يستعين تنظيم داعش الإرهابي بأطفال ومراهقين في تنفيذ عمليات إرهابية، ويستخدمهم كقنابل بشرية في كل مكان. فقد انتشرت مؤخرا صورا وتسجيلات مصورة على شبكة الانترنت لأطفال يتدربون ويتلقون تعليمات وينفذون تفجيرات وعمليات إعدام في مناطق أفغانستان ونيجيريا وليبيا وحتى في سوريا والعراق (خلال الفترة الماضية)، ويركز داعش في أسلوبه على تحويل الأطفال إلى قنابل قاتلة من خلال استخدام عامل الخوف او غسل الادمغة.
المغزى الأول من تجنيد الأطفال، الذي ارتفعت معدلاته بشكل تصاعدي بعد تحول أولويات جماعات العنف في طرائق المواجهة، هو تحويلهم إلى وقود للعمليات الانتحارية، لأسباب كثيرة تعود إلى سهولة تجنيد الأطفال وتحويلهم إلى كوادر يمكن الوثوق بها، إضافة إلى أن نقص معدلات الاستقطاب منذ بدايات الحرب على الإرهاب أسهم في البحث عن فئات جديدة للاستفادة منها، على رأسها الأطفال والنساء، وحتى المختلين عقليا، كما كان يحدث في تفجيرات السيارات المفخخة في العراق، التي اكتشف لاحقا أن منفذيها أشخاص لا يملكون قرارهم بسبب إصابتهم بالأمراض العقلية.
تقول جوليت توما المتحدثة الإقليمية بأسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف): "يتزايد تجنيد الأطفال في أنحاء المنطقة، فهم يضطلعون بدور أكثر نشاطا، ويتلقون التدريبات على استخدام الأسلحة الثقيلة وحراسة نقاط التفتيش على الخطوط الأمامية ويتم استخدامهم كقناصة كما يتم استخدامهم في الحالات القصوى كمفجرين انتحاريين".
واوضح الباحث والكاتب المتخصص بشؤون داعش هشام الهاشمي، إن المتشددين أعادوا تنشيط كتائب الشباب كرد فعل على الخسائر التي منيت بها في ساحات القتال في العراق وسوريا.
وقال إن المراهقين يسهل تجنيدهم في مهام انتحارية خاصة في لحظات المعاناة او اليأس لفقد أحبائهم، مضيفا أن الصبية أقل لفتا للانتباه والشك مقارنة بغيرهم من البالغين.
توفير النفقات
يرى خبراء معنيون بشأن الجماعات الإرهابية، أن اتجاه تنظيم داعش الإرهابي لدفع الأطفال للقيام بهجمات تفجيرية يسقط آخر أقنعة التنظيم الزائفة، ويرجح هؤلاء أن يكون التنظيم قد توجه إلى استغلال الصغار توفيرا للنفقات، ولتفادي خسارة اعداد من انصاره.
ومن ناحية أخرى، يقول الخبراء أن الأطفال ورقة رابحة جديدة لداعش يستغلهم وقودا للحروب، ولنقش عقيدته الدموية على عقولهم البيضاء، وفي مدارس أشبال الخلافة يصار إلى تدريب الأطفال على ثلاث مستويات، فكرية وقتالية ونفسية.
ويشير الكاتب والخبير في مركز التحرير الأمريكي لدراسات الشرق الأوسط حسن الحسن، إلى أن ظاهرة الانتحاريين الصغار هي نتاج استثمار داعش في الأطفال، موضحا أنهم الجيل الثاني ، فعندما يحتاجونهم يقومون باستدعائهم، وتشبه أساليب التنظيم تلك الخاصة بالقاعدة في العراق التي استخدمت الأطفال كانتحاريين ووصفتهم بطيور الجنة، كما أن طالبان استخدمت الأطفال في تفجيرات أفغانستان وباكستان من أجل الوصول إلى أهداف حساسة دون إثارة الشكوك.
