لم تكن الهجمات الارهابية الاخيرة في باكستان بالمفاجئة فالبلاد التي تنشط فيها جماعات وهابية تكفيرية كانت عرضة للاستهداف من تلك الجماعات بشكل متكرر والتي تستهدف تجمعات المدنيين وغالبا ما يكون الضحايا من الشيعة حيث تستهدف مواكب العزاء الحسيني والمراسيم الدينية للشيعة هناك، وحينما لا يكون للشيعة نشاط يكون المسيحيون صيدا سهلا للجماعات التكفيرية التي وعلى ما يبدو ان القتل يمثل المتنفس الوحيد للتعبير عن فكرها القائم على الغاء كل من يختلف معها.
عيد الفصح في مدينة لاهور الباكستانية تحول الى مأتم للعزاء بعد تفجير انتحاري ادى الى مقتل 73 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 280 آخرين معظمهم من النساء والأطفال يوم الأحد (27 مارس اذار) إذ كان 29 طفلا على الأقل وسبعة نساء من بين القتلى في متنزه عام بمدينة لاهور الباكستانية عاصمة إقليم البنجاب القاعدة السياسية لرئيس الوزراء نواز شريف.
وقال شهود عيان إنهم شاهدوا أشلاء بشرية متناثرة في أنحاء المتنزه بعد أن هدأ غبار الانفجار، وقال حسن عمران (30 عاما) الذي جاء للسير في المتنزه "عندما وقع الانفجار تصاعدت ألسنة اللهب لدرجة أنها كانت أعلى من الأشجار ورأيت جثثا تتطاير في الهواء." واثناء الانفجار قال سلمان رفيق وهو مستشار صحي لحكومة إقليم البنجاب إن عدد القتلى بلغ 60 شخصا على الأقل. وأضاف "هناك أكثر من 280 جريحا. الكثيرون يخضعون للعلاج الآن ونخشى زيادة عدد القتلى كثيرا." فيما قال مستنصر فيروز وهو مسؤول الشرطة في المنطقة في تصريح لوكالة رويترز "معظم القتلى والمصابين نساء وأطفال."
ووقع الانفجار في منطقة توقف سيارات خاصة بمتنزه جولشان إقبال على بعد أمتار قليلة من أراجيح الأطفال ، فيما أعلن فصيل جماعة الأحرار الذي بايع جماعة داعش الارهابية مسؤوليته عن التفجير، وبحسب وكالة رويترز قال إحسان الله إحسان المتحدث باسم الفصيل الارهابي ان "المسيحيون كانوا الهدف." وأضاف "نريد توجيه هذه الرسالة لرئيس الوزراء نواز شريف بأننا دخلنا لاهور. يستطيع أن يفعل ما يشاء لكنه لن يتمكن من إيقافنا. سيواصل مقاتلونا هذه الهجمات." بحسب تعبيره .
وزار رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف المستشفيات التي امتلأت بالمصابين ووصف المهاجين بأنهم "عدو جبان يحاول اصطياد أهداف سهلة." وقال شريف في بيان أصدره مكتبه "على الإرهابيين أن يعوا أن مصيرهم الفشل."
الفاتيكان ندد بالهجوم وقال في بيان "المذبحة المروعة التي أودت بحياة عشرات الأبرياء في متنزه لاهور بباكستان تلقي ظلالا من الحزن والألم على عيد القيامة." وطالب السلطات الباكستانية بحماية الأقليات الدينية. فيما نددت الولايات المتحدة الهجوم، وقال نيد برايس المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض في بيان "الولايات المتحدة تقف إلى جانب شعب باكستان وحكومتها في هذه الساعة العصيبة. وسنواصل العمل مع شركائنا في باكستان وفي أنحاء المنطقة.. لاستئصال شأفة الإرهاب."
