اذا كانت طالبان أعلنت مسؤوليتها أم داعش، فان النتيجة واحدة في استهداف الشيعة، لكن ما السبب في ارتفاع وتيرة العمليات الارهابية المستهدفة للشيعة تحديداً بعد توقيع معاهدة السلام بين طالبان وواشنطن، وإنهاء حالة العداء منذ الاطاحة بنظام حكمهم بتلك الحرب المدمرة، لتتحول طالبان الى حركة سياسية، ومحو جميع صفات الارهاب والتطرف والتخلف عن وجهها؟...
افغانستان هذا البلد الوادع بين السهول الخضراء والمرتفعات الجبلية والوديان في أقصى خارطة الشرق الأوسط، لم يعرف العالم عن شعبه سوى الاضطهاد والقمع على يد الانقلابيين والحكام الظلمة، ثم غزو عسكري غاشم من قبل ما كان يسمى بـ "الاتحاد السوفيتي"، مما خلّف آهات وآلام لا تُعد، رغم هذا، لم يسمع عنهم العالم أنهم زاحموا أحد في معيشتهم، وفي حياتهم باللجوء الى الدول الغنية، إلا القليل منهم، بل بقي هذا الشعب، بمعوقيه، وأيتامه، وأرامله، وفقراءه لصيقين أوفياء لأرضهم، معتمدين على الزراعة كمصدر أساس لسد حاجاتهم، متجلدين، صابرين على الضيم والضنك والازمات على أمل الحل.
هذا الشعب الملكوم بالارهاب، كما هو حال الكثير من شعوب العالم، يتعرض لهجمة شرسة من نوع جديد في الاهداف والغايات لم يسبقه شعب آخر في العالم، فقد تعرض ابناؤه الطلبة، في المدرسة والجامعة، وفي غضون أيام قلائل الى هجومين ارهابيين دمويين، سقط على أثره حوالي واحد وخمسين شهيداً، واكثر من مائة جريح حسب آخر احصائيات الدوائر الصحية في افغانستان، وربما صور الطلاب والطالبات وهنّ مضرجات بالدماء في قاعات الدرس المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تكون أبلغ في التعبير عن فضاعة الجريمة التي ارتكبها الارهاب التكفيري بحق هؤلاء الطلاب اليافعين الذين لم يرتكبوا ذنباً سوى أنهم أرادوا المضي في طريق العلم والمعرفة ليخدموا شعبهم وبلدهم، وينقذوه من التخلف والحرمان الى حيث الرقي والتقدم.
وأمام هذا المشهد الدموي المؤلم، نشهد صمتاً وتجاهلاً غريباً في وسائل الاعلام العالمية والمحلية في بلادنا، وصمتاً آخر من لدن المؤسسات الدينية والثقافية على هذه الجريمة ذات الابعاد الواسعة، فهي تمسّ الانسانية، والعلم، والطفولة.
للعلم ليس للجميع!
من البرامج التلفزيونية الناجحة والمحبوبة في العراق؛ "العلم للجميع"، من تقديم الاستاذ كامل الدباغ، وكان سبب نجاح البرنامج وجذبه للمشاهدين من مختلف شرائح المجتمع، الروح الانسانية التي كان يضخها الاستاذ الدباغ وتثقيف الناس على أن العلم للجميع وليس حكراً على أحد، ولكن؛ للأسف ضاعت هذه الروح في كل مكان –تقريباً- ومنها هذا البلد الذي ننعى فيه طلبته الصغار الوادعين والمذبوحين في المدرسة والجامعة، فيبدو أن رسالة المهاجمين أن العلم ليس لجميع ابناء الشعب الافغاني، ولا أهمية لمفاهيم الاجتهاد والذكاء والحرص على الدراسة والتعلّم.
بعض المصادر الافغانية تشير الى أن نسبة تتراوح بين 60 الى 70بالمئة من طلبة الجامعات في افغانستان هم من الشيعة في وقت أن الشيعة يمثلون الأقلية في افغانستان، هذه المفارقة إن دلت على شيء فهي تؤكد على اهتمام الشيعة بالعلم والمعرفة ودورهما في مسيرة التنمية والتقدم في المجالات كافة، وبدلاً من أن يكون هذا مؤشراً ايجابياً لدى الساسة في البلاد، يدفعهم للتشجيع والتكريم، نرى العكس تماماً في ظهور "حسيكة" الطائفية لدى البعض في مؤسسات الدولة وفي مقدمتها البرلمان الافغاني الذي تسالم النواب المنحدرين من توجهات طائفية وعلمانية على تقليص هذه النسبة من خلال التصويت على قانون غريب من نوعه يقضي بمحاصصة القبول في الجامعات الرسمية على اساس قومي و مذهبي! على غرار المحاصصة السياسية عندنا في العراق، او تحديد حصة ثابتة للنساء في البرلمان، بقطع النظر عن الكفاءة والأهلية.