ضغوطات نفسية
اعتبر الباحث في شؤون الارهاب علي الطالقاني، بأن الطفل ذو تأثر وحساسية عالية بالاحداث التي تدور عبر المحيط الاجتماعي الذي ينتمي اليه، وكذلك له اسقاطات على تكوينه النفسي وبالمحصلة فأن ذلك اسقط على السلوك اليومي لمستقبل حياته القادمة، فضلا عن تأثره في الراهن من الزمن وانسيابه في الطرق غير السوية التي تكون عنيفة ومتمردة على الواقع كرد فعل مستتر يلقى متنفسه عبر تلك السلوكيات.
موضحا بالقول، "لعل الحروب هي من بين العوامل القوية لمعاناة الطفولة إضافة للعوامل الاقتصادية والصحية والتربوية، فقد ألقت كل هذه المؤثرات بثقلها على كاهل الطفولة مما جعلها حضنا غير ملائم لتنسيق التربية الصحية للطفل".
مؤكدا على "ان ظاهرة العنف بدأت تزداد يوم بعد يوم بين الأطفال وخصوصا في القرن الحالي ويعود سبب ذلك الى عوامل منها، العامل الثقافي، العامل الاجتماعي، العامل البيولوجي، العامل الاقتصادي".
اهداف لا انسانية
اكد الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية والمتخصص بالقانون الدولي الدكتور قحطان حسين، "ان داعش عصابة إجرامية لا تعترف باي قيم وقوانين وأعراف، فهي تؤمن بحقيقة واحدة وهي ان تسخر كل وسيلة مقبولة أو غير مقبولة لتحقيق أهدافها المتمثلة في السيطرة على الآخرين وقتل أكبر عدد من المعادين، لذلك لا تتردد في استخدام الأطفال وتجنيدهم خدمة أهدافها اللاإنسانية".
موضحا ان داعش يبرر لنفسه تجنيد الأطفال وتفخيخهم من أجل قتل أكبر عدد من الأعداء وهو لا يعترف بجرمية وبشاعة هذا العمل بل يعتبره عملا يقرب إلى الله ويخدم الإسلام ويحتسب الطفل الضحية شهيدا عند الله.
مشيرا الى مسألة الاعتماد على الأطفال في المعركة، وهو ما يؤشر قلة إعداد المقاتلين لديه كما يضطر إلى تسخير الأطفال لسد النقص في عدد مقاتليه وأيضا قد يكون الهدف تكتيكي من خلال الإيقاع بالاعداء، من باب ان العدو لا يتوقع من الطفل ان يكون مقاتلا أو انتحاريا وبالتالي لا يحذره او يقتله بشكل وقائي او يجعله هدفا لنيرانه.
استغلال العاطفة الدينية
واحدة من أهم خطوات تجنيد المراهقين ممن هم دون العشرين حالة العاطفة الدينية لصغار السن، الذين عادة ما ينخرطون في تجربة تدين حديثة، مصحوبة بتضحوية شديدة، فكثير من هؤلاء الشباب العشريني يعاني في هذه المرحلة العمرية الحساسة من اضطراب سلم القيم، كما هو معروف في علم النفس الاجتماعي، إذ تتقدم قيم إظهار الذات وتحكيم العاطفة والتضحية، والإقدام على قيم أخرى، كالعقلانية والانسجام بالبيئة المحيطة.
وبحسب عدد كبير من اعترافات الشباب المغرر بهم ممن استطاعوا الخروج من مأزق التجنيد إما عبر الاعتقال أو الفرار، فإنهم يؤكدون على أن الشاب المتدين في العشرين من العمر يُعد صيدا ثمينا لجماعات التطرف بسبب استغلال حسن نيته واندفاعه، ورغبته الملحة في تغيير الأوضاع التي يعاني منها العالم الإسلامي وفق الرؤية الساذجة التي يقدمها له إعلام جماعات التطرف، من دون مراعاة للتعقيدات السياسية التي تحيط بتلك المناطق المتوترة.
تراجع دور العائلات
إن ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة قد تحمل مؤشرا على تنصل العائلة من المسؤولية او طمعها بالمال، وذلك تبعا للأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، التي تدفع بالعائلات الفقيرة للعمل على ضمان فرص عمل لأطفالهم حتى ولو كان ذلك في سن مبكرة أو تطلب أن يحملوا السلاح، هذا فضلا عن انخراط بعضهم ضمن جماعات دينية مسلحة دون علم الأسرة.
