اعتداء الكرادة الارهابي كان الشرارة التي الهبت المشاعر وجعلت الشعب العراقي يخرج متظاهرا عبر شوارع الفيس بوك للمطالبة بحلول امنية جذرية توقف حملات القتل اليومية ضد الشعب العراقي، واختلفت المطالبات بين تغيير الخطط الامنية وقادتها معا واستيراد اجهزة حديثة لكشف المتفجرات.
وسط هول المشهد الذي منع العراقيين من التمتع بافراح العيد، رضخت الحكومة لبعض المطالب الجماهيرية او بالاحرى اعطت مخدرا مؤقتا يوقف سيل الانتقادات ضدها، وبعد اجتماعات مطولة جاءت تخبرنا قناة العراقية بنشر عربات حديثة لكشف المتفجرات في مداخل بغداد تسمى "عربات رابيسكان"، كما اعلنت شرطة محافظة كربلاء المقدسة انها ستتسلم قريبا عربات حدثة لكشف المتفجرات ايضا.
خبراء الامن اكدوا مرارا على ان هذه الاجهزة ضرورية لكنها ليست كل الحل بل جزء من مثلث الامن الذي يتكون من (جهاز استخباري فعال، وعناصر امنية مدربة جيدا، يضاف لها المعدات الحديثة لملاحقة العدو).
اذا ما نظرنا لاجراءات الحكومة العراقية بعد اعتداء الكرادة الدامي نجدها متطابقة مع الاجراءات الترقيعية التي كانت تتخذ منذ عام 2003 وحتى الان فازمة الامن في العراق لا تعاني من نقص الاجهزة فقط التي قامت الحكومة بنصبها مؤخرا بل هي ازمة متداخلة وتسودها التناقضات والثغرات التي لا تستطيع اجهزة حديثة تجاوز تلك الثغرات ومن اهم هذه الثغرات التي طلما تحدث عنها خبراء الامن هي:
اولا: غياب الخطط الامنية الفعالة، فالخطط الامنية لا تتعدى ردود الافعال بعد اي تفجير ارهابي يحصد من الارواح ما يكفي من الحزن لسنوات كاملة، ياتي الحديث عن ايجاد خطط وادوات جديدة تضمن سلامة المواطنين الا انها لا تتعدى تكديس اكبر عدد من سيارات المواطنين في السيطرات الامنية وقطع بعض الشوارع الرئيسة والفرعية.
ثانيا: غياب التدريب اللازم للاجهزة الامنية، اذ تشير تقديرات الخبراء الى انه ما عدا جهاز مكافحة الارهاب العراقي التابع لوزارة الدفاع؛ فان التشكيلات الامنية الاخرى لا تمتلك من التدريب غير القاء التحية والخبرة الميدانية التي تكتسبها من خوض المعارك او تجاربها في تكديس السيارات والمارة في السيطرات والقطوعات الامنية الداخلية.
ثالثا: تداخل الصلاحيات، ما قاله وزير الداخلية المستقيل محمد الغبان بان تقاطع الصلاحيات الأمنية وعدم التنسيق الموحد للاجهزة الامنية هو سبب استقالته يكشف عن حجم الخلل الامني وما كشف عنه ايضا بعد استقالته عن عدم نصب عربات كشف المتفجرات بسبب الخلافات بين المسؤولين في وزارة الداخلية ومن ضمنهم محمد الغبان هو الدليل على سوء الادارة وفقدان التنسيق وروح الفريق الواحد في الدفاع عن ارواء الابرياء.
رابعا: غياب الجهد الاستخباري، لا شك ان اكثر جهاز امني تعرض للاهمال هو جهاز المخابرات العراقي لاسباب تتعلق بالمحاصصة السياسية ومخلفات البعث وبين الخوف من عودة هذا الجهاز الى سابق قوته والرفض لغايات واهداف ضيقة؛ بقي هذا الجهاز هو الحلقة الاضعف في منظومة الامن العراقية ورغم ما حققه من انجازات نفتخر بها لكنها لا ترتقي الى مستوى الطموح.
خامسا: وجود تنظيمات مسلحة خارج اطار الحكومة، إذ تنتشر الكثير من الفصائل المسلحة التي تقاتل مع الدولة العراقية، لكنها في الوقت نفسه تبقى خارج اطار الدولة وتمثل عائقا امام رجل الامن لاداء مهامه،من خلال ما تقوق به بعض عناصره غير المنضبطة بالاضافة الى تخوف رجل الامن من التعرض لاي عجلة تحمل شعار فصيل مسلح ما يعني امكانية اختراق بعض نقاط التفتيش عن طريق تزوير الشعارات او انتحال صفة الانتماء لاحد هذه الفصائل التي ابلت بلاء حسنا في الدفاع عن العراق.
وبعد ردة الفعل الحكومية وما قامت به من سحب اجهزة كشف المتفجرات السابقة (كاشف الزاهي) لم نلحظ اي تغيير في الخطط السابقة ما عدا رفع هذا الجهاز الفاشل، ولم نسمع عن ادخال تحديثات على جهاز المخابرات العراقي او حتى نية لذلك، ولم نسمع عن ادخال اجهزة الشرطة في دورات لتطور مهاراتهم في التعامل مع الاخطار الارهابية.
وعربات كشف المتفجرات التي تمك نصبها مؤخرا ستفشل ايضا ليس لان تلك العربات لا تستطيع كشف المتفجرات او انها جاءت بصفقة فاسدة، لكن الارهابيين سيعتمدون على اختراق الاجهزة الامنية في ايصال مفخخاتهم بالاضافة الى الاستفادة من العجلات التي تحمل باجات حكومية وهي المستثناة من التفتيش. واذا ما ارادت الحكومة معالجة المخاطر الامنية فعليها ان تعيد النظر في التعامل مع العجلات الحكومية واخضاعها للتفتيش او ايجاد الية جديدة للتعامل معها، واعادة النظر في عمل جهاز المخابرات العراقي، فضلا عن ادخال مناهج تدريبية جديدة لتطوير مهارات رجل الامن العراقي.
يمكن النظر الى اولويات الحكومة العراقية للتعرف على مدى جديتها في معالجة ازمة الامن وهي تتركز على جانبين، الاول هو انهاء ملف داعش ودخول الموصل لاثبات قدرتها على استعادة الارض، والجانب الثاني يركز على الحفاظ على ما تبقى من شضايا العملية السياسية المتقوقعة في المنطقة الخضراء، وكل حديث عن خطط جديدة او محاولة جدية لحفظ امن المواطن لا تتعدى حدود خدمة الاهداف السياسية للطبقة الحاكمة وتحشيد الدعم الجماهيري لاستعادة الموصل التي سوف لن توقف نزيف الدم العراقي كما تروج له بعض الشخصيات المنتمية للطبقة الحاكمة.
اضف تعليق