تنتشر العصابات التكفيرية الإرهابية، في مدن من أكثر من دولة، وهي تمارس أبشع القتل والفتك والهتك على الجميع، وخاصة ضد الشيعة والمسيحيين والإيزيديين، وأيضاً على الأخوة السنة من الذين لا ينخرطون في العمل معهم، واليوم باتت سبل مكافحة تلك العصابات الإجرامية الشغل الشاغل للعديد من شعوب العالم.
"الوهابية" في بداية ظهورها، في القرن التاسع عشر، وبعد تحالفها مع "السلطة" اتخذت وسائل عنفية تشابه بل تطابق طرق وأساليب "داعش". واليوم، فإن القاعدة، وداعش، وجبهة النصرة، وجيش الإسلام، وأنصار السنة، وجيش المجاهدين، وكتائب ثورة العشرين، وأنصار الشام، وحركة الطلاب في الصومال، وطالبان في أفغانستان، وجند الله في باكستان، وبوكو حرام في مالي، وأبو سياف في الفلبين، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، هي حركات وهابية الفكر والعقيدة.
وما تشهده مدن العراق وسوريا، من تدمير للمساجد والحسينيات والكنائس، والمزارات الشيعية والسنية والصوفية والإيزيدية، ومحاكمات بربرية وإعدامات جماعية، كل ذلك، يتماهى مع تاريخ الحركة الوهابية المتحالفة مع "السلطة"، ما بين عامي 1904 و1925، حيث جرى هدم مقابر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وصحابة وعلماء، وتخريب مساجد وبيوت أولياء، ودكوا القباب والمزارات، في البقيع وغيرها.
ظهور (داعش) بالصورة الوحشية، أطلق ردود فعل سياسية، والحرب الدولية ضد هذا التنظيم هي أبرز النتائج التي أفرزها ظهور تلك العصابات الإجرامية وسط حواضن اجتماعية داعمة. بموازاة ذلك، تمخضت دعوات لمراجعة فكرية وفقهية وتاريخية لأسس الوهابية، بعد أن باتت الوهابية خطر يشوّه صورة الإسلام ويهدد السلام في العالم. فقد أكد مفكرون أن الخطر الإرهابي كامن في الوهّابية، ويتضح ذلك جلياً عبر المقارنة بين مواقف وسلوكيات "داعش" مع ما جاء في كتب الوهابية، فمقارنة تعتمد على إيراد نصوص وآراء فقهاء، ثم عرض كل ذلك على القرآن والسنة، وآراء وفتاوى علماء من مختلف المذاهب الإسلامية، ينتج عنها استنتاج الذي مفاده أن الوهابية ومرجعيتها الأولى (أحمد بن حنبل)، ومرجعيتها المباشرة (ابن تيمية)، هي حركة تكفيرية متطرفة إرهابية، وأن"داعش" بتطرفه ووحشيته وإرهابه امتداد لـ(الوهّابية).
ومن عقر "بلاد الوهابية"، خلص مثقفون الى أن "الوهّابية" وصلت إلى مرحلة متأخرة من شدة المرض، فهي أشبه ما تكون في العناية المركزة دون علاج، وإن الوهابية اليوم باتت في سجن الاتهام، بل هي في سجن السقوط والإدانة، كما أن عموم المسلمين ينسب حركات التطرّف والإرهاب الى الوهّابية.
إن الأعمال الإرهابية التي وقعت –مؤخراً- في أكثر من بلد، والتي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها، وأبرزها تفجيرات مجالس عزاء في بغداد، ومذبحة في أفغانستان، وإسقاط الطائرة الروسية، وتفجيرات برج البراجنة بالضاحية الجنوبية في بيروت، ثم تفجيرات باريس، كل ذلك، ينبغي أن يحفز المجتمع الدولي للعمل على تجريم الوهابية –والدول الداعمة لها–، كالتجريم العالمي للنازية.
فالواقع المثخن بالدماء والخراب والمتخم بالألم والرعب، لم يعد أمامه أي فسحة للصمت أو الصبر على هذه الأعمال الوحشية التي تنفذها التنظيمات التكفيرية، فكل تأخير عن ردع الفكر الوهابي الإجرامي ووليده تنظيم داعش الإرهابي سيكون وبالاً على حساب أمن الناس وحياتهم ومصيرهم، ليس الشيعة فقط، بل كل الناس في جميع أنحاء العالم.
اضف تعليق