يتوهم المتطرفون بما يعتقدون من أفكار وأحابيل متطرفة، فالأحلام التي تبنيها لهم أخيلتهم كلها من قبيل الأوهام، وهذا ما تثبته الأيام والإجرام الذي صار عنوانا عريضا لتنظيم (داعش)، فالعالم كله صار يفصل بين الإسلام المحمدي السمح، وبين ما يعلنه المتطرفون من ترّهات مفضوحة ودعوات كاذبة بانتمائهم للإسلام وهو منهم براء.
لقد شكا العالم كله من هذه الزمر الضالة التي عاثت بأرواح الناس فسادا، فانكشفت أضاليلهم وفُضِحَت ألاعيبهم، وصاروا أمثولة للسوء والتوحش، وبلغ بهم التخبط والاهتياج درجة لا يصدقها عاقل، فأي ديانة هذه التي تبيح قتل الأطفال، أليس النبي محمد (ص)،هو الذي أوصى بحرمة الناس حتى وإن كانوا أعداءه، وهذا ما حدث أبان دخول المسلمين الى مكة فاتحين لها، فجاءت الوصية بأن لا يُقتَل أو يُؤْذى شيخ مسن أو طفل أو امرأة، بل لا تقطع شجرة، وسوى ذلك من جمل تنضحُ بالإنسانية، فأين داعش وقسوته ووحشيته من هذه الرحمة!؟.
الله اكبر.. الله اكبر.. ارتفع صوت الاذان من المسجد، فأسرع المصلون في ترتيب الصفوف، بين شيخ كبير، وشاب وصغير، ووقفوا الى جانب بعضهم البعض في بيت أذن الله أن يُذكر فيه اسمه، ومع تراتيل الاذان والأجواء القدسية التي تبعثها الصلاة، إذ بدأ المصلون في أدائها من داخل مسجد الروضة في منطقة العريش شمال سيناء في يوم الجمعة الماضي، يصطفون حول المسجد وقلوبهم تلبي نداء السماء، مَنْ كان يعلم أنها آخر فريضة صلاة لهم في ذلك المساء الذب انتشرت فيه رائحة التطرف المتوحشة.
فقد كان الإسلام ولا يزال يؤكد بأن بيوت الله آمنه من الدم والقتل واستباحة أرواح الناس أو أحلامهم وممتلكاتهم، حتى صارت الصلاة وهذه الأماكن (بيوت الله) الملجأ الآمن عرفت لمن لا ملجأ له، والسؤال الذي صعد الى عنان السماء، مرافقا لأرواح المغدورين الأبرياء، هو متى أصبحت المساجد ساحات للتفجير والقتل وأماكن مستباحة من المتطرفين باسم الإسلام، ومتى كان المسجد صالة لعرض أفلام الرعب وأزيز الرصاص، وكيف أصبح المصلون هم الجمهور والضحايا في نفس الوقت؟؟ لقد سقط الأبرياء وأزهقت أرواحهم بمجرد أن انتهى العرض، وأي عرض همجي يدل على سقوط الجناة المستهترين بخلائق الله الذي عدَّ من قتل النفس كأنه قتل الناس جميعا!!.
إن كان المقصود بأنهم مسلمون حريصون على الإسلام، فمن الذي أضرم النار بالمصلين في مسجد (الروضة) بيت الله جلَّ وعلا؟، وإن كان القاتل هو من يزعم انه مسلم الفكر والعقيدة فمن هؤلاء المصلون وماذا رتّل المؤذن شروعا بالصلاة؟، إنها المأساة بعينها، ولعلهُ من عجائب الأمور وغرائبها أن لا يخجل المتطرفون من إعلانهم عن انتمائهم للإسلام وبأنهم يدافعون عنه، فيقتلون المسلمين في (روضة) الله، أهناك أكثر استهجانا وبشاعة من هذا الفعل؟.
وكانت بداية الفاجعة عندما أُعلِنتْ هذه الجريمة الكبرى في وكالات الأخبار، ومنها التلفزيون الرسمي المصري الذي أعلن عن مقتل 184 شخصًا وإصابة 125 آخرين كحصيلة أولية، وتم استهدافهم بانفجار عبوة ناسفة، أعقبها إطلاق نار كثيف، يوم الجمعة الماضي، بعد تعرض مسجد الروضة، شرق بئر العبد شمال سيناء، عقب أداء الصلاة إلى عمل إرهابي بتفجير عبوة ناسفة في محيط المسجد، ونقلت وسائل إعلامية في حينها عن مصادر قبلية بأن عناصر مسلحة قامت بتفجير عبوات ناسفة داخل مسجد الروضة، ولم يكتفي المجرمون بأرواح الضحايا فأقدموا على حرق سيارات المصلين، ثم بعد حين وصلت إلى المكان العديد من طواقم الإسعاف، فقدموا أفرد الصحة العلاج اللازم لبعض الجرحى، وقاموا بإجلاء باقي المصابين، وأعلنت حالة الاستنفار فى مستشفيات بئر العبد والعريش بشمال سيناء، استعداد لاستقبال بقية الضحايا، وتم تطويق المنطقة بالكامل أمنيا، وهذا ما كان يبتغونه المجرمون، إلحاق الأذى والموت بالمسلمين، ولكن أي عار هذا حينما يعلن المجرمون بأنهم قاموا بهذا الفعل باسم الإسلام!.
