كربلاء المقدسة: قدم الاستاذ حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، ورقة نقاشية، في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان (راهنية التطرف ومستقبل الاعتدال)، بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة، وبحضور عدد من مدراء المراكز البحثية، ورجال دين وشخصيات أكاديمية.
وجاء فيها: هل نستطيع الحديث عن امكانية للاعتدال في واقع كل مافيه مأزوم، بالعنف، والارهاب؟ وماعلاقة التطرف بالاستبداد، في انظمة الحكم في منطقتنا، ومناطق اخرى من العالم؟ وهل يمكننا تحديد معيار واحد للتطرف، و القبض على مداخله ومخارجه؟
خاصة وإن للتطرف تفاصيل، وليس معنى عائماً، وشعاراً فضفاضاً. وفي سبيل ضبط معياره، من المهم تأكيد فكرة أنّ المتطرف شخص غير حرّ ولا يُقدّر الحرية، وأنّ الفكر المتطرف لا يتأسس على الحرية، والحقوق والمساواة. لقد فشلت ماسمي بـ"الثورات العربية"، لانه لم يسبقها حراك ثقافي واجتماعي يحرّر المجتمعات، ويوعّيها بحقوقها، وبقيمة الإنسان والمساواة والحريات، كان يُعوّل على الثورات أن تنتج ذلك، لكنها لم تكن محصلة لتصاعد هذا الحراك الفكري والاجتماعي، واكتماله وتراكمه ونضجه. ولم تؤسس الثورات لبُنية مؤسسية ديمقراطية، ولو في سياق نظري، متفق عليها، تكون بديلة عن المؤسسات النظامية القائمة الموسومة بالفساد والاستبداد. فهل تشبه تجربتنا بعد العام 2003 ماحدث لاحقا لتلك الثورات؟
الحديث لا يكتمل عن التطرف الديني، من دون التطرق عن الاستبداد والتسلط السياسي، فالاستبداد والتسلط والطغيان والقهر، عناوين الراهن والمستقبل، مثلما هي في بلداننا وبلدان أخرى، مثلما هو الماضي، الذي نجتره ونعيد انتاجه، من خلال فعل التذكر.
الإرهاب بما وصل اليه من توحش وحيوانية (يرضع من حليب التطرف الديني، والاستبداد السياسي). ولمّا كان كلاهما لا يحفل بالحرية ولا يتأسس عليها انطبق عليهما وصف التطرف. وبغياب الحرية وبانتهاك حقوق الإنسان، يُسهّل تعريف الاعتدال، والوسطية، والتسامح بوصفهن نقيضا له. ومن معانيه رفض الآخر وإحلال دمه عن طريق تكفيره، أي الزعم بارتداده عن الإسلام. ويُستخدم للدلالة على كل ما يناقض الإعتدال، زيادة أو نقصاناً. وهناك ثمانية مظاهر للاعتدال، تضمن استقرار كل من الفرد والمجتمع، ويحددها محمد داجانى فى مقالته (الوسطية والاعتدال فى الإسلام):
1. حرية العقيدة والفكر.
2. ضرورة الدعوة الى الله وإعلاء كلمته بإعطاء النماذج الصالحة للآخرين ونبذ العنف.
3. ضمان حرية التفكير والنقاش والملاحظة.
4. الاختلاف بين البشر والمجتمعات والثقافات والاديان وانه يجب على المسلم إدراك هذه الاختلافات والتعامل مع الآخر والتحاور معه.
5. خصوصية العلاقة بين الفرد وربه، وان هذه العلاقة غير وسائطية وان الفرد هو وحده مسؤولا عنها.
6. التأكيد على ان الاسلام يساوى بين الافراد كافة بغض النظر عن اللون والعرق والجنس.
7. التأكيد على مبدأ الشورى بين المسلمين وعلى التعاون لتحقيق المصالح المشتركة.
8. أهمية الامر بالمعروف والنهى المنكر، ذلك لان العلاقة بين الاعتدال وبين اصلاح المجتمع تتمحور حول قضية مسؤولية الفرد.
