هل يكفي دحر (داعش) عسكرياً في العراق لنهاية هذا التنظيم وعدم عودته مرة أخرى؟ أم أن معطيات عودة هذا التنظيم لاتزال متواجدة على الساحة؟ واذا كانت هذه المعطيات متواجدة كيف يمكن الخلاص؟، ويبدو أَنَّ انتقالَ العراق للمرحلة الأمنية الصرفة والمتمثلة بالتثبيت والاستقرار والعودة الى الوضع الطبيعي...
نعلم أَنَّ تنظيم (داعش) الإرهابي هو تنظيم متمكن وله استراتيجية خاصة تقوم على محاولة مسك الأرض واعلان قيام دولة وتم ذلك فعلاً حيث خرج الإرهابي (ابو بكر البغدادي) معلناً عن قيام (الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش") سنة 2014، واستناداً للمعطيات التي كانت متواجدة على الأرض فقد تمكن (تنظيم داعش) الإرهابي من التوسع في العراق ومسك الكثير من الأراضي العراقية وبالتالي البقاء فيها لمدة طويلة منها بقاءه في مدينة الموصل العراقية لمدة اربع سنوات واستطاع ان يبني منظومة خاصة به ويجند آلاف الشباب والأطفال وينشر الفكر ويظلل الكثير من المواطنين، ونتساءل هنا هل يكفي دحر (داعش) عسكرياً في العراق لنهاية هذا التنظيم وعدم عودته مرة أخرى؟ أم أن معطيات عودة هذا التنظيم لاتزال متواجدة على الساحة؟ واذا كانت هذه المعطيات متواجدة كيف يمكن الخلاص؟
يبدو أَنَّ انتقالَ العراق للمرحلة الأمنية الصرفة والمتمثلة بالتثبيت والاستقرار والعودة الى الوضع الطبيعي والتفرغ للقيام بالفعاليات الاقتصادية والاجتماعية ليست بالأمر الهين، فعلى الرغم من إنَّ الواقع يشير الى إنَّ العراق بدأ مرحلة جديدة بعد قضائه على (داعش) عسكرياً أَلاَّ أَنَّ هذا لايعني نهاية الأزمة فلا تزال الكثير من العوامل التي ساهمت بظهور (داعش) موجودة على أرض العراق، فقد اشار كتاب (ادارة التوحش) لمؤلفه الإرهابي (أبي بكر ناجي) والصادر عن "مركز الدراسات والبحوث الإسلامية" التابع لتظيم (داعش) الإرهابي والمتضمن لأهم أفكار هذا التنظيم، الى أهم مقومات الدول المرشحة للسيطرة عليها من قبل (داعش) وحددها بخمس مقومات نوجزها بأختصار في الآتي :
1- وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح بأقامة مناطق تدار بنظام إدارة التوحش. والمقصود هنا بـ"إدارة التوحش" حسب تعبيرهم هو "إدارة الفوضى المتوحشة" .
2- ضعف النظام الحاكم وضعف مركزية قواته على أطراف المناطق في نطاق دولته وعلى مناطق داخلية أحياناً لاسيما المكتظة بالسكان .
3- وجود مد اسلامي جهادي مبشر في هذه الدول والمناطق .
4- طبيعة الناس في هذه الدول والمناطق . (والمقصود هنا مدى سهولة استجابتهم وقبولهم وسرعة أدلجة أفكارهم واقناعهم) .
5- انتشار السلاح بأيدي الناس في هذه الدول والمناطق .
ولو اتينا الى تحليل هذه النقاط لعراق مابعد (داعش) نجدها جميعها لازالت متواجدة على الأرض الى يومنا هذا على الرغم من اقرارنا وقناعتنا بأن عراق اليوم مختلفاً بصورة كبيرة عما كان في السابق من الناحية الأمنية والإستخبارية، أَلاّ أَننا اذا قسنا الواقع على المقومات المذكورة نجد الآتي:
1- العمق الجغرافي متاح ولاتزال الحدود غير محصنة بالصورة الكافية لاسيما الصحراء الواسعة الممتدة في الانبار والموصل وكذلك صلاح الدين بالتالي فمن السهولة استغلال هذه الظروف الجغرافية والمناخية والتضاريسية للتحرك من قبل الإرهابيين .
2- ان النظام السياسي الحاكم لايزال قائماً على المصالح ولا تزال القوى السياسية تتصارع فيما بينها وهناك توظيفاً سياسياً للمشاكل المتراكمة بغية تحقيق المصالح، كما لايزال هناك صراعاً على المناطق المتنازع عليها ولم يتم التوصل الى حل او توافق سياسي يخدم مصالح العراق .