علماً أن بيت الله الوحيد والمكان الوحيد الذي يتجمع فيه المسلمون لأداء صلاتهم، هو مسجد الروضة الذي تم استهدافه كما أشارت المصادر الإعلامية، وأن المئات أزهقت أرواحهم، وقد تم التخطيط لهذه الجريمة البشعة بدقة متناهية، حيث أعلنت وسائل الإعلام المحلية والعربية وحتى العالمية، بأن تفجير (روضة) الله وبيته، تم بعبوة ناسفة تلاها إطلاق نار كثيف من جانب المسلحين المجهولين الذين استهدفت حتى طواقم الإسعاف التي حضرت لنقل المصابين!، فأي قبح وسوء ودجل هذا الذي يحتمون به هؤلاء المتطرفون المجرمون؟؟.
فقد قالوا أن من ارتكبها هو داعش، ولكن عجبا، أليس أفراد داعش ومجاميعه الآثمة هم من كانوا يقتلون الذين لا يقيمون الفرائض، فما بالهم اليوم يقتلون المصلين، هل تغير مسار أفكارهم واتجاهاتهم، أم أن خطتهم هي لفت انتباه الآخرين بغض النظر عن أعداد الضحايا؟، فمنذ سنتين والشعب المصري يعاني من التعرض الى دور العبادة والكنائس وقتل الأقباط.
ففي يوم 1 يناير 2011 بعد حلول العام الجديد بعشرين دقيقه، تعرضت إحدى الكنائس لهجوم إرهابي مما أدى الى قتل من كان في الكنيسة وجرح آخرين، وقد سبقت ذلك تهديدات واسعة ضد المسيحيين فى مصر، بينما تعرضت بغداد هي الأخرى لاعتداء مماثل فقُتل مسيحيون في إحدى الكنائس قبل سنوات قلائل.
فما هي رسالة داعش من اقتراف هذه الجرائم، سواء كانت في مصر او في العراق، فهو لم يستهدف فئة او جماعة، وإنما كان الهدف هو نشر الخوف والدم بين أطياف الشعوب، وزرع التطرف والتعصب في الأفكار، وتهديد السلم الأهلي، كما هو معتاد من أجيال المدرسة السلفية في مصر وسواها.
إن ما يحصل اليوم هو محاربة كل من يقف أمام تطرفهم وأفكارهم ودولتهم وكيانهم وان كان المعارضون مسلمين أو من أبناء جلدتهم، فقد حارب هؤلاء الإرهابيون التشيع على انه مذهب خارجي، ويحاربون اليوم من يمثلهم في العبادة والذكر، إذاً فإن هوية داعش ليس الإسلام وإنما ضرب الإسلام المحمدي والمسلمين.
فقد كان هؤلاء البغاة ينادون بالصلاة وهم لا يعرفون أين وجه الله، ويقرؤون القرآن ويقتلون والقرآن الذي حرم دم الإنسان ولحمه، هذه الازدواجية في الفكر والفعل هي من دفعتهم الى ارتكاب هذه الجرائم البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية في بقاع الأرض، فدماء المصلين اطهر من تلك النفوس العمياء التي حرضت على الفتنة والقتل.
في الآونة الأخيرة ازدادت القنوات الفضائية التي تبث سموم الذين ينتمون الى الفكر المتشدد، وكانت ألسنتهم تقطر دما وهي تستبيح كل من يخالف سنن (دولتهم الإسلامية) التي خططوا لبنائها، ولم يتمكنوا لا عن طريق الإرهاب ولا بأسلوب الفكر المتطرف، لذلك يجب أن تسعى الأنظمة والحكومات لتخليص شعوبها التي عانت من ظلم داعش، فيجب محاربة قنوات الفكر المتطرف ومن يقف معها، حتى لا تبث أو تنشر الفكر الداعشي.
وينبغي متابعة المنظمات والمجموعات غير الحكومية والبحث عمن يدعمها، لنبذ التطرف الفكري والديني ومحاربة كل من يحاول نشره، ومحاسبة المتهاونين في أرواح الناس ومن كان يساندهم، مع وجوب إقامة ندوات تحث على الوحدة واللاعنف بين أبناء البلد أو مع الآخرين، لأن هذه الأزمات تضعف النسيج المجتمعي، بل تمزقه شر مًمزَّق وتجعله منكوبا اقتصاديا وسياحيا وعلى الجميع أن يقف بقوة لمحاربة هذا السرطان الفكري الخبيث.
اضف تعليق