محمد سبيلا
اغتنت اللغة العربية بمصطلح جديد ريزومي:
الدعشنة والتدعيش والداعشية من الجذر الفعلي الجديد دعش يدعش دعشا ودعشنة وتدعشن واستدعش استدعاشا…
لذلك فإن على المرحوم الأب اليازجي أو على ورثتهما أن يدرجوا هذا المصطلح في قاموس اللغة العربية.
وفوق كل ذلك عليهم أن يفخروا بقدرة اللغة العربية على التجدد وأنها “البحر في أحشائه الدر كامن”، وأنها لغة ولادة ومرنة ودلالية…
لكن على الثقافة الإسلامية العربية بالمقابل أن تبكي حظها وسوء قدرها فقد تولدت فيها كائنات “توحشية” غريبة أساءت إليها وإلى الإسلام وإلى الإنسانية جمعاء، كما تولدت عنها إيديولوجيا دينية متطرفة فاقت النماذج الوحشية السابقة التي مثلتها الستالينية والفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والخمير الحمر وبينوشيه وأضرابه في أمريكا اللاتينية وبوكاسا وبوطاسة. والقذافي وصدام والأسدان أبا وإبنا وغيرهم من الهوام.
لقد حطمت الداعشية الرقم القياسي في العنف والتزمت التشدد والضلال والظلام والدموية فسودت وجه الإسلام والمسلمين وقسمت تاريخ المنطقة بل تاريخ النوع البشري إلى ما قبل داعش وما بعد داعش، بل قسمت البشرية نفسها إلى بشرية داعشية وبشرية غير داعشية، بشرية قبل داعشية وبشرية بعد داعشية…
جوهر داعش هو الأوهام التي تكونها أمة عن نفسها قتتصور نفسها مركزا للبشرية ونموذجا متفوقا لها نال رضى الله قبل رضى الإنسان.
قامت الداعشية كعقيدة دينية سياسية أهم أركانها وهم الصفاء ووهم الوحدة ووهم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ووهم المركزية ووهم امتلاك الحقيقة، وضلال الآخرين المختلفين دينا أو عرقا أو لغة، وامتلاك سر التاريخ البشري وفضيلة الهداية وبوصلة التاريخ، ووهم الخلافة المثالية… جبل من الأوهام.
هل هناك إنجاز تاريخي أرسخ وأعمق من هذا الإنجاز؟ ألا يحق للجنس العربي الإسلامي أن يفتخر بفرادته وتفرده بامتلاك هكذا أيقونة وهكذا جوهرة وهكذا تميز؟
ألا يحق للخوارج أن يفخروا وللتيمية القديمة والجديدة أن تنتشي، ألا يحق للوهابية والإخوانية والقاعدية ولكل الفصائل الدنيوية الأخروية أن تبتهج بهذا الإنجاز التاريخي الفريد في التاريخ الحيواني للبشرية.
ينكر العرب والمسلمون انتماء هذا الوحش الإرهابي للإسلام بل لأي دين. لكن هذه مجرد حيلة فكرية لحماية الذات العربية الإسلامية من هذا اللطخ. وتلك حيلة معروفة في علم النفس المرضي: حيلة الإنكار التي تعني أن الفرد أو الذات (والجماعة أو الثقافة لاحقا) لا تستطيع مواجهة صورتها الحقيقية عن نفسها فتلتجئ لأول حيلة شعورية وهي الإنكار Denegation. لكن هذه الآلية التحايلية ليست طريقا سالكا نحو العلاج. بل إن مواجهة الذات والاعتراف بأن هذا الانحراف هو جزء منا وناتج عنا وعن ثقافتنا وأنه تطور نجد جذوره في الخوارج وكل الروافض وكل المتطرفين -فقهاء وساسة ونصوصا- وأن هذه النبتة الحارقة هي من رعايتنا ومن صلب ثقافتنا.
طريق الإنكار -الذي يسود الصحافة العربية الإسلامية والثيمات الثقافية الرائجة – والذي بلوره الساسة وسخروا له الأقلام والأفلام – هو طريق الكذب على النفس ومحاولة لتبرئتها إلا أنه في الحقيقة ليس هو الطريق الأمثل لبُرئِها.
اجتثاب الإرهاب العربي الإسلامي الذي انفجر في العصر الحديث هو الاجتثاب من الجذور أي من الثقافة فالثقافة هي المشتل الأصلي الذي يتبلور فيه الإرهاب.
اضف تعليق