تضج وسائل الإعلام هذه الايام بأنواعها، المقروءة أو المسموعة أو المرئية , بكلام أو أخبار تدور جميعها في حلقة واحدة يطلق عليها الإرهاب، وقد تستخدم كلمات أخرى كالأصولية أو العنف ...الخ، لكن المقصود هو ابراز الحوادث الفردية أو الجماعية وهذه الحوادث تقوم بعض منها على استخدام العنف ضد فريق أو شخص آخر.
و تركز وسائل الإعلام الغربية في الإرهاب وتتهم به دولا وحركات في العالم العربي والإسلامي، ولا تفرق في ذلك بين استخدام العنف من أجل صد العدوان والعنف الذي تمارسه الجماعات الإرهابية والتي توزع مقولات التكفير لكل من يخالفها و ترخص لاتباعها القتل والتدمير، وقد تناست وسائل الإعلام الغربية أنَّ الإرهاب هو ظاهرة عالمية وليست متعلقة بالمسلمين فقط، بل ويتحرك في كثير من دول العالم بخفاء وسرية تامة، إذ تذكر التقارير الاستخباراتية الأمريكية بأن هناك اربعين مليشيا عسكرية متطرفة في الولايات المتحدة.
ويرى بعض المتابعين بان تركيز وسائل الإعلام الغربية في الإرهاب خارج دولها يرمي إلى تحقيق الاستقرار الداخلي واعطاء الانطباع بأن الحال فيها أفضل بكثير من الدول الأخرى . وفي ظل هذه التناقضات بدا الإعلام العربي منساقا وراء المصطلحات الغربية للإرهاب دون تدقيق وتأكد من الأهداف المخفية لاتهام العرب والمسلمين بالإرهاب. فبداية هذه المصطلحات كانت بكلمات غير مرعبة كالمتشددين الإسلاميين ومن ثمَّ تبعتها كلمة الأصوليين، و كلما تقبل المجتمع مصطلحا وتعود عليه عن طريق وسائل الإعلام؛ زجت بمصطلح اخر جديد, ومن ثم جاء مصطلح المتطرفين المسلمين, وأخيرا وصلت إلى إعلانها ان العرب والمسلمين إرهابيين.
ويلحظ أنَّ وكالات الأنباء العالمية هي التي تحدد الأجندة والأولويات بحسب ما يحلو لها وبحسب مفهومها للإرهاب وقيمها ومعتقداتها وسياستها وأيدولوجيتها، فيما غاب الإعلام العربي عن وضع استراتيجية واضحة للتعامل مع الإرهاب، الأمر الذي أدى إلى تلك المغالطات حول تشويه صورة الإسلام بصورة عامة والعرب بصفة خاصة.
وكانت الاتجاهات السائدة في مواجهة العمليات الإرهابية ترى أنها تقع ضمن مسؤولية الإعلام الأمني الذي تقوم عليه الجهات الحكومية، إلا أنَّ هناك اتجاهات جديدة في هذا الجانب أصبحت تؤمن بالدور الذي يجب أنْ تسهم به مختلف وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في التعامل مع الإرهاب، بعد أنْ بات موضوع الإرهاب من أكثر المواضيع تداولا في السنوات الاخيرة خاصة بعد التحولات السياسية في الأنظمة العربية وتحول إلى قضية تهيمن على الخطابات السياسية والإعلامية والدينية , وتشغل كل المجتمعات.
الإرهابيون ينفذون أعمالهم لتحقيق أهداف عديدة، من ابرزها الحصول على الوعي بقضاياهم، نشر الرعب والخوف، الاعتراف بالدوافع والأهداف، الحصول على الاحترام والتعاطف والشرعية، وغالبا ما تستجيب وسائل الإعلام لهذه الأهداف عن طريق التغطية الإعلامية المبالغ فيها من بعض الصحفيين؛ لتحقيق السبق الصحفي والتميُّز والانفراد في تقديم المعلومات والتحليلات المختلفة للأعمال الإرهابية.
وأشارت إحدى الدراسات الخاصة بتفسير العلاقة بين الإعلام والإرهاب إلى مجموعة من وجهات النظر, هي كالاتي:
1. إنَّ وسائل الإعلام هي الأداة الطبيعية التي يعتمد عليها الإرهابيون للدعاية لأغراضهم وسياستهم .
2. إنَّ الأثر النفسي لأحداث الإرهاب قد يكون أكثر إيلاما من الحدث نفسه ، وإنَّ هذا الأثر النفسي غالبا ما يكون من انتاج وسائل الإعلام .
3. إنَّ الطريق الأمثل لحصول الإرهابين على الاعتراف الجماهيري والشرعية الجماهيرية هو تبني القيم الخبرية التقليدية, مثل قيم الصراع في الدراما ، وقيم الاثارة التي تستأثر بالمشاعر .
