نبعة من بيت الوحي، وسليلة من سليلات النبوة، وكريمة من كرائم الإمامة، تدرّجت في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة، ونشأت في البيت الذي نشر في الأرض نور السماء وأنقذ الناس من غياهب الجاهلية إلى الهدى، إنها فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، حفيدة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء وأشبه الناس بها خلقاً وخلقاً وعبادةً وخصالاً كما قال سيد الشهداء عنها: (إنها أشبه الناس بأمي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، أما في الدين فتقوم الليل وتصوم النهار، وفي الجمال تشبه الحور العين)، وقد شابهت السيدة فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام) جدتها حتى في المآسي والمحن التي جرت عليها فخاضت رحلة الحزن والدموع والسبي من المدينة إلى كربلاء، ومنها إلى الكوفة والشام مع الركب الحسيني الذي سطر أروع الدروس في التضحية والفداء عبر التاريخ من أجل الحرية والمبدأ والكرامة.
رافقت المآسي والمصائب حياتها وهي تشارك أباها نهضته، وشاركته في ثورته العظيمة خطوة بخطوة حتى استشهاده في كربلاء لتبدأ بعدها رحلة السبي التي أكملت فيها منهج الثورة مع عماتها وأخواتها فكن لسان الثورة الناطق بالحق ومشعل المبادئ التي سعى الإمام الحسين إلى تحقيقها، فأدت دورها العظيم في ترسيخ تلك المبادئ عبر خطبتها في الكوفة والتي فضحت بها السياسة الأموية الظالمة وسلطت صواعق التقريع على رؤوس عبدة الدينار والدرهم.
ولادتها وأمها
ولدت السيدة فاطمة بنت الحسين عام (40هـ)، وهي أكبر بنات سيد الشهداء (عليه السلام)، وروت أغلب المصادر أن أمها هي السيدة أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي. ولكن نسبتها إلى أم اسحاق بالأمومة يخلق تعارضاً في التواريخ، فأم إسحاق هذه كانت زوجة للإمام الحسن (عليه السلام)، ولما حضرته الوفاة قال لأخيه الإمام الحسين: (إني أكره أن تخرج هذه المرأة من بيتكم)، فتزوجها الإمام الحسين بعد وفاة الحسن، ومن المعروف أن الإمام الحسن توفي عام (51هـ)، وولادة السيدة فاطمة كانت عام (40هـ), فالتعارض واضح في الروايتين، ولا يمكن الاعتماد على أي رواية تقول بأن ولادتها كانت بعد عام (51هـ) لأن السيدة فاطمة كانت في يوم الطف قد بلغت مبلغ النساء, ويدلنا على ذلك زواجها من ابن عمها في حياة أبيها, وخطبتها في الكوفة, وخصّها بوصية أبيها، فمن المستحيل أن يكون عمرها آنذاك ثماني سنوات إذا اعتمدنا على أن أم إسحاق هي أمها لأن ولادتها ستكون عام (53هـ) على أقصى تقدير بعد انقضاء عدة الزوجة وفترة الحمل, فمعركة الطف كما هو معروف كانت عام (61هـ).
ولكننا وجدنا حلاً لهذا التعارض عند السيد ابن عنبة الحسني (الشريف جمال الدين أحمد بن عنبة) في كتابه: (عمدة الطالب في نسب آل أبي طالب) (ص339) حيث يقول: (إن أمها ــ أي أم السيدة فاطمة ــ هي شهربانو بنت يزدجرد الثالث آخر الأكاسرة الساسانيين)، وهذه الرواية هي التي توافق الصواب والتي تكون طبيعية مع عمر السيدة فاطمة وتجعلها أختاً للإمام زين العابدين (عليه السلام) لأمه وأبيه، فمن المعروف أن ولادة أخيها الإمام السجاد (عليه السلام) كانت عام (38هـ) فهي تصغره بسنتين، كما تتوافق هذه الرواية مع سنة وفاتها فقد روت كل المصادر أنها قد جاوزت السبعين من عمرها عند وفاتها وحددت سنة وفاتها بتاريخين هما (110هـ) و(117هـ)، ولا يكون عمرها الشريف قد جاوز السبعين إلا بالاعتماد على رواية صاحب عمدة الطالب التي تقول بأن أمها هي السيدة شهربانو أو شاه زنان بنت يزدجرد أم الإمام زين العابدين (عليه السلام)
ولا يخفى الغاية من نسبتها إلى أم إسحاق بنت طلحة لدى المؤرخين الذين أرادوا أن يجعلوا من فاطمة حفيدة لأمير المؤمنين وطلحة، فلم يجدوا حلاً لهذا التعارض وكبر عليهم الاعتماد على رواية ابن عنبة الحسني فتخبطوا في التناقض وأكثروا من التعاليل التي اعتادوا عليها كثيراً فتكررت في تواريخهم مفردة (قيل) وهم يحاولون تحريف الحقائق حسب أهوائهم.
