دانييلا بليتكا، معهد آميريكان إنتربرايز/ترجمة: هبه عباس
عرض وتحليل: الدكتور خالد عليوي العرداوي/مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
في مقالها الذي جاء في اعقاب احداث اورلاندو الدموية التي قام بها الامريكي المولد والافغاني الاصل المدعو (عمر متين) والذي ذهب ضحيتها 49 قتيلا وقرابة 53 جريحا، قالت الكاتبة المتألقة (دانييلا بليتكا) في مقالها المنشور يوم 13 من الشهر الجاري من قبل (معهد أميركيان انتربرايز): ان هناك ستة اسئلة يمكن عند الاجابة عليها منع حدوث هجوم مماثل، وهذه الاسئلة هي:"
١- هل يوجد ارهابيون في الداخل الامريكي أكثر مما نعتقد؟
الاجابة المختصرة على الارجح هي نعم، فعدد المسلمين في الولايات المتحدة اقل مما هو عليه في المملكة المتحدة او فرنسا، ولابد من التركيز هنا على العدد المتزايد للشباب المسلمين المستجيبين لرسالة تنظيم " داعش".
٢- هل يمكن السيطرة على الذئاب المنفردة؟
الاجابة هي نعم، لكن يتطلب ذلك المزيد من التركيز على مراكز التطرف بما فيها المدارس والمساجد الممولة من الخارج، وتركيز الاهتمام على الذين يميلون الى التطرف، وعلى الحكومات المتطفلة التي يشمئز منها الليبراليون والمحافظون، وعلى من ستثبت برائتهم في نهاية المطاف.
٣- لماذا استخدمت البنادق؟
يظهر هنا الميل الى التخطيط والتفكير الاستراتيجي من قبل الارهابيين الذين غالبا ما يعتمدون على الحظ لإلحاق الضرر، لكن تعد البنادق جزء سياسي خاص من حياة الامريكيين وهناك حق دستوري يكفل لهم حمل السلاح وبيعه. وفي حديثنا عن السلاح، نتحدث عن هجوم ارهابي في سياق إطلاق النار اي كلاهما متشابهان، والتساؤل هنا هل يمكن ان تُحدث البنادق ضرراً أكثر مما تحدثه الاداة المفضلة للارهابيين الا وهي التفجيرات؟ وهل من السهل العثور عليها؟ ام ان هذا جهد أكثر تطوراً لتفريق الجمهور؟
٤- من يمكنه شراء البنادق؟
الارهابيون والاشخاص الذين وضعوا على لائحة الارهاب ومن لهم ارتباط بالإرهابيين الحقيقيين. وهنا نلاحظ محاولة مكتب التحقيقات الفيدرالي وانفاذ القانون والاستخبارات الحفاظ على مهامهم وسرية معلوماتهم وذلك من خلال انشاء وزارة الامن الداخلي بعد احداث١١ سبتمبر لوقف مثل هذه الاعمال.
٥- لماذا النادي الليلي لمثليي الجنس؟ هل هي انتهازية ام كراهية ام هو نوع اخر من الجهود الاستراتيجية لتوجيه الكلام والحوار؟
من الصعب معرفة السبب لكن علينا ان نتذكر ان هدف الاسلاميين هو ضرب القلب الامريكي الفاسد، وفي هذا السياق وضعت صحيفة تركية هذا الخبر تحت عنوان" مقتل ٥٠ منحرفا في بار" فضلا عن النساء واليهود والمسيحيين والمسلمين والمثليين الجنسيين الذين أصبحوا الهدف المفضل للإسلاميين المتطرفين. إذا ما الأجراء اللازم على سياسة الولايات المتحدة اتخاذه في هذا الصدد، حسب ماتعتقد الكاتبة لا يمكن اتخاذ اجراء يمكن ان يحد من هكذا اعمال لان فيروس الارهاب ينتشر في كل مكان من سوريا الى تركيا وافغانستان وخارجها.
٦- هل يجب علينا منع جميع المسلمين؟
لان منفذ الاعتداء " عمر متين" من أصل مسلم، ونضال حسن طبيب مجند في الجيش الامريكي مسلم ايضا، لكن القضية المهمة هي كيف يمكن للولايات المتحدة التصرف حيال هذا الامر؟ وعلى الرغم من هذا لا يمكن للاعتداء على ملهى ليلي في ولاية فلوريدا تغيير طريقة الحياة الامريكية، لكنه سيكون بداية لتقسيم البلاد، واتباع سياسة التهجير والموقف على اساس الدين والمعتقد، وان ما يجعل امريكا امة عظيمة هو الامل الذي تحمله للعالم.
