على الرغم من كونها دولة نووية، من بين الدول القليلة في العالم، لكنها محسوبة ايضا على الدول الفقيرة، وهناك اسباب كثيرة تصب في فقر وتخلّف هذه الدولة، أكثرها خطرا التطرف والتعصب وحالة الاحتراب الدائمة بين مكونات المجتمع الباكستاني، منذ أن انفصلت عن الدولة الأم (الهند) قبل قرابة النصف قرن، ولأن باكستان لها حدود مباشرة مع افغانستان، فإن تنظيم طالبان استطاع لاسباب عديدة أن يتوغل في هذه الدولة المشبعة اصلا بالتطرف، ولأن طالبان هدف دائم للغارات التي تشنها طائرات امريكية مسيّرة بلا طيار، واحيانا تكون تحت رحمة سلاح الجو الباكستاني نفسه، فقد تعرض هذا التنظيم (عوائل واطفال وممتلكات) الى خسائر فادة نتيجة للغارات الامريكية، وغالبا ما تحدث اخطاء في توجيه الضربات على اهدافها، إذ تخطئ المقذوفات فيكون الاطفال والنساء وعوائل طالبان من نصيبها، ويطالهم الموت على الرغم من انهم ليسوا مقاتلين ضمن صفوف تنظيم طالبان، وتحت هذه الحجة، اقدمت طالبان قبل ايام على اقتحام مدرسة يديرها ويشرف عليها الجيش الباكستاني في مدينة بيشاور، واحدث مجزرة راح ضحيتها اكثر من 130 شخصا فقدوا ارواحهم!، وقد صرح طالبان ان هذه العملية جاءت كرد فعل عما يطول النساء والاطفال الابرياء بسبب القصف الامريكي الباكستاني لطالبان.
إطلاق احكام الاعدام
كثفت باكستان عملياتها العسكرية ضد طالبان واعدمت محكومين بتهم ارهاب للمرة الاولى منذ 2008، ردا على هجوم طالبان العنيف على مدرسة في بيشاور اسفر عن مقتل 149 شخصا بينهم 133 تلميذا. واثار الهجوم على مدرسة في بيشاور (شمال غرب)، الاعنف في تاريخ باكستان باستثناء الحروب، صدمة عارمة في البلاد وموجة ادانة واسعة في الخارج. من جانبه، شبه سر تاج عزيز، مستشار رئيس الوزراء نواز شريف للشؤون الخارجية والامن هجوم طالبان بهجمات "11 ايلول/سبتمبر" 2001 في الولايات المتحدة، مؤكدا انه "سيغير قواعد اللعبة". وتبنت العملية حركة طالبان في باكستان، اكبر مجموعة تمرد اسلامية في البلاد، الموالية للقاعدة. واوضحت الحركة انها استهدفت هذه المدرسة التي يرتادها ابناء عسكريين انتقاما للهجوم الذي بداه الجيش في حزيران/يونيو في اقليم وزيرستان الشمالي، اهم معاقلها على طول الحدود الافغانية. لكن الحكومة والجيش اكدا التصميم على مواصلة العمليات حتى "القضاء التام" على حركة طالبان باكستان وحلفائها. وقال الجيش انه قتل 32 اسلاميا متمردا في مكمن ثم 18 آخرين في عملية ثانية، في معاقل شمال غرب البلاد. كما كثفت القوات الباكستانية عملياتها في عدد كبير من مدن البلاد، ولاسيما كراتشي (جنوب) غير المستقرة التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة.
واعلن متحدث باسم قوة رانجرز شبه العسكرية في كراتشي لوكالة فرانس برس ان رجاله قتلوا فيها قائدا محليا من حركة طالبان وثلاثة من معاونيه. وعلى غرار ما يحصل في العمليات العسكرية، لا يمكن تأكيد هذه الحصيلة وهوية القتلى من مصدر مستقل. وقد انهت باكستان العمل بقرار كان معمولا به منذ 2008 لعمليات لوقف تنفيذ اعدام مدنيين محكومين، واعدمت شنقا محكومين اثنين بتهمة الارهاب في سجن فيصل اباد (شرق) بحسب السلطات المحلية. وكان استئناف اعمال الاعدام منتظرا منذ اعلان رئيس الوزراء نواز شريف عن انهاء العمل بوقف تنفيذ احكام الاعدام للمحكومين في قضايا الارهاب، وهو القرار الاول الذي اتخذه بعد هجوم بيشاور بدعم جزء من الراي العام.
