الجريمة مؤلمة مهما كانت صغيرة، لكن الألم يشتد أكثر عندما تقع لجنود يسهرون الليل شديد البرودة في الصحاري والجبال للدفاع عن الشعب العراقي، استشهد 11 جندياً في منطقة أم الكرامي بناحية العظيم، فهذا محفز لكمية هائلة من الألم والحسرة على شبابنا الأبطال...
الجريمة مؤلمة مهما كانت صغيرة، لكن الألم يشتد أكثر عندما تقع لجنود يسهرون الليل شديد البرودة في الصحاري والجبال للدفاع عن الشعب العراقي، استشهد 11 جندياً في منطقة أم الكرامي بناحية العظيم، فهذا محفز لكمية هائلة من الألم والحسرة على شبابنا الأبطال.
مسلحون مجهولون يعتقد أنهم عناصر من داعش، هاجموا فجر الجمعة مقر السرية الأولى في لواء المشاة الثاني بالفرقة الأولى في الجيش العراقي في منطقة ام الكرامي بناحية العظيم شديدة البرودة جوياً، لكنها لم تكن باردة أمنياً على طول السنوات السابقة، السخونة الأمنية عنوان لهذه المنطقة.
وزارة الدفاع تتوعد بالرد "على الخلايا الإرهابية المتبقية في جحورها بأسرع وقت من قبل أبطال جيشنا الباسل"، لكن هذا التهديد المخيف لم يعجبني كمتابع لعمل وزارة الدفاع وطريقة إدارتها للملف العسكري.
صحيح أن الوزير يستطيع إصدار بيان نعي سريع بشأن مجزرة مؤلمة، إلا أنه عجز عن توفير الطعام لجنوده الذين استشهدوا فجر الجمعة، هل يعلم الشعب العراقي أن الجندي العراقي وفي هذه الأيام شبه القطبية يقف على السواتر بدون طعام صالح للاستخدام البشري؟
وهل يعلم الشعب العراقي أن وزارة الدفاع تستقطع من رواتب جنودها 115 الف دينار من أجل الطعام شهرياً بينما لا توفر لهم سوى "رغيف خبز يابس وطماطة محموسة أو دجاجة مطبوخة بطريقة سيئة"؟
والوجبة الواحدة التي يفترض أنها تكفي لعنصرين أو ثلاثة توزع على عشرة جنود.
أنقل لكم هذه الأحاديث من جنود الجيش العراقي، وتحققت من الموضوع أكثر من مرة، كما شاهدنا جميعاً أكثر من برنامج تلفزيوني يتحدث عن مشكلة الطعام بالنسبة لجنود الجيش العراقي.
يقول الجنود أن وضعهم هذا انحدر لما هو عليه قبل سنة من الآن، عندما تعاقدت وزارة الدفاع مع جهة لا يعرفونها تبنت مسألة إطعام الجنود.
والحديث لوزير الدفاع جمعة عناد الذي أكد وجود مشكلة في الطعام "من خلال قيام بعض الضباط باستبدال الطعام من الجيد إلى الرديء في الأفواج".
ما علاقة الطعام بالمجزرة التي حدثت في العظيم؟
أقول إن الوزير الذي يعجز عن حل مشكلة الطعام لدى جنوده سوف يكون أكثر عجزاً عن تصفية جماعات إرهابية قوية التدريب ومهمتها الأسياسية هي القتل والتدمير، والجندي الجائع بسبب مسؤوله الأعلى لن يملك الطاقة الجسدية والنفسية للقتال.
ولأن كل الأمور مترابطة ففي الجيش نقص هائل بالمعدات، ونقص واضح في التدريب وطبيعة المهمات الملقات على عاتق الجنود، وكيف تدار أعمال وزارة الدفاع عموماً.
هل سمعتم عن "نظام التبرع"؟
التبرع هو طريقة متبعة لدى بعض قادة الجيش، تقوم على عقد اتفاق شفوي مع بعض الجنود، يتبرع الجنود بجزء من الراتب للضباط مقابل إعفائهم من الدوام، لذلك تجد الفوج الذي يحتوي بالقوائم الرسمية على ألف جندي قد لا يتواجد فيه فعلياً سوى 800 جندي طوال الشهر، والسبب هو التبرع.
وهذا ما أطلق عليه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بملف الفضائيين في شهر أيلول 2014، إذ أعلن آنذاك عن وجود خمسين ألف موظف وجندي "فضائي" في وزارة الدفاع العراقية وحدها، ويتم قبض رواتبهم.
ويقرّ رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية السابق حاكم الزاملي، بأن "ضباطاً وقادة بالأجهزة الأمنية الرسمية باتوا من أثرياء العراق، بسبب انغماسهم في ملفات فساد، منها ما يرتبط بتهريب المخدرات والتكفل بالحصول على درجات وظيفية لعراقيين من خلال رشاوى بالملايين، فضلاً عن إطلاق سراح إرهابيين مقابل أموال".
ويسهل الزاملي عملية الكتابة وتفكيك الخلل الذي أصاب وزارة الدفاع إذ يقول بأن "الملف الأمني شائك ومتراكم ويحوي على فساد وترهل بالمناصب، وهناك تلاعب بالأموال واختلاسات كبيرة بعقود التجهيز والتسليح والاستخبارات والمتابعة".
ولست هنا بصدد كتابة تقرير مفصل عن المشكلة لكنني لمست امتعاضاً شديداً من الجنود تجاه الضباط والقيادات العليا في وزارة الدفاع.
الجندي يشعر أنه يعيش في عالم مختلف تماماً عن العالم الذي يعيش فيه قادة الجيش الكبار، وقد تسربت له الشكوك وانعدام الثقة بسبب تداخل الصلاحيات وسوء الإدارة والتضييق على الجندي في كل شيء بما فيها الدوام الشهري.
يريدون من الجندي العراقي مواجهة العنصر الداعشي بينما الجندي لا يبقى في الواجب طوال عشر ساعات. حتى الجهاز الميكانيكي يتعب من هكذا واجبات واجبات.
وكل ما يجري من مجازر ضد الجنود العراقيين سواء من قبل داعش أو من قبل المتنفذين، هو نتيجة طبيعية للمشكلات السياسية التي تعصف بالبلاد وتنعكس القطاع الأمني والعسكري.
سقطت الموصل بسبب الأزمات السياسية التي كانت تعصف بالبلاد، والفساد الذي نخر جسد وزارة الدفاع، ونفس الأسباب ما زالت مستمرة وبشكل أشد، وجنود أم الكرامي ضحية أخرى من ضحايا هذا الواقع المعقد.
اضف تعليق