حتى صباح الـ 3 من نيسان/ أبريل، كانت سان بطرسبرغ الروسية تحتفظ بهدوئها منذ سنوات طويلة، لكن استهدافاً بعبوة ناسفة بدائية الصنع مزقت هذا الهدوء بعد أن صدّعت جدران محطة (بلوشتشاد فوستانيا)، و قضت على حياة نحو 14 شخصاً، فيما كانت الاصابات والجروح من نصيب نحو 50 آخرين.
بينما كان المترو يمر في النفق، حدث الانفجار، ونسف كل شيء.. كان المشهد السائد، وفقاً لشهود، "جثث متفحمة وعتمة دماء".
في مراسم الدفن، إذ توارى صانعة الدمى الروسية الثرى على بعد 20 كلم من سان بطرسبورغ، يقول زوجها المفجوع برحيلها المفاجئ لوسائل الإعلام: "تسع سنوات امضيناها معا. اشترينا للتو شقة هنا، في مبنى رائع، كانت الامور جيدة لابنتينا والآن حدث هذا...".
حقيبة ملغمة بالشيكولاتة!
تقول السلطان بعد تحقيقها في الحادث، "إن أشلاء من جثة المشتبه به في تنفيذ هذا الهجوم عثر عليها بين القتلى في مؤشر على أنّه انتحاري".
وأضافت في بيان لها بعد ذلك، "من الأدلة الجينية وكاميرات المراقبة تبين أن هناك سببا للاعتقاد بأن الشخص المسؤول عن العمل الإرهابي في عربة القطار هو نفس الشخص الذي ترك حقيبة بها عبوة ناسفة في محطة بلوشتشاد فوستانيا".
لكن خبراء تحدثوا عن أن العملية التي قام بها الانتحاري لم تكن "متقنة" وتوقعوا أن يكون سبب ذلك أنها جاءت بتوجيه من الخارج دون دعم مباشر.
وذكروا أن العبوة مصنوعة من السكر ومواد متوفرة يسهل الحصول عليها وأن جهاز التفجير يدوي الصنع وليس مفجراً من المنتجات التجارية، كما أشاروا أيضاً إلى أن "غياب الحنكة والخبرة يشير إلى أن مرتكب التفجير شخص أو أشخاص يعملون بموارد محدودة ولكن بتوجيه لكيفية تجميع عبوة متفجرة من النوع الذي تستخدمه الجماعات المتطرفة مثل الدولة الإسلامية (داعش)".
فيما قال ضابط روسي إن "القنبلة صنعت باستخدام وسائل تم جلبها إلى روسيا من سوريا وإن المادة المتفجرة تعرف باسم (شيكولاتة) بسبب لونها البني".
المنفذ لم يكن متطرفاً!
أما المنفذ المفترض للتفجير في عربة القطار، جليلوف (23 عاماً)، والذي بسببه فقد الزوج زوجته، وفقد وأطفال بطرسبرغ صانعة دماهم التقليدية، فهو الآخر كان هادئاً ويتابع بشغف ألعاب الفنون القتالية، كما أنه كان يعمل مع والده في ورشة لتصليح السيارات، وفقاً لإفادات جيرانه.
وتنقل رويترز عن الجيران قولهم: "جليلوف من الأوزبك من مدينة أوش الجنوبية في قرغيزستان انتقل مع والده إلى سان بطرسبرج للعمل منذ عدة سنوات".
فيما يتحدث عمه أمينزون جليلوف: "إن ابن أخيه كان يرتاد المساجد لكنه لم يكن متطرفا".
على مواقع التواصل الاجتماعي الروسية، يظهر منفذ التفجير وهو يدخن الشيشة، كما يظهر من متابعاته على حساباته أنه يحب الاستماع لمحطات اذاعية موسيقية والفنون القتالية، ويهتم كثيراً بصفحة الملاكم الأمريكي الشهير "مايك تايسون".