والمحكوم الاول الذي اعدم الملقب "دكتور عثمان" شارك في هجوم دام على المقر العام للجيش عام 2009 والثاني، ارشاد محمود، شارك في محاولة اغتيال في 2003 لرئيس البلاد انذاك الجنرال برويز مشرف. ونقلت وسائل الاعلام المحلية عن مسؤولين باكستانيين قولهم الجمعة ان الدفعة الاولى من الاعدامات ستجرى في الايام المقبلة. واعلنت الحكومة ان هناك اكثر من 500 محكوم بالاعدام في قضايا الارهاب قد يعنيهم انهاء العمل بوقف تنفيذ احكام الاعدام. ودعت منظمة العفو الدولية ومفوضية حقوق الانسان في الامم المتحدة باكستان الى عدم انهاء الحظر، مشيرة الى ان الاعدامات غير مجدية في التصدي للارهاب. وقال المستشار سر تاج عزيز في مقابلة مع فرانس برس ان هجوم بيشاور "هز المجتمع الباكستاني باكمله في الصميم وسيطبع بطرق كثيرة استراتيجيتنا في مواجهة الارهاب". واضاف "مثلما غير 11 ايلول/سبتمبر الولايات المتحدة والعالم، فان 16 كانون الاول/ديسمبر هو بمثابة 11 ايلول/سبتمبر مصغر بالنسبة لنا". واضاف ان "الرأي العام كان منقسما" قبل الهجوم وكان لطالبان "الكثير من الداعمين". لكن المجزرة ادت بحسبه الى رفض "غير مسبوق" للتطرف في البلاد.
تبرير عملية طالبان
في المقابل، قال مولانا عبد العزيز، إمام المسجد المعروف بتشدده في اسلام اباد، ان هجوم الجيش على حركة طالبان الباكستانية "مخالف للاسلام" واعتبر مذبحة المدرسة في بيشاور ردا على الضربات الجوية التي تستهدف مقاتليها في المنطقة القبلية شمال غرب البلاد. وقال إمام المسجد الاحمر انه يشارك اهالي الضحايا "حزنهم" لكنه يتفهم رد طالبان. وقال "ايها الحكام، يا من تمسكون زمام الامور، اذا كنتم سترتكبون مثل هذه الافعال، فسيكون هناك رد عليها". وتجمع حوالى 250 شخصا بعد الظهر امام المسجد الاحمر للتنديد "بالمتشددين" مثل عبد العزيز "الذين يؤيدون طالبان".
وكثف الجيش الباكستاني عملياته مؤخرا ضد طالبان قرب الحدود الافغانية، مؤكدا انه قتل خمسين متمردا اسلاميا، وذلك ردا على اعنف هجوم في تاريخ البلاد شنته حركة طالبان على مدرسة في بيشاور. وقد شنت الهجوم ا في بيشاور (شمال غرب) حركة طالبان باكستان، ابرز مجموعة اسلامية متمردة اكدت انها قامت بالهجوم ردا على الهجوم الذي شنه الجيش في حزيران/ يونيو في شمال وزيرستان، ابرز المعاقل القبلية للمتمردين على طول الحدود الافغانية. وجددت هذه المجزرة تصميم الجيش على "القضاء التام" على طالبان، كما اكد الجيش على اثر المأساة الوطنية. وفي منطقة خيبر القبلية، قال الجيش انه قتل الجمعة 32 اسلاميا متمردا في مكمن ثم 18 آخرين في عملية ثانية، وقد كان متعذرا تأكيد هذه الحصيلة من مصادر مستقلة الجمعة. وكثفت القوات الباكستانية ايضا عملياتها ضد الخلايا الارهابية في عدد كبير من مدن البلاد، ولاسيما كراتشي (جنوب) غير المستقرة التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة.
ونشرت القوات الباكستانية تعزيزات امنية حول السجون التي يسجن فيها عدد كبير من الاشخاص المشبوهين او المدانين لصلاتهم بمجموعات اسلامية مسلحة. وفي تموز/يوليو 2013، هرب اكثر من 240 سجينا بينهم عدد كبير من المقاتلين الاسلاميين، من سجن ديرة اسماعيل خان الواقع في اقليم خيبر باختونخوا، على اثر هجوم شنته حركة طالبان. وفي نيسان/ابريل 2012، اتاح هجوم آخر على سجن بانو الواقع ايضا في شمال غرب البلاد قرب الحدود الافغانية، فرار حوالى 400 متمرد. وقال مسؤول كبير طلب التكتم على هويته لوكالة فرانس برس، ان "الارهابيين سيهاجمون على الارجح هذه السجون لتحرير رفاقهم المحكوم عليهم بالاعدام بعد استئناف تنفيذ عقوبة الاعدام".