وبعد انتهاء الاستاذ الجراح من ورقته شارك الحضور في طرح مداخلاتهم وتعقيباتهم من خلال التفاعل مع سؤالين:
السؤال الاول: كيف تتمكن الحركات الارهابية من النبش في موارد التطرف والتشدد الفكري والاجتماعي؟
• الدكتور حسين السرحان رئيس قسم الدراسات الدولية، في مركز الدراسات الاستراتيجية، جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية، قال: إن "ابرز ما يهدد البشرية اليوم، هو قضية التطرف، وعدم قبول الآخر، ثم ان الحركات الارهابية تستفيد من ثلاثة جوانب اساسية، ومن منظومة القائمة سواء كانت اجتماعية او سياسية، اما بالنسبة للجانب الاول، هو الاستبداد السياسي، والجانب الثاني، هو التطرف الديني، والنصوص القديمة التي تشير بعض التفاسير، الى انها متطرفة يجري توظيفها في الوقت الحاضر والجانب الاخير هو اجتماعي".
واضاف السرحان إن "هذه الجوانب هي منبع للتطرف وتحاول الجماعات الارهابية الاستفادة منها وتجديدها وابرازها الى السطح من جديد، لتغييب وابعاد القيم الانسانية الاساسية التي جاء الدين من اجل اسعاد الانسان ورفاهيته، وهي تؤكد على ان الدين كأنه جاء ليكرس وليمجد بعض النصوص المتطرفة، فهذا النوع من الخديعة للبشرية وللأفراد، تستفيد منه هذه الجماعات".
• من جانبه تحدث حامد الجبوري الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، قائلا: إن "موضوع التطرف موضوع طاغي على الساحة ويأخذ مساحة كبيرة، لكن بالتأكيد كلما ابتعد عن الاعتدال ذهب الى التطرف، الى جانب ذلك يشير علماء الاخلاق (بان الفضيلة هي وسط بين رذيلتين)، وإن الاعتدال هو وسط بين حدين، والاعتدال حاله حال الشجاعة، التي هي وسط بين الجبن والتهور، فأي ابتعاد عن الاعتدال هو تطرف سواء كان ديني، سياسي، اقتصادي، الى آخره، وحتى في الثقافة عندما يتطرف الانسان يذهب بالاتجاه الخاطئ".
وبين الجبوري إن " القران الكريم يشير الى ذلك (وجعلناكم امة وسطا) وهذا ما يؤكد على منهج الاعتدال والوسطية في الاسلام، كذلك في الاقتصاد يتحدث القران الكريم (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)، وإن الاسلام يحبذ الاعتدال، حتى في الاقتصاد، لا اسراف ولا تبذير، لذا فإن احد الاسباب الرئيسة التي ادت الى التطرف، هم ضعاف النفوس الذين يستخدمون الدين، فضلا عن ذلك هناك الكثير من الروايات، التي تؤكد على وجود تلك الفئة، التي تستعمل الدين خدمة لأغراض ذاتية وشخصية".
• من جهته الحقوقي زهير حبيب الميالي يشير الى إن "التطرف محاولة من الجماعات الارهابية، بغية حرف الدين الاسلامي عن رسالته، التي هي تهدف الى التسامح والوحدة، وهو بمثابة منظم لشؤون الحياة، بل جعل الدين ثقافة تحبذ الرذيلة، والبغضاء، وتكفير الآخر، والاعتداء عليه، ورفض حالة التعايش بينهم".
• في السياق ذاته يعتقد الاستاذ احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات "بأن مفردة التطرف دائما ما تذهب نحو التطرف الديني، وحينما نذهب الى التطرف الديني، نذهب الى الدين الإسلامي بينما التطرف، هو تطرف في جميع الاشياء، وحتى في استخدام الحرية هناك تطرف، فنشاهد الان مثلا اقرار قوانين لزواج المثليين هذا تطرف في استخدام الحرية وهو تطرف كبير جدا، وهناك ايضا امور على الجانب الاقتصادي، فيها تطرف كبير.