فاطمة في محراب العشق الإلهي
من الطبيعي أن تبلغ حفيدة الزهراء الغاية في العبادة فهي ربيبة بيت الوحي وسليلة النبوة وكريمة الإمامة ويدلنا قول أبيها سيد الشهداء على منزلتها وعبادتها عندما خطبها ابن عمها الحسن بن الحسن: (إنها تقوم الليل وتصوم النهار)
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عساكر في مسنده: (أن فاطمة بنت الحسين كانت تُسبّح بخيوط معقود فيها) وذلك حرصا منها على الذكر والعبادة والتسبيح.
فلا عجب أن تكون حفيدة النبي وعلي والزهراء وبنت الحسين وأخت زين العابدين المثل الأعلى في العبادة والطاعة لله وتجد نفسها مستغرقة مع الله تعالى تقف في غاية الخشوع بين يديه تطمئن لمناجاته وتشكره على نعمه.
وقد وصفت السيدة فاطمة بالصغرى تمييزاً عن جدتها سيد نساء العالمين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) كما وصفت بالكبرى كونها أكبر أخواتها وهذا أيضاً مما يدل على أن أمها شهربانو بنت يزدجرد وليس أم إسحاق بنت طلحة وقد جاء هذا الوصف في رواية ابن جرير الطبري في دلائل الامامة حيث ذكر في سنده ما نصه: (عن عبدالله بن الحسن المحض بن الحسن السبط عن فاطمة (الصغرى) عن أبيها الحسين عن (فاطمة الكبرى) ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله)، وتكرر هذا الوصف عنده في الكتاب.
العالمة المحدثة
كانت فاطمة عالمة، محدّثة، من رواة حديث جدها النبي (صلى الله عليه وآله) روت عن جدتها الزهراء وعن أبيها وعن أسماء بنت عميس وعن بلال الحبشي (مؤذن الرسول) وروى لها أهل السنن الأربعة.
ذكرها ابن حبان في كتابه الثقات وقال ماتت وقد قاربت التسعين ووقع ذكرها في صحيح البخاري في الجنائز وروى لها أبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة
ويقول عنها الزركليّ في الأعلام: (فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب.. تابعيّة، من راويات الحديث، روت عن: جَدَّتها فاطمة ( الزهراء ) مرسلاً، وعن أبيها، وغيرهما).
ويقول العلامة الشيخ جعفر النقديّ: (هي من عالمات نساء أهل البيت عليهم السّلام، تروي الحديثَ عن: أبيها ( الحسين عليه السّلام )، وعن أمّ سلمة، وأمِّ هاني، وعن عمّتيها زينب الكبرى وأم كلثوم عليهما السّلام، وعن أخيها زين العابدين ( عليّ بن الحسين عليه السّلام ). ويروي عنها: ولدُها عبدالله ( بن الحسن المثنّى بن الحسن المجتبى عليه السّلام ) وأخوه الحسن وغيرهما.
وقد أورد لها الدكتور محمد هادي الأميني في كتابه (فاطمة بنت الحسين) (14) حديثا منها مارواه البيهقي: (روايتها لحديث رد الشمس لجدها أمير المؤمنين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) عن أسماء بنت عميس وقد أورده البيهقي بما نصه:
(فأما حديث رد الشمس بعد مغيبها، فهو عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس أنها قالت: كان رسول الله يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله: صليت العصر? - قال: لا. قال رسول الله -: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيك فاردد عليه الشمس. قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت).
ومنها ما رواه الطبراني عن أبيها عن أمه فاطمة الزهراء (عليهم السلام): (إن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته وبعد موته).
ومنها ما جاء في أسنى المطالب (ص65) عنها عن أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عن أمها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي)
ابنة الوحي
هذه المنزلة السامية من العلم والعبادة التي كانت عليها فاطمة جعلتها مؤهلة لحمل أمانة سر الله في أرضه وإدائها، فكان من خصائصها الشريفة أنها المؤتمنة على مواريث الأنبياء، فقد استودعها أبوها الإمام الحسينُ عليه السّلام مَواريثَ الأنبياء، في يوم كربلاء فسلَّمتها إلى الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) بعد أن برئ من مرضه..