لا تربِّ الأفاعي في حديقتك
وكانت المذبحة التي نفذها مسلحون من حركة طالبان وقتل خلالها أكثر من 130 طفلا في مدرسة باكستانية تذكيرا تقشعر له الأبدان بتحذير هيلاري كلينتون لإسلام أباد في 2011 بأنه "لا يمكن أن تربي الأفاعي في باحتك الخلفية وتتوقع منها ألا تلدغ سوى جيرانك." والآن فيما تتخبط باكستان في حالة من الذعر بسبب العنف الذي وقع في مدرسة ثانوية يديرها الجيش في مدينة بيشاور سيزداد الضغط على الساسة والجنرالات الذين تسامحوا مع وجود المتشددين باعتبارهم عونا استراتيجيا في خصومتهم مع الهند وسعيهم للنفوذ في أفغانستان. وقالت شيري رحمن وهي مبعوثة سابقة لواشنطن وسياسية بارزة من المعارضة إن هناك بعض الشخصيات التي تبدي الأسف لما تقوم به طالبان. وأضافت "ينبغي أن يكف الناس عن المواربة ويتحدوا في وجه المأساة الوطنية."
ومن المرجح أن يقوض الغضب بسبب قتل كل هذا العدد من الأطفال التعاطف مع المتشددين -في بلد حيث يشعر الناس طوال الوقت بالشك في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب- ويدفع الجيش لتشديد الحملة التي بدأها هذا العام على مخابئ في الجبال على طول الحدود الأفغانية. ولمح قائد الجيش رحيل شريف بالفعل إلى ان ردا انتقاميا سيعقب ذلك. وقال مباشر لقمان وهو مذيع شهير في قناة آري الاخبارية في حسابه على موقع تويتر "مر وقت كاف بالفعل. أبلغوا قائد القوات الجوية أن يبدأ القصف."
وقال والي نصر عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز "ربما تحاول طالبان إضعاف عزيمة الجيش بالتلميح إلى أن عملية الجيش ستكلف خسائر بشرية هائلة مما قد يؤدي لضغط من الرأي العام على الجيش لإلغاء العملية." وتابع والي وهو مستشار سابق لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن باكستان وأفغانستان "لكن السحر قد ينقلب على الساحر." وتختلف طالبان الباكستانية - التي تأثرت وحدتها بصعود فصائل منافسة - عن طالبان أفغانستان. لكن الجماعتين مرتبطتان وتشتركان في الهدف وهو الإطاحة بحكومتي البلدين وإقامة دولة إسلامية في المنطقة.
ضغط على الحكومة
وقد يشمل توسيع نطاق العملية ضد طالبان الباكستانية "ملاحقة ساخنة" من الجيش عبر الحدود الشاسعة إلى أفغانستان حيث يختبئ الكثير من المتشددين الباكستانيين. وقد يؤثر هذا على التصالح بين إسلام أباد وكابول في الآونة الأخيرة. ونسبت صحيفة دون الباكستانية إلى مصدر قوله إن مهاجمي المدرسة تصرفوا بناء على أوامر من أشخاص يقودونهم في أفغانستان. وقال سيف الله محسود رئيس مركز أبحاث الإدارة الاتحادية للمناطق القبلية في إشارة إلى مذبحة بيشاور "طلبوا من الحكومة الأفغانية منذ فترة طويلة أن تقوم بشيء حيال ذلك... باكستان قد لا يكون أمامها خيار آخر. وحشية الهجوم تتطلب رد فعل." ورغم المخاطر فان الغضب الشعبي يعني أن الجيش الآن أصبح حرا بشكل أكبر لملاحقة طالبان في ترسيخ لهيمنته على الحكومة التي حاولت إجراء محادثات سلام مع المتشددين ولم تقدم دعما حقيقا لعملية عسكرية ضدهم.
