q
{ }

قدّم مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث ورقة بحثية في ملتقى النبأ الأسبوعي تحت عنوان (التعصّب والتطرّف بين الصِدام والإحتواء)، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين والإعلاميين المهتمين بالشأن العراقي.

ادار الجلسة مدير المركز حيدر الجراح بادئا حديثه بمقدمة اشار فيها" الى ان الفكر والعقائد وكما يصفها الفيلسوف العربي زكي نجيب محمود (هو ان تختار مسكنا فكريا وعقائديا لتقيم فيه راضيا عن نفسك ولكنك لا تريد لغيرك ان يختار لنفسه ما يطيب له من فكر وعقيدة بل تلزمه الزاما بالحديد والنار احيانا ان ينخرط معك تحت سقف فكري واحد).

"حيث تمتد جذور التطرف في التكوين الهيكلي للأفكار والمُثل والأيديولوجية التي يرتضيها المجتمع. فالفكر المتطرف شأنه شأن أي نسق معرفي، هو ظاهرة اجتماعية تتأثر وتؤثر في غيرها من الظواهر، وهي مرتبطة إلى حد كبير بالظروف التاريخية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ظروف يتعرض لها المجتمع".

 "وان التطرّف، تعبير يستعمل لوصف أفكار أو أعمال ينظر إليها من قبل مطلقي هذا التعبير بأنها غير مبرّرة من ناحية الأفكار، ويستعمل هذا التعبير لوصم الأيديولوجيا السياسية التي تعتبر بعيدة عن التوجه السياسي للمجتمع.

من ناحية الأعمال، يستعمل هذا التعبير في أغلب الأحيان لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغيير سياسية أو اجتماعية. وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين".

وقد حاول بعض الباحثين التوصل إلى تعريفات لمفهوم التطرف:

ففُسر على أنه "اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً يتسم بالقطيعة في استجاباته للمواقف الاجتماعية التي تهمه، واستخدم مفهوم التطرف للإشارة الى الخروج عن القواعد الفكرية والقيم والمعايير والاساليب السلوكية الشائعة في المجتمع.

 مضيفا" وقد يتحول التطرف من مجرد فكر الى سلوك ظاهري او عمل سياسي، ضد كل ما يقف عقبة في طريق تحقيق تلك المبادئ والافكار التي ينادي بها هذا الفكر المتطرف، ان مصطلحي التطرف او متطرف يطلقان بشكل دائم تقريبا من قبل الاخرين وليس هناك طائفة اسلامية او مسيحية تدعو نفسها بالمتطرفة وليس هناك حزب سياسي يدعو نفسه متطرف يميني او متطرف يساري"

 يرتبط التطرف بالعديد من المصطلحات منها الدوغماتية اي الجمود العقائدي والانغلاق العقلي، والتطرف بهذا المعنى هو اسلوب مغلق للتفكير يتسم بعدم القدرة على تقبل اية معتقدات تختلف عن معتقدات الشخص او الجماعة او على التسامح معها ويتسم هذا الاسلوب بنظرة الى المعتقد تقوم على الاستعداد لمواجهة الاختلاف في الرأي او حتى التفسير بالعنف وفرض المعتقد على الاخرين ولو بالقوة.

واشار الجراح" الى ان التطرف كالتعصب قبول بغير دليل، نقل بغير شك، تسليم دون سؤال، رجوع حدّي الى اصل ثابت، الغاء لأي حضور مغاير، رفض لكل ما يغاير جنسه".

 والتعصب حالة معرفية تنطوي فيها الذات على ما ادركته وترفض ان ترى سواه او تمنح غيره حق الوجود فوجود ما تأمن به هذه الذات دون مراجعة اشبه بوجودها نفسها، وبقدر ما تنطوي الذات على ايمانا مطلق بما تراه فان ايمانها به يتضمن معنى الاطلاق الذي ينسي نسبية المعرفة وانكار الخطأ.

يكمل الجراح" المتطرف هو المتعصب الذي يصل الى الحد او الطرف الذي لا يرى فيه سوى ما استقر في وهمه، فلا يجاوزه الى غيره، ولا يقبل سواه والذي يقرن رفضه بإلغاء وجود الاخر المغاير وذلك بفعل قمعي هو الحد الذي يقضي به على الاخر فكريا وماديا".

