قبل بدء اجتماع وزراء "منظمة الدول المصدرة للنفط" ("أوبك") في فيينا في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، ركزت تعليقات وسائل الإعلام على إمكانية إضفاء الطابع الرسمي على التفاهم حول خفض انتاج النفط الذي تم التوصل إليه في الجزائر في أيلول/سبتمبر. ومن شأن مثل هذا الاتفاق أن يؤثر على زيادة الأسعار، التي لم تنجح في البقاء فوق علامة الـ 50 دولار للبرميل الواحد، مما أدى إلى انخفاض الإيرادات وفرض تخفيضات حادة على ميزانيات الدول الأعضاء في منظمة "أوبك".
ويبدو أن المنافستين الإقليميتين في المنطقة، السعودية وإيران، مصممتان على عدم إعطاء أي ميزة للأخرى سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية. وتنظر الرياض إلى طهران على أنها مصدر المشاكل والإضطرابات بسبب دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا وتسليح المتمردين الحوثيين في اليمن الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، ومعظم الجزء الشمالي من البلاد. ويسرّ طهران أن تعمل على تقويض علاقات الرياض مع واشنطن، وبالتالي الحل محل الولايات المتحدة كالقوة السياسية الأكثر نفوذاً في المنطقة.
وكَوْن السعودية أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، فهي تُعتبر الجهة الفاعلة الرئيسية في أسواق النفط العالمية. ولكي يكون لأي اتفاق تأثير ما، سيتعيّن على المملكة إجراء التخفيضات الأكبر في انتاجها. وحول ما إذا كانت الأسعار سترتفع بما يكفي لتعويض الخسائر في الإيرادات فهذه نقطة خلافية. وعلى أقل تقدير، ستحتاج السعودية إلى [ضمان] قيام تعاون كامل من قبل المنتجين الرئيسيين الآخرين في "أوبك" مثل إيران والعراق. وما يزعج الرياض، هو ادعاء طهران بأنها تحتاج إلى الحفاظ على الانتاج لمساعدتها على التعافي من العقوبات، وما تقوله بغداد بأنها تحتاج إلى أقصى قدر ممكن من العائدات لمواصلة القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وأمّا خارج منظمة "أوبك" فلروسيا، أكبر منتج للنفط في العالم، صوت في الواقع أيضاً، كما إنها على خلاف مع السعودية بشأن سوريا، وقد تستخدم ذلك دون حذر أو قلق. بالإضافة إلى ذلك، فإن منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة - ومعظمهم قد تخطوا مرحلة الصعوبات على الرغم من ارتفاع تكاليف الإنتاج نسبياً عندما انخفضت الأسعار إلى نطاق الـ 20-30 دولار للبرميل الواحد في كانون الثاني/ يناير - فسيتلّهفون للاستفادة من أي أسعار عالية، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تقويض أي اتفاق يتم التوصل إليه في فيينا.
وعادة ما كانت اجتماعات "أوبك" خاضعة لهيمنة شخصيات في مجال النفط مثل الوزير السعودي علي النعيمي، لكنه أُقيل في أيار/مايو، كونه ضحيّة واضحة لفشل سياسة الحفاظ على نصيب بلاده في السوق، في الوقت الذي كان سعر النفط آخذ في الانخفاض. (وقد نشر للتو كتاب ادّعى فيه أن سياسته كانت صحيحة كما سيتضح لاحقاً). أما خلف النعيمي، خالد الفالح، فهو أقل نفوذاً، حيث أن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - الإبن المفضل للملك سلمان البالغ من العمر واحد وثلاثين عاماً - يلقي بظلاله عليه. ويحاول الأمير نقل المملكة إلى مستقبل ما بعد النفط، والذي يُعرف بصورة مبجّلة باسم «رؤية عام 2030». وكونه وزيراً للدفاع، فهو يحاول أيضاً الانتصار في الحرب في اليمن، التي هي الآن في حالة من الجمود الإقليمي، حيث يَعتبِر خصم بلاده هناك وكيلاً لإيران.
وفي الأيام القليلة الماضية، قام الملك سلمان بزيارة المنطقة الشرقية، على طول ساحل الخليج العربي، حيث تتركز احتياطيات المملكة النفطية ومرافق التصدير - ويشكل فيها أبناء الأقلية السعودية الشيعية، الإخوة في الدين لمعظم الإيرانيين، أغلبية محلية. وخلال زيارته قام العاهل السعودي بتدشين مشاريع النفط واجتمع أيضاً مع كبار الشخصيات المحلية، من بينها رجال الدين الشيعة، في تعبير واضح عن الشمولية.
وربما كان الاجتماع الذي عقده الأمير بن سلمان في مدينة الخبر مع وزير البحرية الأمريكي راي مابوس -الذي كان ذات مرة السفير الأمريكي في الرياض- على نفس القدر من الأهمية. ومن المحتمل أن الإعلان الإيراني بأن طهران تعتزم إقامة قواعد بحرية في اليمن وسوريا، الأمر الذي قد يشكل تحدياً لكل من المملكة والبحرية الأمريكية، كان من بين أحد مواضيع المناقشة. وربما أن الوزير مابوس قد حثّ أيضاً الأمير بن سلمان بأن لا ينظر إلى إيران والعراق على أنهما يشاطران نفس الرؤية حول موضوع النفط.
وفي مثل هذه الظروف، يبدو من غير المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق في اجتماع "أوبك". وفي حين من المحتمل أن يقوم وزير النفط السعودي الفالح بإعداد السرد في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، إلا أنه قال أنه يعتقد أن سوق النفط قد يعود إلى التوازن في عام 2017 حتى دون إجراء تخفيضات في الإنتاج. وسواء كان هناك ما يبرر تفاؤله أو أن ذلك لا يعدو كونه تحايلاً، فإن أياً من وزراء النفط في فيينا لن يكن صانع القرار الرئيسي هذا الأسبوع، بل ستكون هذه الشخصية مجدداً ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
اضف تعليق