مصطفى سعدون
في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر، دعا وزير النفط العراقيّ جبار علي اللعيبي الشركات المصريّة إلى المشاركة في العقود الاستثماريّة النفطيّة. وخلال استقباله السفير المصريّ في بغداد أحمد حسن درويش، قال: "من الضروريّ تعزيز العلاقات بين العراق ومصر، خصوصاً في المجال النفطيّ".
وفي اليوم ذاته، الذي التقى فيه جبار علي اللعيبي مع أحمد حسن درويش، هاتف رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي. وبحث الاتّصال، الذي جرى بينهما، في العلاقات الثنائيّة بين البلدين وتوحيد الجهود في مكافحة الإرهاب.
ويبدو أنّ حيدر العبادي المنشغل في معركة الموصل، لم تمنعه مشاغله من الإسراع إلى الاتّصال بعبد الفتّاح السيسي، وهذا ما يؤكّد أهميّة مصر بالنّسبة إلى العراق والهدف في تحسين العلاقة معها وكسبها في ظلّ أزمتها التي تعيشها مع المملكة العربية السعوديّة.
هاتان الخطوتان جاءتا بعد أسبوع من توتّر العلاقة بين الرياض والقاهرة بسبب تصويت مصر لصالح مشروع روسيّ حول الأزمة السوريّة. وإنّ سرعة التّواصل العراقيّ مع الحكومة المصريّة تؤكّد أنّ العراق يرغب في إعادة ترتيب أوراقه على المستوى العربيّ.
إنّ سعي العراق إلى تعزيز العلاقة مع مصر في المجال النفطيّ، قابلته رغبة مصريّة في ذلك، خصوصاً أنّ الأخيرة تعيش علاقة غير إيجابيّة مع المملكة العربيّة السعوديّة. ولذا، يبدو أنّ العراق سيكون محطّتها كدولة نفطيّة.
العراق، الذي لا يرتبط هو الآخر بعلاقة إيجابيّة مع السعوديّة، يريد استثمار الأزمة بين الرياض والقاهرة ومنح مصر فرصة عدم تدهور أوضاعها الإقتصاديّة من دون حليفتها السابقة السعوديّة. وبهذا، يكسب العراق دولة عربيّة مهمّة مثل مصر، ويستفيد أيضاً من خسارة السعوديّة لحليفة عربيّة مهمّة مثل مصر.
وفي 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، كشف مصدر حكوميّ مصريّ لم تعرف هويّته، عن أنّ القاهرة توصّلت، بعد وساطة روسيّة - إيرانيّة، إلى إتّفاق مع الحكومة العراقيّة لتغطية الحاجات النفطيّة المصريّة وتعويض النقص في مسلتزمات السوق المصريّة.
وجاء الإتّفاق العراقيّ – المصريّ، بعد أن أعلنت شركة "آرامكو" النفطيّة السعوديّة إيقاف الموادّ البتروليّة لمصر، وهو ما أتاح الفرصة للعراق لإرسال رسالة غير مباشرة إلى السعوديّة حول قدرته على دعم مصر وكلّ خصومها من الدول العربيّة. وكان العراق يمدّ مصر بـ200 ألف برميل نفط شهريّاً. أمّا اليوم فسيضاعف تلك النّسبة إلى خمسة أضعاف ليصل إلى مليون برميل شهريّاً، ويبدو هذا كافياً لسدّ حاجاتها (مصر) من النفط.
وفي 16 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016، دعا النائب في البرلمان العراقيّ عدنان الأسدي إلى دعم الحكومة المصريّة من خلال بيعها النفط بالآجل، إسوة بمذكّرة العراق والأردن. وقال عدنان الأسدي في بيان صحافيّ: "إنّ الحكومة المصريّة تشهد هذه الأيّام حملة ابتزاز سعوديّة من جرّاء مواقفها لدعم الدول العربيّة في مواجهة التطرّف والمجاميع المسلّحة. لذا، ندعو مجلسي الوزراء والنوّاب العراقيّين إلى الوقوف بجانب مصر، دعماً لمواقفها ومنعاً لكلّ الابتزاز السياسيّ الذي تتعرّض له".
