في الرابع من شهر حزيران الجاري هاجم مسحلون ينتمون لتنظيم داعش مدينة الطارمية شمال بغداد، في عملية تمت عبر تفجير عبوة ناسفة اسفل عجلة تابعة للواء التاسع والخمسين (جيش)، تبعها اطلاق نار من البساتين القريبة ما أدى الى استشهاد أربعة جنود واصابة أربعة اخرين...
في الرابع من شهر حزيران الجاري هاجم مسحلون ينتمون لتنظيم داعش مدينة الطارمية شمال بغداد، في عملية تمت عبر تفجير عبوة ناسفة اسفل عجلة تابعة للواء التاسع والخمسين (جيش)، تبعها اطلاق نار من البساتين القريبة ما أدى الى استشهاد أربعة جنود واصابة أربعة اخرين.
بالتزامن، شن داعش هجوما على ناحية جرف النصر شمال محافظة بابل، وتحديدا في منطقة الروعية حيث تصدت قوات اللواء 47 في الحشد الشعبي للهجوم، وذكر بيان للحشد سقوط عدد من المهاجمين دون إعطاء تفاصيل اكثر.
في العراق يبدو هذا النوع من العمليات في الاطار الطبيعي، اذ ما زالت نشرات الاخبار تتحدث عن تطهير منطقة هنا وأخرى هناك، وبشكل يومي، والطارمية وجرف النصر وامرلي، وصحراء الرمادي وبساتين ديالي كلها عرضة لعمليات التطهير، وهي كلمة بديلة لكلمة "تحرير" على اعتبار ان التحرير قد انجز وما تجري هي عمليات بَعْدية.
استمرار العمليات من قبل القوات الأمنية والجيش والحشد ضد داعش يوحي بحقيقتين أساسيتين، الأولى ان التنظيم لا يزال نشطاً بغض النظر عن مستوى هذا النشاط، والثانية، ان الحكومة العراقية لم تنتقل حتى الان من الحلول العسكرية الى الحلول الاجتماعية والسياسية، وهي الأهم في هذه المرحلة.
اذن نحن نتحدث عن تنظيم منكسر يتعرض لضربات يومية، لكننا نختلف على مسألة وجوده ومقاومته لحد الان، فما بالك ان يعود ليهاجم، وبشكل منظم وفي مناطق حساسة مثل اطراف بغداد من شمالها وجنوبها، لا سيما وان طريقة الهجمات وتزامنها مع احداث أخرى تعطي دلالة مختلفة، وتعيد للاذهان سنوات ما قبل ظهور داعش، فالتنظيم الإرهابي كان يعتمد على التناقضات السياسية، ومستغلا انشغال الأحزاب بتقاسم السلطة في بغداد بينما يقوم هو ببناء اعشاش جديدة، توصف بانها "خلايا نائمة".
نفس الظروف التي هَيَأت لظهور داعش تتكرر اليوم، انغلاق سياسي، وانقسام حاد بين الكتل وبين المكونات وبين الأحزاب نفسها، وبين الاجنحة داخل الأحزاب، والسبب هو الحصول على اكبر عدد من المناصب التي باتت تعتبر غنيمة اكثر من كونها خدمة اجتماعية او سياسية، فلا وزير للداخلية، وحال الدفاع بدون وزير تعاني اكثر مع زيادة حالة الانفلات في صفوف بعض القطعات العسكرية، ما يزال بعض الجنود يمارسون نفس الأساليب ضد أهالي المناطق المحررة، ويعاملونهم كغرباء لا أبناء الوطن. (نتفق على انها حالات فردية، لكن بعض الأخطاء تعبر عن حالة انفلات).
ممارسات الجنود الخاطئة اثارت غضب الأهالي، وجعلهتم يستذكرون مخاطر عودة الحرب من جديد، فقبل أيام نشر مجموعة من الجنود مقطع فيديو يعتدون فيه على طفل، ويعلنون فيه عن اغتصاب امه، وهم يتضاحكون وكانهم ذهبوا الى هناك من اجل استعباد الناس لا حمايتهم.
الأمثلة كثيرة ولا يكفي المقال لتجميعها، وما نريد قوله هو تحذير من الخطر القادم للعراق وخاصة في المناطق المحررة، وربما يتوقع بعض القادة في المنطقة الخضراء ان وجود الحشد الشعبي قد قلب المعادلات ولم يعد بالإمكان خسارة الجغرافيا كما حدث عام 2014، وهذا صحيح الى حد ما، لكن في المقابل، لا يمكن للحشد القيام بأكثر من تحرير الجغرافيا، فخطوات ما بعد التحرير ليست مهمة الحشد، ولا مهمة الجيش، ولا الشرطة، انما البلد بكامله بحاجة الى إعادة ترميم شاملة، تعيد له توازنه.
فالمباني التي تهدمت، انهارت معها أواصر اجتماعية، وتمزقت توازنات كانت قائمة لعقود طويلة، سواء كانت توازنات اجتماعية او سياسية او حتى اقتصادية، لا توجد أي خطة لاصلاح ما حصل، ولا يزال الحل الأمني هو المسيطر على الوضع لذلك تكثر الأخطاء هنا وهناك، لان المشكلة اكبر من معالجة بدوريات عسكرية.
داعش استغل بعض المظالم التي تعرض لها الأهالي ليعلن عن نفسه بانه التنظيم المنقذ، ومن خلال الترهيب بالقوة، او الترغيب بالمستقبل المشرق والمال ودفع الظلم، استطاع تحقيق سيطرة محكمة على المناطق الغربية، وهذه الأيام قد لا يشن هجمات واسعة النطاق لكنها بالتأكيد باتت مؤشرات لعودته، فبعد سلسلة العمليات الأمنية منذ اعلان النصر وحتى الان ها هو يعود ليهاجم وكانه بالون اختبار ليقوم بالهجمات الأكبر.
الحكومة تتحمل تبعات ما يحصل وعليها تدارك الامر وحل المشاكل التي خلفتها الحرب، والا فقد لا ننجو من ازمة إنسانية ويعود الأهالي لظروف قاسية وتتحمل الدولة خسائر كبيرة بالاروح والاقتصاد وتمزيق للاواصر الاجتماعية الهشة.
اضف تعليق