3- اما المجتمع العراقي فعلى الرغم من طبيعته المتحولة والتي تمثلت بالتعايش ونبذ الطائفية التي كان صوتها يعلو قبل احداث دخول (تنظيم داعش) الى العراق سنة 2014 الا اننا لايمكننا ان ننسى ماخلفه (تنظيم داعش) عند احتلاله لثلث اراضي العراق فقد تمكن فيها من ترسيخ افكاره في عقول الكثير من الشباب والأطفال حيث تم غرس هذه المفاهيم لديهم وتربيتهم عليها، كما ان (داعش) يستخدم اسلوب الترهيب مع الاهالي في المناطق التي يتحرك فيها ولم نجد الى الان استراتيجية حكومية أمنية تقوم على اساس تقديم تطمينات للأهالي على سبيل المثال او كسب ودهم او حتى توفير الخدمات والعيش الكريم لهم .
4- ان فوضى السلاح لاتزال موجودة ولم يتم الى الان تطبيق اجراءات رادعة لمسألة حصر السلاح بيد الدولة بالتالي لايزال السلاح منتشراً وهذا مايهدد أمن البلاد .
5- اضف الى هذه النقاط عدم وجود منتظم سياسي قادر على التكامل مع اطراف النزاع الدولية دون الخضوع لجهة على حساب الأخرى فلا ننسى ان (تنظيم داعش) لم يأتي من فراغ بل وقفت ورائه دول عملت على تحقيق اغراضها فدعمت هذا التنظيم الإرهابي بالمال والسلاح .
ونلاحظ مما سبق ان جميع المقومات تجعل العراق احد الدول المرشحة من جديد لعودة (داعش) اليه ولا نقصد هنا بعودة (داعش) بحد ذاتها وتسميتها بل قد تعود بهيئة اخرى، بالتالي فإن دحر (داعش) عسكرياً لايعني نهايته فلا بد من سد الثغرات وتحقيق العديد من المعالجات السياسية والأمنية والاجتماعية ونطرح ذلك في الآتي :
1- من الناحية السياسية: لابد من ان تعمل الحكومة العراقية
على تدارك المشاكل والأزمات السياسية وتسعى للوصول الى قرار سياسي موحد يخدم الشعب العراقي وترك الصراعات السياسية، ولابد من العمل على تخليص العراق من كونه ساحة صراع دولية لتحقيق المكاسب والسعي لعدم التصعيد أو الاصطدام مع أَيَّ من القوى الدولية والإقليمية لاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية فمسألة الاتجاه نحو قيام مجلس النواب بتشريع قانون لاخراج القوات الأمريكية من العراق على سبيل المثال سوف لن يكون فيه طرفاً خاسراً غير العراق لأن الولايات المتحدة عازمة على تثبيت وجودها في العراق لتحقيق مكاسبها واستراتيجيتها لاسيما ضد روسيا والصين كما يمكن للولايات المتحدة ان تستخدم القانون الدولي ضد العراق على اعتبار ان وجود الارهاب فيه يهدد الأمن الدولي أَيّ ان هذه قضية دولية، ومن ناحية أخرى فلا يوجد هناك موقف موحد من الوجود الأمريكي داخل البرلمان العراقي بالتالي فإن هذا المعطى سوف يجعل هذا القانون في حال اقراره غير ملزم تطبيقه .
2- من الناحية الأمنية: وضع استراتيجية امنية مناسبة لحماية المدن المحررة وتطمين الأهالي والعائدين اليها وتوفير احتياجاتهم وادخال منظومات عمل متطورة لحماية الحدود والصحاري لاسيما الممتدة بين العراق وسوريا، كما انه من الضروري الارتقاء بالمنظومة الاستخبارية لتكون فوق كل شيء والسعي جاهدة لتفكيك الخلايا النائمة بما يضمن امن البلاد .
3- من الناحية الإجتماعية: اقامة الندوات والمهرجانات وورش العمل التثقيفية لإعادة تأهيل أبناء المجتمع وزرع مفاهيم الهوية والوطنية والولاء للوطن في نفوسهم، والسعي بجدية لتوفير الخدمات للمجتمع ووضع استراتيجية حقيقية لإعادة إعمار المدن المحررة وتوفير التخصيصات المالية المناسبة لذلك، والارتقاء بالأداء الحكومي لتوفير الاحتياجات وكسب وُدَّ الشارع العراقي.
اضف تعليق