ومن الحساب ذاته، يظهر أيضا أنه كان يهتم بالنشاط الديني، فهو يضع على حسابه روابط لمواقع إسلامية روسية أبرزهما موقعي "أحب الإسلام" و "إسلام هاوس"، لكنه أيضا اطلع على مواقع أخرى تتضمن أفكاراً لمحمد بن عبد الوهاب، السعودي الجنسية، مؤسس الحركة الوهابية المتطرفة التي تكفر كل من لا يتّبع مذهبه.
وبحسب رويترز، فإنه بالرغم من "غموض دوافع جليلوف الذي وصفه جيرانه بانه (هادئ وكتوم) سبق ان اعلنت اللجنة انها تبحث عن صلات محتملة له بتنظيم داعش".
ويرى مراقبون، أنه من الممكن أن لا يكون لمنفذي هجوم روسيا أي ارتباط مباشر بالتنظيمات الإرهابية التي بدأت تخسر نفوذها في العراق وسوريا، رجحوا أن يكونوا قد خرجوا من مجتمعاتهم الإسلامية.
جيل جديد من الجماعات المتشدد
كما ينبئ الهجوم، وفقاً لمسؤولين أمنيين، بظهور جيل جديد من الجماعات المتشددة يتحركون علمياً لتنفيذ العمليات الإرهابية على شكل أفراد، لكنهم في الوقت ذاته يرتبطون بجماعات كبيرة متشددة تنتمي لأجيال سابقة.
وتشير المعلومات إلى أن هذه الجماعات تتخذ من شمال القوقاز، على الحدود الروسية، ملجأً آمناً لها من خلال التخفي في الغابات وينظمون من هناك هجماتهم على المدن الروسية.
وعلى مدار أعوام، ومنذ اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لمناطق واسعة في العراق وسوريا، تمكن أفراد التنظيم من تجنيد أعداد هائلة من الشباب في مختلف دول العالم عبر التسويق المستمر لأفكارهم وممارساتهم الوحشية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
الثأر من روسيا وخطر الوجود في الصراع السوري
وعلى أرض الواقع، وبعد أن فلتت الأمور من يد تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، حوّل التنظيم تركيزه الآن إلى جذب المتعاطفين معه لتنفيذ هجمات متفرقة في مدن مختلفة من العالم ومنها ما حدث مؤخراً في روسيا ومن منطلق فكرة الثأر إزاء الهزائم الكبيرة التي مني بها التنظيم.
أما متابعو شؤون الكرملين فيرون أن هناك خطرا آخر يكمن في أن الناخبين قد يقررون، بعد مشاهدتهم للتدمير الذي أحدثه تفجير سان بطرسبرج، أن "عملية سوريا تجعلهم أكثر عرضة لمثل هذه الهجمات وليس أكثر أمانا كما وعد بوتين"، في إشارة إلى احتمال أبداء الروس لشيء من الاستياء لسياسة بلدهم تجاه الصراع السوري الدائر منذ 6 أعوام.
وهو ما سيجعل الرئيس بوتين أمام موجة من الاحتجاجات قبل الانتخابات الرئاسية للعام القادم والمرجح أن يظفر من خلالها بولاية رابعة.
هل فشل بوتين؟
وتعلق فرانس برس على هذا الأمر بالقول: "ليس واضحا ما إذا كان الناخبون الروس سيعتبرون تفجير سان بطرسبرج فشلا لبوتين، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أنه يتمتع بمستوى مرتفع من التأييد كما أن مكانته لم يلحق بها ضرر يذكر بعد تفجير الطائرة فوق مصر.
بينما علق المستشار السابق للكرملين الروسي، جليب بافلوفسكي، "الآن نشعر بضربة، صدمة.. لكن في الواقع الصدمة معنا تمر بسرعة كبيرة".
وأضاف قائلا "خلال أسبوع سيتضح إلى أي جهة يميل الناس... صوب ما كان فيما مضى طلبا مألوفا لمزيد من القمع أم صوب السأم من موقفه الدائم حيث يجري بيع الأمن لنا تحت شعارات مختلفة لكننا لا نزال لا نتمتع بالأمن".
اضف تعليق