الإمام المهدي هو الأمل الموعود، وصوت الحق، ومنقذ البشرية، ومخلص الإنسانية، ومصلح الكون، ورائد العدالة الاجتماعية، وناشر الإسلام. جوهر القضية المهدوية متفق عليه في الجملة، فإنه يجب الاستفادة من الثقافة المهدوية والبشارة النبوية بخروج منقذ البشرية في تعزيز ما يخدم بناء المجتمع والأمة بناءً إيجابياً...
من الأمور التي حظيت باهتمام بارز وموقعية واضحة في التراث الإسلامي مسألة (الإمام المهدي المنتظر) الذي يلحظ الإشارة إليه، والتبشير بخروجه في آخر الزمان في كل كتب الحديث عند المسلمين، وهي روايات متكاثرة ومتواترة ولا يمكن إنكارها.
وتؤكد هذه الأحاديث الشريفة على حتمية خروج رجل من أهل البيت (عليهم السلام) في آخر الزمان، ومن ولُد فاطمة (عليها السلام) تحديداً، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ما ملت ظلماً وجوراً.
ومن هذه الروايات والأحاديث ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لا تَقومُ السّاعَةُ حَتّى يَقومَ قائِمٌ لِلَحقِّ مِنّا، وذلِكَ حينَ يَأذَنُ اللَّهُ عز وجل لَهُ، ومَن تَبِعَهُ نَجا ومَن تَخَلَّفَ عَنهُ هَلَكَ. اللَّهَ اللَّهَ عِبادَ اللَّهِ، فَأتوهُ ولَو عَلَى الثَّلجِ، فَإِنَّهُ خَليفَةُ اللَّهِ عز وجل وخَليفَتي»[1]، وقوله (صلى الله عليه وآله): «لا تَقومُ السّاعَةُ حَتّى يَلِيَ رَجُلٌ مِن أهلِ بَيتي يُواطِئُ اسمُهُ اسمي»[2]، وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «فيَمْلؤها عَدلًا وقِسْطاً كما مُلِئتْ جَوراً وظُلماً، فلا تَمنَعُ السَّماءُ شَيئاً مِن قَطْرِها، ولا الأرضُ شَيئاً مِن نَباتِها»[3].
والملاحظ من مجمل هذه الأحاديث اتفاق جميع المسلمين على بشارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخروج رجل من آل البيت في آخر الزمان، وأن هذا المجمل متفق عليه، ولا يضر الاختلاف في التفاصيل بعد الاتفاق على جوهر الموضوع.
وثانياً تشير الأحاديث إلى أن الإمام المهدي سيقوم بإصلاح الكون بأكمله ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وليس مكاناً محدوداً، أو بقعة من الأرض مما يعني أنه سيقوم بعملية إصلاح كبرى وشاملة وكاملة. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «هُوَ الْمَهْدِيُ[4] الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وقِسْطاً، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وظُلْماً»[5].
فالإمام المهدي هو الأمل الموعود، وصوت الحق، ومنقذ البشرية، ومخلص الإنسانية، ومصلح الكون، ورائد العدالة الاجتماعية، وناشر الإسلام في كل أصقاع الدنيا.
الفوائد المرجوة
ما دام أن جوهر القضية المهدوية متفق عليه في الجملة، فإنه يجب الاستفادة من الثقافة المهدوية والبشارة النبوية بخروج منقذ البشرية في تعزيز ما يخدم بناء المجتمع والأمة بناءً إيجابياً ومفيداً.
ويمكن الإشارة إلى أهم الفوائد والثمار التي يمكن الاستفادة منها إذا ما وظفنا الثقافة المهدوية في الاتجاه الإيجابي، ومنها:
1- إشاعة روح الأمل عند الأمة:
الاعتقاد بخروج الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في آخر الزمان سيبعث روح الأمل عند الأمة، ويشيع التفاؤل بأن التغير الإيجابي وإقامة العدل والحق والقسط سيتحقق على يد الحجة المنتظر عندما يأذن الله له بالخروج.
وقد أشارت الأحاديث الشريفة إلى حتمية هذا الخروج، والقيام بإصلاح شامل للكون، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لَو لَم يَبقَ مِنَ الدُّنيا إلّا يَومٌ واحِدٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليَومَ حَتّى يَملِكَ رَجُلٌ مِن أهلِ بَيتي، تَجرِي المَلاحِمُ عَلى يَدَيهِ، ويُظهِرُ الإِسلامَ، لا يُخلِفُ وَعدَهُ، وهُوَ سَريعُ الحِسابِ»[6].
ففي يوم من الإيام سيخرج الإمام المهدي الموعود والمصلح المنقذ للإنسانية، وسيقوم بنصرة المستضعفين، ووراثة الأرض، وعمارة الدنيا، وإقامة العدالة الاجتماعية، والقضاء على الجور والظلم والحيف.