عملية شبه عسكرية
وعقب الهجوم مباشرة أمرت حكومة البنجاب بإغلاق جميع المتنزهات وأعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيام في الإقليم، وأغلقت منطقة التسوق الرئيسية وباتت الكثير من الطرق الرئيسية بالمدينة خالية من حركة السير ، وجرى استدعاء الجيش للسيطرة على الحشود أمام المتنزه، كما اشتبك بعض أقارب الضحايا الثائرين والذين كانوا يجهشون بالبكاء مع الشرطة ومسؤولي الإنقاذ. إذ قال مسؤولون يوم الاثنين(28 مارس آذار 2016 ) إن باكستان قررت تنفيذ حملة شبه عسكرية ضد الجماعات التكفيرية في إقليم البنجاب أغنى أقاليمها وأكثرها سكانا، وبحسب وكالة رويترز قال مسؤولون حكوميون إن القرار اتخذ بشن عملية واسعة النطاق تشارك فيها وحدات شبه عسكرية تملك القوة لشن غارات والتحقيق مع مشتبه بهم بنفس الطريقة التي نفذت بها مهام مماثلة في مدينة كراتشي قبل أكثر من عامين.
وقال مسؤول أمني بارز رفض ذكر اسمه "لا يزال العمل جاريا على الأمور التقنية. هناك بعض القضايا القانونية التي تتعلق بإشراك القوات الخاصة لكن الجيش والحكومة يقفان في خندق واحد"، وقال أحد المصادر الحكومية "أمر رئيس الوزراء (نواز شريف) بعملية مشتركة لإدارة مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة في المناطق الحدودية بإقليم البنجاب ضد الإرهابيين ومن يساعدونهم." و قال عاصم باجوا المتحدث باسم الجيش الباكستاني إن وكالات المخابرات والجيش والقوات شبه العسكرية شنت العديد من المداهمات في أنحاء البنجاب عقب الهجوم. وأضاف في تغريدة على تويتر "اعتقل عدد ممن يشتبه في أنهم إرهابيون أو مساعدون لهم وضبطت كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر" دون الإدلاء بالمزيد من التفاصيل.
وعلى اثر العملية اعتقلت السلطات الباكستانية أكثر من 200 شخص، واستجوبت الآلاف في إطار جهود السلطات للقبض على المسؤولين عن التفجير الارهابي وصرح وزير العدل في إقليم البنحاب رانا سناء الله للصحافيين في لاهور أنه "تم توقيف أكثر من خمسة آلاف شخص والتحقيق معهم، وتم الإفراج عن معظمهم، إلا أنه تم احتجاز نحو 216 شخصا لإخضاعهم لمزيد من الاستجواب".
وقال سناء الله إنه تم القيام ب56 عملية استخباراتية اشتركت فيها الشرطة وقوات الجيش وعناصر الاستخبارات خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية في البنجاب. وأضاف أنه يتم القيام بمزيد من العمليات في جميع مناطق إقليم البنجاب، الذي يعد الأكثر ثراء في باكستان، وأكد تشديد الإجراءات الأمنية على 550 كنيسة في الإقليم.
الاقليم الاغنى
ولاهور هي عاصمة أغنى الأقاليم الباكستانية وهو إقليم البنجاب وتعتبر المركز السياسي والثقافي للبلاد، وعادة ما يكون إقليم البنجاب أهدأ من الأجزاء الأخرى في باكستان. ووجه خصوم رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف اتهامات له بالتسامح مع التشدد في مقابل السلام في إقليمه. وهي تهمة ينفيها بشدة.
وتُتهم أجهزة الأمن الباكستانية منذ فترة طويلة باحتضان بعض المتشددين لاستخدامهم في المساعدة في تحقيق أهداف أمنية في أفغانستان وضد الهند الخصم القديم لباكستان. وتأتي هذه الاتهامات في الوقت الذي تقاتل طالبان الباكستانية من أجل إسقاط الحكومة وفرض تفسير متشدد لأحكام الشريعة الإسلامية، ما جعل البلاد تعيش في دوامة من العنف والارهاب خلال الخمسة عشر عاما الماضية منذ انضمام باكستان الى معسكر الولايات المتحدة الامريكية ضد الجماعات التكفيرية بعد هجمات القاعدة في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر أيلول في 2001.