واضاف جويد "لكن من اسوأ انواع التطرف هو التطرف الديني وهو يقوم على استغلاله من يريد ان يتشبث بالسلطة او يصنع لنفسه سلطة، فنلاحظ من يريد ان يوظف الدين للسلطة يحاول ان يستخدم المتطرفين في الخطوط الدينية، لتثبيت سلطته، ولممارسة القمع ضد الآخرين، وترسيخ جذور سطوته الاستبدادية، وبالتالي التطرف غير محدد بمفردة الدين او الاسلام لكن توظيفه اصبح بشكل جيد من جهة دول او سلطات دكتاتورية".
ويكمل جويد "فمثلا شهدت اوروبا في اواسط القرن العشرين حركات سياسية ادت الى حروب دامية كبيرة، لكن هذه المسالة بحاجة ان نأخذ منها العبرة، وكيف نوظف مقومات المجتمع وان نستثير ما في داخله، لممارسة الاعتدال، لاسيما وان التطرف والاعتدال، هو سلوك في داخل الفرد والمجتمع، وربما يتجسد من خلال "وجودي" في السلطة بشكل جلي، وخلاف ذلك قد يتحقق من خلال الممارسات اليومية في اطار الاسرة، لذلك تم استغلال التطرف الديني في جزئية المعتقد، والذي هو يشكل صمام امان للفرد، والذي لا يتنازل عنه".
• الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام يرى "وجود الفرق بين التطرف والارهاب، وإن الاخير هو استغلال السياسة للتطرف من اجل تحقيق اجندات خاصة، اما التطرف هو حالة موجودة في كل المجتمعات، وهناك انعكاس فردي وانعكاس اجتماعي له، لذلك نحتاج الى توضيح في المصطلحات والمفاهيم، حتى لا نقع فريسة للخلط في المفاهيم، وان نتجاوز فكرة خلق صورة نمطية عن الموضوع، لذا فإن المشكلة الاساسية تكاد ان تتبلور حول منابع التطرف التي تتشكل لدى الانسان".
واضاف معاش "هناك خلل وتشوه في البنية الاجتماعية تؤدي الى انفلات الفرد او الجماعة نحو التطرف، واحد اسباب التشوه الاجتماعي هو الاستبداد الذي يخلق التطرف لأنه يغيب الانصاف وتغيب العدالة، فيشعر الفرد بانه لم يحصل على حقه وحريته وفرصته في الحياة، وعدم وجود تكافؤ في الفرص وغياب القدرة على التعبير الطبيعي لدى الانسان في هذا المجتمع، فيتحول الى تعبير غير طبيعي، تعبير منفلت".
ويكمل معاش إن "التطرف المناخي، على سبيل المثال هو نتيجة العبث البشري بالأرض وبمواردها ادى الى هذا التغيير المناخي، وان النظام يخلق الاعتدال، ومن ثم التوازن فعندما يختل التوازن الاجتماعي، تختل الحريات، وتختل الحقوق، ويسيطر الاستبداد، وتقوم السلطة بقمع الآخرين، عندها ينشأ التطرف، بالإضافة الي ذلك احد الاسباب المهمة، هو التطرف المضاد، وهذا ما تعرض له علماء الاجتماع الغربيين، عندما تحدثوا عن ظهور الذئاب المنفردة او الارهاب في الغرب، خصوصا وان احد اسباب تطرف المسلمين وغير المسلمين هو التطرف العلماني، الذي حصل في اوروبا، وفي امريكا، لصالح الحريات الشخصية المنفلتة، وهذا ايضا عبث بالنظام والتوازن فالحريات تجاوزت الحدود، واختلت الهويات والافكار، فتشكل التطرف المضاد".
ويضيف معاش إن " عملية خلع الحجاب القسري مثلا في اوروبا، وصدور قرار دستوري من المحكمة الاوربية، يوصي بحظر الحجاب في الدوائر العامة، هذا يدل على ان اوروبا التي تفتخر بعلمانيتها وتنويرها تحارب حرية المرأة في ارتداء الحجاب، افلا يؤدي هذا الى خلل في النظام؟
وكذلك في بلادنا، فإن تطبيق الدين بقسوة واكراه يؤدي الى تطرف خاص، فالدين هو عقيدة نابعة من الايمان ومن الارادة الحرة، وعكس ذلك يؤدي الى عملية رد فعل مضاد وتطرف اخر ضد الدين".
