شعرت المانيا بالحرج عندما انطلقت مسيرات الاحتجاج ذات الطابع العنصري التي تقودها "حركة بيغيدا" أو (الوطنيون الاوروبيون المناهضون لأسلمة الغرب) كل يوم اثنين في مدينة درسدن شرقي المانيا، والتي جمعت مؤخرا أكثر من 18 ألف الماني من المعادين للمسلمين الذين يقدر عددهم بحوالي 4.3 ملايين نسمة بحسب المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، والحرج اولاً جاء على لسان المستشارة الألمانية "ميركل"، التي طالبت شعبها بالابتعاد عن منظمي هذه المظاهرات العنصرية، باعتبار انها لا تمثل القيم العليا لألمانيا، بعد ان تم وصفهم بالنازيين الجدد ومثيري الشغب، إضافة الى اليمين المتطرف، وفي المانيا التي تحتاج الى المهاجرين للتعويض عن انخفاض معدل الولادات فيها (تستقبل 200 الف مهاجر سنويا)، يشكل المهاجرون المسلمون 5% من سكانها، وبحسب استطلاع للرأي جرى عام 2010 فان 30% من الالمان يحملون مواقف مناهضة للإسلام وبالتالي ضد المسلمين، لكن لماذا انطلقت المظاهرات من المانيا، التي لم تصب بأي حادث إرهابي حتى الان بخلاف الدول الاوربية الأخرى؟، وما الذي سيحدث في حال وقع اعتداء إرهابي في المانيا على غرار ما وقع في فرنسا مثلا؟.
يرى الكثير من المتابعين ان اوربا تعيش في حقيقتها ازمة هوية، فهي منقسمة على نفسها، اما العودة الى جذورها القومية او الاستمرار في التعايش السلمي وقبول الاخر، حتى وان كان من المسلمين، ويبدو ان التطرف (من قبل العناصر المتعاطفة مع التنظيمات المتطرفة) او العنصرية (من قبل المناهضين للمسلمين) لا يحتاجان سوى الى دافع ليغذي هذه المشاعر ويقويها، وكما ذكر أحد أصدقاء "كابو" (وهو أحد مؤسسي صحيفة شارلي إبدو الأسبوعية، وقتل اثناء الهجوم الذي استهدف الصحيفة) "لن تزداد هذه الهجمات الا سوءا، انها مثل طوفان، لن تتوقف وما يحدث اليوم قد يغذي الجبهة الوطنية"، التي تتخذ من معاداة الإسلام والمسلمين منهاجا للترويج لحملاتها الانتخابية، وقد اشارت مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية أن "التهديد الارهابي المتزايد المرتبط بالأصولية الاسلامية حقيقة بسيطة".
ربما عبر المتظاهرون الالمان الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم التعايش مع المسلمين المهاجرين، (باعتبارهم من معدن الإرهاب ذاته الذي خرج منه تنظيم داعش والقاعدة وطالبان وبوكو حرام)، بالنيابة عن لسان حال المجتمعات الاوربية الأخرى (لكن بصورة أكثر جرأة) والتي، بحسب استطلاعات الرأي ومجريات الاحداث الاخيرة، بدأت في مراجعة ذاتها والبحث عن هويتها (ربما في العودة الى الأصول القومية)، من خلال تنامي الحركات المعادية للهجرات والمناهضة للمسلمين، وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، إضافة الى الاحتجاجات التي بدئت تكسب المزيد من الزخم (اليوم في المانيا وربما غدا في فرنسا وغيرها من العواصم الاوربية)، والاعتداءات ضد المسلمين ودور العبادة الخاصة بهم، كما حدث في استراليا والسويد وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وغيرها.
قد يغير الاعتداء الأخير على المجلة الفرنسية الساخرة "شارلي إبدو"، والذي أسفر عن مقتل أشهر رساميها، إضافة الى كبار محرريها، بعد جملة من الاستفزازات التي قامت بها من خلال رسوم مسيئة للنبي محمد (ص)، وجه اوربا القادمة نحو مزيد من العداء نحو المسلمين، وقد يتوحد متطرفي المانيا مع متطرفي فرنسا، التي تضم أكبر جالية مسلمة في اوربا، وهو امر من شانه ان يخلق ازمة ديمقراطية حقيقية في مجتمعات تعتمد على هوية ديمقراطية للحفاظ على وحدة نسيجها الاجتماعي من التمزق، بعد ان عانت من قرون من الحروب الدينية والاستعمارية والعنصرية، فالطوفان اذا ما بدء لن ينتهي عند حدود المسلمين، او الإسلام، فالجدل الأوربي حول ازمة الهوية قديم للغاية، وقد يشمل الجميع داخل الحدود الاوربية.
اضف تعليق