ربما لايرغب الرئيس اوباما بالاعتراف بهذا الامر، لكن امريكا هي أعظم امة بسبب قيمها، وانفتاحها وقناعاتها التي تجعل الامريكيين متمسكين ببلدهم ليس بسبب عقيدة او عرق او جنس."
وفي الوقت الذي ترتبط فيه اسئلة الكاتبة بحادثة اورلاندو الا انها تثير قضايا داخل امريكا وفي علاقاتها الدولية على جانب كبير من الخطورة، فهي تلمح الى ان المسلمين في امريكا سيكونون عرضة الى نوعين من الضغوط: الاولى حكومية تمارسها ادوات السلطة واجهزتها الامنية، وفيها يتم ملاحقة وتعقب المسلمين الامريكيين أكثر من اجل بيان ميولهم المتطرفة ومصادر تمويلهم الخارجية وطبيعة المناهج التعليمية التي يتلقونها والافكار التي يحملونها، وهذه العملية ستجعل الجميع تحت المراقبة، وعلى لائحة الاتهام الى ان تثبت براءتهم. والاخرى ضغوط شعبية يقوم بها الاخر الامريكي غير المسلم، والتي قد تصل الى حد التهجير على اساس الدين والمعتقد. نعم، تقول الكاتبة ان عظمة امريكا ناجمة عن استيعابها لجميع الاديان والقوميات والافكار، لكن هذا سيبقى نظريا في كثير من الاحيان ازاء الاجراءات التي سيتعرض لها المسلمين في هذا البلد، فمؤشرات الخطر امام المسلمين كثيرة، وتحتاج الى التخوف منها والاستعداد لمواجهتها، فأمريكا التي يعرفها المسلمون لن تكون كما هي في المستقبل. كذلك تثير اسئلة الكاتبة قضية اخرى مرتبطة بالسياسة العامة الامريكية ومواقف تجار وشركات السلاح الامريكية، وذلك فيما يتعلق بتجارة السلاح داخل امريكا، وهي من القضايا التي جعلت الرئيس اوباما يتهم بعد زيارته لموقع المجزرة في فلوريدا السياسيين الامريكيين بالتواطؤ في حصول هذه الاحداث من خلال موقفهم من بيع وشراء السلاح في داخل بلدهم، وهذه القضية يبدو انها لن تحسم سريعا؛ بسبب سياسات تقاطع المصالح المتعلقة بأطرافها.
اما القضية المهمة الاخرى التي تثيرها الكاتبة فلها علاقة بساسة امريكا الخارجية وموقفها من بعض الدول، لاسيما الدول التي عليها مؤشرات اتهام بدعم وتمويل الافكار والتنظيمات الارهابية، وعلى رأسها بعض دول مجلس التعاون الخليجي العربي، فالفترة الذهبية لعلاقة هذه الدول بأمريكا يبدو انها في طريقها الى الافول، وستواجه العلاقة بين الجانبين توترات متصاعدة، مع وجود رأي عام امريكي وقوى داخلية تتخذ يوما بعد أخر مواقف معادية أكثر اتجاهها، وعلى هذه الدول ان تتحرك بسرعة، وتتخذ مواقف وسياسات اكثر حزما في منع تمويل وتصدير التطرف والارهاب سواء الى الغرب ام الى جوارها الاقليمي، نعم ان الارهاب الحالي للجماعات المسلحة يهدد هذه الدول بدرجة أو أخرى، الا انها عليها ان تدرك ان مصالحها العليا تقتضي منها ان تلعب دورا مؤثرا وفعالا في تحقيق الامن والسلم الاقليميين والدوليين، وعليها ان لا تعول على قوة المال والنفوذ في درء الخطر عنها، فما ينتظرها مستقبلا من تحديات لن يقوى المال والنفوذ على تجاوز خطره، بل يجب ان تلعب دور الصدارة في تحقيق السلم والامن من خلال حملة علاقات عامة نشطة ومركزة، وسياسات خارجية وداخلية اكثر اعتدالا ووضوحا في تجفيف منابع التطرف والارهاب، وفي التعاون العابر للطائفية والقومية والدين مع الدول والجماعات المعتدلة.
ان كل ما تعتز به هذه الدول من نجاحات ومصالح بات على المحك، فإما توفق في تجاوز الخطر وتثبت جدارة الدور والفعل والتأثير واما تقبل ان تنهار تدريجيا بفعل سياسات ومواقف حمقاء وغير حكيمة.
اضف تعليق