ورجعت الحكومة المدنية بالفعل على أعقابها وقد ازدادت ضعفا بسبب شهور من التظاهرات في الشوارع بقيادة زعماء معارضين تدعو لاستقالة رئيس الوزراء نواز شريف. وستتعرض لضغوط الآن لكي يكون موقفها متماشيا مع الجيش. وقال بروس ريدل وهو مسؤول كبير سابق في المخابرات المركزية الأمريكية ومكتب مكافحة الإرهاب بالبيت الأبيض ويعمل حاليا في معهد بروكينجز البحثي "يتعين على قيادة باكستان السياسية أن تتخذ خيارا واضحا بمحاربة طالبان بشكل قاطع وليس بإجراءات واهية." وأضاف "الكرة في ملعب رئيس الوزراء شريف لاثبات أنه يستطيع توحيد البلاد للدفاع عن أطفالها." وعلى مدى سنوات رعت باكستان المتشددين اعتقادا منها أنهم قد يكونون مقاتلين لهم وزنهم في حال نشوب حرب مع الجيش الهندي الذي يفوق نظيره الباكستاني قوة. لكن بعض الفصائل انقلبت على قوات الحكومة بعد أن شاركت إسلام أباد في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد التشدد في أعقاب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001. وحتى لو وحد الجيش والحكومة صفيهما بشأن ضرورة الرد وتشديد الإجراءات الأمنية في مدن البلاد فمن المرجح أن يواصل الجيش وذراعه المخابراتي القوي تمسكه بفكرة حركة طالبان "الطيبة".
وقال مسؤول هندي تعامل لسنوات مع سياسات نيودلهي في المنطقة، بحسب رويتر، إنه في الوقت الذي ترحل فيه قوات حلف شمال الأطلسي عن أفغانستان فان الجيش الباكستاني لن يعترض طريق شبكة الحقاني التي تنفذ هجمات داخل أفغانستان من باكستان وجماعة عسكر طيبة التي تقاتل الحكم الهندي في كشمير. وقال فيفك كاتجو وهو سفير هندي سابق إلى أفغانستان "الجيش الباكستاني التزم بمعتقداته منذ فترة طويلة بالتمييز بين الجماعات الإرهابية التي يخوض اشتباكات معها وبين تلك المستعدة للعمل بالوكالة عنه في أفغانستان والهند." وكتب في صحيفة اكونوميك تايمز الهندية "لا يمكن لباكستان.. أن تلعب على حبلين."
الدخول في حداد الحزن
وقد دخلت باكستان في حداد لثلاثة ايام على ضحايا الهجوم الذي شنته طالبان على مدرسة واسفر عن مقتل 132 تلميذا وتسعة من الموظفين واعتبر الاكثر دموية في البلاد فيما اثار موجة ادانات واسعة في العالم. واثر الهجوم الذي وقع الثلاثاء في بيشاور شمال غرب البلاد اغلقت معظم المدارس في مختلف انحاء البلاد فيما اقيمت صلوات خاصة في ذكرى الضحايا ال141 في المدارس التي فتحت ابوابها. وقامت مجموعة من مسلحي طالبان بالدخول من صف الى اخر وقتل التلاميذ في هجوم استمر ثماني ساعات واثار ادانات عالمية. وفي اقليم خيبر باختونخوا (عاصمته بيشاور) اغلقت المدارس والادارات والاسواق. وعلى الجانب الاخر من الحدود في الهند وضع رئيس الوزراء ناريندرا مودي العداوة القديمة مع باكستان جانبا وطلب من المدارس الالتزام بدقيقتي صمت في ذكرى الضحايا. وبدأت مراسم تشييع الضحايا الذين سحبت جثثهم من المدرسة وهم لا يزالون باللباس المدرسي الاخضر الملطخ بالدماء. وشاهد مراسل وكالة فرانس برس جنودا متمركزين على سطوح المدرسة فيما تدخل اليها اليات عسكرية. وقال شهود ان المهاجمين الستة قدموا بسيارة بيضاء واحرقوها قبل البدء باطلاق النار لابعاد المتطفلين وقفزوا فوق جدار لدخول المدرسة. وافاد احد الشهود ان "احدهم سكب النفط على السيارة ثم اضرم النار بها. ثم فتحوا النار في الشوارع وقد هربت مع شخص اخر لانقاذ حياتنا".
وسيترأس رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الذي وصف الهجوم بانه "مأساة وطنية ارتكبها وحوش" اجتماعا لاطراف سياسية في بيشاور لبحث الرد على هذه المأساة. واكدت الحكومة والجيش تصميمهما على هزم المجموعة التي قتلت الاف الاشخاص منذ بدء التمرد في 2007. واعلن مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ان "رئيس الوزراء وافق على الغاء تعليق عقوبة الاعدام في حالات الارهاب". لكن وسائل الاعلام الباكستانية لفتت الى ان وعودا سبق ان صدرت بعد وقوع هجمات مماثلة لكن العنف لم يتوقف. وكتبت صحيفة دون الناطقة بالانكليزية "ان قطع وعود بسحق تمرد بعد هجوم كبير لا معنى له". واضافت "ان العمليات العسكرية لن تؤدي الى نتيجة الا اذا كانت هناك محاولات لاستئصال الجذور الايديولوجية للتمرد".
