بيتر ساذرلاند

 

لندن ــ إن حصيلة الوفيات الناتجة عن الشلل الذي اعترى أوروبا في الاستجابة لتدفق اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لا تتوقف عن الارتفاع. وهناك مئات الآلاف الآخرين الذين يعانون دون داع. وقد تضررت سمعة الاتحاد الأوروبي بشدة، على الرغم من الزعامة الجريئة التي أبدتها ألمانيا والسويد والمفوضية الأوروبية. وبفِعل الانقسامات المريرة بين البلدان الأعضاء باتت منطقة شنجن التي يسافر عبرها المقيمين داخل الاتحاد الأوروبي بلا حدود معرضة للخطر. وأصبحت الغَلَبة للشعبويين.

بيد أن فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على استجابة متماسكة لم يخل من عاقبة أخرى وخيمة، وإن كانت لا تحظى بنفس القدر من التعليق والتغطية الإعلامية. فمع ترنح زعماء أوروبا من قمة غير حاسمة إلى أخرى، أعطوا بقية العالم ذريعة للتقاعس عن العمل على نحو مماثل. وإذا كان الاتحاد الأوروبي عاجزاً عن تدبر أمره في مواجهة الأزمة التي تؤثر بشكل مباشر على بلدانه الأعضاء، فما الذي قد يدفع آخرين إلى المسارعة إلى التحرك؟

اسمحوا لي أولاً أن أزيل سوء فهم واضح هنا: إن أوروبا ليست مسؤولة وحدها عن رفاهة كل الفارين من الاضطهاد في أفغانستان وإريتريا وسوريا وأي مكان آخر. إن هذه النفوس اليائسة مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع العالمي بأسره، كما تؤكد بوضوح شديد الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين في عام 1951. ولكن الموقف غير الأخلاقي الكاره للأجانب الذي تتخذه حفنة من بلدان الاتحاد الأوروبي سمح لبلدان أخرى بالوقوف موقف المتفرج، وهو ما أدى بدوره إلى إلحاق الضرر بنظام اللاجئين العالمي ــ والذي كان الأوروبيون المستفيد الرئيسي منه على مدى السنوات الأربع والستين الماضية.

لذا، وبصرف النظر عن القرارات التي اتخذها القادة الأوروبيون في قمتهم الأخيرة، فقد تجاوزنا الوقت الذي كان من الواجب على المجتمع الدولي عنده أن يتحرك لدعم لاجئي العالم وغيرهم الذين أرغموا على النزوح قسرا. والواقع أن قِلة من البلدان صعدت جهودها بالفعل. فقد أصدرت البرازيل الآلاف من التأشيرات الإنسانية للسوريين. وأبدت فنزويلا استعدادها لاستقبال عشرين ألفاً آخرين. ولكن أغلب الدول التزمت الصمت.

اليوم، يستفيد مائة ألف فقط من أصل عشرين مليون لاجئ كل عام من برنامج إعادة التوطين الذي تنفذه وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والذي يزودهم بمساكن جديدة دائمة في بلدان مستقرة (والذي تشارك فيه 26 دولة فقط). ويعاني أغلب بقية اللاجئين في ظروف لا تتيح لهم في عموم الأمر سوى آفاق قاتمة.

وبالتالي فإن توسيع قدرات إعادة التوطين لابد أن يكون أحد أهداف العمل العالمي. والواقع أن الإمكانات هائلة. ففي أيسلندا، عرضت 11 ألف أسرة استضافة اللاجئين، كما فعل عدة آلاف آخرين في مختلف أنحاء أوروبا. ولا يعرقل جهود إعادة التوطين عن طريق "الكفالة الشخصية" ــ حيث يتولى الأفراد والمجتمعات والمنظمات غير الحكومية المسؤولية عن أسر اللاجئين ــ غير فشل الحكومات في وضع أنظمة لفحص ومضاهاة اللاجئين مع الكفلاء.

وعلى نفس القدر من الأهمية، لابد من منح الدعم الكافي أخيراً لدول الخط الأمامي، مثل الأردن ولبنان وتركيا. وهذه هي الوسيلة الأفضل لوقف الجهود التي يبذلها اللاجئون لعبور البحر الأبيض المتوسط. لقد فشل العالم على نحو غير مفهوم في توفير الأموال لتغطية حتى الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والسكن، ناهيك عن المدارس والرعاية الصحية والتدريب، لإقناع اللاجئين بالبقاء بالقرب من وطنهم.