ويختم معاش مداخلته إن "فشل التجارب التي يعيشها الانسان، ولا يوجد لها اثر على حياته تؤدي الى عملية التطرف ايضا، لذا نحتاج الى قراءة متأنية للاعتدال حتى نستطيع ان نفهم الاعتدال وكيف يصنع التوازن في المجتمع، وبالتالي فان القراءة غير الجيدة للتطرف تؤدي الى التشخيص غير الجيد وحتما ستؤدي الى نتائج غير جيدة، كما هو الحال مع الطبيب الذي لا يشخص المرض بشكل صحيح بالنتيجة يؤدي الى مرض آخر وبشكل اكبر".
وتحدث السيد مصطفى الموسوي من لجنة الهيئات والمواكب الحسينية قائلا: إن" الله في محكم كتابه قال: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) وقال: رب العزة والجلالة (وانك لعلى خلق عظيم)، البعض يرى في الآيات القرآنية، التشديد والقوة بل ان واقع النصوص القرآنية، يشير الى غير ذلك، فيقول العلي القدير: (رحماء بينهم اشداء على الكفار) وهذه الشدة ليست في حالة السلم بل في حالة الحرب، اضف الى ذلك ان العالم اليوم هو عالم الحوار والتعقل".
واضاف "عندما وردت كلمة الارهاب في القرآن، جاءت لتعالج حالة معينة، وهناك ما يقابلها من نصوص تدعو الى الرحمة والمودة والرأفة، بالإضافة الى ذلك أن رسول الله محمد (ص) في فتح مكة قال: لأعدائه (فاذهبوا انتم الطلقاء)، الى جانب ذلك نحن يوميا في الصلاة، نردد مرارا وتكرارا (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم)".
ويكمل إن "الاسلام يدعونا الى الرحمة، حتى بالحيوانات وبالأشجار، فالنبي الكريم (ص) شاهد رجل ضاع منه جمل، وحاول ان يخدع ذلك الجمل، بغية الامساك به، الا ان ذلك السلوك لم يلق رضى الرسول الاكرم(ص)، والإمام الباقر(ع) وقف امامه شخص، فشتم والدته فقال له: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك، وفي سياق هذا المعنى، لابد ان ننشر مضامين الرحمة التي يكتنزها الاسلام، حتى نستطيع من خلال ذلك ان نوصل رسالة الاسلام في جميع ارجاء العالم".
• من جهته ابرز الدكتور علاء الحسيني التدريسي، وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء-كلية القانون والباحث في مركز آدم إن "الجماعات الارهابية استفادت من تطويع بعض النصوص القرآنية وبعض النصوص الشرعية لتبرير بعض ما تقوم به من اعمال شنيعة، وهذا واضح وجلي للعيان ولا يحتاج الى تدليل، الا ان هذه الجماعات ليست حكرا، على دين معين او جماعة مجتمعية معينة، انما نجدها في كل المجتمعات المتحضرة منها والمتخلفة، الشرقي منها، والغربي، ولم يسلم من آفة التطرف اي مجتمع او اي جماعة انسانية".
واضاف الحسيني إن "اسباب عديدة وعلى رأسها الاستبداد هو عبارة عن محاولة الانتقام، او رد الاعتبار، وقد تدفع البعض الى التطرف، أضف الى ذلك هناك الكثير من العوامل والدوافع التي تدفع بالإنسان نحو التطرف، من مثل الجوع والفقر، وانتهاك الكرامة، وانتهاك حقوق الانسان واي نوع من انواع التسلط وحتى تسلط الاب، فربما ينتج عنه تطرف الابن او البنت وذهابها الى اتجاهات اخرى غير سديدة".
