من مراحل الإيجاد وهي أخس وأتفه مرحلة وأدنا منزلة ولذا سُميت (دنيا)، وذلك لتدنيها في مراتبها، ولكن جعلها الله مضماراً لخلقه ليتسابقوا فيها بالخيرات وعمل الصالحات، ولكنهم راحوا يتسابقون على الدنيا وزبرجها وزخرفها ناسين ربهم وعبادته وطاعته، فأنساهم الله أنفسهم فيها.
ويؤيد ذلك ما رواه جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته، فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل إلى جلال العظمة في ثمانين ألف سنة، ثم سجد لله تعظيماً ففتق منه نور علي (عليه السلام) فكان نوري محيطاً بالعظمة ونور عليٌّ محيطاً بالقدرة، ثم خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة وأبصار العباد وأسماعهم وقلوبهم من نوري ونوري مشتق من نوره.
فنحن الأولون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن المسبحون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله، ونحن خاصة الله، ونحن أحباء الله، ونحن وجه الله، ونحن جنب الله و نحن يمين الله ونحن أمناء الله، ونحن خزنة وحي الله وسدنة غيب الله ونحن معدن التنزيل، ومعنى التأويل، وفي أبياتنا هبط جبرئيل، ونحن محال قدس الله، ونحن مصابيح الحكمة ونحن مفاتيح الرحمة ونحن ينابيع النعمة ونحن شرف الأمة، ونحن سادة الأئمة ونحن نواميس العصر وأحبار الدهر ونحن سادة العباد ونحن ساسة البلاد ونحن الكُفاة والولاة والحماة والسقاة والرعاة وطريق النجاة، ونحن السبيل والسلسبيل، ونحن النهج القويم والطريق المستقيم.
مَنْ آمن بنا آمن بالله، ومَنْ ردَّ علينا ردَّ على الله، ومَنْ شك فينا شك في الله، ومَنْ عرفنا عرف الله، ومَنْ تولَّى عنَّا تولَّى عن الله، ومَنْ أطاعنا أطاع الله، ونحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله، ولنا العصمة والخلافة والهداية، وفينا النبوة والولاية والإمامة، ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة وشجرة العصمة، ونحن كلمة التقوى والمثل الأعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى التي من تمسك بها نجا). (بحار الأنوار المجلسي: ج ٢٥ص ٢٣)
فمَنْ يستطيع أن يفهم ذلك هم أهل المعرفة بالله الخالق، وتوحيده، والإيمان برسول الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار الأبرار (ع) الذين اختارهم الله على علم، وفضَّلهم على العالمين، وأما أهل الدنيا لا سيما الذين غرقوا في الذنوب والخطايا، فهؤلاء محجوبون عن الله ومعرفته، وعن كل ما يرتبط بربهم، فهم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فتاهوا في مسارب الحِيرة والضلال.
كذاك الذي خرج منفياً من مدارس باريس وشوارعها لخباثته يأتي ليتحدَّث عن الديمقراطية وحرية الرأي فقط – وفقط – عندما يتحدَّث عن رسول الإنسانية وفخرها وشرفها في هذا الوجود، وأما إذا وصل الحديث عن أمثاله من البشر فيقوم ولا يقعد لأنه توجهت إليهم الإهانات، وهم يهينون ربع سكان العالم، بكلامهم ورسومهم المسيئة لأنفسهم، لأنهم ينطلقون من بواطنهم ومخزونهم التربوي وأخلاقياتهم في المجتمع الغربي الذي ليس فيه قيمة ولا فضيلة.
ومن أعجب العجب من هؤلاء أنهم لا يجرؤون أن ينبثوا ببنت شفة تجاه الآخرين كاليهود خاصة، لأنهم سيصنفونه معادٍ للسامية وهم لا يتجاوزون في عددهم مدينة صغيرة من مدننا الإسلامية، ولكن العتب على هذه الأمة التي تسكتُ عنهم وعن أمثالهم رغم أن تاريخها حافل بالمكرمات التي تُرعب الأعداء، فقد كتب نقفور ملك الروم وهرقلهم رسالة إلى هارون... يرفض فيها دفع الجزية ويتوعده بالحرب، فكتب هارون على ظهر كتابه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام».