فقد روى الشيخ الكلينيّ في الكافي عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام أنّه قال: (ثمّ إنّ حُسَيناً عليه السّلام حضَرَه الذي حَضَره، فدعا ابنتَه الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السّلام فدفع إليها كتاباً ملفوفاً، ووصيّةً ظاهرة. وكان عليّ بن الحسين عليه السّلام مبطوناً لا يَرَون إلاّ أنّه لما به، فدفعت فاطمةُ الكتابَ إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام)
وروى المجلسي في (بحار الأنوار)، والصفار في (بصائر الدرجات): إن فاطمة كان عندها أشياء مِن آثار رسول الله صلّى الله عليه وآله في رواية أبي المقدام حينما مر في طريق حجه على الإمام الصادق (عليه السلام) وأراد السلام على السيدة فاطمة بنت الحسين فقال الإمام الصادق لجارية له: استأذني على عمتي فدخل الإمام الصادق مع أبي المقدام على فاطمة فقال أبو المقدام: يا بنت رسول الله هل بقي شيء من آثار رسول الله ؟ فدعت فاطمة أولادها فجاءوا فقالت: يا أبا المقدام هؤلاء لحم رسول الله ودمه، ثم أرته جفنة للطعام وأشياء كانت تخص رسول الله فتناولها أبو المقدام وتبرك بها.
زواجها
جاء الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن علي بن أبي طالب إلى عمه الإمام الحسين (عليه السلام) وسأله أن يزوجه إحدى ابنتيه، فقال له الإمام الحسين: اختر يا بني أحبهما إليك.. فاستحيى الحسن ولم يرد جواباً. فقال له الحسين: فإني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله. أمّا في الدين.. فتقوم الليلَ كلَّه، وتصوم النهار, وأما في الجمال فتشبه الحور العين, فتزوجها الحسن وقد ولدت له ثلاثة أولاد هم: عبدالله المحض، وإبراهيم الغَمْر، والحسن المثلّث، وبنت اسمها زينب.
شهد الحسن المثنى يوم الطف مع عمه الحسين (عليه السلام) وقاتل معه وأثخن بالجراح ووقع على الأرض مغشياً عليه، ولما أراد جيش ابن سعد قطع الرؤوس وجدوا فيه رمقاً، فقال أسماء بن خارجة بن عيينة الفزاري: دعوه لي فإن وهبه الأمير عبيد الله بن زياد لي وإلا رأى رأيه فيه، فتركوه له وأخذ مع الأسرى محمولاً إلى الكوفة ووصل خبره إلى ابن زياد فقال: دعوا لأبي حسان ابن أخته وعالجه أسماء حتى برئ ثم لحق بأهل البيت في المدينة.
وكان السبب في ذلك أن أم الحسن المثنى كانت من بني فزارة وهي خولة بنت منظور الفزارية، ولكن بني أمية قد آلوا على أنفسهم أن لا يتركوا بيتاً من بيوت العلويين دون أن ينكبوه ولا علوية دون أن يثكلوها أو يرملوها أو ييتموها، فقد دس الوليد بن عبد الملك سماً للحسن المثنى فمات منه.
تجددت أحزان كربلاء التي لم تنسى بعد وتفتقت الجراح التي لم تندمل في قلب فاطمة فقد آلى القدر عليها فراق أهل بيتها وتوديعهم واحداً واحدا، نظرت فاطمة إلى جنازة زوجها الحسن بْن الحسن ، ثم غطت وجهها ، وقالت :
وكانوا رجاءً ثم أمسوا رزيةً *** لقد عظمت تلك الرزايا وجلت . .
وسلمت أمرها لله...
مات زوجها وابن عمها الحسن المثنى عام (97هـ) ولها من العمر (57) عاماً، ولم تتزوج بعده أبداً، أما رواية زواجها من عبد الله بن عمرو بن عثمان فهي أكذوبة من أكاذيب الزبير بن بكار الكذاب الأفاق الذي كان يضع الروايات المكذوبة ويدس الأباطيل في بني هاشم وسنناقش هذا الموضوع في بحث مستقل.
أولادها
عبد الله المحض: وانما سمي بالمحض لانه اجتمعت عليه ولادة الحسن و الحسين وكان يشبه برسول الله(ص) وهو شيخ بني هاشم في عصره و كان يتولى صدقات أمير المؤمنين علي (عليه السلام) . وقيل له: بم صرتم أفضل الناس؟ فقال: لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد.