واطلق الجيش هجوما كبيرا في الاشهر الستة الماضية ضد معاقل حركة طالبان الباكستانية ومجموعات اخرى تنشط في منطقة وزيرستان الشمالية القبلية القريبة من بيشاور. وادت العملية الى مقتل اكثر من 1600 مسلح فيما اعتبرها الجيش ناجحة قائلا انها ادت الى تفكيك البنى التحتية للمتمردين. لكن تسود مخاوف من هجمات انتقامية اكثر من اي وقت مضى. وقال محمد خراساني المتحدث باسم طالبان ان الهجوم جاء انتقاما للقتلى الذين سقطوا في عملية الجيش. وقال "ان مقاتلات الجيش تقصف ساحاتنا العامة ونساءنا واطفالنا، كما تم اعتقال الالاف من المقاتلين وافراد عائلاتهم واقربائهم. لقد طلبنا تكرارا بان يوقفوا هذا الامر". واضاف "في مواجهة تصلب الجيش اضطررنا لشن هذا الهجوم بعدما تحققنا من ان اولاد عدة مسؤولين كبار في الجيش يتلقون تعليمهم في هذه المدرسة". لكن حركة طالبان الافغانية دانت الهجوم معتبرة ان قتل اطفال يتعارض مع تعاليم الاسلام. وقالت حركة طالبان الافغانية في بيان نشر في وقت متاخر ان "امارة افغانستان الاسلامية دانت على الدوام قتل اطفال واشخاص ابرياء في اي ظرف". واضافت ان "القتل المتعمد لاشخاص ابرياء، نساء واطفال يتعارض مع تعاليم الاسلام وكل حكومة اسلامية وحركة يجب ان تلتزم بهذا المبدأ الجوهري". وتابعت ان "امارة افغانستان الاسلامية (الاسم الرسمي لحركة طالبان) تقدم تعازيها لعائلات الاطفال الذين قتلوا".
تصريحات الناشطة ملالا
ومن بريطانيا حيث باتت تعيش، انتقدت ملالا يوسف زاي الفتاة الباكستانية الحائزة جائزة نوبل للسلام 2014 "الاعمال الوحشية والجبانة" التي تقوم بها حركة طالبان. وقالت "لقد حطم قلبي هذا العمل الارهابي الذي لا معنى له والذي ارتكب عن سابق تصور وتصميم في بيشاور". من جهته، دان الرئيس الاميركي باراك اوباما المجزرة التي ارتكبتها حركة طالبان الباكستانية. وقال "باستهدافهم الطلاب والمدرسين في هذا الهجوم البشع، اظهر الارهابيون مرة اخرى درجة سوئهم". كما دان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الهجوم قائلا "هذا عمل فظيع وجبان استهدف طلابا عزلا بينما كانوا يتلقون العلم". وقال متحدث باسم الجيش الباكستاني "بدأ الارهابيون يطلقون النار عشوائيا فور دخولهم الى المدرسة ولم يكن في نيتهم احتجاز رهائن". واوضح ان المهاجمين "كانوا يرتدون سترات محشوة بالمتفجرات ويحملون ذخائر وطعاما لعدة ايام".
إيقاد شموع الحزن
وأشعل الناس الشموع في أماكن مختلفة من البلاد وسهروا الليل في أجواء حزينة بينما يستعد الآباء لدفن أبنائهم خلال جنازات جماعية في بيشاور ومحيطها. وربما يكون الباكستانيون قد اعتادوا على الهجمات شبه اليومية التي يستهدف فيها المتشددون قوات الأمن لكن شن هجوم مباشر على أطفال أحدث صدمة في البلاد وأطلق نداءات بين المعلقين برد عسكري قوي. كانت ساحة مدرسة الجيش العامة التي شهدت المذبحة خالية تماما إلا من بضعة قناصة على أسطح مبانيها. وبجوار المدخل انتشرت عربات عسكرية وجنود ملثمون مسلحون ببنادق آلية. وبعد يوم على الهجوم خيمت أجواء الحزن على بيشاور ولا يزال كثيرون في حالة صدمة وهم يستعيدون الأحداث المروعة ويحاولون تهدئة بعضهم بعضا. وتكشفت تفاصيل أكثر عن الهجوم الذي كان منظما جيدا مع إدلاء شهود عيان برواياتهم.