وان حق الاختلاف الذي يعني حرية الاختيار هو شرط اساسي لمعنى المواطنة في الدولة المدنية وهو معنى يلزم عنه حق الاجتهاد الديني وحق الانحياز الى تامين دين دون سواه ولكنه لا يعني بالقطع الغاء حق الاخرين في ان يغتنوا بالدين او يخالفوا التأويل الديني الرسمي داخل اجماع التأويلات التي تنتمي الى دين واحد.

مظاهر التطرف

التعصب للرأي تعصبا لا يعترف للأخرين في الرأي

التشدد والغلو في الرأي

العنف بالتعامل والخشونة في الأسلوب دون التعامل بالحسنى والحوار

سوء الظن بالأخرين والنظر اليهم نظرة تشاؤمية

"ويبلغ هذا التطرف مداه حين يسقط في عصمة الاخرين ويستبيح دمائهم واموالهم وهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الاقلية على الأكثرية بالكفر والالحاد ومن مظاهر التطرف العزلة عن المجتمع والعزلة تؤدي وظيفتين".

الاولى: تجنب المتطرفين المنكرات التي تملا جوانب المجتمع وحمايته من ان يشاركوا في نهج الجالية.

الثانية: ان يكون لهم مجتمع خاصة بهم تطبق فيه افكارهم ومعتقداتهم وتتسع دائرة هذا المجتمع شيئا فشيئا حتى تستطيع غزو المجتمع من خارجه.

 أثار التطرف

- التدهور في الانتاج حيث ان اهم عنصر في قوى الانتاج هو الانسان العامل الذي لابد كي يطوره انتاجه من ان تتطور قدراته العقلية بحيث يكون قادر على الابداع والابتكار والتجديد.

- يمثل التطرف دائما حنينا الى الماضي العودة الى الوراء اي انه دائما يكون ذا منحي رجعي ومحافظة على احسن الاحوال وبالتالي فانه يجري العلاقات الاجتماعية الى اوضاعا بالية ولا تلائم تقدم العصر.

- يرتبط التطرف بالتعصب والعنف الامر الذي يؤدي في النهاية الى صراعات مدمرة داخل المجتمع.

- يرتبط التطرف بالتدهور الثقافي والفكري والعلمي والفني انه قتل للإنسان باعتباره كائن مبدعا وخلاقا.

- يعطل التطرف الطاقات الانسانية كافة ويستخدمها في الصراعات والعداوات ويحول دون تكامل المجتمع.

- ان الغلو بالتطرف يدعو الى عزل المجتمع عن التفكير في حلول مبدعة عن مشكلاته وتطوير ذاته.

بعد ذلك طرح الجراح على الحضور سؤالين:

السؤال الاول: ما هو مفهومك للتطرف؟.

المداخلة الاولى كانت لمدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية عدنان الصالحي وهو يعتقد ان (التطرف مفهوم واسع وفيه اراء متعددة وهو يعني التشدد بالموقف ايا كان هذا الموقف، فكري، سياسي، ديني، اجتماعي، الى درجة رفض الرأي الاخر بشكل قاطع واعتبار ان الرأي الذي يطرحه صاحبه هو رأي ملائكي وما يتحدث به الاخرون هو شيطاني"

يضيف الصالحي "ان التطرف قد انسل الى العائلة الواحدة فما بالك بالمجتمع ككل، فكل انواع التطرف موجودة ومتوفرة وبكثرة وبكافة المجالات الحياتية ولا يقتصر الامر على المفهوم الديني فحسب، وان من اهم خصائص التطرف كونه لا يقبل النقاش ولا يقبل بالرأي الاخر، وهذا خلاف ما ورد في حديث الامام علي(ع)، الانسان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق".

من جانبه قال مدير مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام علي الطالقاني "يوصف التطرف بانه سلوك بشري وربما ينتقل بالعدوى، فالمجتمع اليوم يعاني من حالة التطرف، وكأنما هي نزعة انسانية تنتقل بالوراثة، وانا شخصيا عشت تجربة مرّة اثناء وجودي في مجتمعات عنيفة، الا ان بعض الافراد انتقلوا الى مجتمعات اخرى غير عنيفة الا ان الحنين والعودة الى الموروث هو من دفع بهم للوقوع تحت ضغط السلوكيات العنيفة".

