لو ألقينا نظرة على عناوين المقالات أو التحليلات الصادرة من المواقع السعودية بُعيد الحدث النيوزيلندي ثم قارنا ذلك بما ورد عنها حول مجزرة مسجدي الإمام علي والإمام الصادق عليهما السلام لتجلّى بوضوح الفارق الثاني من ردود أفعال الإعلام. ومثال ذلك: بعض عناوين المقالات والآراء ليوم...
هنالك جوانب خفية أو بين السطور عن الواقعة النيوزيلندية التي حدثت في الأسبوع الماضي، من الحكمة الاستفادة والاعتبار منها..
١. الازدواجية..
بغض النظر عن الجرائم التي نفذتها العصابات السلفية في كل من العراق وسوريا وأوروبا من استهداف للمدنيين العزل، إلا انه هنالك نوع خاص من العمليات لاستهداف المصلين داخل بيوت الله نذكر بعضها..
الأولى؛ قام بها سلفي مؤيد لداعش أثناء إقامة صلاة الجمعة بتاريخ 22 مايو2015 في مسجد الإمام علي عليه السلام في بلدة القديح من محافظة القطيف في شرق الجزيرة العربية..
والأخرى.. كانت عملية انتحارية قام بها سلفي آخر في مسجد الإمام الصادق عليه السلام في الكويت بتاريخ 26 يونيو 2015 والتي استهدفت المصلين في يوم الجمعة من نهار شهر رمضان والناس صيام أيضا..
كلاهما نسختان طبق الأصل للحادثة التي وقعت في مدينة كراسشيرز النيوزيلندية بتاريخ 15 مارس 2019 وذلك في داخل مسجد أيضا.
لكن بفارقين أساسيين:
الأول: من ناحية المُنفِّذ؛ فاللذان قاما بتفجير نفسيهما وسط المصلين في مسجدي الإمام علي والإمام الصادق عليهما السلام كانا ينتميان إلى إيديولوجية دينية متمثلة بالجماعات السلفية الوهابية، أما الذي قام بعملية نيوزيلندا ينتمي إلى إيديولوجية قومية أو عنصرية والمتمثلة بجماعات اليمين المتطرف.
وهذا الفارق قد أدى إلى الفارق الثاني؛ وهو ردود أفعال وسائل الإعلام - وفي هذه العجالة نتحدث عن الإعلام السعودي؛ حيث كانت هذه الردود بالنسبة للصنف الأول خجولة ومتواضعة، وبالنسبة للثاني لا بأس بها.
في هذا الصدد لا أريد أن أشير إلى فارق ثالث وهو الطائفة التي ينتمي إليها الضحايا؛ ذلك لأن الجريمة جريمة ولا فرق بين إنسان وإنسان مهما كانت طائفته أو ديانته أو قوميته أو حتى إيديولوجيته ولنا في قول أمير المؤمنين عليه السلام عند تعرض أحدهم لامرأة يهودية بأخذ خلخالها "فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا"(1).
فما بالك بالقتل..
لو ألقينا نظرة على عناوين المقالات أو التحليلات الصادرة من المواقع السعودية بُعيد الحدث النيوزيلندي ثم قارنا ذلك بما ورد عنها حول مجزرة مسجدي الإمام علي والإمام الصادق عليهما السلام لتجلّى بوضوح الفارق الثاني من ردود أفعال الإعلام.
ومثال ذلك: بعض عناوين المقالات والآراء ليوم واحد من موقع سعودي واحد وهو "العربية نت":
_ "داعشي صليبي"،
_ "جريمة نيوزيلندا وانهيار المجتمعات"،
_ "هجوم نيوزيلندا والإرهاب الأبيض"،
_ "إرهابي نيوزيلندا أ كان يمارس حريته؟"،
و"جريمة نيوزيلندا وفيس بوك".
أما ردود الأفعال تجاه مجزرة القديح والكويت لم تتجاوز البيانات الرسمية والاستنكارات الروتينية دون اي دراسة أو تحليل والسبب واضح نعرض عن ذكره.
ناهيك عن التستر وقلب الحقائق كما حصل في جريمة نحر الطفل الشيعي في المدينة المنورة بواسطة من يحمل الإيديولوجية السلفية الرسمية في تلك الدولة.
٢. الذوبان..