وقال عصام الدين وهو سائق لإحدى حافلات المدرسة عمره 25 عاما "جاء المهاجمون حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا في شاحنة صغيرة. وأضاف "قادوها إلى خلف المدرسة وأشعلوا النار بها لقطع الطريق ثم ذهبوا إلى البوابة الرئيسية وقتلوا جنديا وحارسا وبستانيا. وبدأ إطلاق النار ووقع الهجوم الانتحاري الأول." وأعلنت حكومة رئيس الوزراء نواز شريف الحداد لمدة ثلاثة أيام لكن شغل الناس الشاغل انصب على ما يمكن أن تفعله السلطات لحماية البلاد.
وقالت شيري رحمن سفيرة باكستان السابقة لدى الولايات المتحدة والسياسية المعارضة "على الناس أن يتوقفوا عن المواربة ويتكاتفوا في وجه مأساة وطنية." وأضافت "هناك زعماء للأمة يقدمون تبريرات لأفعال طالبان وهناك من لا يشيرون إلى طالبان في أحاديثهم." وطالبان الباكستانية متحالفة مع طالبان الأفغانية ومع تنظيم القاعدة ومقاتلين أجانب آخرين. وتتهم باكستان منذ فترة أفغانستان بعدم بذل ما يكفي لقمع المسلحين. أما أفغانستان فتلقي باللائمة على باكستان لسماحها لجماعات متشددة مثل طالبان الأفغانية وشبكة حقاني بالعمل بحرية على الأراضي الباكستانية وشن هجمات في أفغانستان. وكانت حركة طالبان الباكستانية التي تقاتل من أجل الإطاحة بالحكومة توعدت بتصعيد الهجمات ردا على عملية كبيرة ينفذها الجيش ضد المسلحين في مناطق قبلية.
وقال شاروخ خان (15 عاما)الذي أصيب في ساقيه ولكنه نجا بعدما اختبأ تحت مقعد "إحدى معلماتي كانت تبكي.. أصيبت بعيار ناري في يدها وكانت تبكي من شدة الألم... ثم سار إرهابي باتجاهها وبدأ يطلق النار عليها حتى توقفت عن إصدار أي صوت.. وكان الجميع.. أنا وأصدقائي كنا مستلقين ما بين قتلى وجرحى." ومع حلول الليل في بيشاور وهي مدينة مضطربة بالقرب من الحدود الافغانية أنهت قوات الامن في نهاية الامر عملية استمرت أكثر من ثماني ساعات وشهدت بعضا من أعنف المعارك بالاسلحة النارية. وقالت طالبان ان المسلحين كانوا مزودين بسترات ناسفة. وسمع دوي ثلاثة انفجارات داخل المدرسة الثانوية في ذروة المذبحة مما أثار مخاوف من وقوع مزيد من الاصابات. وفي الخارج وبينما كانت طائرات هيكوبتر تحلق فوق المكان كافحت الشرطة لمنع الاباء من اختراق الحاجز الامني ودخول المدرسة. ويذكر هذا الهجوم بحصار عام 2004 لمدرسة في بيسلان الروسية من جانب متشددين من الشيشان انتهت بموت أكثر من 330 شخصا نصفهم من الاطفال.
دوّامة العنف مستمرة
وقد توعدت حركة طالبان الباكستانية بتصعيد هجماتها ردا على عملية رئيسية للجيش ضد المسلحين في المناطق القبلية. لكن رغم الحملة هذا العام فان الجيش يتهم منذ فترة طويلة بأنه متساهل نحو المتشددين الاسلاميين الذين يقول منتقدون انهم اعتادوا تنفيذ هجماتهم في أماكن مثل كشمير وأفغانستان. وحتى الان كانت طالبان تستهدف بصفة اساسية قوات الامن وقواعد الجيش والمطارات لكن الهجمات على اهداف مدنية ليس لها أهمية لوجستية نادرة نسبيا. وفي الهند عبر رئيس الوزراء ناريندرا مودي عن مشاعره فقال "انه عمل أحمق لوحشية لا يمكن وصفها أزهقت أرواح أكثر المخلوقات براءة في العالم - وهم أطفال صغار في مدرسة." وتسلم مستشفى ليدي ريدينغ في بيشاور 26 جثة بينها جثث 23 تلميذا كما قال الناطق باسمه جميل شاه. وأفاد تقرير صادر عن المستشفى العسكري عن تسلم 69 جثة بينها 59 تلميذا. وهذا الهجوم هو الأكثر دموية الذي تشنه منذ أشهر حركة طالبان المقربة من تنظيم القاعدة والتي تحارب الحكومة الباكستانية منذ 2007، ويعتبر الأكثر رمزية لأنه استهدف أولاد الجنود والضباط. وهذه مدرسة رسمية للجيش وهي ضمن نظام مدارس وثانويات تابعة للمؤسسة العسكرية التي تدير 146 مدرسة في مختلف أنحاء البلاد مخصصة لأولاد العسكريين ومدنيين. وتتراوح أعمار التلاميذ فيها بين 10 و18 عاما.