لماحج المنصور أيام ولايته سنة 145 من الهجرة ودخل المدينة جمع بني الحسن فكانوا أكثر من عشرين رجلا منهم أولاد السيدة فاطمة عبد الله المحض والحسن المثلث وإبراهيم الغمر وقيدهم بالحديد وقال لعبد الله المحض اين الفاسقان الكذابان ــ يعني ولديه محمد وابراهيم ــ قال: لا علم لي بهما، فاسمعه كلاماً بذيئاً ثم أوقفه وأخوته وعامة بني الحسن في الشمس مكشوفة رؤوسهم وركب هو في محمل مغطى فناداه عبد الله المحض: أهكذا فعلنا بكم يوم بدر يشير إلى صنع النبي (صلى الله عليه وآله) بالعباس حين بات يئن، قيل له : ما لك يا رسول الله لا تنام، قال: كيف أنام و أنا أسمع أنين عمي العباس في الوثاق.
وكانت طفلة لعبد الله المحض اسمها فاطمة قد وقفت على الطريق لما مر محمل المنصور ومعه الأسرى من بني الحسن فالتفت اليها المنصور فأنشأت تقول:
ارحم كبيراً سنـه منـهـدما *** في السجنِ بين سلاسلٍ و قيودِ
إن جُدتَ بالرحمِ القريبةِ بيننا *** ما جدّنا مـن جـدّكـم ببـيعدِ
فلم يلتفت إليها، ويرسم الشاعر ابن ابي زناد السعدي صورة لذلك المشهد الأليم وهو ينظر إلى أكثر من عشرين علوياً من أبناء فاطمة الزهراء وهم مكبلون بالسلاسل مكشوفي الرأس تحت لهيب الشمس وهم يساقون إلى الموت ويرفعون أيديهم رغم ثقل الحديد لتوديع أصحابهم وأهل بيتهم فيقول:
مـن لنفـسٍ كـثيرةِ الإشفاقِ *** ولعينٍ كثـيرةِ الإطـراقِ
لفراقِ الذينَ راحوا إلى الموتِ *** عـياناً والموتُ مرُّ المذاقِ
ثم ظـلـوا يسـلمونَ علـينا *** بأكفٍ مشدودةٍ في الوثـاقِ
وجاء المنصور ببني الحسن إلى الهاشمية وحبسهم في محبس تحت الأرض فكانوا لا يعرفون ليلاً ولا نهاراً، ومن أجل معرفة أوقات الصلاة فانهم جزؤوا القرآن وعند انتهاء كل جزء يصلون وقتاً من الأوقات ثم ردم المنصور عليهم السجن فماتوا!
في كربلاء
شاهدت فاطمة في كربلاء ما يجل عن الوصف ويكبر على الفهم..، لقد رأت بعينيها تفاصيل تلك الفاجعة التي أبكت ملائكة السماء وعاشتها لحظة بلحظة..، كانت شاهدة على ذلك اليوم الدامي وتلك الجريمة الشنيعة التي ارتكبها الأمويون في كربلاء، كانت تنظر إلى مقتل أصحاب أبيها وأهل بيته فرأت أخوتها وعمومتها وبني عمومتها وهم يقتلون الواحد تلو الآخر!! ثم رأت ما لا طاقة لبشر على تحمله.. رأت وريث النبوة وهو يسقط صريعاً ويقطع رأسه ومن ثم يسحق جسده بسنابك الخيل!!!
وتصف هي (عليها السلام) ما رأته بعينيها في ذلك اليوم فتقول: (كنتُ واقفة بباب الخيمة وأنا انظر إلى أبي وأصحابه مجزَّرين كالأضاحي على الرمال والخيول على أجسادهم تجول وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أو يأسروننا..)
لقد رأت بعينيها كل ذلك ثم رأت ما هو أفظع وأفظع فما إن قتل أبوها حتى هجم الجيش الأموي على الخيام لسلب النسوة وترويعهن:
تقول (سلام الله عليها): (وقد أخذ رجل حليّها وبكى، فقالت له: لم تبكي؟ فقال: أأسلب بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) ولا أبكي؟ قالت: فدعه، قال: أخاف أن يأخذه غيري، وانتهبوا ما في الابنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا)!!