إن عهود الحرمان والتهميش والتصفية العرقية والطائفية للشيعة في افغانستان دفع الجيل الجديد لأن يطوي المراحل بسرعة بالجدّ والاجتهاد في الدراسة والتعليم لاكتساب العلوم والمهارات والفنون، ليس خدمة لطائفتهم وحسب، وإنما خدمة لشعبهم وبلادهم، وحسب المصادر فان الشيعة يعدون من أبرز الناجحين في الدوائر الحكومية والمؤسسات الاعلامية.
وهذا الاستهداف لمسيرة النجاح العلمي والمعرفي يكشف للعالم من هو المحب لوطنه وشعبه؟ ومن التابع لاجندات خارجية تبحث عن المصالح الاقتصادية والسياسية، فمن يبني شخصيته العلمية على خدمة شعبه وبلده، من الصعب عليه التنازل لمصلحة شركات اميركية او اوربية، والانصياع لما تتحدث به عواصم معنية، وتحديداً؛ واشنطن، ولندن، وبرلين، المعنيين بالدرجة الاولى بالملف الافغاني، لاسيما اذا عرفنا أن اميركا ليست الوحيدة التي أرسلت جنودها وأنفقت و"ضحت" في افغانستان، فقد تمركزت قوات حلف الناتو في هذا البلد منذ الايام الاولى لنشوء النظام السياسي الجديد على انقاض حكم طالبان عام 2001.
بيد من تكون ثروات الشعب الافغاني؟
إن علماء الاقتصاد ومهندسي النفط، وعلماء الجيولوجيا، يكونون بحاجة الى ثروات بلدهم لتنفيذ خططهم التنموية، وهذا ما لا تسمح به الولايات المتحدة تحديداً، ليس في هذا البلد، بل في أي بلد تعد نفسها صاحبة الفضل في تغيير نظامها السياسي وانقاذ شعبها من سجون الطغاة واعداماته واضطهاده، كما حصل في العراق، لذا فهي تبحث دائماً عن أحجار (اشخاص) على رقعة المصالح الاقتصادية والسياسية معاً، يتمكنون من حماية هذه المصالح وسط تنافس دولي محموم على استثمار النفط والغاز والمعادن في افغانستان، فاذا عرفنا أن هذا البلد يكتنز فيه حوالي ثلاثة تريليون (ثلاثة آلاف مليار) دولار من المعادن والخامات في أعماق جباله وبين وديانه، تتضح لنا طبيعة مخاوف حركة طالبان، والتيار الفكري والديني العريض خلفها من صعود الشيعة علمياً، ومن ثمّ سياسياً في مستقبل البلاد، والى جانب معادن الذهب والفضة والحديد واليورانيوم، تضم افغانستان باحتياطي هائل من الغاز يُقدر بحوالي 16ألف مليار متر مكعب من الغاز الذي يفترض ان يجعل الشعب الافغاني الذي لا تزيد نسمته على الثلاثين مليون، من أغنى شعوب العالم، وأكثره رفاهية وسعادة، في حين تعيش البلاد حالياً في دخلها القومي بنسبة خسمة وسبعين بالمئة على المعونات والمنح الخارجية.
هذه الثروات الطائلة، والتي يُقال أن الاحجار الكريمة المدفونة في الجبال تضاف اليها بمقادير كبيرة، هي التي تدفع جماعة ارهابية بأحد افرادها لأن ينفذ عملية انتحارية وسط طلاب صغار في مدرسة الكوثر بالقرب من العاصمة كابول، على أنه ينفذ عملية مقدسة ضد "ابناء المشركين"! ليتسبب في استشهاد حوالي 29طالباً، واصابة اكثر من 52بجروح، في وقت سابق من شهر تشرين الاول، وقد اختار الارهابي المنتحر لحظة خروج الطلاب من المدرسة! وبعد أيام قلائل نسمع بحادث مريع آخر في جامعة كابول عندما يتسلل اربعة ارهابيين يصطحبهم استاذ في الجامعة! ليدخلوا في قاعات الدرس ويرشقوا الطلاب والطالبات بالرصاص ويحدثوا مجزرة مريعة حصدت 22 شهيداً، واصابة 50بجروح.
وحسب المصادر فان السلطات الامنية تعرفت الى المهاجمين الذين لقوا حتفهم برصاص قوات الامن، وهم من المفرج عنهم مؤخراً من جماعة طالبان ضمن صفقة إطلاق سراح الارهابيين بين الحكومة الافغانية وحركة طالبان برعاية اميركية مباشرة.
وبغض النظر عما اذا كانت طالبان أعلنت مسؤوليتها أم جماعة "داعش"، فان النتيجة واحدة في استهداف الشيعة والتقليل من وجودهم في الساحة الاقتصادية والسياسية، ومن قبلها في المراكز العلمية والاكاديمية. وهذا الرأي يبدو مُجمع عليه داخلياً وخارجياً، وإلا ما السبب في ارتفاع وتيرة العمليات الارهابية المستهدفة للشيعة تحديداً بعد توقيع معاهدة السلام بين طالبان وواشنطن، وإنهاء حالة العداء منذ الاطاحة بنظام حكمهم بتلك الحرب المدمرة، لتتحول طالبان الى حركة سياسية، ومحو جميع صفات الارهاب والتطرف والتخلف عن وجهها؟
اضف تعليق