كان مشروع الإمام السجاد التحرري، لاسيما ما يتعلق بالمرأة، له الأثر البالغ في الحفاظ على روح الدين في النفوس، وإعطاء الصورة الحقيقية للإسلام الذي لا يعطي حقوق المرأة وسائر افراد البشر، ويحفظ كرامتهم، بل ويرسم لهم خارطة طريق للإسهام في بناء المجتمع الاسلامي الصالح والمتقدم...
أبرق الحاكم الأموي، هشام بن عبد الملك الى الإمام السجاد، عليه السلام، يلومه الى قراره بالزواج من إحدى إمائه، وقد أبدى هشام استغرابه من القرار الذي يُعد –حسب نظرته- زواجاً غير مسبوق في قريش وعند "العرب" بأن يتزوج الرجل الحُر من أَمَة، وليس حُرة، فكان الجواب القاطع بالدليل الدامغ، أنها –مضمون الحديث- سنّة رسول الله، وقد فعلها قبل ذلك عندما تزوج من الإماء مثل ماريا القبطية، وصفية بن يحيى، وكانت من قبيلة بني النظير اليهودية، والإمام السجاد، عليه السلام، كان حينها من الناحية السياسية، يُعد أحد افراد الأمة، بينما هشام بن عبد الملك، يعد نفسه "خليفة رسول الله" وأنه يمثل الحاكم الاسلامي.
وهذا يكشف عن جانب من المشروع الإنساني الكبير الذي قاده الإمام السجّاد خلال فترة إمامته وقيادته الروحية للأمة، وهو جانب يبدو أنه لم يسلط عليه الضوء بما يستحق رغم أهميته وحساسيته البالغة، فقد اندمج في البحوث والدراسات مع مشروع الإمام في شراء وتحرير العبيد والإماء ضمن مشروعه التربوي المعروف.
والى جانب نشر ثقافة البكاء على مأساة الطف، والطريقة المفجعة لاستشهاد الامام الحسين، مع ابنائه واصحابه، وايضاً؛ تكريس ثقافة الدعاء والتوسل الى الله –تعالى-، ما من شأنه إصلاح النفوس، وترطيب القلوب التي قست وران عليها، ودفعت اصحابها الى ارتكاب الفضائع والجرائم، وايضاً؛ الى جانب انطلاقه في مشروع تحرير العبيد، والإسهام بقوة في التسريع من عملية إلغاء هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة، فقد حانت منه التفاتة انسانية وحضارية غاية في الرقّة، بأن شمل برعايته المرأة بإجراء خاص من شأنه إعادة الكرامة الانسانية المسلوبة منذ عهد رسول الله، صلى الله عليه وآله.
فقد لاقت المرأة وكل بنات حواء من الثقافة الجاهلية كل ما يعبر عن الإهانة والمذلة، الى جانب التصفية الجسدية (وأد البنات)، فقد كانت سلعة تباع وتشترى، و وسيلة لاشباع الغريزة الجنسية، وكانت تحرم من الإرث، وعديد من حقوقها الانسانية، وقد عمد الأمويون خلال تغلغلهم في الجهاز الحاكم بالدولة الاسلامية الى تكريس هذه الثقافة من منطلق عنصري مقيت، بتفضيل العربي على غيره، فالإماء اللاتي كنّ ينضممن الى صفوف المجتمع الاسلامي من بلاد الفرس، أو افريقيا، او غيرها، كانت تلاحقهنّ وصمة العبودية لتمييزهنّ عن العربيات، فهي تبقى أمة في عيون "الرجال العرب"، حتى اكتسبت حريتها.
ولما يدركه من أهمية محورية في المجتمع والأمة في قادم الأيام، اهتم الإمام السجاد بشكل واضح بمشاعر النساء، لاسيما الإماء في بيته، والأمثلة عديدة على التسامح والعفو لما اقترفته عدة إمات في بيته، من التسبب في موت طفلٍ للإمام، او التسبب بسقوط ابريق على وجه الإمام وهو يغسل يديه، ثم جرحه وإدماء وجهه، فلم يكن الإمام تحتوشه نتائج هذه الاعمال الخاطئة المثيرة للاستفزاز ورد الفعل السريع، إنما كان يلاحظ المخاوف على وجه تلكم الإماء من احتمال العقوبة، وهذه بحد ذاته نقطة غاية في الاهمية في المشروع الانساني العظيم الذي اسهم من خلاله الامام، عليه السلام، في بناء شخصية العديد من النسوة في المجتمع الاسلامي آنذاك، ليكنّ أمهات و زوجات يخرجْن –بدورهنّ- أجيال واعية وصالحة، وذلك من خلال ما يحملن من بيت الإمام من ثقافة القرآن الكريم، وآداب وأخلاق أهل البيت، وما حفظن من الحديث والرواية، كما هو الحال بالنسبة للعبيد الذكور.
ندرك أهمية تحرير العبيد والإماء على وجه الخصوص، وتحويل المرأة من أَمَة تباع وتشترى الى امرأة حرّة كريمة، من الانعكاسات السيئة للسياسات العنصرية واستحضار الثقافة الجاهلية رغم مرور اكثر من ستين عاماً من الهجرة النبوية الشريفة وتأسيس المجتمع الاسلامي الأول على قواعد من القيم السماوية، فبعد كثرة الفتوحات، وانتشار الاسلام في الآفاق، وتزايد أعداد المسلمين، تعرض الكثير من المسلمين من غير العرب لصدمة نفسية عنيفة بسبب التناقض بين ما يسمعوه ويقرأوه من القوانين والاحكام، وبين ما يلمسوه من سلوك لا يمتّ بصلة بتلك الاحكام، وسنّة النبي الأكرم، ولا حتى بالقرآن الكريم.
لذا كان مشروع الإمام السجاد التحرري، لاسيما ما يتعلق بالمرأة، له الأثر البالغ في الحفاظ على روح الدين في النفوس، وإعطاء الصورة الحقيقية للإسلام الذي لا يعطي حقوق المرأة وسائر افراد البشر، ويحفظ كرامتهم، بل ويرسم لهم خارطة طريق للإسهام في بناء المجتمع الاسلامي الصالح والمتقدم.
اضف تعليق