يتبجح العالم المتمدن في الرقعة الغربية من المعمورة بأنه ألغى عقوبة الإعدام ويتبجح أيضا بأنه يطبّق العدالة، ومن إجراءات العدالة أنها تنصب الإنسان الذي يطوله ظلم او جريمة تلحق به ضررا ماديا أو معنويا وكثيرة هي الأضرار من كلا الطرازين المعنوي والمادي واذا كان الأخير قابل للمعالجة او النسيان، فإن الطراز المعنوي يستعصي على الشفاء او النسيان لأنه يتعمد تصويب الأذى للروح وليس للجسد او الممتلكات.
في سبايكر، فُجِعتْ 1700 عائلة عراقية وثُكِلتْ أمهات وتيتّم أطفال وفُجع آباء وزوجات ترمّلن بسبب هذه الجريمة النكراء، وجميع المغدورين الـ (1700) هذا اذا لم يكن العدد الحقيقي اكبر جميعهم من الشباب وتم تصفيتهم بأبشع الطرق وأكثرها دموية وهمجية تصطف الى جانب الأساليب المرعبة للقتل الجماعي والإبادة التامة.
ولعل المقطع الأبشع في هذه الجريمة تلك الخديعة التي خطط لها ورسمها كثيرون وهم الذين اشتركوا عن عند في إلقاء هؤلاء الشباب في مصيدة داعش، حيث وجد مئات الشباب العراقيين أنفسهم بغتة في مصيدة الموت الهمجي الغادر فمن حقوق الانسان أن تنتهي رحلة حياته بموت لا إذلال فيه ولا جرم لكن الذي حدث لهؤلاء الشباب أنهم دُفِعوا الى مصيدة الدواعش بسيناريو مخطط له سلَفاً ولا يُستبعَد أن هؤلاء الشباب الأبرياء، تعرضوا لصفقة بيع خسيسة.
أما الذين اشتركوا في هذا التخطيط، فإننا واقعاً لم نتعرف عليهم حتى هذه اللحظة ولم تعلن جهة قضائية او تشريعية او اية جهة حكومية عن أسماء الذين خططوا للإيقاع بهؤلاء الشباب ودفعهم نحو مقصلة الموت بلا رحمة او ذمة او ضمير، وقد يقول قائل (إنها الحرب) تُشهر أطناب الموت في كل مكان ولكن حتى الحرب لها (قواعد وقيم واتفاقيات عالمية) وإن كان اسمها (حرب) فالتاريخ يغص بالحروب ولكن ثمَّ محددات تضبط الحرب وتقّلم أظفارها، مراعاة لإنسانية المحارب من الطرفين وحصانة لكرامته.
الآن نقرأ ونسمع من يدعو الى التعامل مع مجرمي (سبايكر) أو غيرهم من المجرمين الذين ألحقوا الموت بطفل بريء او امراة او شيخ مسن ومتعب، ثمَّ من يطالب معاملتهم بإنسانية فيا لها من دعوة ويا لها من ضمائر تلك التي تدعو الى الرحمة بمن لا رحمة في قلوبهم، أين كانت الرحمة في لحظات الغدر الأكثر قسوة وهمجية في تاريخ الحروب وها قد وضع المختصون هذه الجريمة في مصاف الجرائم الحربية الكبرى وهذا ليس كلام من فقدوا فلذات أكبادهم، إنه كلام منظمات عالمية مستقلة قالت أن هذه الجريمة ترقى الى جرائم الابادة.
الآن لماذا تماطل وتتلكّأ الجهات المختصة في تنفيذ أحكام الإعدام بحق هؤلاء وهي عقوبة في قمة العدل فلماذا لم تستجب الجهات القضائية والحكومية الى طلبات ذوي المغدورين بالتسريع في إعدام القتلة الارهابيين ولماذا يرفضون تنفيذ القصاص بهم في الأماكن التي يطلبها أهل الضحايا وفي الأماكن التي يختارونها ويكون فعل القصاص أمام الملأ بالمباشر، حتى تبرد النار التي تضطرم وتستعرّ الى الآن في قلوب الأهالي ما هو جانب الظلم في قرار كهذا؟؟ أليس من العدل أن ترى الأم المفجوعة عقوبة القصاص بمن أزهق روح ابنها وأوقف أنفاسه غيلةً وغدرا، وكذا الأب والزوجة والأخ والأخت أو الإبن؟.
إن طلبات من قبيل الرأفة بهؤلاء العتاة البغاة الجناة من عديمي الضمير والرحمة تغدو مبالغا بها اذا كانت تدعو الى الرأفة والرحمة بمن لا تحق عليهم الرحمة ولا الرأفة أو الشفقة نحن لسنا مع الدم ولا مع العقوبات القاتلة، ولكن هذا هو القصاص (وبشّر القاتل بالقتل/ الأحزاب) وهذه هي عدالة القرآن: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ/ البقرة 179) أليس هذا قول الله تعالى فلماذا التلكؤ والإبطاء في تنفيذ القصاص العادل بمن لا عدل ولا رحمة عندهم؟.
في أحلك ظروف الأمة كانت العدالة هي المعيار الوحيد القادر على تخليص الأمة من الفوضى التي تسوّر حياتها فلماذا هذه المطالب المتكررة بإهمال العدالة اليوم؟ نعم نحن أمة ترغب أن يعمّها الخير والرأفة والتراحم، نحن أمة تتطلع الى أمام أمة تريد أن تصطف الى جانب التحضّر لأنها من صنّاع الحضارة بل من أوائل الذين نشروا النور في رحاب البشرية.
بيد أن العدل لابد أن يسير في سكته الصحيحة فالوقوف أمام هذه السكة وتعويق السير فيها هو تأخير لتطور الأمة والدعوة هنا الى التريث في معاقبة المجرمين هي دعوة لانتشار الجريمة، وتشجيع المارقين الدواعش ومن يؤيدهم ويتبع لهم على ارتكاب الجريمة بأبشع صورها لأن الرادع اذا غاب والقصاص اذا تم إهماله فإن المجرمين سوف لا يتوقعون إنزال القصاص بهم، فيصبحون أكثر وحشية وأكثر تنمّرا واكثر شهية على حزّ رقاب الأبرياء بلا سبب.
هل علينا أن نقدم التماسا الى من يعنيه الأمر لتحقيق العدالة حول سبايكر؟ وهل يريد السيد الرئيس أن نتوسّل إليه ونذكره بأن الـ 1700 شابا لا تزال دماؤهم ساخنة وعيونهم شاخصة وقلوبهم نابضة وأرواحهم ترفرف فوق رؤوس ذويهم ليل نهار مطالبة بإنصافهم؟؟ ومعاقبة من غدر بهم وأزهق أعمارهم بوحشية لا مثيل لها؟.
إننا فعلا نقدم التماسا للرئيس ولدار القضاء والمسؤولين فيه من القضاة المحترمين وندعوهم فيه الى تحقيق العدل وإنصاف المظلومين ووضع الظالمين أمام جرمهم المشهود عالميا، وحيال ما اقترفت نفوسهم وأيديهم من جرائم قد تكون البشاعة قليلة بوصفها فيا أيها الحكام العراقيون أيها المسؤولون في هذه القضية ها هي دماء شهداء سبايكر وعمليات الارهاب الاخرى تطالبكم بالقصاص العادل ممن غدروا بهم فهل هذا المطلب يضم بين طياته تجنيا على الجناة؟!!.
اضف تعليق