الواقع أن تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين السوريين، والذي يدعم الهيئات والوكالات الإنسانية ومساعدات التنمية للبلدان المجاورة، تلقى نحو ثلث المبلغ المطلوب هذا العام (4.5 مليار دولار أميركي). أما برنامج الغذاء العالمي، وهو العمود الفقري لنظام اللاجئين، فلم يلب سوى ثلثي احتياجات التمويل لعام 2015، الأمر الذي أرغمه على خفض الدعم لمئات الآلاف من السوريين.

ولكن العمل العالمي لابد أن يذهب إلى ما هو أبعد كثيراً من مجرد عرض الملجأ المؤقت أو الدائم للنازحين، أو تمويل دول الخط الأمامي. وبوسع الدول أن تساهم بطرق أخرى عديدة أيضا.

ولعل المساهمة الأكثر فعالية تتلخص في إنشاء وسائل أقل إرهاقاً لطالبي اللجوء لكي يبلغوا بر الأمان. ويشكل توفير التأشيرات الإنسانية ــ والتي يمكن إصدارها بأقل قدر من التأخير ــ التزاماً واضحاً تستطيع الدول أن تلبيه على الفور. وبمرور الوقت، تستطيع البلدان أن تعمل أيضاً على إنشاء الإجراءات الكفيلة بتمكين طالبي اللجوء من التقدم بطلباتهم للحصول على تأشيرات العمل، والطلاب، والأسر بقدر أكبر من السهولة.

ومن ناحية أخرى، قد يكون بالإمكان إنشاء مناطق اقتصادية خاصة في بلدان الخط الأمام لاجتذاب الاستثمار وخلق فرص العمل للاجئين، مع عرض وضع التجارة التفضيلية من قِبَل مجموعة العشرين. ومن الممكن أيضاً منح الإعفاءات الضريبية وغير ذلك من أشكال الدعم للشركات التي تقدم الفرص للاجئين.

ويتعين على أي استجابة عالمية أن تعمل أيضاً على تسخير الإمكانيات الهائلة التي يتمتع بها المجتمع المدني والقطاع الخاص. والواقع أن الزعامة الحقيقية في مثل هذه الأزمات تأتي من الملايين من المواطنين الأوروبيين، الذين تكفي تصرفاتهم اليومية الرحيمة لجعل زعماءهم الجبناء يشعرون بالخزي والعار.

ثم هناك التحركات الجريئة من قِبَل رجال الأعمال الراقين أخلاقياً من أمثال كريس وريجينا كاترامبون، واللذين قاما بتأسيس محطة معونة المهاجرين البحرية لإنقاذ الناس في البحر؛ ومؤسسي تطبيق الترحيب باللاجئين، وهي منصة أشبه بتطبيق Airbnb، لمضاهاة طالبي اللجوء مع الأسر الراغبة في استضافتهم؛ والجهد السويدي الرائد Refugee Air، لتمكين طالبي اللجوء المؤهلين من السفر جواً إلى أوروبا.

الواقع أن هذه، ومبادرات مشابهة من قِبَل منظمات المجتمع المدني، تحتاج إلى الدعم والتنسيق والتضخيم.

والإمكانات على جانب الشركات أيضاً هائلة. فتعمل شركة جوجل على مطابقة المساهمات العامة مع مجموعة متنوعة من المنظمات المستجيبة للأزمة. وتُعَد مؤسسة ايكيا شريكاً رئيسياً لوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في توفير المأوى للاجئين. كما تعهد رجل الأعمال التركي الأميركي حمدي أولوكايا، مؤسِّس تشوباني يوجورت، بتقديم 700 مليون دولار لدعم اللاجئين. ولا يوجد سبب قد يمنع الآلاف من الشركات بتقديم التزامات مماثلة.

إن النزوح السوري يُعَد أزمة اللاجئين الأكبر على الإطلاق منذ جيل كامل، وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يقدم أضعاف ما يقدمه الآن بالفعل. ولكن ليس كل الحلول لابد أن تكون آتية من أوروبا بالضرورة ــ وليس هناك سبب قانوني أو أخلاقي يبرر ذلك.

* الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عن الهجرة الدولية والتنمية، هو المدير السابق العام لمنظمة التجارة العالمية، مفوض الاتحاد الأوروبي للمنافسة، والنائب العام في ايرلندا

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق