ما لم تجدد إسرائيل إعفاءً يسمح للمصارف الإسرائيلية بالتعامل معها قبل ذلك التاريخ. ذلك الإعفاء حيوي لاستيراد السلع الأساسية إلى الأراضي الفلسطينية، والدفع مقابل الخدمات الأساسية والرواتب، وجميع أشكال النشاط المصرفي. ودون ذلك الإعفاء، يمكن أن يواجه الاقتصاد الفلسطيني أزمة سيولة وانهياراً ينطوي على تداعيات خطيرة...

من شأن تهديد إسرائيل بوقف إعفاء مصرفي أن يشل النشاط المالي في الضفة الغربية، الأمر الذي سيتسبب في انهيار اقتصادي ويخاطر بانهيار السلطة الفلسطينية – مع تداعيات خطيرة على فلسطينيي الضفة الغربية – وربما على إسرائيل أيضاً. ينبغي على الولايات المتحدة أن تضغط على إسرائيل لتغيير مسارها.

مع تركز الاهتمام العالمي على حرب غزة، ثمة أزمة أخرى تتفاعل في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وهي أزمة يمكن أن يكون لها أيضاً تداعيات على الاستقرار في إسرائيل–فلسطين. قد تنهار المصارف الفلسطينية بعد 1 تموز/يوليو، ما لم تجدد إسرائيل إعفاءً يسمح للمصارف الإسرائيلية بالتعامل معها قبل ذلك التاريخ. ذلك الإعفاء حيوي لاستيراد السلع الأساسية إلى الأراضي الفلسطينية، والدفع مقابل الخدمات الأساسية والرواتب، وجميع أشكال النشاط المصرفي. ودون ذلك الإعفاء، يمكن أن يواجه الاقتصاد الفلسطيني أزمة سيولة وانهياراً ينطوي على تداعيات خطيرة لفلسطيني الضفة الغربية – وربما على إسرائيل أيضاً.

أصدر بيتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف، إعفاءً مدته ثلاثة أشهر في آذار/مارس، لكنه أشار إلى أنه لا يخطط لتمديده مرة أخرى. إضافة إلى ذلك، رفض تحويل مئات ملايين الدولارات من العائدات الضريبية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، بموجب اتفاقات توصَّل إليها الطرفان في تسعينيات القرن العشرين. وقد حثت الولايات المتحدة وقوى كبرى أخرى إسرائيل على تجديد الإعفاء، خشية حدوث كارثة في الضفة الغربية، حيث تدهورت الأحوال الاقتصادية والأمنية على نحو كبير أصلاً خلال حرب غزة. لكن الحكومة الإسرائيلية لم تستجب بعد، ويعتقد كثير من المسؤولين الأميركيين أن سموتريتش يعتزم في الواقع التسبب في انهيار السلطة الفلسطينية. مع اقتراب ذلك الموعد النهائي بسرعة، يجب على الولايات المتحدة وشركائها تكثيف ضغوطهم على الحكومة الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه الاستعداد للأسوأ.

اقتصاد مهدد

يعتمد الاقتصاد الفلسطيني على إسرائيل؛ فالشيكل هو العملة الفلسطينية بحكم الأمر الواقع (رغم أن الدينار الأردني والدولار الأميركي يستعملان أيضاً)، وتشكل إسرائيل السوق الأكبر للواردات والصادرات الفلسطينية. بدأ الشيكل بالحلول محل الدينار بصفته العملة الفعلية في عام 1967، عندما احتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية. خلال مفاوضات أوسلو في تسعينيات القرن العشرين، وافق القادة الفلسطينيون على إجراءات عززت موقع الشيكل. يفرض بروتوكول باريس الذي وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1994، وأدمج لاحقاً في اتفاق أوسلو الثاني، على السلطة الفلسطينية استعمال الشيكل في تعاملاتها المصرفية مع إسرائيل. وينص على أنه يمكن للسلطة الفلسطينية أن تقبل عملات أخرى معينة كوسيلة للدفع. في عام 2022، شكلت الصادرات الفلسطينية (من الضفة الغربية وقطاع غزة) إلى إسرائيل ووارداتها منها أكثر من 90 و75 بالمئة، على التوالي، من إجمالي تجارتها.