غسيل الأدمغة
الاعلام المضلل يشكل جزءا أساسيا في عملية غسل الدماغ التي لها تبعات طويلة الأمد على الشباب الذين يصعب عليهم لاحقا التخلص تصوريا وعاطفيا من تلك التجارب القاسية التي خضعوا لها داخل معسكرات داعش التي تستخدم أعدادا متزايدة من الأطفال المختطفين في اعتداءاتها الإرهابية. ويتزامن هذا التركيز على الأطفال مع التراجع المستمر في عدد المقاتلين وعدم استطاعتهم في السيطرة على الأرض. ويقول خبراء عسكريون إن التنظيم خسر في غضون سنتين 45,000 مقاتل ولم يعد يتحكم سوى في نحو 15,000 شخص.
تقديرات متوافقة
إن أكثر من ١٠٠٠ طفل أيزيدي وكردي دخلوا مدارس تابعة للتنظيم لتأهيلهم للقتال، قبل أن يعودوا إلى مناطق أهلهم ويفجروا أنفسهم، ونفذ ٣٠ طفلًا عمليات انتحارية في الربع الأخير من العام الماضي.
وبحسب مدير مكتب المخطوفين الأيزيديين فى محافظة دهوك حسين كورو، فإن هناك حوالي ٨٠٠ طفل تتراوح أعمارهم بين ٥ و١٨ عامًا يتم تدريبهم في ثلاثة معسكرات لتنظيم داعش في مناطق البعاج والموصل والرقة السورية، على كيفية قطع الرؤوس والأعمال الانتحارية.
تجنيد بمعدل مثير للقلق
خلصت دراسة في فبراير شباط أعدها مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية ويست بوينت ودرست الدعاية التي ينشرها التنظيم عن الأطفال والشباب خلال الفترة بين يناير كانون الثاني 2015 و2016 إلى أن العمليات الانتحارية التي شملت أطفالا خلال هذا العام زادت لثلاثة أمثالها.
وقالت الدراسة "إنهم يمثلون شكلا فعالا من الحرب النفسية، عرض القوة واختراق الدفاعات ونشر الخوف في قلوب جنود العدو".
وانعكست هذه الأساليب في غرب أفريقيا، حيث تعقب مسؤولون في الأمم المتحدة زيادة في الهجمات، وفي تقرير نشر في أبريل، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن الهجمات التي تورط فيها مفجرون أطفال خلال الفترة بين عام 2014 و2016 زادت لثلاثة أمثالها في شمال شرق نيجيريا حيث تتمركز جماعة بوكو حرام النيجيرية وفي الكاميرون المجاورة والنيجر وتشاد.
الإشكالية تبدأ ولا تنتهي عند نقل الموضوع من مستوى مجرد القتال إلى معنى أبعد وأعمق، وهو المشاركة، ولو بشكل غير مباشر، في أتون الحروب، حيث ندرك أن كثيرا من التنظيمات الثورية حتى غير الجهادية تستغل الأطفال في حمل المتع والطهي أو استخدامهم جواسيس، وغير ذلك من ظواهر الفعاليات العنفية في الحروب المعاصرة.
ويعد ملف تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة قديم قدم الظاهرة التي تضرب بجذورها في التاريخ العنفي، إلا أن توثيق هذه الصور من قبل الموجه الجديدة للإرهاب الفوضوي التي تقودها بامتياز، أعاد فتح القضية، على اعتبار انتقال الظاهرة من مربع حقوق الطفل الذي كان جدلا نخبويا محصورا بين أروقة المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية ذات العلاقة، إلى ظاهرة عامة تطرحها وسائل الإعلام دون أن تحظى بنقد واعي لخطورة الزج بمثل تلك الصور، ولو على سبيل الإثارة الصحفية، دون قراءة فاحصة للأسباب والمسببات والنتائج والآثار المترتبة على تفشي ظاهرة استغلال الأطفال من قبل المجموعات المتطرفة.
اضف تعليق