بسم الله الرحمن الرحيم
أسمه وكنيته:
وُلد عليه السلام في يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة 128هـ في منطقة الأبواء ـ منزل بين مكة والمدينة ـ اسمه الشريف موسى، وكنيته المشهورة أبو الحسن وأبو إبراهيم، وألقابه الكاظم والصابر والصالح والأمين، ولقبه المشهور الكاظم، وذلك لكثرة كظمه الغيظ وعدم دعائه على أعدائه مع ما لقي منهم حتى أن الإمام عليه السلام حينما كان في السجن كانوا ينصتون إليه في الخفاء رجاء أن يسمعوا منه دعاء عليهم إلا أنهم لم يسمعوا ذلك منه قط.
في مكارم أخلاقه:
قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في حقه: هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكبير المجتهد الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدي عليه دُعي كاظماً، كان يجازي المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يُسمى بالعبد الصالح، ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله لنجح مطالب المتوسلين به إلى الله تعالى، كراماته تحار منها العقول وتقضي بأن له عند الله تعالى قدم صدق لا تزل ولا تزول.
والخلاصة، أن الإمام الكاظم عليه السلام كان أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم وأكرمهم، ورُويَ أنه كان يقوم الليل للتهجد والعبادة حتى الفجر فيصلي صلاة الفجر، ويبدأ بالتعقيب إلى طلوع الشمس ثم يظل ساجداً إلى قُبيل الزوال وكان كثيراً ما يقول: «اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب» ويكرر هذا الدعاء ومن دعائه أيضاً: «عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك» المناقب ج4 ص318.
وكان يبكي من خوف الله كثيراً حتى تجري دموعه على لحيته وكان أكثر صلة لرحمه من غيره وأكثر صلة لفقراء المدينة حتى انه كان يحمل إليهم كل ليلة الذهب والفضة والخبز والتمر وهم لا يعرفونه، ومن كرمه إعتاقه ألف مملوك.
في عبادته:
روى الشيخ الصدوق عن عبد الله القروي أنه قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: ادن، فدنوت حتى حاذيته، ثم قال لي: أشرف على البيت في الدار فأشرفت، فقال: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوباً مطروحاً، فقال: انظر حسناً، فتأملت فنظرت فتيقنت، فقلت: رجلاً ساجداً.
فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا مولاك، قلت: ومن مولاي؟ فقال: تتجاهل عليّ؟ فقلت: ما أتجاهل ولكني لا أعرف لي مولى، فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ إنّي أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على الحال التي أخبرك بها.
إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس، وقد وكّل من يترصد له الزوال فلست أدري متى يقول الغلام: قد زالت الشمس، إذ يثب فيبتديء بالصلاة من غير أن يجدد وضوءاً فاعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر.
فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة أفطر على شويّ يؤتى به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست أدري متى يقول الغلام: أن الفجر طلع، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حُوّل إلي.
فقلت: إتّقِ الله ولا تحدثنّ في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم انه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءاً إلا كانت نعمته زائلة، فقال: قد أرسلوا إليّ في غير مرّة يأمروني قتله فلم أجبهم إلى ذلك وأعلمتهم إني لا أفعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني...
في دعائه للخلاص من السجن:
روي أيضاً عن ماجِيلَوَيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه أنه قال: سمعت رجلاً من أصحابنا يقول: لما حبس هارون العباسي موسى بن جعفر عليه السلام جنّ عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدد موسى عليه السلام طهوره واستقبل بوجهه القبلة وصلّى لله عز وجل أربع ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال: «يا سيدي نجّني من حبس هارون وخلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء، خلّصني من يدي هارون».
قال: فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه وبيده سيف قد سلّه، فوقف على رأس هارون وهو يقول: يا هارون أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت عِلاوتك بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب، فقال له: إذهب إلى السجن فأطلق موسى بن جعفر.
من معاجزه:
روى الشيخ الكشي عن هشام بن سالم أنه قال: كنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله عليه السلام أنا ومؤمن الطاق أبي جعفر، قال: والناس مجتمعون على أن عبد الله صاحب الأمر بعد أبيه فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون عند عبد الله وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أن الأمر في الكبير ما لم يكن به عاهة.
فدخلنا نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال: في مائتين خمسة، قلنا: ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف درهم، قال: قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا، فرفع يده إلى السماء فقال: لا والله ما أدري ما تقول المرجئة، قال: فخرجنا من عنده ضُلالاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى من نقصد وإلى من نتوجه، نقول إلى المرجئة، إلى القدريّة، إلى الزيديّة، إلى المعتزلة، إلى الخوارج.
قال: فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه يومي إليّ بيده، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر (المنصور) وذاك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون على من اتفق شيعة جعفر فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم، فقلت: لأبي جعفر: تنح فأني خائف على نفسي وعليك وإنما يريدني ليس يريدك، فتنح عنّي لا تهلك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ، وذلك انّي ظننت انّي لا أقدر على التخلص منه.
فما زلت أتبعه حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى عليه السلام ثم خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله، قال: فدخلت فإذا أبو الحسن عليه السلام فقال لي إبتداءاً: لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيديّة، ولا إلى الخوارج، إليّ إليّ إليّ.