منذ عام 2016، منحت وزارة المالية الإسرائيلية روتينياً مصرفين إسرائيليين – بنك ديسكونت الإسرائيلي وبنك هبوعليم – إعفاءاً سنوياً يسمح لهما بإقامة علاقات عمل مع المصارف الفلسطينية، والعمل كوسيطين للتعاملات مع إسرائيل (القطاع الخاص والحكومة على حد سواء) وباقي أنحاء العالم. يوفر الإعفاء أساساً للمصرفين: حماية من المخاطر القانونية وغيرها الناشئة عن جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في تعاملاتهما مع المصارف الفلسطينية، ويسمح لهما بالعمل كغرف مقاصَّة للتعاملات الفلسطينية مع الأسواق العالمية. كما يسهل المدفوعات مقابل الخدمات والرواتب المرتبطة بالسلطة الفلسطينية واستيراد المواد الأساسية مثل الغذاء، والمياه والكهرباء إلى الأراضي المحتلة. علاوة على ذلك، فإنه يعد الآلية الوحيدة التي يمكن من خلالها تحويل العائدات الضريبية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية إلى خزائن السلطة. كما أنه يعد الوسيلة الوحيدة التي يمكِّن المصارف الفلسطينية من تحويل الشيكل إلى عملات أخرى من خلال البنك المركزي الإسرائيلي.

على مدى الجزء الأكبر من العقد الماضي، كانت الحكومة الإسرائيلية تصدر الإعفاء من الأضرار بعد تلقي رسالة تطمين من الخزانة الأميركية. تؤكد الرسالة الأميركية أنه بتيسير التحويلات إلى المؤسسات المصرفية الفلسطينية، فإن المصارف الإسرائيلية لا تنتهك قوانين محاربة الإرهاب الأميركية. وكان الدافع وراء الرسالة قضية جسنر ضد البنك العربي أمام المحكمة العليا الأميركية، التي ادعى فيها أميركيون في عريضة لهم أن البنك العربي، الذي يعد مؤسسة مالية شرق أوسطية رئيسية مقرها في الأردن وله فروع في قطاع غزة والضفة الغربية، كان قد يسَّر هجمات إرهابية من خلال تمرير أموال عبر فرعه في نيويورك. كسب البنك العربي القضية، لكن الدعوى القضائية أخافت المصارف الإسرائيلية والدولية إلى درجة أنها لم تعد ترغب بالتعامل مع نظرائها الفلسطينية دون تطمينات من الحكومة الأميركية. وكانت القضية مبعث قلق خاص للمصارف الإسرائيلية لأن اثنين منها طُلبا إلى عملية التقاضي بسبب علاقات المراسلَة مع الفرع الفلسطيني للبنك العربي.

لقد استمرت وزارة الخزانة الأميركية بإصدار رسالة الطمأنة الروتينية، لكن إذا لم تعوِّض إسرائيل المصرفين قبل 1 تموز/يوليو، فإن معظم الخدمات المصرفية الفلسطينية ستتعطل قريباً – خلال لا أكثر من بضعة أيام، وفقاً لمسئولين ماليين دوليين – وسيشعر الاقتصاد الفلسطيني فوراً بموجات الصدمة. لن تعود المصارف الفلسطينية قادرة على إجراء معظم تعاملاتها، ولن يتمكن المودعون الفلسطينيون من الدفع للشركات الإسرائيلية أو تلقي المدفوعات منها، ما لم يلجؤوا إلى التعاملات النقدية المباشرة، التي يبلغ سقفها القانوني في إسرائيل ستة آلاف شيكل (1,600 دولار أميركي). ومن غير المحتمل أن تشكل الالتفافات المعقدة التي يمكن أن تشارك فيها مصارف أجنبية باستعمال عملات أخرى، بديلاً، رغم أنها يمكن أن تستعمل في أنماط معينة من التعاملات – ومن المؤكد أن هذه التعاملات لن تكون على النطاق المطلوب، بالنظر إلى أن المصارف الأجنبية أبلغت مسؤولين أميركيين أنها ستقلص التعاملات الواردة إليها من المصارف الفلسطينية إذا أوقفتها المصارف الإسرائيلية بسبب ارتفاع المخاوف المتعلقة بالمخاطر. الأكثر من ذلك أن هذه العلاجات المفترضة من شأنها أن تفاقم مشكلة السيولة، بالنظر إلى أن ما تملكه المصارف الفلسطينية من العملات الأجنبية سينخفض بينما ترتفع إيداعات الشيكل فيها بدرجة كبيرة، الأمر الذي سيحدث تضخماً.

تنبأ مسؤول أميركي لمجموعة الأزمات أنه إذا لم تجدد إسرائيل الإعفاء، فإن الضفة الغربية ستواجه أزمة مالية على نطاق شبيه بذاك الذي حدث في لبنان، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بـ 40 بالمئة تقريباً بين عامي 2019 و2021، وسيحدث انهيار اقتصادي واسع ومعقد بحيث “لن يتمكن اللاعبون الدوليون من إدارة الطوفان“. مسؤول فلسطيني رفيع أخبر مجموعة الأزمات أن عدم تجديد الإعفاء سيرقى إلى “قرار سياسي بإنهاء السلطة الفلسطينية، لأنه سيوقف جميع علاقاتها التجارية“. ومن هنا فإن الرهانات هائلة. فعلياً ستكون السلطة الفلسطينية في خطر من حيث أنها لن تعود قادرة على شراء الوقود، أو المياه، أو الكهرباء أو أي مواد أو خدمات أخرى من إسرائيل، وهي مواد تعتمد عليها. وقد تتوقف عن تلقي العائدات الضريبية التي تجمعها إسرائيل نيابة عنها، الأمر الذي يعني أنها لن تعود قادرة على دفع الرواتب وتقديم الخدمات؛ وقد لا يتمكن التجار والمستوردون من شراء السلع في الأسواق الإسرائيلية أو الأجنبية. وثمة خطر في أن تتقلص التجارة إلى التبادلات المحلية والعمليات النقدية مع إسرائيل، والتي تقل قيمتها عن 1,600 دولار أميركي. ويمكن أن يتصاحب التضخم مع توقف عام في النشاط الاقتصادي. ويمكن أن تتفاقم الظروف الأمنية، مع تداعيات يصعب التنبؤ بها.

ليس لدى مسؤولي الخزانة الأميركية مانع من إصدار رسالة الطمأنة، ويجادلون بأنه يتعين على المصارف الإسرائيلية أن تكون مستعدة للتعامل مع المصارف الفلسطينية، التي تعتقد واشنطن أنها تلتزم بالمعايير العالمية لمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويقولون إن سنوات من التدقيق الذي أجرته وزارات خزانة أجنبية ومؤسسات مالية دولية، إضافة إلى مساعدة تقنية قدمتها الحكومة الأميركية وغيرها، بما في ذلك ملحق من الخزانة يعمل مع المؤسسات المالية الفلسطينية على مدى العقد الماضي، منحت القطاع المصرفي الفلسطيني إطاراً بنيوياً قوياً. طبقاً لمسؤول أميركي، فإن دراسة أجرتها الخزانة الأميركية والخزانة البريطانية للقطاع المصرفي الفلسطيني، وأكملت في حزيران/يونيو، استنتجت بأن القطاع ما يزال يحتفظ بإطار قوي لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ولديها سجل قوي في تطبيق الإجراءات.

خطط قديمة حديثة

عندما انتهت فعالية آخر فترة ضمان في 31 آذار/مارس، مدد وزير المالية سموتريتش الإعفاء لثلاثة أشهر فقط بدلاً من سنة كاملة أو ستة أشهر، كما كان يحدث في الماضي. يقول مسؤولون أميركيون إن سموتريتش يستعمل القضية لتسجيل نقاط سياسية، بينما يجادل مسؤولون فلسطينيون بأن استعداد إسرائيل لتعريض الاقتصاد للخطر جزء من خطة أوسع لتفكيك السلطة الفلسطينية وضم الضفة الغربية إلى إسرائيل. لقد دعا الوزير، وهو مستوطن اكتسب سمعة سيئة لمواقفه المعادية للفلسطينيين، علناً إلى “انهيار” السلطة الفلسطينية رداً على حدثين: طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 20 أيار/مايو لتصاريح اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت؛ والقرارات التي صدرت في أواخر أيار/مايو في النرويج، وإسبانيا وإيرلندا بالاعتراف بفلسطين كدولة. عزا سموتريتش هذه الإجراءات السياسية إلى عمليات المناصرة والحشد التي يقوم بها الفلسطينيون، قائلاً إن “الفلسطينيين يعملون ضد إسرائيل من خلال الإرهاب السياسي ويروجون لخطوات أحادية حيال العالم، ولذلك لا ينبغي أن نعيد السلطة الفلسطينية إلى الحياة على نحو مصطنع بحيث تتمكن من العمل ضدنا“.

