هناك عدة تساؤلات تطرح هل استطاعت السياسة الغربية التي صنعت هذه الوحشية والبشاعة أن تتخلى عن وحشيتها بهذه السرعة؟ هل أمطرت السماء رحمة وإنسانية ونحن لا نعلم؟! وهل اكتفى الغرب بهذه الجرعة من الظلم ام انه بقى يمارس جرمه وساديته عن بعد وغسل بقع دماء الشعوب...
عجلة العنف الإعلامي تدور حسب ما يملي عليها شيطانها وتوجه أصابع الاتهام حسب مزاج المالك وتتغافل عن ألف قتيل وتنوح بحرقة لأجل فرد ويجتاحها السواد من أجل وحيد القرن في أطراف أفريقيا ولا يشدها منظر لأضلاع طفل أفريقي جائع، نعم إنه نوع من أنواع العنف الحديث الذي أنتجه لنا الغرب، فقد أصبح لكل جهة ماكينة إعلامية لا تمتلك الروح الإعلامية الشريفة وهي عبارة عن سلاح يطلق الأخبار والتقارير والهاشتاجات لإصابة أكبر عدد من الأهداف المطلوبة كما يحدث الآن في قضية «خاشقجي» ترى الحليف الأمريكي يتفنن في نشر الثياب القذرة لحليفه السعودي طمعًا بوجبة إضافية على موائد واشنطن.
وظاهرة العنف بصورة عامة ليست حالة جديدة يمر بها المجتمع وبالأخص المجتمع الشرق أوسطي وتشعر كأنها استحدثت وتم العمل على إعادة صياغتها وبروح جديدة وأبشع عن ما كانت عليه في السابق، وكأن أحدهم وضع خطة لتنمو هذه الظاهرة وبصورة غير طبيعية وإلا كيف نفسر ما يحصل من إرهاب وحروب وقتل وتهجير وسبي وقمع للحريات وتقطيع المعارضين بالمناشير وسرقة قوت الشعوب وإيهامهم بأنهم فقراء و… و… ولا توجد ردود أفعال حازمة من الدول التي تطلق على نفسها «عظمى» التي تمثل رأي المجتمع الدولي الذي يهيمن على كل مفاصل الحياة السياسية، بل ويحاولون أن يغطوا عن الجرائم وإضفاء الشرعية للحدث السلبي أو صرف النظر عنه بصنع حدث آخر مثير للرأي العام ووصلنا لدرجة إننا اعتدنا أن يتم التعامل مع أبشع الحروب والجرائم بدم بارد يزيد الوضع سوءًا.
ورجوعًا للتاريخ فجريمة قتل قابيل لأخيه هابيل كانت أول جريمة في تاريخ البشرية، وقد تحدث القرآن الكريم عن تفاصيل هذه الجريمة التي وقعت أحداثها بحسب المؤرخين في جبل (قاسيون) المطلّ على دمشق، وبعدها توالت الجرائم في جميع بقاع الأرض ووتفشت في جميع المجتمعات ولا يذكر التاريخ إن هنالك قطعة من الأرض خلت من إراقة دماء سواء كانت على حق أو باطل ماضيًا وحاضرًا، والقصد هنا إن ظاهرة العنف وبصورة عامة ليست حكرًا أو حصرًا على عرق أو مجتمع أو دين أو دولة أو إقليم، بل هناك ظروف وبيئة خصبة تساعد هذه الحالات على النمو والتوسع والنهوض بالجريمة البسيطة لتسوقها لتكوين عصابة كبيرة قد تسيطر على زمام الأمور كما حصل في العديد من الدول التي تسنمها مجرمون بمساعدة الدول الــ«عظمى» الإنسانية وكانت النتيجة عنفًا.