وهذه الثقافة المهدوية تعطي للإنسان أملاً ورجاءً بحدوث التغيير في مقابل الإحباط واليأس الذي قد يصاب به بعض الناس نتيجة الخطوب والمدلهمات والمشاكل، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: «انتظِروا الفرَجَ ولا تَيأسُوا مِن رَوحِ اللَّهِ، فإنّ أحبَّ الأعمالِ إلىاللَّهِ عزّوجلّ انتظارُالفَرَجِ»[7].
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «انتظارُ الفَرَجِ مِن أعظمِ الفَرَجِ»[8].
فمن الفرج انتظار الفرج بخروج القائم المنتظر الذي سيحدث تغييراً جوهرياً في الدنيا قاطبة، وفي الكون كله.
ولذلك يجب إشاعة وتغريز روح الأمل والتفاؤل عند الناس في مقابل الشعور بالإحباط والقنوط واليأس الذي يصيب بعض الناس أمام المشاكل والظروف الصعبة.
2- تعزيز قيم الدين:
من الفوائد التي يستفاد منها عند التأمل في الثقافة المهدوية هو تعزيز قيم الدين وحالة التدين عند الناس.
فجوهر قضية الإمام المهدي المنتظر قضية دينية، وفي ذكرى ميلاده الشريف، والذي يصادف ليلة النصف من شعبان وردت روايات مستفيضة في فضلها وشرفها، وأنها تأتي بعد ليلة القدر، ويستحب إحياؤها بالعبادة والدعاء والزيارة، ولا مانع من الفرح والبهجة والسرور فيها ولكن يجب الحفاظ على شرف هذه الليلة وفضلها وتجنب كل ما يسيء إليها مما يقدح فيها ويشوه صورتها الدينية، وهو أمر لا يرضي صاحب العصر والزمان بل يدمي قلبه المجروح فاحذر أن تكون واحداً منهم!
إن ليلة النصف من شعبان «من الليالي المشرفات، المعظمات، اللواتي جعلن علامات لنزول الخيرات والبركات، وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن ينام فيها محيياً لعبادة الله عز وجل بالصلاة، والدعاء، وتلاوة القرآن»[9].
وروي عن زيد بن علي قال: «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يجمعنا جميعاً ليلة النصف من شعبان، ثم يجزي الليل أجزاء ثلاثة، فيصلي بنا جزءاً، ثم يدعو فنؤمن على دعائه، ثم يستغفر الله ونستغفره، ونسأله الجنة حتى ينفجر الفجر»[10].
وهذا ما يجيب استثماره ارتكازاً إلى الثقافة المهدوية في تعزيز قيم الدين، وحالة التدين، وتعميق الأخلاق الفاضلة عند عامة الناس.
ويتأكد في هذه الليلة العظيمة استحباب الإتيان بصلاة جعفر الطيار، وقراءة دعاء كميل، وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المخصوصة في ليلة النصف من شعبان، وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) المخصوصة في ليلة النصف من شعبان، وزيارة صاحب العصر وزمان... وغيرها من المستحبات المذكورة في كتب الفقه والأدعية والزيارات.
3- تنمية الكفاءات العلمية:
من فوائد وثمار الثقافة المهدوية تنمية الكفاءات العلمية، وبناء الكوادر الرسالية حتى تكون مهيأة كي تصبح من أنصار وأصحاب الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
فالتغيير الذي سيقوم به الإمام الحجة المنتظر من إصلاح شامل وتغيير وجه العالم كله بحاجة إلى وجود كفاءات علمية وعملية، حتى تساهم في إملاء الأرض قسطاً وعدلا بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
ويشير مقطع من دعاء الافتتاح إلى هذا الأمر إذ نقرأ في الدعاء: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلى طَاعَتِكَ، وَالْقَادَةِ فِي سَبِيلِكَ، وَتَرْزُقُنَا فِيهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»[11].
والقائد لابد وأن يكون على مستوى عالٍ من الكفاءة العلمية والقدرة العملية، وهذا ما يجب أن نستفيده من إيماننا بخروج الإمام المهدي المنتظر الذي قد يخرج في أي وقت، إذ علينا أن نترقب ونتوقع ظهوره في كل يوم، وفي كل صباح أو مساء، وفي كل شهر أو سنة، مما يعني أن على المؤمن أن يتهيأ للمشاركة في صناعة المستقبل، وإقامة دولة الحق والعدل والسلام.
وقد أشار الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلى أن المنتظرين لظهور الإمام المهدي أفضل من الأجيال التي سبقتهم، فقد روي عنه: «إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة»[12].
وهذا التطور الذي نشهده اليوم على مختلف الصعد العلمية، والقفزات المذهلة في عالم التكنولوجيا والتقنية الحديثة أمر يؤكد على حقيقة أن خروج الإمام سيكون أصحابه وأنصاره من أفضل الناس لامتلاكهم من العلم والكفاءة ما لم يكن يمتلكه من سبقهم، إذ تعلل الرواية تلك الأفضلية بالقول: «لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة».
وهذا يعني أن من يريد أن يكون من أصحاب الإمام القائم عليه أن يستعد للمستقبل بتنمية كفاءاته وقدراته ومواهبه ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في صناعة التغيير المستقبلي للأمة والمجتمع والعالم كله.
اضف تعليق