مرة اخرى تعود الجماعات الارهابية لتنقش حضورها في سجل القتل المتواصل ضد الشعب العراقي وسط مجتمع دولي انشغل بتقاسم مناطق النفوذ في الشرق الاوسط، وتقاعسٌ واضح من قبل الجهات المسؤولة في العراق عن تحديد مكامن الخطأ في الخطط الامنية واسباب تكرار هذه الاعتداءات رغم انحسار المد الداعش واعلان نهايته حكوميا.
اعتداء ارهابي جديد يضرب منطقة النهروان جنوب شرقي العاصمة بغداد، حصيلته 17 شهيدا و28 جريحا حسب الارقام الرسمية، بواسطة انتحاريين إرهابيين اثنين قاما بإطلاق النار عشوائيا على المواطنين في سوق الشمري بمنطقة النهروان، وفجر أحدهما نفسه، والثاني "تمكنت القوات الأمنية من قتله". بحسب الجهات الرسمية.
هذا الاعتداء الخطير مر مرور الكرام على وسائل الاعلام العراقية والاجنبية، ولم ياخذ صداه في وسائل التواصل الاجتماعي التي تجيد فن النحيب والبكاء في كل حدث يصيب العراق سواء كان ارهابيا او غيره، وقد يكون هذا الصمت نابع عن استراتيجية للتعتيم على ما يجري على الارض او انه جهل بالاسلوب الجديد للجماعات الارهابية لمرحة ما بعد داعش.
يتشابه الاعتداء مع ما حصل في مصر باعتداء ارهابي راح ضحيته ما يقرب من 300 مواطن مصري وأصيب العشرات، في هجوم شنه مسلحون على مسجد الروضة في قرية بمحافظة شمال سيناء، الجمعة، حسبما أفادت وسائل إعلام مصرية رسمية، وفي الاعتدائين استخدمت الجماعات الارهابية نفس الاسلوب، تفجير (انتحاري او عبوات) ثم اطلاق نار على الناس من اجل تحقيق اكبر قدر من الضحايا.
واذا ما عدنا للوراء قليل وبالتحديد في منتصر ايلول/ سبتمبر الماضي نجده يتشابه مع اعتداء ارهابي ضرب مطعما في مدينة الناصرية راح ضحيته أكثر من 60 شخصا وجرح أكثر من 87 شخصا، حيث قام الارهابيون بالهجوم على مواطنين داخل المطعم أعقبه انفجار سيارة مفخخة.
المستجدات في اساليب الجماعات الارهابية لم تاخذ صداها في المناقشات الحكومية ووسائل الاعلام، وكأن شيئا لم يحدث، فالكل يقرأ ارقام الضحايا ويجده قليلا اذا ما تم مقارنتها بما حدث في عام 2006 و2007 في ذروة الارهاب الذي كان يمزق اشلاء العراقين صباحا ومساء، ولان الانتخابات قد اقترب موعدها فقد عقدت القيادات السياسية هدنة في فترة انشاء التحالفات التي لم تنضج بعد، لذا فمن الطبيعي ان لا نرى من يبكي على مواطن سقط في منطقة النهروان رغم فضاعة الجريمة وخطورتها كونها لجأت الى اسلوب جديد وعملية القتل كان من الممكن تجنبها لو طبقت المعايير الامنية بصرامة.
الاسلوب الذي تستخدمه الجماعات الارهابية لا يعتمد على ذكاء حاذق بقدر ما يستفيد من اخطاء مروعة ترتكبها القيادات العليا في البلد. انه ارهاب السيارات الحكومية والهويات الخاصة التي لا يستطيع احد من رجال الامن التقصي عن وجهتها او مكان انطلاقها في السؤال التقليدي عند كل نقطة تفتيش امنية.
قد يكون من الواجب الاشارة الى من يشارك في هذه الثغرات الامنية وتكرار الاعتداءات الارهابية، ولا بد من التأشير عليه قبل فوات الاوان، فالواضح ان سيارات المسؤولين لا يمكن تفتيشها وبعضها لا يحمل لوحات تسجيل ويمكن تخيل سيارة داعشية مظللة النوافذ وتخترق السيطرات الأمنية بكل سهولة، فلا يعقل ان لا يخضع بعض اصحاب الهويات الخاصة للقانون بسبب ما يقومون به من عمل وطني كبير في سبيل الدفاع عن البلد، ويمكن ملاحظة بعض السيارات التي لا تحمل لوحات تسجيل وغالبا ما تستبدل بشعار الحزب او رقم وهمي. هذه الفوضى تربك الوضع الأمني وتقلل من فرصة فرض الامن لحماية المواطن والمسؤول.
الجماعات الارهابية لم تموت بعد والخطر الداهم ليس الافكار المتطرفة فقط كما تروج القيادات السياسية انما هي التعنت واغماض العيون عن الاسباب الحقيقية للارهاب، انها سيارات الدولة التي لا ينظر لها الا ذو حظ عظيم او جندي عراقي مستعد لفصله من الخدمة في حال تجرأ على فتح نافذة مظللة.
الحقيقة دائما ما تكون مؤلمة فالوضع الأمني سيبقى مرتبكا وعلينا توقع المزيد من التفجيرات، والإجراءات الأمنية التي تتخذها قوات الأمن العراقية لا تكفي. فداعش تستخدم أساليب جديدة وتضرب في المناطق الرخوة دائما او ذات القيمة الطائفية، وبدون تفعيل جهد استخباري حقيقي لا يمكن إيجاد حلول حقيقية. ولا يمكن التنبؤ بمكان الاعتداءات الارهابية لكن المؤكد انها سوف تستهدف المواطن البرئ فقط، وقد يكون هذا ما يجعل المسؤول العراقي لا يهتم لامرها ما دامت المنطقة الخضراء بخير وسياراتهم المصفحة لا يمكن فحصها امنيا او اجبارها على الوقوف مع طوابير التفتيش الطويلة.
اضف تعليق