قال: فقلت له: جُعلت فداك مضى أبوك؟ قال: نعم، قال: قلت: جعلت فداك مضى في موت؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداك فمن لنا بعده؟ فقال: إن شاء الله يهديك هداك، قلت: جعلت فداك إن عبد الله يزعم انه من بعد أبيه، فقال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلت له: جعلت فداك فمن لنا بعده؟ فقال: إن شاء الله يهديك هداك أيضاً.
قلت: جعلت فداك أنت هو؟ قال: ما أقول ذلك، قلت في نفسي: لم أصب طريق المسألة، قال: قلت: جعلت فداك عليك إمام، قال: لا، فدخلني شيء لا يعلمه إلا الله إعظاماً له وهيبة أكثر ما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه.
قلت: جعلت فداك أسألك عما كان يسأل أبوك؟ قال: سل تُخبر ولا تذع فإن أذعت فهو الذبح، قال: فسألته فإذا هو بحر، قال: قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال فألقي إليهم وأدعوهم إليك فقد أخذت عليّ بالكتمان؟ قال: من آنست منهم رشداً فألق إليهم وخذ عليهم الكتمان، فإن أذاعوا فهو الذبح وأشار بيده إلى حلقه.
قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر، فقال لي: ما وراءك؟ قال: قلت: الهدى، قال: فحدثته بالقصة، قال: ثم لقيت المفضل بن عمر وأبا بصير، قال: فدخلوا عليه فسمعوا كلامه وسألوه، قال: ثم قطعوا عليه السلام، ثم قال: ثم لقينا الناس أفواجاً، قال: فكان كل من دخل عليه إلا طائفة مثل عمار وأصحابه، فبقى عبد الله لا يدخل عليه أحد إلا قليل من الناس.
قال: فلما رأى ذلك وسأل عن حال الناس، قال: فأُخبر أن هشام بن سالم صد عنه الناس، قال: فقال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني.
في إستشهاده عليه السلام وذكر ما جرى عليه من الظلم:
الأشهر في تأريخ شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام كونها في الخامس العشرين من شهر رجب سنة 183هـ ببغداد في حبس السندي بن شاهك، وقال البعض في الخامس من رجب وكان عمره الشريف خمساً وخمسين سنة، وعلى رواية الكافي أربعاً وخمسين سنة.
انتقلت إليه الإمامة وهو بن عشرين سنة، وكانت مدة إمامته خمساً وثلاثين سنة أدرك عليه السلام منها أواخر أيام المنصور، ولم يتعرض له ظاهراً، ومنها عشر سنين مدة المهدي فجيء به إلى العراق وحبس، ولم يجرء المهدي على إيذائه بسبب المعاجز الكثيرة التي رآها منه فأعاده إلى المدينة ثم أدرك أيام الهادي ولم يتعرض له أيضاً، وكان ملكه حوالي سنة وأشهر.
قال صاحب عمدة الطالب: وقبض عليه موسى الهادي وحبسه فرأى علي بن أبي طالب عليه السلام في نومه يقول له: يا موسى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) محمد: 22.
فانتبه من نومه وقد عرف انه المراد فأمر بإطلاقه ثم تنكر له من بعد ذلك فهلك قبل أن يصل إلى الكاظم عليه السلام أذى، ولما ولي هارون العباسي الخلافة أكرمه وأعظمه ثم قبض عليه وحبسه (ببغداد وقتله بالسم بعد أربع عشرة سنة من خلافته).
وخلاصة القصة:
أن هارون العباسي حج في سنة 179هـ لإحكام أمر سلطانه وأخذ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وكتب إلى الأطراف والنواحي يأمر العلماء والسادة والأعيان والأشراف بالاجتماع في مكة كي يجدد البيعة لنفسه ويأخذ البيعة لولديه بولاية العهد، وجاء أولاً إلى المدينة الطيبة، وروى إبراهيم بن أبي بلاد قال: كان يعقوب بن داود يخبرني أنه قد قال بالإمامة، فدخلت إليه بالمدينة في الليلة التي أُخذ فيها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في صبيحتها فقال لي: كنت عند الوزير الساعة ـ يعني يحيى بن خالد ـ فحدثني أنه سمع الرشيد يقول عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالمخاطب له: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أعتذر إليك من أمر قد عزمت عليه، فإني أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً يسفك فيها دمائهم» وأنا أحسب أنه سيأخذه غداً.
فلما كان الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع وهو قائم يصلي في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بالقبض عليه فقطع عليه صلاته وحُمل وهو يبكي ويقول: «إليك أشكو يا رسول الله ما ألقى» وأقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون فلما حُمل بين يدي الرشيد شتمه وجفاه (نعوذ بالله).
فلما جنّ عليه الليل قيده وأمر بقبتين فهيئتا له فحمل موسى بن جعفر عليه السلام إلى أحدهما في خفاء ودفعه إلى حسان السروي وأمره أن يصير به في قبة إلى البصرة فيسلمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور وهو أميرها وابن عم هارون ووجّه قبة أخرى علانية نهاراً إلى الكوفة معها جماعة ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر عليه السلام.