ويكمل الحسيني إن "البحث عن الوسطية وعن الاعتدال لا يتحقق الا بتوافر مجموعة عوامل، بعضها يرجع الى الحكم في الدولة، او الى رجال الدين، ودورهم في المجتمع، وبعضها يرجع للعقلاء والبعض الاخر يرجع الى الاسرة، لانتشال الاولاد من افة التطرف، وبطبيعة الحال ان هذا التطرف قد ينتج عنه في المستقبل الارهاب، وعلى هذا الاساس فيفترض بالإنسان مهما كانت مشاربه السياسية او الدينية او العقدية، انه دائما يسعى وينشد الوسطية في حياته كمنهج يسير عليه".
السؤال الثاني: هل ثمة مستقبل للاعتدال مع كل ما تختزنه ذاكرتنا وتعيد انتاجه؟
• حامد الجبوري يرى إن "الاعتدال لابد ان يسود في مستقبل الامم، اذ ان زيادة الفقر وسوء استخدام الموارد، سيؤدي الى مزيد من الفوضى، وهذه الفوضى ستنتهي لا محال، فعلى سبيل المثال لو قام الاستبداد في دولة ما، سيقوم الافراد على تشكيل نقابات للمطالبة بحقوقهم من الدولة المستبدة، وبالتالي الحاكم سوف يتخذ طريق من اجل عدم تشكل نقابات اخرى والضغط باتجاه ازالته، وسوف يفكر في ايجاد نظام عادل بغية استمراره في السلطة".
• زهير حبيب الميالي يعتقد "ان يسود الاعتدال اذا كان هناك ثمة تقبل لرأي الطرف الاخر، والتخلص من فرض أيدولوجية معينة، بقوة السلاح او ما شابه، ووفق هذا النهج ممكن ان يتحقق مفهوم الاعتدال والوسطية، لتغيب عنها في ذات الوقت فكرة الفوضى المجتمعية، التي يريد كل طرف منها فرض رايه على الطرف الآخر".
• الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية يقر إن "ان العمل على موضوع الاعتدال، ليس بالشيء السهل، وان تفعيل وترسيخ منهج الاعتدال، يقتضى منا دراسته ليس على جانب واحد بل من محاور متعددة، وهذه المحاور تشمل التاريخ والنظرة له، والاقتصاد وطبيعة في المجتمع، والسياسة وما تمتلك من مشروع، وما طبيعة هذا المشروع السياسي العامل، واذا لم يكن هناك مشروع سياسي، معناها اننا امام فوضى عارمة، في داخل العمل السياسي، وتشمل ايضا الثقافة، والبنية الثقافية السائدة، وتشمل العلاقات الاجتماعية السائدة والبينية العامودية داخل المجتمع، هذه كلها مع بعضها يشملها هذا الموضوع، حتى نذهب في طريق الاعتدال".
واضاف العرداوي "الاجابة عن هذا السؤال لا تقتصر على جهة واحدة، ليس النخبة لوحدها قادرة على ان تجيب على هذه المحاور المتعددة، ولا حزب سياسي واحد يستطيع ان يعمل على هذا الموضوع، الامر عبارة عن فعل ورد فعل، في السياسة لدينا نظرية الفراشة التي تقول: (رفرفة فراشة في الصين ممكن ان تحدث اعصارا في الولايات المتحدة الامريكية)، ولكن ليس الان ممكن بعد الف سنة، وهذه الافكار الطيبة ممكن ان تحدث اعصارا بعد اجيال متعددة، وهذا ما حصل في السقيفة، وفي ليلة الاستشهاد، وقد ترك اثره في حياتنا الى اليوم وبدأ يتراكم ككرة الثلج الكبيرة".
ويكمل العرداوي إن "الافكار التي نريد ان نرسخها، علينا ان لا نؤمن بان حصاد نتائجها سريع جدا، ونحن في الواقع، نحتاج الى تطوير كل هذه البنى، تراثية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، فلا يمكن لنا ان تتكلم عن وجود شخص معتدل وهو فقير، وبالتالي ان اصحاب الفكر المعتدل لا يكفي ان يطرح الاعتدال كفكرة، وانما ان يتم طرحها على شكل مشروع انقاذ وفيه ادوات عملية، وتصلح لحياة الناس وتطور حياتهم، وفي نفس الوقت يضربون الاسوة الحسنة بأنفسهم، لهذا المنهج المعتدل، لا يمكن ان تقول لموظف في الدولة تكون معتدل ورئيسه في العمل والمسؤول عنه هو فاسد اداريا وماليا، او انه عبارة عن شخص يحاول ان يتعسف في استخدام السلطة اتجاهه، ولا يمكن ان تقول للناس البسطاء، كونوا معتدلين وهم ينظرون الى رجل جالس على المنبر يتكلم بتطرف او عنف".