وعندما نادت تلك المرأة المسلمة: «وا معتصماه»، وأرسل تيودور إمبراطور الروم إلى المعتصم رسالة يُهدده فيها، فقال المعتصم للكاتب أكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمَّا بَعْدُ؛ فقد قرأتُ كتابكَ، وسمعتُ خطابكَ، والجواب ما ترى لا ما تسمع، {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}»، ثم زحف عليهم وكان فتح عمورية في سنة 838م.
هكذا يجب أن يكون الجواب لأمة هي ربع سكان العالم اليوم ولديها أعظم مخزون بشري ومادي ونفطي في العالم، فالعالم يجب أن يقف على رجل واحدة عندما يُذكر رسول الله (ص)، أما آن لهذه الأمة أن تعرف حجمها، وتقف عند حقها، وتُثبت مكانها ومكانتها في العالم اليوم...؟
أسبوع المولد النبوي الشريف
يقول الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره الشريف): " في الحديث الشريف: (يفرحون لفرحنا) والفرح مظهر إلى جنب كونه أمراً مرتبطاً بالنفس ففي الأفراح يلزم على الإنسان أن يظهر معالم الفرح إلى جانب فرحه النفسي وانبساطه الروحي.
وللمسلمين أعياد هي مواليد الرسول والزهراء البتول والأئمة الأطــهار عليهم الصلاة والسلام إلى جانب عيد الفطر والأضحى والغدير والمبعث والجمعة وغيرها وفي هذه الأيام يلزم أن نظهر معالم البشر والسرور ونفعل ما يوجب فرحتنا القلبية مع حفظ الموازين الشرعية، ولو لم نفعل ذلك استجلبتنا الأفراح المحايدة أو الأفراح المنحرفة فإنه لا بُد لكل أمة من عيد وأفراح ولا بُد للنفس من ترويح وتنفيس، ولقد حدث ذلك فعلاً فإن المسلمين حيث تركوا أعيادهم الأصلية اشتغلوا بأعياد ميلاد أنفسهم عوض أعياد مواليد ساداتهم ومن خططوا لهم مناهج الحياة السعيدة كما اشتغلوا بأعياد استقلالهم المزيف غالبا وبأعياد سائر الطوائف والأمم والأعياد الموهومة وغيرها، ومن المعلوم أن الأعياد الحيادية لا عطاء لها فهي تأخذ عوض أن تُعطي والأعياد المنحرفة توجه توجيها منحرفا فهي تسلك بالإنسان سبيل الدمار والهلاك وان الوقت والمال الذين يصرفهما الإنسان في بعض الأعياد المخترعة يهدران كما يهدر الماء في الأرض السبخة.
كما أن الطاقة التي يصرفها الإنسان في الأعياد غير الواقعية كبعض أعياد الغرب لا تأتي إلا بالثمار البشعة إذ إنها توجب تقديس أفكار واردة وسلوكاً تجر الإنسان إلى الانحطاط فإن المسيح لا يرضى بصنع الخمر وتوزيعها والزنا وقتل النفس والكذب على الله، أما إذا اتخذنا أيام ميلاد الرسول الأعظم والأئمة (عليهم السلام) عيداً فقد قدسنا نزاهة الله تعالى، وقدسنا احترام الإنسان وتوجهنا إلى الحياة السعيدة التي تأتي بخير الدنيا والآخرة وهكذا سائر الأعياد الإسلامية، ومن الناس مَنْ يعتذر لاتخاذ بعض الأعياد الغربية بأن أمورنا مرتبطة بالغربيين فالبورصة والبنوك والمتاجر وما أشبه لا يمكن أن تعمل ما دامت الغرب تغلق أبوابها في يوم الميلاد مثلاً، ولكن لا وزن لهذا الإعتذار، فهل عطلة دوائرنا ومدارسنا ترتبط بعطلة الغرب وهل أمور تجارتنا وبنوكنا الداخلية تتصل بتجارتهم وبنوكهم في جميع الجزئيات". (أسبوع المولد الشريف؛ السيد محمد الشيرازي: ص2)
ونحن بدورنا سنتخذ من هذه المناسبة العطرة لا سيما وأنها تقترن بمولد أستاذ المذهب وإمامنا الذي ننتسب إليه صادق العترة الطاهرة (ع)، لنبين ونبلور الصورة الحضارية لرسول الله وهادي البشرية وباني الحضارة الإنسانية (ص) لعلنا نشارك في دفع هذه الهجمة الغربية علينا.
اضف تعليق