وأضاف الطالقاني" اليوم لا نستطيع ان نخلق مدينة فاضلة لمعالجة مشاكل التطرف، والفقر ليس عامل اساسي وداعم للتطرف وللعنف، خصوصا وان احتواء التطرف في ظل تلك الفوضى الاخلاقية والثقافية والاعلامية والاجتماعية والاقتصادية امر شبه مستحيل".

من جهته قال الحقوقي احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات" ان مفهوم التطرف هو اعتناق الشخص فكرة والدفاع عنها حتى لو ثبت ان فكرته خاطئة، الامر الاخر ان التطرف يحسب عليه الافراط والتفريط وهو اشبه ما يكون لحالة التعصب لفكرة ما ومن ثم الدفاع عن تلك الفكرة، التطرف انطلق من مفهوم ديني اساسا وشمل بقية مناحي الحياة وهو خيار يحتمل الجمود على شيء معين. وحتى التعسف في استخدام هو الحق هو تطرف، وكذلك عدم الانفتاح على الاخر وفهمه هو نوع من انواع التطرف".

الدكتور قحطان الحسيني باحث متخصص في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية قال "التطرف يأتي من الطرف وهو خلاف الاعتدال والوسطية، والتطرف قضية تحتاج الى مراجعة حقيقية. يفسر التطرف على انه اخذ طرف الاشياء اي بمعنى يعتدل او يذهب بعيدا عن لب الموضوع، وهو خلاف الاعتدال والوسطية. اما اهم اسباب التطرف ونشوء التطرف هي نتيجة لتراكمات اجتماعية تاريخية فكرية، وان نشأة الحركات المتطرفة جاءت من مجتمعات متخلفة وتعاني من ضغوط اقتصادية وضغوط اخرى يرون ان التغيير لابد ان يتم بالقوة، وقد يسأل سائل لماذا تكون نتائج التطرف سلبية؟ لان المتطرف لا يقبل ولا يحترم الرأي الاخر وهو يعتقد بانه على مستوى من الكمال الفكري والكمال السلوكي وكل ما يصدر منه لا يخضع للنقاش".

في السياق ذاته بين مدير تحرير شبكة النبأ المعلوماتية "كمال عبيد" حقيقة مفهوم التطرف بأنه قمع شديد للآخر سواء بالموقف او الرأي، كونه ناتج عن سلسلة تبدأ بالمعارضة  والتشدد وتنتهي بالتعصب والارهاب، فالتطرف نتيجة وسيطة لها السلسلة، كما انه انعكاس لردة فعل وليست لفعل، وحسب اراء المختصين والمهتمين حيث يحسبون التطرف اسلوب من اساليب الحرب النفسية وهو ناتج عن غسيل الدماغ وتحويل العقائد".

علي حسين عبيد قاص وروائي وكاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ناقش من خلال مداخلته سلوكيات بعض الشباب وكيف ينظرون الى اي موضوع نظرة متطرفة وهم لا يحترمون خيارات وحريات الاخرين وهذا سلوك خطر ناتج عن ثقافة ووعي شعبي".

باسم عبد عون باحث في مركز الفرات للدراسات والتنمية الاستراتيجية أشار "الى ان مفهوم التطرف مرتبط بالعامل الديني ومرتبط ايضا بقلة الوعي والثقافة وان بعض الجماعات الاسلامية ترى ان الوصول للهدف الأسمى هو من خلال الاستخدام المجرد للموروث الديني. التعصب هو مرحلة متقدمة للتطرف، وان التطرف لا يقف عند مضمون معين فهناك تطرف بالجانب الاقتصادي والاجتماعي وحتى في بعض سلوكيات الانسان فيها تطرف".

الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام قال "التطرف غير التعصب وهناك اختلاف كبير بينهما، التطرف هو سلوكي، اما التعصب فهو فكري، منشأ التطرف له ثلاثة اسباب منها نفسية وتربوية ومعرفية، الاولى هي الاهم والاخطر وما تبقى يمكن اصلاحها او تلافيها او معالجتها من خلال بعض الاجراءات الثقافية والمعرفية، ايضا يجب ان نفهم ان عدم القبول بالآخر لا يعني رفضه او تحييده بقدر ما يتعلق الامر بان الاخر يعترض على الفكرة ذاتها ولا يختلف معك شخصيا.