لقد غربت الشمس على ذلك اليوم وكأنها تؤذن بالرحيل الأزلي، فالسماء تمطر دماً، وعلامات الغضب الإلهي تحل على الأرض بعد قتل ابن بنت نبيها وسر الله في أرضه، الريح تنذر بالفناء والرهبة وهي تسفي على تلك الأجساد الطاهرة المغطاة بالدماء. وهاجت بها لوعة الحزن والأسى وهي تنظر إلى هذه المشاهد التي تفطر القلب فقالت وهي تخاطب نفسها من هول المنظر ومن شدة المأساة:
نعق الغرابُ، فقلت: مَن *** تنعاه ويحك يا غرابْ
قال: الإمام، فقلت مَن *** قال: الموفق للصواب
قلت: الحسين، فقال لي *** بمقال محزون أجاب
إن الحسين بكربلاء *** بين الأسنة والحراب
أبكي الحسين بعبرة *** ترضى الإله مع الثواب
ثم استقلّ به الجناح *** فلم يطق ردّ الجواب
فبكيت مما حلّ بي *** بعد الرضى المستجاب
كانت هذه الأبيات هي رثاء البنت المفجوعة بأبيها وقد خلقت من حزنها مخاطباً لها وهو الغراب لكي تعبر عما ألم بها من ألم في حوار درامي يبرز عمق الفاجعة وقد خاطبت الغراب لأنه يدل على الشؤم والفقد، وهذا النمط في شعر الرثاء كان متداولاً في الشعر العربي كقول فاطمة بنت طريف ترثي أخاها الوليد:
أيا شجر الخابور مالك مورقاً *** كأنك لم تحزن على ابن طريفِ
وقول ابنة حجر بن عدي ترثي أباها:
ترفّع أيها القمرُ المنيرُ *** تبصّر هل ترى حجراً يسيرُ
جلست فاطمة إلى جنب عمتها عقيلة الطالبيين تلوذ بها مما هي عليه وهي تبكي، وتجمّع حولهما النساء والأطفال وهم يبكون وقد أصبحوا الآن ثواكل وأرامل ويتامى، رأت في وجه عمتها ما أذهلها!! لقد رأت وجهها يفيض بالطمأنينة واليقين وكأنها لم تر كل هذه المآسي والفواجع!! رأتها نهضت وراحت تخطو وسط الجيش إلى حيث جسد الحسين..! حتى الذي لم يعرفها رأى في مشيتها صفات علي فأخذته الرهبة وتراجع، أكملت زينب مشيها حتى وقفت على جسد أخيها فجلست ورفعت رأس الحسين بيدها ووضعته في حجرها واستقبلت السماء وقالت:
ــ اللهم تقبل منا هذا القربان...
ثم رجعت إلى مكانها استعداداً لرحلة السبي إلى الكوفة...
لسان الثورة في الكوفة
لا يمكن وصف ذلك المشهد المأساوي، فالكلمات تعجز عن إدراك تلك المشاعر الملتهبة والأنفاس المحترقة باللوعة والأسى كان فجراً أسوداً طلع على حرائر الوحي وهن على الإبل يطاف بهن على قتلاهن..., دماء.., وأشلاء مقطعة.. وأيادٍ وأرجل مطروحة على الأرض... ورؤوس مرفوعة على الرماح ... وهن ينظرن إليها ويبكين..
ها هي القافلة التي جاءت معها فاطمة من المدينة إلى كربلاء معززة مكرمة تعود بها إلى الكوفة أسيرة مسبية مع النساء والأطفال فقط، وها هم رجال القافلة على الأرض صرعى.
سمعت عمّتَها زينب تندب: يا محمّداه.. هذا حسينٌ بالعَراء، مُرَمَّلٌ بالدماء، مُقطَّع الأعضاء، وبناتُك سبايا وذريّتُك مُقتَّلة.
وسارت القافلة وسط صياح القتلة وأسواطهم وهم يصعدون الأطفال والنساء على الإبل بالعنف والقسوة، ولكن فاطمة لم تفارق عيناها جسد أبيها حتى غاب عنها فاختنقت بعبرتها والدموع ملء عينيها.
وبعد رحلة مضنية دخلت فاطمة مع قافلة الحزن إلى الكوفة المدينة التي كانت عاصمة جدها أمير المؤمنين ها هي تتنكر لهم وتصفهم بالخوارج!!
هل سلبت السياسة الأموية الناس دينهم كما سلبتهم حريتهم وكرامتهم فتنكروا لآل النبي!! النبي الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور وحررهم من الذل والعبودية للإنسان إلى حرية الطاعة لله فرجعوا الآن إلى استعباد بعضهم لبعض ليكونوا تحت نير العبودية الأموية!!
