كان لتكامل الصنوف الثلاثة بين القوات المسلحة الهندية والباكستانية بداية بطيئة مقارنة بالتطورات الحاصلة في بقية دول العالم. إذ فشلت باكستان والهند حتى الآن في تطوير قيادات ميدانية متكاملة مثلما هو الحال في الولايات المتحدة وروسيا والصين. حيث تم في الولايات المتحدة تقديم تكامل الصنوف الثلاثة الحقيقي بعد...
د. راشد والي جانجوا، مدير معهد إسلام آباد للبحوثترجمة: م. فاطمة رضا عطية، مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

فشلت باكستان والهند حتى الآن في تطوير قيادات متكاملة كما هو الحال في الولايات المتحدة وروسيا والصين، فقد أعلنت الهند مؤخرا عن إنشاء ثلاث قيادات مسرحية متكاملة، والتي من المتوقع أن تكون فاعلة بحلول عام ٢٠٢٥، إذ إن القيادة الميدانية المتكاملة تعني قوة تتألف من ثلاثة صنوف، يقودها قائد كبير من أي من الصنوف الثلاثة وهي القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الجيش.

حتى الآن، كان لدى الهند قيادتان متكاملتان للصنوف الثلاثة، وهما قيادة أندامان ونيكوبار التي تعنى بواجبات جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، مع سيطرة قوة القيادة الاستراتيجية على الأسلحة النووية. وكما هو الحال في باكستان فقد ورثت الهند بنية استعمارية من الجيش الهندي البريطاني، في المقام الأول بتوجه متمحور حول الأراضي والإقليم. وكانت الأسلحة الجوية والبحرية للقوات المسلحة الهندية البريطانية أشبه بالأسلحة الداعمة نظرا للدور الخاص المنوط بها كقوة استعمارية تخدم الأمن الداخلي وأغراض دفاعية لشبه القارة الهندية.

كان لتكامل الصنوف الثلاثة بين القوات المسلحة الهندية والباكستانية بداية بطيئة مقارنة بالتطورات الحاصلة في بقية دول العالم. إذ فشلت باكستان والهند حتى الآن في تطوير قيادات ميدانية متكاملة مثلما هو الحال في الولايات المتحدة وروسيا والصين. حيث تم في الولايات المتحدة تقديم تكامل الصنوف الثلاثة الحقيقي بعد قانون غولدووتر–نيكولاس في عام ١٩٨٦، عندما سلمت القيادة العملياتية لأوامر المقاتلين المتكاملة إلى القادة المقاتلين للقيادة الخاصة المنتمية إلى واحدة من تلك الصنوف الثلاثة.

تم تكليف الصنوف الفردية -أي الجيش والقوات البحرية والجوية- في الولايات المتحدة بعد عام ١٩٨٦ بمهام التجنيد واللوجستيات واستعداد القوات فقط، حيث لم يكن لرؤسائهم أي دور تشغيلي في قيادة الأوامر القتالية المتكاملة ثلاثية الصنوف مثل القيادة المركزية، والقيادة الهندية والمحيط الهادئ، والقيادة الأفريقية... إلخ.

هنالك أربع قيادات جغرافية وأربع قيادات وظيفية للولايات المتحدة يقودها ضابط ينتمي إلى أحد تلك الصنوف الرئيسية، وتمتلك روسيا أربع قيادات ثلاثية الصنوف ومتكاملة، وقد قامت الصين أيضا ببناء قواتها المسلحة في خمس قيادات متكاملة منذ عام ٢٠١٦. تتضمن القيادة الميدانية المتكاملة الصنوف الثلاثة المهمة -أي القوات الجوية والبحرية والبرية-، تعمل جميعها بشكل متآزر في إطار قيادة تشغيلية واحدة، وهذا سيشكل قدرا أكبر من وحدة الجهد ووحدة الإدراك وسرعة الاستجابة التشغيلية.

لكن بهذا الخصوص فشلت باكستان والهند حتى الآن في تطوير قيادات ميدانية متكاملة أو أي مفهوم من هذا القبيل، باستثناء محاولات تحقيق تزامن التخطيط والعملية التشاورية لاستراتيجية الحرب والخطط التشغيلية من خلال هياكل مثل لجان رؤساء الأركان في حالة الهند ومقر الأركان المشتركة في حالة باكستان.

بدأت الهند في مغازلة فكرة قيادات الصنوف الثلاثية المتكاملة بعد حرب كارجيل في عام ١٩٩٩عندما تمت دعوة الجيش الهندي لطرد المجاهدين الباكستانيين المتسللين من جميع أنحاء المنطقة المحلية في قطاعات موشكو وكارجيل وباتاليك، مما اضطرها لمواجهة مشكلة خطيرة من إجماع الصنوف الثلاثية حول موضوع توظيف الأصول والاعتدة الجوية، حيث فرضت القيادة السياسية الهندية قيودا على الجيش الهندي والقوات الجوية لطرد المتسللين دون عبور خط مراقبة الاراضي المحلية.

