لقد اثارت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى العراق مواقفاً منقسمة بين مؤيد ومعارض من قبل المراقبين والمختصين بالشأن السياسي العراقي، وبما ان لهذه الزيارة ابعادها السياسية والاقتصادية والأمنية فسنعمل هنا على تحليل تلك الابعاد لنتوصل الى الإجابة على التساؤلات المطروحة وما تأثيراتها المستقبلية على الطرفين.
في ظل المحاولات الأمريكية لعزل ايران عن المحيط الإقليمي والدولي تعد زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى العراق بأنها جوهر واضح لتلك المحاولات، ويبدو إنَّ عدم مشاركة العراق في مؤتمر وارسو الذي انعقد في العاصمة البولندية وارسو للمدة 13-14/2/2019 برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وضم عرباً واسرائيليين لحشد دول العالم للضغط على ايران كان موقفاً كبيراً احتسبته ايران لصالح الحكومة العراقية، فكيف تصرفت الحكومة العراقية مع حاجة ايران اليها؟ وهل كانت مصالح العراق المتلاقية مع حاجة ايران هي الأساس الذي كسبته الحكومة العراقية؟ وكيف سينعكس ذلك التساهل مع ايران على العراق في ظل الضغوط الأمريكية؟. لقد اثارت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى العراق مواقفاً منقسمة بين مؤيد ومعارض من قبل المراقبين والمختصين بالشأن السياسي العراقي، وبما ان لهذه الزيارة ابعادها السياسية والاقتصادية والأمنية فسنعمل هنا على تحليل تلك الابعاد لنتوصل الى الإجابة على التساؤلات المطروحة.
اولاً- الأبعاد السياسية:
تعد هذه الزيارة من الزيارات المهمة لايران أولاً والعراق ثانياً فهي تحمل العديد من الرسائل على المستوى السياسي نوجزها في الآتي:
1- على المستوى الداخلي الإيراني يعمل روحاني على تجاوز الانتقادات التي يتعرض لها من التيار المتشدد بعد الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي وماشهده الداخل الإيراني من تأزم الاوضاع الداخلية وماتلاها من استقالة وزير الخارجية (محمد جواد ظريف) ثم تراجعه عن الاستقاله فيما بعد، بالتالي فان زيارة روحاني للعراق تثبت للداخل الايراني بأن العراق لن يكون طرفاً في الحرب الاقتصادية الامريكية التي فرضتها امريكا على ايران، اما الحكومة العراقية فهي بالمقابل ترسل رسالة للأطراف الإقليمية والدولية مفادها بأن العراق لاينتمي لأي محور وانه يستقبل الجميع ويفتح بابه لجميع الزيارات ولجميع الرؤساء.
2- يعمل الرئيس الإيراني حسن روحاني على توجيه رسالة الى الولايات المتحدة الأمريكية مفادها بأن ايران تتعامل مع العراق كدولة لها كيانها وسيادتها حيث يأتي الرئيس حسن روحاني الى العراق وفقاً للطرق الرسمية والدبلوماسية المتعارفة وبالتالي بقائه لمدة ثلاث ايام وفقاً لجدول زمني اعلنت عنه الخارجية الإيرانية مما يعني إنَّ الحكومة الايرانية مطمئنة لسيادة العراق واستقلاله على عكس ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند زيارته لقاعدة عين الاسد في اعياد الميلاد بتاريخ 27/12/2018 بصورة سرية وغير رسمية معلناً فيما بعد عن مخاوفه الأمنية، من ناحية اخرى ترسل الحكومة العراقية رسالة مفادها إنَّ سيادة العراق محترمة من قبل الدول الأخرى.
3- تعمل ايران على استبدال نهجها في التعامل مع العراق من خلال زيارة الرئيس روحاني التي عدت الاولى من نوعها منذ توليه منصبه في الحكم سنة 2013 وهذا يشير الى إنَّ ايران تتعامل مع العراق على أنه بلد ذو سيادة وله مؤسساته وكيانه وشخصه وليس التعامل عن طريق الفصائل المسلحة المدعومة من ايران وهذا ما رحبت به الحكومة العراقية ايضاً.
نصل الى نتيجة من هذه النقاط وهي إنَّ هناك توازن من الناحية السياسية في هذه الزيارة فكلا الطرفين العراقي-الإيراني له مصالح من ذلك لاسيما وإنَّ دعوى الزيارة جاءت من قبل رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح عندما زار ايران مطلع تشرين الثاني من سنة 2018 كما نعتقد بأن اثبات العراق للعالم بأنه ليس جزءً من العقوبات المفروضة على ايران قرار سياسي مهم فمن الافضل عدم قيام العراق بمخادعة المجتمع الإقليمي والدولي في هذه المسألة الحساسة.