على طول التاريخ السلطة دائما تستغل التطرف من قبل المستبدين لأجل التحشيد وتقوية سلطانهم والشعبوية هي تحشيد المتطرفين من اجل بناء السلطة. والتطرف الاسلاموي هو نتيجة للاستعمار وللعلمانية القسرية".

السؤال الثاني: كيف يمكن معالجة التطرف؟.

عدنان الصالحي يعتقد "ان من اهم اسباب التطرف هو الشعور بالمظلومية والعامل الاقتصادي وأن العمل على الجانبين سيوفر مساحة للمعالجة".

احمد جويد قال "ليس بالضرورة قائد التطرف هو متطرف وانما لديه غايات لا يتم تحقيقها الا من خلال وجود هؤلاء الناس المأزومين والمضطهدين والمظلومين، وبالتالي فان هؤلاء يتم استثمارهم لأغراض معينة".

الدكتور قحطان الحسيني قال" هناك نظرية لاحد علماء النفس تسمى (الاحباط الذاتي) توضح هذه النظرية ان لكل انسان هدف وطموح، فاذا ما حال بين الانسان وهدفه مانع معين سوف يحاول هذا الانسان باي طريقة ان ينتقم من هذا المانع، واذا احس في نهاية المطاف ان الخلل في نفسه ممكن ان ينتقم من نفسه عن طريق الانتحار".

يكمل الحسيني "فهذه النظرية يمكن ان تفسر لنا كيف ينشا التطرف وكيف ينتهي بصاحبه للانتحار، وان اخطر شيء في التطرف هو التطرف الديني والسياسي لأنه يستند الى تبريرات عقائدية ويستخدم وسيلة للقضاء على الاخر، بدعوى انه يأخذ جانب الحق والطرف الثاني اما ان يكون مشرك او كافر ".

كمال عبيد قال" لابد ان نسعى لدراسة التطرف خصوصا وان التطرف من الطبيعي ينتج تطرفا مضادا، لذا نحن مطالبين اليوم لاحتواء التطرف بأشكاله المختلفة، اضف الى ذلك نزع الاستبداد، نزع الانا في المجتمع، اشاعة الثقافة ومحاربة الجهل، قضية اخرى مهمة ايجاد سبل لمكافحة التطرف من بدايته لاسيما ايجاد خطاب شعبوي ايجابي يخدم الانسان ولا يضر به على امل ان نحصن الفرد من كل فكرة دخيلة ومضرة ودراسة فكرة الامام الراحل الامام الشيرازي(قدس سره) نظرية اللاعنف".

علي حسين عبيد قال "ان قضية التطرف قضية تربوية، لذا يجب ان نهتم بالتنشئة وبالمحيط الاجتماعي بشكل عام على امل مساعدة الاخر للتخلص من التطرف وهذا الامر يحتاج الى وقت طويل ويحتاج ايضا الى جهود منظمة وطويلة ونحتاج ايضا الى تخطيط ودراسة لمعالجة هكذا سلوك عدائي".

باسم عبد عون يبيّن "لمعالجة التطرف يجب معالجة اسباب التطرف والتي هي سياسية واقتصادية، لكن التعصب لا يمكن القضاء عليه لأنه حالة سلوكية.

الشيخ مرتضى معاش قال "اكثر من ابتلى بالمتطرفين هو الامام علي(ع) اثناء خلافته الا انه استطاع ان يستوعب الكثير منهم من خلال فتح افاق الحوار ونشر مفهوم حرية الاعتقاد، وان من اهم الاشياء التي لابد الرجوع اليها هي عدم التصادم مع المتطرفين واظهار الصور الجميلة في تاريخنا الاسلامي خصوصا سيرة رسول الله (ص)، النقطة الاخرى ان لا نتعرض لعقائد الاخرين بسوء".

التوصيات:

- القلم المعتدل في تنمية المجتمع

- شروع مؤسسة النبأ والمراكز البحثية بحملة لمكافحة التطرف

- نشر ثقافة اللاعنف

- على الدولة توفير العدالة الاجتماعية

- لخطباء المنبر السياسي والديني دور مهم في مكافحة التطرف

- وضع قوانين وتشريعات جدية لمكافحة التطرف

- فتح باب الحوار والنقاش على كل الصعد لمناقشة التطرف

- على المرجعيات الدينية ان تتبنى مؤسسات قوية وفاعلة لمواجهة التطرف بالمعرفة

- تشجيع المؤسسات على فتح ورش حوارية مع الشباب

اضف تعليق