وهذه الدعوة سبقتها دعوة لوزير النقل السابق باقر جبر الزبيدي، الذي طالب حكومة العبادي بتفعيل مذكّرة التفاهم الموقّعة بين العراق ومصر، والتي تقضي بتزويد مصر بالنفط الخامّ العراقيّ. ووصف بعض وسائل الإعلام العربيّة التقارب العراقيّ - المصريّ بالمستفز للسعوديّة، على اعتبار أنّ العراق دولة خاضعة لإرادة إيرانيّة. كما حذّر البعض عبد الفتّاح السيسي من مغبّة تعميق العلاقة مع العراق على أساس الأزمة مع السعوديّة، خصوصاً في ما يتعلّق بالعمالة المصريّة في دول مجلس التّعاون الخليجيّ.
ويمكن القول إنّ العراق ومصر يحتاجان إلى بعضهما، فبعد أن أوقفت شركة النفط السعوديّة "آرامكو" تصدير النفط إلى مصر، بحثت وزارة البترول المصريّة عن بديل لها، لكنّ العراق هو من بادر إلى ذلك، فهو يحتاج إلى مصر، خصوصاً على مستوى الخبرات العسكريّة، مثلما هي تحتاج إلى النفط.
لم تكن إيران بعيدة عن التقارب النفطيّ بين العراق ومصر، وربّما حتّى التقارب السياسيّ، عندما رفضت مصر توغّل القوّات التركيّة في العراق. والآن، تصرّ طهران على ضرورة وجود القاهرة ضمن مباحثات لوزان حول سوريا، لكسب أكبر عدد من المؤيّدين ولضمّ مصر إلى خانة تحالفات إيران حول الأزمة السوريّة.
وبكلّ تأكيد، لن يكون العراق هو المستفيد الوحيد من مدّ مصر بالنفط، فإضافة إلى القاهرة، فإنّ طهران ربّما تكون المستفيدة الأكبر، فهي تحتاج إلى تقوية تحالفاتها العربيّة ضدّ السعوديّة، خصوصاً إذا كانت دولة حليفة سابقة للرياض.
ويشكّل خروج مصر من عباءة السعوديّة، وإن كانت تحتاج إلى نفطها، ضربة قويّة لسياسة الرياض التي خسرت مرّتين: الأولى عندما لم تتمكّن من السيطرة على مصر، والثانية من خلال مؤشّرات انضمام مصر إلى تحالف العراق وإيران وسوريا، وإن كان في شكل غير مباشر.
وعلى كلّ حال، فإنّ العراق أمام فرصة العودة إلى تصدّر المشهد العربيّ أو على الأقلّ بناء تحالفات قوميّة جديدة يقوّي بها وجوده ويعزّز من مكانته العربيّة، واللّعب بورقة مصر في الحصول على ما يريد من المملكة العربيّة السعوديّة.
وسوف لن يكسب العراق مصر على المستويات السياسيّة والأمنيّة والإقتصاديّة، فربّما حتّى الدينيّة يستطيع من خلالها أن يحصل على فتوى من الأزهر تساعده على محاربة التطرّف في مرحلة ما بعد "داعش" أو تلميح يخصّ قوّات الحشد الشعبيّ ويمنع الحديث عنها كقوّات خارجة عن القانون.
لكن السؤال يبقى، هل إنّ الديبلوماسيّة العراقيّة الحاليّة قادرة على فهم اللعبة واستثمار الفجوة بين الرياض والقاهرة، أم أنّها ستكتفي بتقديم النفط والترويج إعلاميّاً لعلاقات إيجابيّة مع مصر، من دون تحقيق أيّ نتيجة؟
اضف تعليق