خطبت السيدة زينب بخطبتها الخالدة التي شابهت كلام أبيها سيد البلغاء والمتكلمين، ثم خطبت بعدها أختها أمّ كلثوم، ثم جاء دور فاطمة بنت الحسين لتقرع بخطبتها رؤوس أهل الكوفة بالتقريع واللوم على قتلهم سيد شباب أهل الجنة وخذلانه ورجوعهم إلى الجاهلية الأولى بنسختها الأموية فقالت في خطبتها:
(الحمد لله عَدَدَ الرَّمل والحصى، وزِنةَ العرش إلى الثَّرى، أحمَدُه وأُؤمن به وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ اللهُ وحدَه لا شريك له، وأنّ محمّداً عبدُه ورسوله، وأنّ أولاده ذُبِحوا بشطّ الفرات، بغير ذَحْلٍ ولا تِرات!
اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتريَ عليك الكَذِب، أو أن أقول عليك خلافَ ما أنزلتَ عليه مِن أخذ العهود لوصيّه عليّ بن أبي طالبٍ عليه السّلام، المسلوبِ حقُّه، المقتولِ مِن غير ذَنْب ـ كما قُتِل وَلَدُه بالأمس ـ في بيتٍ من بيوت الله فيه معشرٌ مُسلِمةٌ بألسنتهم، تَعْساً لرؤوسهم! ما دَفَعَتْ عنه ضَيماً في حياته ولا عند مماته، حتّى قبَضْتَه إليك محمودَ النَّقيبة، طيّبَ العَريكة، معروفَ المناقب، مشهورَ المذاهب، لم تأخُذْه فيك اللهمّ لَوْمَةُ لائم، ولا عَذْلُ عاذِل، هدَيْتَه اللهمّ للإسلام صغيراً، وحَمِدتَ مَناقبَه كبيراً، ولم يَزَل ناصحاً لك ولرسولك صلّى الله عليه وآله، حتّى قبضتَه إليك زاهداً في الدنيا غيرَ حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رَضِيتَه فاختَرتَه فهدَيتَه إلى صراطٍ مستقيم.
أما بعدُ يا أهل الكوفة! يا أهل المَكْرِ والغَدر والخُيَلاء، فإنّا أهلُ بيتٍ ابتلانا اللهُ بكم وابتلاكم بنا، فجعَلَ بلاءنا حَسَناً، وجعَلَ عِلمَه عندنا وفَهمَه لدينا، فنحن عَيْبَةُ عِلْمِه، ووعاءُ فهمه وحكمته، وحجّتُه على الأرض في بلاده لعباده، أكرَمَنا الله بكرامته، وفَضَّلَنا بنبيّه محمّدٍ صلّى الله عليه وآله على كثيرٍ ممّن خلَقَ تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قِتالَنا حلالاً، وأموالَنا نَهْباً، كأنّنا أولادُ تُركٍ وكابُل كما قتلتُم جَدَّنا بالأمس، وسيوفُكم تَقطرُ مِن دمائنا أهلَ البيت؛ لحقدٍ متقدّم! قَرَّت لذلك عيونُكم، وفَرِحتْ قلوبكم، افتراءً على الله ومكراً مكرتُم، واللهُ خيرُ الماكرين. فلاتَدْعُوَنّكُم أنفسُكُم إلى الجَذَل بما أصَبتُم مِن دمائنا، ونالتْ أيديكم مِن أموالنا؛ فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرَّزايا العظيمة، في كتابٍ مِن قَبلِ أن نَبْرأها، إنّ ذلك على الله يسير، لكي لا تأسَوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، واللهُ لا يحبّ كلَّ مُختالٍ فَخور.
تَبّاً لكم! فانتظِروا اللعنةَ والعذاب، فكأنْ قد حَلَّ بكم، وتَواترَت من السماء نَقِماتٌ فيُسْحِتَكم بعذاب، ويُذيقَ بعضَكم بأسَ بعض، ثمّ تُخَلَّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتُمونا، ألا لعنةُ الله على الظالمين!
وَيْلكم! أتَدرون أيّةُ يدٍ طاعَنَتْنا منكم، وأيّةُ نَفْس نَزَعَتْ إلى قتالنا، أم بأيّة رِجْلٍ مَشَيتُم إلينا تَبغُون مُحاربتَنا ؟! واللهِ قَسَتْ قلوبُكم، وغَلظتْ أكبادُكم، وطُبع على أفئدتكم، وخُتم على سمعكم وبصركم، وسَوّلَ لكمُ الشيطانُ وأملى لكم، وجعل على أبصاركم غِشاوةً فأنتم لا تهتدون.