لم يكن قائد القوات الجوية الهندية المارشال تيبنس وقائد الجيش الهندي فيد براكاش مالك في شبكة ميدان واحدة في بداية حرب كارجيل. إذ شعر الهنود بذهول شديد من المتسللين الباكستانيين الجريئين على مرتفعات موشكو وتولولينج وباتاليك وتورتوك، لدرجة أنهم لم يصدقوا في البداية مدى وعمق الاختراق في بلادهم، حيث لجأوا في حالة الارتباك هذه إلى الهجمات المضادة من قبل الاحتياطيات المحلية.

حينها أمرت لجنة الأمن التابعة لمجلس الوزراء الهندي الجيش الهندي في ١٨ ايار بطرد المتسللين بأي ثمن، الأمر الذي أدى الى ضياع عدة أيام حاسمة، وعانى الجيش الهندي من خسائر فادحة، نتيجة لذلك أثار الخلاف بين الصنوف المذكورة أعلاه استياء الجيش الهندي، وقاموا بحملة على القيادات الميدانية المتكاملة لتجنب تكرار الحادث، وعلى إثرها تأسست قيادة أندامان ونيكوبار في أعقاب توصيات لجنة كارجيل، وبعد مرور بعض الوقت، تم إنشاء قيادة القوة الإستراتيجية للسيطرة على الأصول النووية.

بعد ذلك، تحركت عملية الإصلاحات للقيادات الميدانية المتكاملة بوتيرة بطيئة على الرغم من توصيات لجنة مراجعة كارجيل، مما اكتسبت العملية زخما بعد تعيين الجنرال بيبين راوات في منصب رئيس أركان الدفاع في عام ٢٠١٩. وقد أوصت مسبقا لجنة الفريق شيكاكتار بالفعل بإنشاء قيادات ميدانية متكاملة إلى جانب إصلاحات أخرى من أجل المشاركة المرغوبة بين الصنوف الثلاثة في عام ٢٠١٦.

وتم طرح توصية بدمج كليات القيادة العليا الثلاث في ماهو وسيكوندراباد وغوا، وتم إقتراح تدريب شامل لضباط الصنوف الثلاثة، إلا إن العملية توقفت مرة أخرى بعد وفاة بيبين راوات عرضيا، وتسارعت خلفها وتيرة العملية مرة أخرى بعد تمرير مشروع قانون منظمة الصنوف الداخلية في آذار ٢٠٢٣، والذي مهد الطريق لإنشاء ثلاث قيادات ميدانية متكاملة بحلول عام ٢٠٢٥.

في البداية، كان الهنود على مشارف إنشاء خمس قيادات ميدانية متكاملة، ولكن بعد المعارضة من سلاح الجو الهندي تم إسقاط فكرة قيادة الدفاع الجوي، ووفقا لتقرير تايمز أوف إنديا، توصل وزير الدفاع راجناث سينغ ورؤساء الصنوف الثلاثة إلى جانب رئيس أركان الدفاع إلى توافق في الآراء بشأن إنشاء ثلاث قيادات ميدان متكاملة، يقود كل منها ضابط كبير في كل من هذه الصنوف الثلاثة، حيث ستتألف القيادات الثلاثة من: القيادة الشرقية المناظرة للقيادة الشرقية والشمالية الحالية، والقيادة الغربية المناظرة للقيادة الغربية والجنوبية الغربية والجنوبية الحالية.

يمتلك الجيش الهندي حاليا سبع قيادات برية، في حين أن سلاح الجو الهندي لديه سبع قيادات، مع وجود ثلاث قيادات للبحرية، وجب إعادة تنظيم هذه القيادات المتباينة الموزعة جغرافيا ليتم وضعها في حظيرة ثلاث قيادات متكاملة، وهذا من شأنه أن يُبرز العديد من التحديات في التنسيق والتدريب وثقافة القيادة.

اكتسب مفهوم قيادة الميدان المتكاملة زخما في الهند بسبب عاملين رئيسيين: الأول هو اعتبارات التشغيل البيني للقوات المسلحة الهندية بعد الانضمام إلى تحالفات المحيطين الهندي والهادئ مثل الحوار الامني الرباعي، واتفاقيات الدفاع التأسيسي مع الولايات المتحدة مثل: الاتفاق الاساسي للتبادل والتعاون (بيكا)، واتفاقية التوافق والتعاون الامني (كومكاسا)، واتفاقية التعاون اللوجستي (ليموا). حيث تدعو هذه التحالفات إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية والدفاع عبر الإنترنت والتعاون اللوجستي والعمليات المشتركة حيثما دعت الحاجة.

العامل الثاني هو المواجهة بين الهند وباكستان والرغبة الهندية في إيجاد مساحة للحرب التقليدية ضمن قبضة الردع النووية الخانقة. تمنح قيادات الميدان بلا شك مزايا لتفعيل الإستراتيجية الاستباقية لعقيدة البداية الباردة. وعلى الرغم من أن تشكيل قيادة الميدان ستكون مهمة مكلفة مع الكثير من المشاكل في مجال التدريب والعقائد وتقاسم الأصول، فعلى باكستان أن تأخذ التنمية والتطوير على محمل الجد، وعلى الرغم من أن الاستجابة العملياتية والأهداف الاستراتيجية لباكستان ذات طبيعة دفاعية، إلا أن تآزر الصنوف الثلاثية والتعاون هي مجالات يمكن تحسينها لمواجهة تهديد قيادة الميدان الهندي الناشئ.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2023 Ⓒhttp://mcsr.net


اضف تعليق