ويضيف العرداوي "لا يمكن ان يصبح المجتمع معتدلا، ويرى مؤسسات دينية ومرجعيات تعادي بعضها البعض الاخر، وان الفكر المعتدل هو فكر واسع وكبير ويحتاج للكل ان يعمل عليه، ابتداء من المؤسسات الدينية والثقافية والاكاديمية وحتى السياسية، وفي تفسير (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، ان الحق عندما يأتي بقوة الباطل يزهق من ذاته ويترك الساحة، لذا اليوم صاحب الفكر المعتدل، اذا استطاع ان يدخل الساحة بقوة، ويعمل بجد لإصلاح اوضاع الناس، فان الفكر المتطرف تلقائيا سيترك الساحة ويذهب بعيدا".
• الباحث حمد جاسم يقول: " هليوجد اعتدال اصلا حتى يكون له مستقبل، خصوصا وان تاريخ البشرية يكاد ان يؤرخ الى حقيقة، ان مواقف الاعتدال قليلة، بل على العكس ان مساحة التطرف والحروب والدمار هي السمة الغالبة، وبالتالي متى ما انتهت اسباب التطرف، حينذاك يحق لنا ان نتكلم عن الاعتدال، الى جانب ذلك فان الاعتدال كان والى وقت قريب يفرض بالقوة، من خلال الانظمة الحاكمة في منطقتنا العربية، وعند انهيار تلك الانظمة ظهر التطرف بشكل جلي".
• احمد جويد يعتقد "ان قضية مستقبل الاعتدال في ظل هذا التنافس المحموم العسكري، والاقتصادي، والفكري، والثقافي لا مكان لها على المستوى القريب، خاصة وان البشرية في كل حقبة تأخذ في التنافس المتصاعد، وتتعرض الى نار الحرب والمجاعة وغيرها من الازمات تعود مرة ثانية الى الاعتدال، لا يمكن بسهولة للدول او السلطة او المجتمعات، ان تجنح للاعتدال فبين فتره واخرى التطرف يسحب البشرية الى مآسي وكوارث متعددة ومن ثمة تصبح العودة للاعتدال حاجة ملحة".
• الشيخ مرتضى معاش يذهب "الى ان الذاكرة في الانسان، لا يمكن التخلي عنها فالإنسان بلا ذاكرة انسان بلا هوية، وان التاريخ هو عبارة عن ذاكرة، والسؤال هنا كيف يمكن استرجاع هذه الذاكرة والعمل بها من خلال العبرة والاعتبار من الاخطاء والاستفادة من الايجابيات وتجاوز السلبيات".
واضاف معاش إن "التطرف يصنع الكوارث لان الذي لا يمتلك ذاكرة جيدة يبدأ بعملية جديدة من صناعة الكوارث، والذي عنده ذاكرة جيدة سوف يعرف ان الذين تطرفوا لم يكسبوا شيئا سوى المآسي من تطرفهم، ويحاول الاستفادة منها والابتعاد عن التطرف وما ينتجه من كوارث، فالعنف لا يصنع الانسان، ولا يصنع الحياة ولا يصنع الحضارة، والمستقبل يكون للاعتدال، عندما يتطور الانسان بعقله وبقدرته الاعتبارية وخير شاهد على ذلك قول الامام علي (ع) ما اكثر العبر واقل الاعتبار، حيث يستفيد الانسان من تجارب الآخرين ويضع قواعد للعيش السليم السلمي مع الآخرين".