يعتقد مسؤولون أميركيون أن سموتريتش يريد زرع الفوضى: “إنه منشغل بوضع خطط لتفجير الضفة الغربية“، كما ذكر أحدهم لمجموعة الأزمات. وسيكون ذلك امتداداً طبيعياً لآراء الوزير اليمنية المتطرفة. لقد كتب سموتريتش صراحة وتحدث عن خططه لتوسيع المشروع الاستيطاني الإسرائيلي على نحو دراماتيكي وضم الأراضي المحتلة، وهي مشاريع بدأ بتنفيذ بعضها. يشعر بعض الدبلوماسيين الأوروبيين بالقلق من أن نتنياهو قد يساير سموتريتش، على الأقل جزئياً، ودعم فكرة إحداث أزمة للسلطة الفلسطينية كطريقة لصرف الانتباه عن إخفاقات حرب غزة، والالتفاف على المطالب الأميركية بأن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في حكم قطاع غزة بعد الحرب وتقويض التحركات الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطينية.

يأتي التهديد الذي تتعرض له المصارف الفلسطينية بعد أشهر من ضغوط هائلة على اقتصاد الضفة الغربية منذ بداية حرب غزة. لقد فرضت إسرائيل مجموعة صارمة من الإجراءات التقييدية، التي يقول مسؤولون إسرائيليون إنها باتت ضرورية بسبب المخاطر الأمنية. لقد نجم عن الإغلاقات الداخلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتعليق تصاريح العمل لـ 148 ألف فلسطيني كانوا يسافرون للعمل في أعمال في إسرائيل وخسارة 144 ألف وظيفة أخرى في المنطقة الفلسطينية صدمة اقتصادية شاملة للفلسطينيين، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية بنحو 20 بالمئة خلال الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه.

إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تمتنع عن تحويل العائدات الجمركية والضريبية للسلطة الفلسطينية، وهي ممارسة تعود إلى ما قبل الهجوم الذي قادته حماس في تشرين الأول/أكتوبر 2023، لكنه ازداد شدة منذ ذلك الحين، حيث تقلصت التحويلات بأكثر من 50 بالمئة. بموجب أحكام بروتوكول باريس، يجب أن يجري تخليص جميع الواردات إلى مناطق السلطة الفلسطينية من قبل وكلاء الجمارك الإسرائيليين، في ظل نظام مشترك. ومن ثم تودع الرسوم الجمركية والضرائب في إسرائيل، التي تتقاضى رسم إدارة بمعدل 3 بالمئة. تم التوصل إلى هذا الاتفاق للسماح بتأسيس منطقة جمركية واحدة. ورغم استمرار الترتيب حتى اليوم، فإنه وُضع أصلاً ليكون إجراءً انتقالياً، في الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات بالتقدم. يصف مسؤولون فلسطينيون الوضع الذي تجمع فيه إسرائيل الأموال (ومن ثم تمتنع عن تحويلها) بأنه “سيف مسلط على رقابنا“. كما تفرض إسرائيل حسومات على هذه العائدات مقابل ديون مترتبة على أمور مثل توفير الكهرباء والتحويلات الطبية للفلسطينيين إلى إسرائيل. منذ أصدر الكنيست قانوناً إشكالياً في عام 2018، تحسم إسرائيل أيضاً الرواتب الشهرية التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى الفلسطينيين، وأسرهم وأسر الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية في عمليات محاربة الإرهاب. الآن، يحتفظ سموتريتش بمبالغ تعادل المبلغ الذي تدفعه السلطة الفلسطينية لأولئك الموظفين الذين مازالوا يعملون في قطاع غزة وأيضاً للمتقاعدين في القطاع.

بالامتناع أحادياً عن تحويل هذه العائدات، تنتهك إسرائيل اتفاقات أوسلو، وبكلفة كبيرة للسلطة الفلسطينية والفلسطينيين. تشكل الأموال التي تجمعها إسرائيل نحو 65 بالمئة من الميزانية السنوية الفلسطينية (التي تبلغ نحو 18 مليار شيكل، أو 5.27 مليار دولار)، ويستعمل جزء كبير منها لدفع رواتب موظفي القطاع العام. ودونها، تجد السلطة الفلسطينية صعوبة كبيرة بدفع هذه الأجور؛ ففي أيار/مايو، أعلنت السلطة أنها تستطيع الوفاء بنصف التزاماتها فقط في هذا المجال. ولتغطية العجز، تقترض السلطة الفلسطينية من المصارف التجارية، وقد راكمت ديوناً كبيرة للمزودين من القطاع الخاص ولصندوق تقاعدها. وفقاً لسلطة النقد الفلسطينية، يبلغ إجمالي الدين العام للمصارف الآن 3.82 مليار دولار، بينما يبلغ المبلغ الإجمالي الذي تدين به السلطة الفلسطينية (بما في ذلك ديونها لصندوق التقاعد العام) الآن أكثر من 11 مليار دولار، وفقاً لأرقام من الحكومة الفلسطينية.

