عاشت العاصمة بغداد، أمس، يوماً دامياً، في ثاني يوم من العام الجديد، على وقع 10 تفجيرات عنيفة ضربت مناطق متفرقة من جانبي الكرخ والرصافة، واستمرت حتى ساعة متأخرة. وأوقعت التفجيرات الإرهابية 95 قتيلاً وجريحاً، بحسب مصادر أمنية.
إعصار من الادانات والاستنكار على مستوى الداخل العراقي او من الدول الإقليمية والأجنبية، فيما اغلب التحليلات والتصريحات ركزت على سببين رئيسيين لهذه التفجيرات ضعف داعش في المناطق التي يحارب فيها وبالتالي بات يبحث عن موطئ سيارة مفخخة ليثبت وجوده، اما الاتجاه الثاني فأكد على ان الخلافات السياسية قد انعكست على الوضع العام في العراق وأدت الى فتح ثغرات امنية.
ما ذكره المسؤولون والمحللون دقيق جدا فداعش أضعف من أي وقت مضى وايامه باتت بعدد الاجتماعات التي تعقدها الدول الإقليمية والدول الكبرى من اجل تقاسم مناطق النفوذ، وبالتالي فهو يحاول تغير استراتيجيات المواجهة كما عودنا في السابق واستهداف المدنيين هو أقرب الطرق لشاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي التي توفر دعاية مجانية للتنظيم الإرهابي وتثبت انه ما زال على قيد الإرهاب.
المثير لكن تناقضات الحزن والضحك هو ما يقوله المسؤولون العراقيون بان ما حدث هو نتيجة الخلافات السياسية، ومحاولة كل طرف ان يرمي الفشل في ساحة خصمه واتهامه بالتسبب في هذا المأتم العراقي الاليم.
فيما استثمرت جهات سياسية أخرى الحادثة للدعوة الى اصلاح لم تلتزم بوضع تعريف واضح له، اما وسائل الاعلام العراقية فمارست دورا خاطئا كما عرفناها سابقا، فنسيت القضية واهتمت بقضية مموليها، واستخدمت التفجيرات للتذكير بأطروحاتها واهتماماتها، مدعومة بتصريحات قادة الكتل السياسية وبكائهم على الشهداء والجرحى.
وليس مستغربا ان يعلن داعش مسؤوليته عن الاعتداء الإرهابي، فهو يتقاسم قتل العراقيين مع الطبقة السياسية الحاكمة مع اختلاف الأساليب. ومواقع التواصل الاجتماعي غرقت في بحر من البكاء والعويل على الشهداء والجرحى، وعندما تفتح نافذة الفيس بوك تجد نفسك في مأتم الكتروني كبير، واغلب هذا البكاء كان استعارة لبعض الشعارات السياسية اذ لا تزال بعض الجهات الشعبية تسبح في فلك الأحزاب رغم الدمار والخراب.
الكتل السياسية اثبتت قدرة هائلة على التمسك بقتل الشعب العراقي، من خلال أساليب المكر والخداع وعدم الجدية في إيجاد الحلول السياسية والتي انعكست على تدهور الوضع الأمني في العراق. والثغرة الأمنية مرشحة للتوسع إذا لم تعالج الأمور، فالتصريحات التحذيرية من إمكانية استغلال داعش لبعض الثغرات لم تكن كافية لبحث الحلول الممكنة لتلك المشكلة.
هناك خط "احمر" قد يكون مشاركا في هذه الثغرة الأمنية، وعلينا اليوم التأشير عليه قبل فوات الاوان، فالواضح ان سيارات المسؤولين لا يمكن تفتيشها وبعضها لا يحمل لوحات تسجيل ويمكن تخيل سيارة داعشية مظللة النوافذ وتخترق السيطرات الأمنية بكل سهولة، والخط "الأحمر" الاخر يتمثل بعدم تنظيم بعض الفصائل التي تقاتل بجانب القوات العراقية إذ أربكت الوضع الأمني في بعض المناطق، فلا يعقل ان لا يخضع بعض افراد هذه الفصائل المسلحة للقانون بسبب ما يقومون به من عمل وطني كبير في سبيل الدفاع عن البلد، ومن يذهب الى بغداد يرى بعض السيارات لا تحمل لوحات تسجيل وغالبا ما تستبدل بشعار الفصيل المسلح. وسيبقى الشعب العراقي مدين لهم بكل لحظة يعيشونها في جبهات المواجهة ضد داعش. لكن هذه الفوضى تربك الوضع الأمني وتقلل من فرص فرض الامن لحماية المواطن والمسؤول والفصيل المسلح على حد سواء.
على المستوى الشعبي أصبحت التقنيات الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي وقودا لدعاية داعش، وكل صورة تنشر هي بمثابة الزيت الذي يصب على القلوب الملتهبة، ولا ندعو لنسيان الحزن بل البحث عن جذور هذا الحزن واقتلاعه من جذوره. وعلى الشعب ان يصفع كل سياسي يخرج ببيان استنكار خالي من مطلب بتنفيذ احكام الإعدام بحق الإرهابيين في مكان التفجير. والسيارات المظللة وتلك الخالية من لوحات التسجيل تحصد اروح الأبرياء في ظل اعدام فرص تفتيش السيارات الحكومية.
العراق يمر بأزمة امنية وسياسية خطيرة، والشعب العراقي يذبح على قارعة العالم ومن لم ينهض بثقل المسؤولية من موقعه لا يمكنه صون كرامة الشهداء وحفظ دماء احفادهم ان بقي لهم احفاد، الا ان الحقيقة دائما ما تكون مؤلمة فالوضع الأمني سيبقى مرتبكا وعلينا توقع المزيد من التفجيرات، والإجراءات الأمنية التي تتخذها قوات الأمن العراقية لا تكفي فداعش تستخدم أساليب جديدة وتضرب في المناطق الرخوة دائما او ذات القيمة الطائفية، فبينما تخترق خاصرة جنوب العراق في السماوة قبل أيام، تعود لتباغت الأجهزة الأمنية في بغداد، وبدون تفعيل جهد استخباري حقيقي لا يمكن إيجاد حلول حقيقية. وقد لا تكون التفجيرات المقبلة في بغداد لكنها ستستهدف المدنيين بكل تأكيد.
ومهما كثرت التفجيرات وغرقنا في وحل الاستنكارات لا سبيل للعراقيين غير التخلص من هذه الطبقة السياسية الحاكمة، ومن يدعو لبقاء الوضع على ما هو عليه خشية وقوع الاسوء فهو لم يحسب العملية بشكل صحيح، والسنوات السابقة تؤكد ان لا امل مع الوضع السياسي الحالي الا بتركيبة سياسية جديدة تكون جادة في إيجاد الحلول واولها حل ازمة الامن والقضاء على الممارسات السياسية الخاطئة.
اضف تعليق