ثانياً- الأبعاد الاقتصادية:
يبدو واضحاً للعيان بأن الابعاد الاقتصادية تعد بأنها الأساس من الزيارة فقد ادت العقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة على ايران مؤخراً الى خنق ايران اقتصادياً بالتالي تبحث الحكومة الايرانية عن مصالحها من خلال الالتفاف على العقوبات المفروضة وقالها روحاني سابقا "التففنا على العقوبات الأمريكية الظالمة وسنفعل ذلك بكل فخر"، اما العراق فهو الآخر بحاجة في مرحلة مابعد (داعش) الى مضاعفة التجارة واعادة بناء البنى التحتية وجلب المستثمرين كما إنَّ العراق يستورد الكثير من احتياجاته من ايران، وقد تم توقيع 22 اتفاقية بين البلدين في مجالات اقتصادية مختلفة لتعزيز الروابط الاقتصادية وتعزيز التجارة والتأسيس لبنية تحتية مترابطة بين البلدين، وكان من ابرز هذه الاتفاقيات منح تسهيلات دخول للمستثمرين ورجال الاعمال الايرانيين، والاتفاق على انشاء مدناً صناعية، ومد خط سكة حديد للبضائع والمسافرين بين البصرة وخرمشهر وربطها بطريق الحرير الجديد، ورفع حجم التبادل التجاري من 13 مليار دولار الى 20 مليار دولار سنوياً، اضافة الى شراء الغاز من ايران لمحطات الطاقة الكهربائية العراقية.
وقد اختلفت المواقف بشأن هذه الاتفاقيات على مستوى دوائر القرار والمختصين العراقيين بين مؤيد ومعارض، حيث يرى الطرف المعارض بأن هذه الاتفاقيات الرابح الوحيد منها هو ايران حيث سيسهم ذلك في ادخال العراق في طائلة العقوبات الامريكية سيما وإنَّ العراق لايزال بحاجة الى الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً... من جانب آخر يرى المؤيدون اهمية هذه الزيارة في حاجة العراق الى الجارة ايران بعد ان تكبد خسائر كبيرة في اقتصاده بعد احتلال (تنظيم داعش) الإرهابي لبعض الأراضي العراقية. وفي هذا السياق نرى بأن ايران استثمرت الاستثناءات على العراق باعتبار إنَّ العراق بحاجة لشراء الكهرباء من ايران، وننتقد التبعية الاقتصادية للحكومة العراقية الى ايران حيث يستورد العراق الكثير من احتياجاته وغذائه من ايران في حين أَنه يملك القدرة والمقومات التي تؤهله لأن يكون بلداً زراعياً وصناعياً.
ثالثاً- الأبعاد الأمنية:
هناك حاجة عراقية لإيران في مرحلة مابعد (داعش) للتعاون الأمني لاسيما من الناحية الاستخبارية وتفكيك الخلايا النائمة، كما إنَّ العراق يرعى الحلف الرباعي الذي تشكل سنة 2014 لمكافحة ارهاب (داعش) استخبارياً من خلال منظومة المعلومات المتبادلة بين روسيا وايران وسوريا اضافة الى العراق، كما إنَّ ايران تمتلك دوراً مهماً في الصراع الدائر داخل الأراضي السورية المجاورة للعراق وتجد الحكومة العراقية صعوبة في تأمين حدودها من الارهابيين الدواعش المتسللين عبر هذه الحدود بالتالي فان الحكومة العراقية بحاجة الى الدعم الإيراني في الحصول على معلومات مهمة عن الجماعات الارهابية التي تتحرك في سوريا وعلى الحدود مع العراق ومن المهم والمفيد تبادل المعلومات بين هذه البلدان فإن ذلك سينفع العراق في مكافحة الخلايا النائمة وكذلك حماية أمن ايران وحدودها التي تعرضت مؤخراً لعمليات ارهابية هددت أمنها القومي.
نلاحظ من هذه المعطيات الثلاثة أَنَّ هذه الزيارة هي تحدٍ وكسرٍ للإرادة الأمريكية فهل يمتلك العراق مقومات ذلك التحدي؟
في الواقع نعود بهذا الحديث الى الاصوات التي تعالت في المدة الاخيرة داخل قبة البرلمان مطالبة بالانسحاب الأمريكي من العراق ويبدو إنَّ الموقف السياسي العراقي منقسماً بين طرفاً موالي لايران وهو الذي ترجح كفته في الحكومة العراقية والطرف الآخر الموالي للولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لاستعادة مكانتها في العراق اضافة الى ان العراق لايزال بحاجة ماسة للولايات المتحدة للحفاظ على أمنه فمن المتعارف عليه إنَّ الارهاب قد يولد من جديد وماتشهدة الحدود العراقية من خروقات في المدة الاخيرة يثبت ذلك بالتالي فإن العراق في موقف الضعيف امام الضغوط الأمريكية التي تتحرك طائراتها في سوريا وعلى الحدود العراقية ولديها امكانيات استطلاع هائلة ويثير ذلك المخاوف من ضغوط امريكية على العراق وقد تستخدم الجماعات الارهابية المتواجدة على الحدود السورية لإعادة الارهاب اليه والعمل على رسم الخارطة من جديد بما يخدم مصالحها. وعلى الرغم من كل ذلك الا انه وفقاً للحسابات الجيوبوليتيكية والجغرافية المتمثلة بالجوار العراقي لايران استطاعت الحكومة العراقية أَنَّ تحصل على استثناءات من الولايات المتحدة من العقوبات المفروضة على ايران فيما يتعلق بتزويد العراق بالغاز ومَد المحولات بالكهرباء، فالولايات المتحدة الأمريكية تدرك جيداً بأنها لايمكنها أنَّ تضحي في العراق ومصالحها فيه وفي الوقت نفسه تعلم جيداً بأنها لاتستطيع بكل سهولة فك الارتباط الوثيق بين العراق وايران لاسيما وإنَّ ايران تحتفظ بنخبة سياسية متحكمة في مقاليد الحكم العراقي.
اضف تعليق