وقال متحدث باسم الحكومة الباكستانية ان رئيس الوزراء نواز شريف ألغى وقف العمل بعقوبة الاعدام بعد مقتل 132 طالبا وتسعة مدرسين في هجوم لطالبان على مدرسة في بيشاور. وقال المتحدث محيي الدين واني إن رئيس الوزراء وافق على قرار للجنة وزارية بالغاء وقف العمل بعقوبة الاعدام. وقال "لقد تقرر رفع هذا الوقف. ورئيس الوزراء وافق."
نبذة عن حركة طالبان
ظهرت الحركة في أوائل تسعينيات القرن الماضي وأثبتت حركة طالبان الإسلامية المسلحة أنها قوة قتالية هائلة في أفغانستان وتهديد خطير لحكومتها. كما هددت طالبان بزعزعة استقرار باكستان، حيث تسيطر على مساحات في شمال غربي البلاد، واتهمت بالمسؤولية عن تنفيذ موجة من التفجيرات الانتحارية وهجمات أخرى.
ويرى العديد من المراقبين حاليا أن السلام لا يمكن أن يتحقق مستقبلا في أفغانستان دون أن تتفاوض حكومة كابول مع طالبان. واعتبر الإعلان عن خطط طالبان لفتح مكتب في قطر في يونيو/ حزيران عام 2013 خطوة إيجابية في هذه المفاوضات، لكن حالة عدم الثقة بين الجانبين لا تزال كبيرة. وفي أوائل عام 2012، عُقدت آمال كبيرة بإجراء محادثات سلام قبل أن تعلن طالبان في أفغانستان في بيان شديد اللهجة في مارس/ آذار من العام نفسه تعليق مفاوضات السلام التمهيدية مع الولايات المتحدة.
وظهرت حركة طالبان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، شمالي باكستان، عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان. وبرز نجم طالبان، وأكثر عناصرها من الباشتون، في أفغانستان في خريف عام 1994. ويعتقد على نطاق واسع أن طالبان بدأت في الظهور لأول مرة من خلال المعاهد الدينية، التي تمول في الغالب من السعودية، التي تتبنى نهجا دينيا محافظا. ووعدت طالبان، التي توجد في مناطق الباشتون المنتشرة في باكستان وأفغانستان، بإحلال السلام والأمن وتطبيق صارم للشريعة بمجرد وصولها للسلطة. وفي كلا البلدين، طبقت طالبان عقوبات وفقا للشريعة مثل الإعدامات العلنية للمدانين بجرائم القتل أو مرتكبي الزنا أو بتر أيدي من تثبت إدانتهم بالسرقة. واتهمت طالبان وزعيمها الراحل بن لادن بالمسؤولية عن هجمات سبتمبر وأمرت الحركة الرجال بإطلاق لحاهم والنساء بارتداء النقاب. وحظرت طالبان مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الموسيقى وارتياد دور السينما، ورفضت ذهاب الفتيات من سن العاشرة إلى المدارس. ونفت باكستان مرارا أنها هي من أسست طالبان، لكن لا يوجد شك كبير في أن العديد من الأفغان، الذين انضموا في بادئ الأمر إلى صفوف الحركة، تلقوا تعليما في المعاهد الدينية في باكستان. وكانت باكستان أيضا واحدة من ثلاث دول فقط، بالإضافة إلى السعودية والإمارات، اعترفت بطالبان حينما وصلت للسلطة في أفغانستان من منتصف التسعينيات وحتى عام 2001.