لقد حثت إدارة بايدن، وأيضاً بضعة مشرعين أميركيين ديمقراطيين، الحكومة الإسرائيلية على الإفراج عن العائدات الجمركية، ويحاولون إقناع نتنياهو بتمديد الإعفاء. لكن موظفين ينتقدون كبار المسؤولين في مجالسهم الخاصة على عدم إظهارهم ما يكفي من الحزم. تبدو الإدارة مرتبكة بسبب العدد الكبير من الأولويات المتنافسة على قائمة القضايا التي تتطلب إثارتها ومناصرتها لدى المسؤولين الإسرائيليين، وأكثرها إلحاحاً التوصل إلى وقف لإطلاق النار، واتفاق لإطلاق سراح الرهائن الذين ما يزالون في قطاع غزة ووصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وتواجه الولايات المتحدة مقاومة من سموتريتش بسبب العقوبات على المستوطنين العنيفين في الضفة الغربية، التي فرضتها في شرائح عدة منذ شباط/فبراير. لقد هدد سموتريتش بشلّ الاقتصاد الفلسطيني رداً على ذلك. لكن دون ضغوط أميركية متضافرة لتأمين شرايين الحياة المالية للسلطة الفلسطينية، يمكن أن تواجه الإدارة قريباً مأزقاً أسوأ بكثير في الضفة الغربية وفي جميع أنحاء المنطقة.

كما اجتذبت أفعال سموتريتش وبياناته أيضاً اهتمام المشرعين الأميركيين. فقد اقترح عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي كريس فان هولن من ميريلاند أنه ينبغي أن تفرض واشنطن عقوبات عليه أيضاً. في شباط/فبراير، أصدرت إدارة بايدن أمراً تنفيذياً يوفر الأساس القانوني لمعاقبة مواطنين غير أميركيين لأنهم يقوضون السلام، والأمن والاستقرار في الضفة الغربية. كما نشرت الولايات المتحدة أيضاً إعلاناً يحذر المؤسسات المالية من مخاطر تمويل عنف المستوطنين. لقد ألمح مسؤولون أميركيون لمجموعة الأزمات أنهم وضعوا حزم عقوبات ضد سموتريتش وزميله المتطرف الآخر وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، يمكن فرضها قريباً. لكن المسؤولين قلقين أيضاً من أن أي تصنيف كهذا من شأنه أن يجعل سموتريتش أكثر جرأة، وعلى نحو يسرِّع بحدوث النتائج التي يسعون إلى تفاديها.

منع حدوث الأسوأ

تتمثل الطريقة الأكثر مباشرة لتجنب حدوث انهيار اقتصادي في أن تمدد إسرائيل الإعفاء، مثالياً لسنة على الأقل لتجنب تكرار وشيك لسيناريو يوم القيامة. إن فعل ذلك من شأنه ليس تجنيب الاقتصاد الفلسطيني الانهيار فحسب، بل إنه سيكون أيضاً في مصلحة إسرائيل نفسها. إذ إن من شأن مأزق اقتصادي واجتماعي في الضفة الغربية أن يحدث أثراً مميتاً على الأمن الإسرائيلي، وهي نقطة صرح بها مسؤول عسكري إسرائيلي لمجموعة الأزمات. تشير تقارير صحفية إسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي، وشين بيت والموساد يعارضون جميعهم خطة سموتريتش. ويذكر أنهم قدموا لنتنياهو سيناريوهات في حال حدوث انهيار، تتراوح بين الأقل حدة – إنهاء التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية – إلى تصاعد العنف في الضفة الغربية على نحو تعمل فيه حماس على استغلال الاستياء الشعبي لتأجيج الوضع في الضفة الغربية، وشن هجمات إرهابية والدفع إلى احتجاجات شعبية عنيفة. 

لقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية اليومية في مناطق في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتزايد عنف المستوطنين، بما في ذلك هجمات على القرى، ونظام إغلاق قاسٍ يقيد الحركة بشدة إلى ارتفاع حدة التوترات. ومن المرجح أن تتفاقم كل هذه المسائل في حال حدوث انهيار اقتصادي. وقد تنتقل آثار ذلك إلى الاقتصاد الإسرائيلي. وقد حذر البنك الدولي من أن إسرائيل يمكن أن تتعرض لانقطاعات في التجارة وتسوية المدفوعات، وارتفاع في تكاليف التعاملات، وتراجع عام في الثقة الاقتصادية، وارتفاع كبير في التعاملات المالية غير الرسمية أو غير المنظمة.

