تدخل الحرب العالمية ضد الإرهاب مرحلة مفصلية تؤشر على نهاية قريبة لدولة البغدادي، فالمناطق التي خسرها التنظيم الوهابي كبيرة والاستعدادات لاستعادة المتبقي منها أكبر والكبار يتسابقون لنهش جسم دولة الخلافة الذي نبث على الدم الحرام وشواء الأبرياء وهم احياء.
تتميز المعارك الحاسمة ضد داعش بتعقيد يجعل الرؤية ضبابية جدا، ويصعب مهمة تشخيص حالة الحرب ضد التنظيم الإرهابي، فهناك صراع امريكي_روسي لوجود رغبة روسية في تغيير مراكز القوة التحكم العالمية. وعلى الجانب الإقليمي هناك صراع بين القطبين الإيراني_السعودي لاسباب دينية وايدلوجية ومحاولة اثبات الذات الإقليمية. لكن طبيعة الصراع وتعقيداته تفرض على السعوديين والإيرانيين الرضوخ للواقع السياسي والعسكري الذي تفرضه روسيا والولايات المتحدة الامريكية في اغلب الأحيان رغم العصيان المتكرر من قبل اللاعبين الإقليميين لاتفاقات الكبار في واشنطن وموسكو لتخرج تركيا اردوغان رافضة الخطط الامريكية والروسية لحسم ملف داعش.
قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، أطلقت حملتها باتجاه شمال الرقة السورية، من ثلاثة محاور، وذلك بعد يومين على بدء تحرك القوات العراقية لتحرير مدينة الفلوجة العراقية من قبضة تنظيم داعش قبل الانتقال الى معركة الموصل، في تزامن يفتح الباب أمام تأكيد سيناريو ترابط الجبهات في الغرب العراقي والشرق السوري.
روسيا الساعية لاستعادة مكانتها الدولية وتثبيت نظام حليفها الرئيس السوري بشار الأسد أبدت استعداداها للمساهمة في معركة تحرير الرقة، إذ أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو مستعدة لتنسيق الجهود مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ومع الأكراد من أجل تحرير الرقة من قبضة "داعش". وقال لافروف، تعليقا على تصريحات قادة حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الكردي السوري، حول الهجوم على الرقة "لا أستطيع تأكيد ما إذا كانت الأنباء حول بدء مثل هذه العمليات تتناسب مع الواقع، إلا أنني أعلن بكامل المسؤولية أننا مستعدون لمثل هذا التنسيق".
والواضح ان كلام وزير الخارجية الروسي كان للاستهلاك الإعلامي فقط، فهذا الهجوم سيفقد روسيا بريقها وقوتها كونها لا تستطيع المشاركة الفاعلة في جبهة الرقة، إذ لا تزال مشغولة مع الحليف السوري الإيراني بملف حلب وتقاطعاته الإقليمية مع قطر والسعودية وتركيا. كما انها تعرف ان معركة الرقة لها أهمية تاريخية، فالقوات التي ستدخل الرقة يعني انها استطاعت القضاء على عاصمة الخلافة، وعدم مشاركتها يعني تسجيل النصر الكبير ضد داعش باسم الولايات المتحدة وحلفائها.
وبدا الروس غير راضين عن توقيت هذه المعركة التي لو حسمت أمريكيا ستحطم الاحلام الروسية بالقضاء على داعش على غرار دخولها لبرلين قبل الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الشأن أكد الوزير الروسي أن الرقة هي أحد أهداف التحالف المناهض للإرهاب، شأنها في ذلك شأن الموصل العراقية، قائلا: "نحن على قناعة بأنه كان من الممكن تحرير هاتين المدينتين بفعالية أكثر وبشكل أسرع في حال بدء عسكريينا تنسيق خطواتهم في مرحلة مبكرة".
وتاتي هذه التصريحات في ظل تأجيل الحسم الروسي في حلب لأسباب عدة قد يكون هجوم داعش الأخير على الشمال السوري اهم تلك الأسباب. إذ أظهرت صور التقطت بالأقمار الاصطناعية أن مسلحين من تنظيم داعش شنوا هجوما على قاعدة جوية سورية تستخدمها القوات الروسية ما أدى إلى إصابتها بإضرار جسيمة، حسب ما أفادت شركة "ستراتفور" الأميركية للدراسات الأمنية والإستراتيجية. ورغم نفي وزارة الدفاع الروسية هذه المعلومات الا انها اعلنت تأجيل عملياتها العسكرية ضدّ "جبهة النصرة" في سوريا لمنح فصائل المعارضة وقتاً لاستكمال تنصّلها من الجبهة.
التحفظ الروسي على العملية العسكرية في الرقة يبدو انه طبيعيا في إطار صراع المحاور لكن هذه المعركة قد تشعل خلافا تركيا أمريكا لرفض انقرة أي دور للقوات الكردية في هذه المعركة في حين ان هذه القوات تمثل رأس الحربة في معركة الرقة، وأشارت مصادر عديدة عن خلافات أميركية ـ تركية لدرجة تلويح أنقرة بأنها لن تمنع فقط استخدام قواعدها العسكرية، بل اجوائها. في مستوى آخر.
صحيفة السفير اللبنانية تنقل عن مصدر دبلوماسي امريكي غضب واشنطن من سلوك انقرة لدرجة اتهامها بدعم التنظيمات الإرهابية، إذ يقول الديبلوماسي متحدثاً عن أولويات أنقرة إنه «مثلما فعلوا سابقاً، اليوم لا يظهرون أي رغبة في توجيه الجهود لأولوية محاربة داعش. تركيا هي من صنعت داعش". وتقول الصحيفة انه يتوقف لحظة قبل أن يستدرك خشونة ملاحظته الأخيرة: "بشكل ما، هم من صنعوا داعش".
لا يمكن الجزم بان معركة الرقة ستكون سهلة او قصيرة وما أعلن عنه هو جزء من استراتيجية لتثبيت الوجود الامريكي تمهيدا لخوض المعركة الكبرى (الرقة_الموصل)، والتي يتوقع ان تكون متزامنة لانهاء ملف التواجد الداعشي على الأرض بانتظار الجولة القادمة من معارك المفخخات التي تستهدف المدن والأسواق العامة.
معركة الاكراد في الرقة والجيش العراقي والحشد الشعبي في الفلوجة ستشعل السباق المحموم للوصول الى خط النهاية والفوز بأكبر قدر من الأراضي التي استقطعتها داعش من العراق وسوريا لكن اغلب التصريحات تؤكد ان ما بعد داعش سيكون مختلفا عن قبلها، وسوريا ستكون ضحية التوازنات الدولية والإقليمية وعليها الانصات لنداء الفيدرالية التي حسمها الاكراد بانتظار الركاب الجدد في قافلة التقسيم السورية.
اضف تعليق