وكانت باكستان آخر دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان. ورغم أن باكستان تبنت نهجا أكثر حدة في السنوات الأخيرة ضد مسلحي طالبان الذين ينفذون هجمات على أراضيها، فإن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، الذي انتخب في مايو/ أيار الماضي، أكد أن المفاوضات مع المسلحين تمثل واحدة من أولوياته. وفي الأشهر القليلة الماضية، قُتل على الأقل ثلاثة من أبرز قادة طالبان باكستان في غارات شنتها طائرات أمريكية بدون طيار، من بينهم الملا نظير الذي قتل في يناير/ كانون الثاني وولي الرحمن الذي لقي حتفه في مايو/ أيار. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013، أفادت تقارير بمقتل زعيم حركة طالبان في باكستان، حكيم الله محسود، في غارة جوية أيضا. لكن بالرغم من هذه الضربات التي تلقاها المسلحون، فإن هناك دليلا على أن نفوذهم في كراتشي الباكستانية قد زاد بشكل كبير. ووقع الهجوم الذي يمكن أن يقال إنه أثار أكبر قدر من الانتقادات الدولية لحركة طالبان في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2012، حينما هاجمت الحركة منزل الطالبة ملالا يوسف زاي في بلدة منغورا.
ملاذ القاعدة
وتسببت هجمات 2001 في الغزو الذي أطاح بحكم طالبان في أفغانستان ودخلت حركة طالبان في أفغانستان بؤرة اهتمام العالم عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة. واتهمت الحركة بتوفير ملاذ آمن في أفغانستان لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن وأعضاء التنظيم الذين اتهموا بالمسؤولية عن هذه الهجمات. وبعد فترة قصيرة من هجمات سبتمبر، أطاح غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بطالبان من السلطة في أفغانستان، لكن لم يجر اعتقال زعيم الحركة الملا محمد عمر. وبزغت طالبان من جديد خلال السنوات القليلة الماضية في أفغانستان ونمت حتى أصبحت أكثر قوة في باكستان، ويقول مراقبون إنه لا يوجد تنسيق محكم بين الفصائل والجماعات المتشددة التابعة لطالبان. وكان حكيم الله محسود قائدا لفرع طالبان الرئيسي في باكستان، وأنحي باللائمة على حركته التي تعرف باسم حركة طالبان الباكستانية، في ما يتعلق بتنفيذ عشرات الهجمات الانتحارية والهجمات الأخرى. وحذر مراقبون من المبالغة في الإشارة إلى وجود جبهة تمرد موحدة ضد الدولة الباكستانية.
ومازال يعتقد أن طالبان في أفغانستان تخضع لقيادة الملا عمر، رجل الدين الذي فقد أحد عينيه أثناء قتال مع قوات الاحتلال التابعة للاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي. وكان الأفغان، الذين شعروا بالقلق من زيادة أعداد المجاهدين على نحو مفرط والاقتتال الداخلي في أعقاب طرد السوفييت، قد رحبوا عموما بطالبان عندما ظهرت على الساحة للمرة الأولى. ونمت شعبيتهم الأولى بدرجة كبيرة نتيجة ما حققوه من نجاح في القضاء على الفساد، والحد من الانفلات الأمني، وجعل الطرق والمناطق الخاضعة لسيطرتهم آمنة لازدهار التجارة.
هجوم أمريكي
وسرعان ما امتد نفوذ طالبان من جنوب غربي أفغانستان، واستولت على اقليم هرات الذي يحد إيران في سبتمبر/ أيلول عام 1995. وبعد عام بالتحديد، استولوا على العاصمة الأفغانية كابول بعد الإطاحة بنظام حكم الرئيس برهان الدين رباني ووزير دفاعه أحمد شاه مسعود. وبحلول عام 1998، كانوا قد سيطروا على نحو 90 في المئة من أفغانستان. ووجهت إليهم تهم ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والثقافة، وكان أبرز مثال على ذلك في عام 2001 عندما دمرت طالبان تمثالي بوذا في باميان بوسط أفغانستان على الرغم من موجة غضب دولية ضد ذلك. وفي السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2001، غزت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أفغانستان. وبحلول الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول انهار نظام طالبان. ولاذ الملا عمر وزملاؤه بالفرار. ويعتقد بوجه عام أنهم لجأوا إلى مدينة كويتا الباكستانية التي كانوا يوجهون منها حركة طالبان. لكن إسلام أباد نفت وجود ما يعرف باسم "شورى كويتا". وعلى الرغم من وجود أكبر عدد على الإطلاق من القوات الأجنبية في تاريخ البلد، استطاعت طالبان توسيع نطاق نفوذها على نحو مطرد مما جعل مساحات شاسعة من أفغانستان غير آمنة وعاد العنف في البلاد إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2001. وأدى تراجعهم في وقت سابق خلال السنوات العشر الماضية إلى الحد من خسائرهم البشرية والمادية والعودة بروح الثأر.
اضف تعليق