السؤال هنا من أحضر وجدد ظاهرة العنف ومن ساندها وأوصلها لأتعس حالاتها ومن ساعد على ظهور الحروب التي قتل بسببها الملايين كالحرب العالمية الأولى والثانية، ومن ساعد قادة مجرمين من أجل المصالح ومن قمع ثوار من أجل سياسته المقيتة ومن استعمر بوحشية؟ الجواب بسيط ولا يخفى عن الجميع أنها السياسة الغربية الحديثة التي ما زالت توهم البسطاء بأنها إنسانية ومصدرًا للحريات، وعلينا إظهار وتوضيح ما أخفى عنا إعلامهم الأصفر من جرم وعنف حصل بحق الشعوب التي طالتها اللانسانية الغربية!
وتجربة جمهورية الكونغو الأفريقية مع المملكة البلجيكية ستكون المثال الذي سنمر عليه مرور الكرام فقط ونستعرض الخطوط العريضة للإجرام الغربي دون التعمق في الظلم الذي خيم على سكان الكونغو تحت رعاية بلجيكا «الإنسانية» بغض النظر عن باقي المستعمرين أمثال أمريكا التي إبادة ما يقارب (100 مليون) من الهنود الحمر لإقامة دولتها المحبة للشعوب.
واعتبرت دولة الكونغو التي تم تعريفها بدولة الكونغو الحرة في عام 1885 تابعة لبلجيكا، وملكًا للملك «ليوبولد الثاني»، والتي استمر حكمه فيها 23 عامًا، وقد استطاع فيها أن يفيد بلجيكا كليًا بصناعة المطاط وخصوصًا عام 1891، ليضم الكنغو في النهاية إلى بلجيكا بمساعدة كل من «بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية» في عام 1908.
وقد حصلت الكونغو من تبعيتها لملك بلجيكا في ذلك الوقت على مكاسب إنسانية عديدة، حيث أعدم «ليوبولد الثاني» ما يقرب من عشرة ملايين من سكان الكونغو الأصليين، وقطع أيديهم من اجل إجبارهم على جمع المطاط، بالإضافة إلى تشويه الأعضاء التناسلية للرجل والنساء، كما أسر الأطفال واستعملهم كعبيد في عمالة إجبارية خاصة بصناعة المطاط وبقتل غيرهم من أهالي الكونغو بإحراقهم لقرى كاملة، وقد انخفضت الكثافة السكانية للكونغو من 20 مليون إلى 8.5 مليون خلال عامي 1880 وعام 1903.
ويذكر أن ثمن التأخير في تسليم حصص المطاط المطلوبة من العمال هو تسليم أيديهم مقطوعة بدلًا عنها، فكانت هناك حربًا داخلية على تسليم أيدي العمال أنفسهم بين بعضهم البعض، فالكل يريد أن ينجو من العقاب لذا يضحي بقطع أيدي زميله بدلًا منه ليستطيع الاستمرار في العمل، فتم إبادة قرى بأكملها عن طريق قطع أيدي كل من فيها ليستمتع الجنود في تجميعها بدلًا من المطاط، كما كانوا يستمتعون بإجبار الرجال على اغتصاب أخواتهم وأمهاتهم كنوع آخر من العقاب بدلًا من قطع الأيدي، إلا أن تجميع الأيدي كان نشاط الأطفال الأكثر انتشارًا في الكونغو وقتها وبهذا يكون ليوبولد الثاني من أبشع الملوك المجرمين في تاريخ أوروبا الأسود الذين مروا على خط الاستواء.
وهناك عدة تساؤلات تطرح هل استطاعت السياسة الغربية التي صنعت هذه الوحشية والبشاعة أن تتخلى عن وحشيتها بهذه السرعة؟ هل أمطرت السماء رحمة وإنسانية ونحن لا نعلم؟! وهل اكتفى الغرب بهذه الجرعة من الظلم ام انه بقى يمارس جرمه وساديته عن بعد وغسل بقع دماء الشعوب التي تلطخ جبينه وخلع ثياب الوحش والبسها لمجرم أخر بالوكالة يقوم بدوره ويمارس العنف بدلًا عنه ويتم دعمه بالقوة والسلاح والرأي العام الدولي لقتل الأبرياء وقمع الثوار وتقطيع المعارضين ونهب الثروات كما في السابق ولكن بصيغة تعد رسمية.
اضف تعليق