في ضوء جميع هذه الأخطار، ينبغي على المسؤولين الأميركيين أن يزيدوا من ضغوطهم على حكومة نتنياهو لتجديد الإعفاء؛ إذ إن التداعيات المحتملة لعدم التجديد أكثر جسامة من أن تحال القضية إلى درجة أدنى على قائمة هواجس الإدارة بالنسبة للإسرائيليين. في حين عبرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين علناً عن رعبها. ويذكر أن مسؤولين أميركيين كبار آخرون يحشدون دعم مسؤولين إسرائيليين على نحو غير علني. ينبغي أن تفعل الإدارة المزيد للتأكيد على إلحاح مسألة تجديد الإعفاء لحكومة نتنياهو وإيضاح أن عدم التجديد سيلحق الضرر بالعلاقة الأميركية–الإسرائيلية. كما ينبغي على حلفاء إسرائيل الآخرين أن يدفعوا أيضاً إلى تجديد الإعفاء.

إذا امتنعت إسرائيل عن فعل ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة، والدول الأوروبية والعربية أن تخطط لتدابير مؤقتة من شأنها أن تخفف التداعيات الاقتصادية المحتملة في الضفة الغربية. في هذا السياق، ينبغي أن تدرس اتخاذ خطوات لضخ العملات الأجنبية في البنك المركزي الفلسطيني. كما ينبغي أن تخطط لإجراء إصلاحات بنيوية بديلة بعيدة المدى، مثل إنشاء آليات ذات أغراض خاصة لعمليات التخليص والدفع المالي، رغم أن هذه ستواجه عقبات سياسية خطيرة في إسرائيل ومن غير المرجح أن تقدم علاجاً سريعاً.

يمكن للولايات المتحدة أن تدرس تقديم ضمانات للمصارف الإسرائيلية على شكل رسالة توجيهية أو رأي (يُسمى “رسالة بعدم اتخاذ إجراء“) من وزارة العدل، تطمئن المصارف الإسرائيلية إلى أنها لا تعتزم اتخاذ إجراءات تنفيذية ضدها لتيسيرها تعاملات مع مصارف فلسطينية. ينبغي أن تصدر مثل تلك الرسالة عن وزارة العدل، بالنظر إلى دورها الأساسي في إنفاذ القوانين الجنائية، ولا سيما قوانين محاربة الإرهاب. تقدم وزارة الخزانة أصلاً رسالة تطمين، لكن وفقاً لمسؤولين أميركيين، فإن هذه الوثيقة وحدها ليست كافية لأن وزارة الخزانة غير مخولة بإنفاذ قانون محاربة الإرهاب. يتشكك مسؤولون أميركيون في أن محاميّ الإدارة وكبار صنّاع القرار يمكن أن يوافقوا على مثل هذا التحرك، لكن بالنظر إلى ارتفاع الرهانات، ثمة أسباب قوية تبرر اتباع هذه المقاربة.

يخاطر عدم تجديد الإعفاء المصرفي الإسرائيلي قبل 1 تموز/يوليو بتسريع حدوث أزمة مالية حادة وأزمة اقتصادية في الضفة الغربية، تلحق ضرراً هائلاً بالسكان الفلسطينيين. ينبغي على إسرائيل تجديد الإعفاء. وينبغي على الولايات المتحدة أن تحثها على فعل ذلك، وأن توضح تكاليف عدم اتخاذ مثل تلك الإجراءات على العلاقات الثنائية. ينبغي على الولايات المتحدة والدول الأخرى الراغبة بالتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني أن تضع خطط طوارئ أيضاً في حال لم تجدد إسرائيل الإعفاء أو جددته لمدة أقل بكثير من سنة. وينبغي على واشنطن أن تدرس أيضاً تقديم ضمانة أقوى خاصة بها للمصارف الإسرائيلية بأنها ستمكّنها من الاستمرار بالعمل كغرف مقاصّة للمصارف الفلسطينية. دون اتخاذ إجراء حاسم، يتجه الاقتصاد الفلسطيني إلى كارثة من شأنها أن تزعزع استقرار الضفة الغربية والمنطقة عامة.

https://www.crisisgroup.org/

اضف تعليق