ولم تكن هذه التفجيرات هي الاولى التي يعلن عنها هذا الفصيل الارهابي (جماعة الأحرار) مسؤوليته عن عدة هجمات كبيرة بعد انشقاقه عن حركة طالبان الباكستانية الرئيسية في 2014. وأعلن الفصيل مبايعته لتنظيم داعش الارهابي ولكنه قال بعد ذلك إنه انضم من جديد لحركة طالبان الارهابية.
وفي عام 2013 قُتل نحو 80 شخصا في هجوم انتحاري على كنيسة في مدينة بيشاور بشمال غرب باكستان، فيما أسفر انفجار العام الماضي عن مقتل وزير إقليمي باكستاني يتمتع بشعبية. وقتل معه ثمانية آخرون في الانفجار الذي دمر منزل الوزير، وهجوم يوم الأحد هو الأكثر دموية في باكستان منذ ديسمبر كانون الأول 2014 عندما وقعت مذبحة قتل فيها 134 تلميذا في مدرسة يديرها الجيش في مدينة بيشاور مما أدى إلى إطلاق حملة حكومية كبرى ضد المتشددين الإسلاميين.
استهداف الشيعة
وفي بداية عام 2015 استشهد أكثر من 60 شخصا في تفجير استهدف مسجدا، حين كان المئات من الشيعة يؤدون صلاة الجمعة في بلدة شيكاربور بولاية السند في باكستان في أكثر الهجمات الطائفية دموية ضد الشيعة. ووقع الانفجار فيما كان المئات يؤدون صلاة الجمعة في بلدة شيكاربور بولاية السند، على بعد نحو 470 كلم شمال كراتشي.
وهو أكثر الهجمات الدموية التي تستهدف الشيعة في باكستان منذ آذار/مارس 2013 عندما انفجرت سيارة مفخخة في حي شيعي في كراتشي موقعة 45 شهيدا، وعقب الهجوم نزل عدد من الشيعة إلى الشوارع وقطعوا شريان المرور الرئيسي في وسط كراتشي في ساعة الذروة. وأطلقوا هتافات منددة بالمهاجمين ولطموا صدورهم.
وتتصاعد الهجمات ضد الشيعة منذ سنوات في كراتشي وفي كويتا (جنوب غرب) ومنطقة باراشينار (شمال الغرب) وغيلغيت (اقصى شمال الشرق)، ووفقا لفرانس برس فقد سقط نحو ألف شخص من الشيعة في عامي 2013و2014 في باكستان. وتتبنى الجماعات الوهابية التكفيرية العديد من تلك الهجمات التي تستهدف الشيعة.
وفي شهر حزيران من عام 2015 استشهد 43 شخصا على الأقل في هجوم على حافلة كانت تقل شيعة في كراتشي جنوبي باكستان. وقال مسؤول في الشرطة المحلية إن مهاجمين وصلوا على ثلاث دراجات نارية فتحوا النار على الركاب عندما توقفت الحافلة.
وذكرت الشرطة في حينها أن 43 شخصا بينهم 16 امرأة على الأقل سقطوا في الهجوم على الشيعة (حوالى 20% من السكان) في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 200 مليون نسمة. وأضاف المسؤولون أن ستة ارهابيين مسلحين على الأقل فتحوا النار على الحافلة، وأكد قائد شرطة ولاية السند وكبرى مدنها كراتشي "من الواضح أن الهدف من الهجوم هم أبرياء من الشيعة"، موضحا أن المهاجمين كانوا يحملون مسدسات من عيار 9 ملم.
وفي الأعوام الأخيرة، تكثفت الهجمات في باكستان على المواطنين الشيعية الذين يشكلون نحو عشرين في المئة من تعداد السكان في هذا البلد. وتكون جميع تلك الهجمات الارهابية من قبل مجموعات وهابية تكفيرية ، فيما يأتي الهجوم على تجمع المسيحيين كإعلان عن النهج الإقصائية للجماعات الوهابية التي لا تعترف الا لغة الدم والقتل ليكون المسيحيون هم الضحية هذه المرة بعد آلاف الضحايا الشيعة في السنوات الماضية.
اضف تعليق