فتَبّاً لكم أهلَ الكوفة! أيَّ تِراتٍ لرسول الله صلّى الله عليه وآله قِبَلَكُم! وذُحولٍ لديكم بما صَنَعتم بأخيه عليِّ بن أبي طالبٍ جَدّي، وبَنيه وعِترتهِ الطيّبين الأخيار، فافتخرَ بذلك مفتخِرُكم فقال:
قد قَتَلْنا عليّـاً وبني عليٍّ *** بسيوفٍ هنديّـةٍ ورمـاحِ
وسَبَينا نساءهم سَبْيَ تُرْكٍ *** ونَطَحناهُـمُ فـأيّ نِطاحِ!
بفِيك أيُّها القائلُ الكَثْكَثُ والإثْلِب! افتَخَرتَ بقتلِ قومٍ زكّاهمُ الله وطَهّرَهم الله، وأذهَبَ عنهم الرِّجس ؟! فاكْظِمْ، وأقْعِ كما أقعى أبوك، فإنّما لكلّ امرئٍ ما كسَبَ وما قَدَّمتْ يداه.
وحَسَدتمونا ـ وَيْلاً لكم ـ على ما فضَّلَنا الله!
فما ذَنْبُنا إنْ جاشَ ـ دهراً ـ بُحورُنا *** وبَحرُكَ سـاجٍ ما يُواري الدَّعـامِصا
ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيم، ومَن لم يَجعَلِ اللهُ له نُوراً فما له مِن نُورٍ .
لقد تكلمت بكل هذه الفصاحة والبلاغة وهي في تلك الحالة من الأسر والسبي فضجت المدينة بالبكاء والنحيب وقالوا: حَسْبُكِ يا ابنةَ الطيّبين؛ فقد أحرَقْتِ قلوبَنا، وأنضَحْتِ نُحوَرنا، وأضْرَمتِ أجوافَنا فقطعت خطبتها لكن وقع المأساة التي جرت عليهم والجريمة النكراء التي ارتكبت في كربلاء لم تنقطع صورها عن مخيلتها فقالت:
أيقتل ظمآناً حسين بـ كربلا *** ومن نحره البيضُ الصقالُ لها وردُ
وتضحي كريماتُ الحسينِ حواسراً *** يلاحظها في سيرِها الحرُ والعبدُ
فياله من رزءٍ عظيمٍ مصابه *** يشق الحشا منه ويلتدمُ الخدُ
في مجلس يزيد
دخلت فاطمة مع عماتها وأخواتها ونساء بني هاشم وهن أسيرات على يزيد في مجلسه فهال فاطمة هذا الأمر وهن حرائر النبوة وربائب الوحي يدخلن على هذا الفاسق الفاجر فقالت فاطمة مستنكرة هذا المنظر: يا يزيد! أبناتُ رسول اللهِ سَبايا ؟!
إن هذا المجرم الذي ملأ صفحات التاريخ إجراماً وارتكب خلال سني حكمه من الجرائم والفظائع ما تقشعر له الأبدان وانتهك من الحرمات ما تشمئز له النفوس وعاقر الخمر والفجور وكفر بدين الإسلام في أبياته المشهورة قد بلغ أقصى درجات الانحطاط الخلقي والأخلاقي عندما دخل عليه سبايا آل محمد في مجلسه ومع ذلك تجد من تثيره النزعة الأموية الجاهلية ليدافع عنه ويحاول تجميل صورته التي شوهت وجه التأريخ.
لقد أجمع علماء الأمة بكافة مذاهبهم على كفره يقول الذهبي في (شذرات الذهب): (كان يزيد ناصبياً فظاً غليظاً يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بقتل الحسين وختمها بوقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره).
وقال اليافعي: (وأما حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممن استحل ذلك فهو كافر وإن لم يستحل ففاسق فاجر)
وقال ابن عساكر: (هو كافر بلا ريب)
وبعد كل هذه الأقوال يأتي ابن الصباغ المالكي ليجمل صورة يزيد مع سبايا آل محمد في كتابه (الفصول المهمة) ونقل قوله عمر رضا كحالة في (أعلام النساء) حيث رسما صورة ليزيد بما تشتهيه أهواء النواصب والوهابيين فذكرا ما نصه: (لما قتل الحسين حمل أهل الشام بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبايا على أحقاف الإبل فلما أدخلن على يزيد قالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد أبنات رسول الله سبايا ؟ قال بل حرائر كرام ادخلي على بنات عمك تجدين قد فعلن ما فعلت فدخلت فاطمة إليهن فما وجدت فيهن سفيانية إلا متلدمة تبكي)!!!