الإمام عليه السلام في سجن البصرة:
فقدم حسان البصرة في السابع من شهر ذي الحجة قبل التروية بيوم، فدفعه إلى عيسى بن جعفر نهاراً علانية حتى عرف ذلك وشاع أمره، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه وأقفل عليه وشغله عنه العيد، فكان لا يفتح عنه الباب إلا في حالتين حال يخرج فيها إلى الطهور وحال يدخل إليه فيها الطعام.
قال محمد بن سليمان النوفلي: فقال لي الفيض بن أبي صالح –وكان نصرانياً ثم أظهر الإسلام وكان يكتب لعيسى بن جعفر وكان بي خاصاً- فقال: يا أبا عبد الله لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذا الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير، ما أعلم ولا أشك انه لم يخطر بباله.
وبالجملة كان عليه السلام في حبس عيسى حوالي سنة، فكتب إليه الرشيد مراراً أن يقتله فلم يجرأ على ذلك ومنعه أيضاً جمع من أصدقائه فلما طال حبسه كتب إلى هارون: «أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خلّيت سبيله فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر على ذلك، حتى إني لأستمع عليه إذا دعا لعله يدعو عليّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه، يسأل الله الرحمة والمغفرة».
روى الشيخ الصدوق عن الثوباني انه قال: كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ـ بضع عشرة سنة ـ كل يوم سجدة بعد انقضاض الشمس إلى وقت الزوال.
فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبا الحسن عليه السلام فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجداً فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر عليه السلام، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال.
قال الربيع: فقال لي هارون: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك قد ضيّقت عليه الحبس؟ قال: هيهات لابد من ذلك.
وروى عن الفضل بن الربيع (في الأيام التي كان الإمام محبوساً عنده) قال: قد أرسلوا إليّ في غير مرة يأمروني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك وأعلمتهم إني لا أفعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني.
فلما كان بعد ذلك حُول إلى الفضل بن يحيى البرمكي فحبس عنده أياماً فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة ومنع أن يدخل إليه من عند غيره فكان لا يأكل ولا يفطر إلا على المائدة التي يؤتى بها حتى مضى على تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة الفضل بن يحيى.
قال: ورفع يده إلى السماء فقال: «يا رب إنك تعلم إني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي» قال: فأكل فمرض، فلما كان من الغد بعث إليه بالطبيب ليسأله عن العلّة فقال له الطبيب: ما حالك؟ فتغافل عنه، فلما أكثر عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب ثم قال: هذه علتي، وكانت خضرة وسط راحته تدل على انه سم فاجتمع في ذلك الموضع، قال: فانصرف الطبيب إليهم وقال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفى عليه السلام.
رواية أخرى:
أن الفضل بن يحيى لم يقدم على قتل الإمام مع إصرار هارون على قتله فبلغ هارون وهو بالرقة أن الإمام عند الفضل بن يحيى في سعة ورفاهة، فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد على البريد وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر فيعرف خبره فإن كان الأمر على ما بلغه أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله وأوصل كتاباً منه إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس.
في سجن السندي بن شاهك:
فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى بن جعفر عليه السلام فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي فأوصل الكتابين إليهما، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى فركب معه وخرج مشدوهاً دهشاً حتى دخل على العباس فدعا بسياط وعقابين فوجه ذلك إلى السندي وأمر بالفضل فجّرد ثم ضربه مائة سوط...
وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر بتسليم موسى عليه السلام إلى السندي بن شاهك، وجلس مجلساً حافلاً وقال: أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت أن ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه.
وبلغ يحيى بن خالد، فركب إلى الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ثم قال: التفت إلي يا أمير المؤمنين... إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه وسرّ وأقبل على الناس، فقال: إن الفضل كان عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه، فقالوا: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت وقد توليناه.
ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى أتى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شيء فأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال وتشاغل ببعض ذلك ودعا السندي فأمره فيه بأمره وإمتثله (أي تقبل الإمام وأعطاه رطباً مسموماً كي يعطيها إلى الإمام ويبالغ في أكله إياه).
وفي رواية أن السندي بن شاهك قدَّم للإمام عليه السلام رطباً مسموماً، وإنه عليه السلام أكل منها عشر رطبات، فقال له السندي: تزداد؟ فقال عليه السلام له: حسبك قد بلغت ما يحتاج إليه فيما أمرت به، ثم أنه أحضر القضاة والعدول قبل وفاته بأيام وأخرجه إليهم وقال: إن الناس يقولون: أن أبا الحسن موسى في ضنك وضر وها هو ذا لا علة به ولا مرض ولا ضر.
فالتفت عليه السلام فقال لهم: اشهدوا علي إني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام اشهدوا إني صحيح الظاهر لكني مسموم وسأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة وأصفر غداً صفرة شديدة وأبيض بعد غد وأمضي إلى رحمة الله ورضوانه، فمضى عليه السلام كما قال في آخر اليوم الثالث.
وهو مصداق قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آل عمران: 107.
اضف تعليق