ويكمل معاش إن "الطمع والنزوع نحن السلطة والذهاب نحو الاستفادة الخاصة والفئوية المفرطة، تؤدي الى الانشقاق والصراع والصدام في المجتمع، وكل هذا يصنع التطرف وهذا معناه اننا نريد ان نوفر حماية ذاتية لحماية انفسنا، ومحاولة تعبئة الشارع والجماعة، لخوض معارك سواء كانت سياسية ام دينية ام قومية ام طائفية، عبر التحشيد او التعبئة، والمصطلح الجديد لها اليوم هو الشعبوية، وكانت توصم بها الدول الاشتراكية، وخاصة في امريكا الجنوبية، ومن هناك انطلقت لكن اليوم انتقلت الشعبوية الى الغرب".
واضاف معاش إن "الاعتدال له مستقبل لأنه يمثل عنواناً لحاجتنا نحن كبشر وحتى لا نصطدم، وحتى لا نصنع الكوارث وحتى لا نفرّط بالمستقبل الانساني، في الحروب والقتل والتسلح المفرط، وتدمير موارد الارض، وهذا كله نتيجة الفئوية والطمع الموجود لدى الانسان، وان نضع قواعد للمستقبل البشري وللعمل الانساني، وان نعتمد على فكرة الحوار مع الآخر، واعتبار العنف خط احمر. وفي عهد الإمام علي (ع) ومالك الاشتر قضية نستلهم منها الدروس والعبر في هذا الموضوع عندما قال: وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ. ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ وقال: أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ".
ويختم معاش "هذا كله يؤسس لمبدأ الاعتدال، والعيش المشترك، وتحقيق الفرص المتكافئة، وتقسيم المصالح، واحترام حقوق وحريات الاخرين، ونبذ الاستبداد والعنف، فنزع فتيل التطرف يأتي من خلال نشر ثقافة اللاعنف، ونشر الحوار فيما بين البشر، وتحقيق المصالح للجميع".
• الدكتور علاء الحسيني، قال: إن "الذاكرة كما تختزل الامثال السلبية للمتطرفين، هي تختزن في ذات الوقت امثلة مشرقة، لكثير من التطبيقات المعتدلة، لاسيما على مستوى الدول، ففي الوقت الذي كانت اوروبا تعيش صراع محموم بين الامبراطورية النمساوية والفرنسية والبريطانية برزت على الصعيد الدولي فكرة الاعتدال.
واضاف الحسيني "على مستوى الشخصيات الدولية غير المسلمة هناك امثلة مشرقة، لبعض الشخصيات التي ضربت اروع الامثلة، من مثل نلسون مانديلا، وغاندي، فهؤلاء شخصيات نستدل منهم نوع من انواع الاعتدال، ونبذ التطرف والتمييز العنصري في جنوب افريقيا.
ويكمل الحسيني "على صعيد الامة الاسلامية ضرب لنا اهل البيت (عليهم السلام) اروع الامثلة في الاعتدال من رسول الله(ص) وحتى الامام الغائب(عج) كان منهجهم الاعتدال والوسطية، واما على صعيد مراجعنا (حفظهم الله) كلهم شخصيات معتدلة ويدعون الى الاعتدال ويحثون حتى مقلديهم على الاعتدال وعدم التعدي، وعلى مستوى المجتمع الكربلائي لدينا شخصيات دينية وعشائرية معروفة بالاعتدال وبخطابهم المعتدل الهادف".
ويضيف "ما نريد قوله وحتى تكون نظرية الاعتدال ثقافة، لابد من انصاف الضحايا حتى ننهي التطرف من الجذور، وبعد ذلك وحتى نشعر النفوس بالاطمئنان لابد من سوق الجناة الى المحاكم العادلة، ايا كانت انتماءاتهم وعناوينهم، حتى نقضي على غيلة الحقد الذي ربما يغذي التطرف، ويقلص من مساحة الاعتدال في البلد، والقضاء على ثقافة السلطة الرئاسية او السلطة الابوية او المجتمع الرجالي والغاء الاخر، هذه العوامل اذا استطعنا ان نحجم دورها بالتأكيد سنصل الى بر الامان، والى شيوع ثقافة الاعتدال في المجتمع العراقي".
اضف تعليق