إن هذه النزعة الأموية التي تحاول تزويق سيرة هذا الفاسق الإجرامية تزيلها الحقيقة التاريخية وتكشف القناع عن ذلك الوجه البشع الدموي ليزيد بن معاوية ولنستمع إلى ما جرى على آل النبي على لسانهم في مجلس يزيد:
قالت السيدة فاطمة وهي تصف دخولهم على المجرم يزيد: (ولمّا جلسنا بين يدي يزيد، قام إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، وكنتُ جارية وضيئة، فأرعدتُ وظننتُ أنّ ذلك جائز لهم، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون، فقالت عمّتي للشامي: (كذبتَ والله ولؤمت، والله ما ذاك لكَ ولا له).
فغضب يزيد فقال: كذبتِ والله، إنّ ذلك لي، ولو شئتُ أن أفعل لفعلت.
قالت زينب: (كلاّ والله ما جعل الله ذلك لكَ، إلاّ أن تخرج عن ملّتنا وتدين بغير ديننا)، فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا، إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك.
قالت زينب: (بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّكَ وأبوك إن كنت مسلماً)، فقال يزيد: كذبتِ يا عدوّة الله.
قالت زينب: (أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك)، فكأنّه استحى وسكت، فعاد الشامي فقال: هب لي هذه الجارية، فقال له يزيد: أعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً.
كرمها وشمائلها النبوية
لم تمنع فاطمة كل المصائب والمحن التي رافقتها في رحلتها الطويلة من المدينة إلى كربلاء ومنها إلى الكوفة والشام وما واجهته من المصاعب فيها من التحلي بالصفات الكريمة والنبيلة التي توارثتها عن أبيها وجدها وهي صفات الأنبياء والمرسلين فلم تنسها الفجائع التي حلت بها من أن تكرم من أحسن إليها حتى في تلك الظروف التي يفقد فيها الإنسان رشده.
تقول الكاتبة السورية السيدة زينب بنت علي الفوّاز العامليّ في كتابها عن السيدة فاطمة بنت الحسين ما نصه:
(كانت فاطمة بنت الحسين كريمةَ الأخلاق، حسَنةَ الأعراق.. لمّا جهّز يزيدُ أهلَ البيت إلى المدينة بعد قتل الحسين عليه السّلام، أرسل معهم رجلاً أميناً مِن أهل الشام في خيلٍ سَيّرها، صَحِبَتُهم إلى أن دخلوا المدينة.. فقالت فاطمة بنت الحسين لأختها سكينة:
ـ قد أحسَنَ هذا الرجلُ إلينا، فهل لكِ أن نَصِلَه بشيء ؟
ـ واللهِ ما مَعَنا ما نَصِلُه به إلاّ ما كان مِن هذا الحَلْي.
ـ فافعَلي.
فأخرَجَتْ فاطمةُ له سِوارَين ودُمْلُجيَن، وبَعَثتْ إليه بهما، فردّهما وقال:
ـ لو كان الذي صَنَعْتُه رغبةً في الدنيا لكان هذا كفاية، ولكنّي ـ واللهِ ـ ما فعلتُه إلاّ لله؛ لقرابتكم من رسول الله.
ويستأذنها الكميت بن زيد شاعر أهل البيت ليقرأ عليها ما جرى عليهم من المحن والظلامات فتأذن له وتأمر له بثلاثين ديناراً وفرساً رغم ما ببني هاشم من خصاصة من ذلك العهد الأموي الأسود، وهذا ما جعل الكميت يبكي ويقول: (لا والله لا أقبلها .., إني لم أحبكم للدنيا)
وفاتها
توفيت (عليها السلام) عام (110هـ) أو (117هـ) في مصر على الأشهر، ودفنت فيها ولها ضريح يُزار في زقاق يعرف بزقاق (فاطمة النبوية) وقد ذكر قبرها الرحالة ابن بطوطة المتوفى (779هـ) في رحلته بقوله: (وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخط بديع: (بسم الله الرحمن الرحيم لله العزة والبقاء وله ما ذرأ وبرأ وعلى خلقه كتب الفناء وفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة ... هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين، وفي اللوح الآخر منقوش: صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر وتحت ذلك هذه الأبيات
أسكنتُ من كان في الأحشاءِ مسكنه *** بالرغمِ منيَ بين التربِ والحجرِ
يا قبرُ فاطمةٍ بنت ابنُ فاطمةٍ *** بنتُ الأئمةِ بنتُ الأنجمِ الزهرِ
يا قبرُ ما فيكَ من دينٍ ومن ورعٍ *** ومن عفافٍ ومن صونٍ ومن خفرِ
اضف تعليق