لقد استنكر الجميع مجزرة نيوزيلندا بمختلف أطيافها وطوائفها وتوجهاتها ومشاربها الفكرية، ولقد رأى العالم أكاليل الزهور التي وضعت على مداخل المساجد النيوزيلندية بأجمعها والتي تحولت إلى تلال من الزهور، لكن هناك رد فعل لم يظهر في وسائل الإعلام وهو الرد الفعل الشيعي المحلي؛ للشيعة المقيمين في نيوزيلندا؛ فما عدا توجيه التعازي والحضور في التشييع المتمثل بقول الإمام الصادق عليه السلام: "صلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم،.. وقولوا للناس حسنا" (2)، فإن الشيعة قد ألغوا برامج الاحتفال والسرور بمناسبة مولد أمير المؤمنين عليه السلام في الثالث عشر من شهر رجب، وحولوه إلى مجلس تأبين وعزاء للضحايا.
ولا يمكن لأحد أن يقول لهؤلاء لا تحزنوا؛ فاللذين قُتلوا كانوا إما إخوان لهم في الدين أو نظراءهم في الخلق (3) كما أشار أمير المؤمنين عليه السلام.
ورغم حث البعض منهم على إحياء أفراح أهل البيت عليهم السلام كونها مقدمة على أحزان غيرهم. وأحزان أهل البيت مقدمة على أفراح الناس، فهم يرون أنه لا يجوز لمسلم أن يفرح في اليوم العاشر من محرم كذلك لا ينبغي الحزن في اليوم الثالث عشر من شهر رجب الأصب، مهما كان السبب، ويرون أن احترام الضحايا يتجسد بإحياء مولد صوت العدالة الإنسانية والإنسان الحقيقي الكامل مثال العدالة والرحمة التي ضمنت دنيا الإخوة السنة حينما سمح لهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يؤدوا صلاة التراويح ولم يجبرهم على ترك البدعة، كما سمح لابن ملجم أن يبات في مسجد الكوفة ليلة التاسع عشر من شهر رمضان..
مع ذلك تنازل أغلب الشيعة في نيوزيلندا عن الفرح تضامناً مع الواقعة.
٣. الاستقلالية..
إن الأحداث الآنف ذكرها تعتبر فرصة لنشر ثقافة أهل البيت عليهم السلام وكذلك لإثبات الهوية الشيعية، فكما كانت حادثة 11 سبتمبر لعام 2001، وكذلك أحداث لندن في 7 يوليو لعام 2005، وكذلك أحداث العراق بعد سقوط النظام البعثي، فرص تاريخية لإخبار العالم أن هنالك صوت إسلامي آخر يختلف عن الأصوات المعروفة السلفية، فإن الحدث النيوزيلندي الأخير يعطي فرصة أخرى لإثبات الفرق بين رد الفعل الشيعي تجاه الجرائم التي تستهدف الإخوة من المذاهب الأخرى، ورد الفعل الإعلام الطائفي تجاه الجرائم التي تستهدف الشيعة.
كما ينبغي لأبناء المذهب الشيعي أن يحافظوا على مبادِئهم واستقلاليتهم في المواقف تجاه أي حدث - وذلك وفقاً لتعاليم أهل البيت عليهم السلام الأكثر إنسانية على الإطلاق، وأن لا يسبحوا مع التيار الغالب، سواءاً اتفقت المواقف معهم في بعض الأزمنة أم اختلفت، ذلك لأن أصالة الفكر الشيعي أقوى من الانجرار خلف العواطف الآنية، وتجربة العقود الماضية خير دليل على صحة هذا المدعى حينما تراكضت بعض التيارات الشيعية خلف (الإسلام السياسي) في مصر والجزائر مثلا والتي كشفت حقيقتها فيما بعد.. أو دعمها المطلق لقضية البوسنة والشيشان في التسعينيات والتي جازت الإحسان بالإساءة بإرسال شبابها إلى العراق وسوريا للإنضمام في صفوف داعش..
أو تأييدها للحركات الجهادية في أفغانستان ابّان الاحتلال السوفيتي في الثمانينيات والتي خرج من رحمها تنظيم القاعدة، مما أدى كل ذلك إلى خلط بعض الأوراق.
إن الغرب اليوم قد وقع في فخ الاقتصار على أخذ وتوثيق الأحداث الإسلامية من مصدر ومشرب واحد..
ذلك المصدر الذي يكتبه الجلاد بعد أن يقوم بنحر الضحية بدم بارد وحبر حار، من هنا فإن استقلالية الموقف والإلحاح على إبراز الهوية ضرورة لابد منها.
اضف تعليق