4. إنّ نجاح أو فشل العمل الإرهابي يعتمد على حجم التغطية الإعلامية المصاحبة له.
ليس ذلك فقط بل الأهم هو اللغة التي تعالج بها وسائل الإعلام الإرهاب والمنظمات الإرهابية؛ كونها ترسم معالم الخطاب السائد لدى الرأي العام, فالإرهابيون يحاولون فرض لغتهم ومصطلحاتهم على وسائل الإعلام بحيث تصبح مناسبة للاستخدام في حديث الناس، فيما تحاول الجهات المعنية بمحاربة الإرهاب فرض تعابير ومصطلحات الأجهزة الحكومية. وإذا ما استخدمت وسائل الإعلام تعابير ومصطلحات الإرهابيين, فإنها تُسهم بتحويلها إلى طريقة مقبولة للتعبير عن تلك الانشطة. وهذا يعد جزءاً مهما من الحرب النفسية للجماعات الإرهابية, إذ تعد حرب المصطلحات أحدى أهم ملامح الحرب النفسية المعاصرة بغية التأثير في الرأي العام، وخلق حالة من التكييف مع هذه المصطلحات.
وفيما يتعلق بمعالجة الفضائيات العربية للعمليات الإرهابية أعطت بعضها رموزا اتصالية توحي بالتعاطف مع الإرهابيين، كما حدث أثناء مقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي، إذ استخدمت قناة العربية عبارة "نهاية الزرقاوي" متمسكة بهذا التعبير، بما يضفي على الحدث مزيدا من الملحمية بما لا يحتمل التأويل وكأنه تقديم للحدث يقول بنهاية مسلسل أو فيلم الإرهاب في العراق بعدما حشدت القناة ما أمكن من عداء للزرقاوي عن طريق التركيز في عملياته ضد المدنيين . أما قناة الجزيرة فاستخدمت عبارة" مقتل الزرقاوي " مسترجعة تاريخه عبر فيلم وثائقي استصرح آراء شخصيات من أوساط معينة يُستَشف منها تعاطفا معه.
وفي العراق عملت وسائل الإعلام سواء بقصد أم دون قصد على اذكاء الفتن وسياسيات المحاور عن طريق توصيفات إعلامية سياسية وطائفية ، بين مناطق غربية تصفها بالسنية وجنوب تصفه بالشيعي وشمال توصفه بالعرقي. ونرى هذا جليا في معالجة الفضائيات الدولية لموضوع الإرهاب في العراق إذ رصدت إحدى الدراسات حول معالجة قناة ( BBC ) البريطانية بعض الرموز التي تحمل شحنا طائفيا، إذ جرى حقن أسماء الاشخاص والاحزاب والكتل البرلمانية بأوصاف مذهبية وعرقية، كما اطلقت على المدن والأماكن والمساجد تسميات طائفية، ووصفت عميات الإرهاب في العراق بأنه عنف طائفي.
كما أنَّ الكثافة في عرض المضمون الخاص بالإرهاب له آثار سلبية على الجمهور فالتركيز الكبير في موضوعات الإرهاب قد يأتي بنتائج عكسية تجعل المتلقي لا يبالي بمشاهد ضحايا الإرهاب فيعمل على الهاء نفسه بمشاهد مسلية بقنوات أخرى لسببين إما لأن عواطفه لا تتحمل مشاهد الدمار، أو تولد شعور اللامبالاة، إذ أصبحت القضية مشهدا عاديا لا يعني له شيئا لتكرار المشاهد التي تقلل من قيمة الإنسان، وهذا الشعور السلبي ولّدته وسائل الإعلام، وأصبحت صور الإرهاب أخطر من أفلام العنف، لأن البعض من الفضائيات التلفزيونية يتعمد التركيز والترويج لبعض مشاهد الإرهاب
إنَّ طبيعة التغطية الإخبارية لأي حدث معقد كظاهرة الإرهاب مثلا، تستوجب توضيح الأخبار وتناقضها حول هذا الحدث الذي يحيط به عادةً نوع من الغموض. وتعد المواقف الغامضة وغير المحددة مجالا خصبا للدعاية التي تقوم أساسا على انتقاء الحدث المثير للشك. كما أنَّ التغطية الإعلامية التي تحظى بها العمليات الإرهابية والمقابلات التي تجريها القنوات التلفزيونية مع رؤساء ومسؤولي الجماعات الإرهابية وقادتهم تقدم خدمة جليلة لهم تتمثل في الاعتراف بهم وبمطالبهم, إذ يصبحون في مرتبة السياسيين وصنّاع الأخبار في أوساط الجمهور والرأي العام وتصبح لديهم علانية وحضور إعلامي في أذهان وأفكار الناس وفي الرأي العام.
اضف تعليق