هناك حاجة لفهم قيمة النزاهة الأخلاقية والنزاهة الفكرية، والتي نحتاج إلى استثمارها في جيلنا الجديد، من أجل جعلهم محصنين ضد التأثير الانقسامي للدعاية والتضليل، إن جيلنا الشاب محبط وغاضب لمجموعة من الأسباب، بما في ذلك الافتقار إلى الجدارة، والبطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم الاستقرار السياسي المستمر، يتعين علينا...
بقلم :راشد والي جانجوا- معهد إسلام آباد للأبحاث السياسية
ترجمة وتحرير: م. فاطمة رضا عطية/ مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
إن إعداد جيل زد وجيل ألفا يتطلب تعزيز المرونة والتعاطف والنزاهة الفكرية في ظل تحديات العصر الرقمي، ويتعين على خبراء التعليم تعزيز التفكير النقدي والتسامح والتعلم المتنوع من أجل مستقبل أفضل. حيث تُعد تربية وتعليم أبناء الجيل الرقمي من الجيل زد والجيل ألفا الذين نشأوا في العصر الرقمي لعالم ما بعد الحقيقة المعروف بتدمير الأصنام الإيديولوجية وروايات وسائل التواصل الاجتماعي التي يقودها الذكاء الاصطناعي مسؤولية شاقة. ولقد تم حماية جيلنا الشاب الذي يتبع نماذج التهذيب في بقية بقاع العالم بشكل مفرط في العالم الحقيقي، ونقص الحماية في العالم الافتراضي لمنصات التواصل الاجتماعي، والتي في نفس الوقت تُعلم وتُربك العقول الشابة والقابلة للتأثر.
وفقًا لعالم النفس الاجتماعي الأمريكي جوناثان هايدت، فإن بذور الخلل السياسي الأمريكي والاستقطاب قد زرعت في الأفكار الضارة الثلاثة في الجامعات الأمريكية وهي: (ما لا يقتلك يجعلك أضعف، ثق دائما بمشاعرك، والحياة معركة بين الناس الطيبين والأشرار)، إن الأفكار المذكورة أعلاه مهدت الطريق لغياب التعاطف وتقديس الصراع الاجتماعي واللذة التي جعلت جيلنا الشاب، وخاصة جيل زد، هشًا نفسيًا ومنعزلاً اجتماعيًا، كما أدى الانحدار المصاحب في معايير التعليم لدينا، والتركيز غير المتناسب على الدرجات على حساب تنمية الشخصية السليمة من خلال الرياضة والأنشطة اللامنهجية، إلى جعل مهمة كليات الجامعات والإدارة أكثر صعوبة في إعداد وتعليم الأجيال الشابة الملتحقين بالجامعات.
تتعامل الجامعات في جميع أنحاء العالم مع التحديات الجديدة المتمثلة في انتشار المعرفة والتكنولوجيا بسرعة فائقة، في بيئة حددها كتاب مثل فريد زكريا بأنها (عصر الثورات)، إنه عصر يتم فيه تحدي الحقائق واليقينيات القديمة ونتيجة لذلك، تشجع المخاوف والارتباك الناس على البحث عن ملاذ في الهويات والإيديولوجيات القديمة والبدائية. إن صعود الشعبوية والفاشية اليمينية في القارة الأمريكية وأوروبا يشهد على الحقائق الاجتماعية والاقتصادية الجديدة والاضطرابات السياسية المصاحبة لها. وقد تلخص قصيدة الشاعر الانكليزي ويليام بتلر ييتس الفريدة البيئة العالمية الحالية حيث تهدد ثورة الذكاء الاصطناعي بفرض طغيان الخوارزميات على الفكر البشري والوكالة:-
تنهار الأشياء؛ لا يمكن للمركز أن يصمد
إن الفوضى المطلقة في العالم تسود
إن المد الخافت بالدماء يسود في كل مكان
إن مراسم البراءة تغرق
إن أفضل الناس يفتقرون إلى كل قناعة
بينما الأسوأ مليئون بالكثافة العاطفية"
إن التحدي الذي يواجه هذا العصر هو تسخير وتوجيه تلك الكثافة العاطفية في الجيل Z والجيل X في اتجاه إيجابي، ستكون في عالم المعرفة بلا دفة غدا، كمرساة لفكرنا وأخلاقنا بلا شك مبادئنا الدينية والحقيقة الأبدية التي عملت حتى الآن كخميرة أخلاقية لربط الأفكار والانقسامات المتباينة في وحدة أخلاقية للعالم الإسلامي، ليكون فطام الجيل الشاب عن التأثير الخبيث لما أسماه كيسنجر "شدة العاطفة المرتبطة باللحظة المباشرة والاستقطاب الناتج عنها" في كتابه القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية.
وفقاً لكيسنجر، فإن عالم الأخبار الرقمي الذي تدعمه شبكة الإنترنت قد زاد من توافر المعلومات والجاذبية العاطفية التي تساعدها الصور البصرية إلى مستوى فقد فيه العقل البشري القدرة على تذكر الحقائق وهضمها، وبالتالي فقد القدرة على التأمل العميق والتحليل السليم. وفي عصر المعلومات الوفير هذا، تدهورت القدرة على غربلة الأكاذيب من الحقائق، مما أدى إلى تعزيز التفكير الجماعي والاستقطاب الاجتماعي. ويحدث كل هذا في وقت حيث بذلت القوى المعادية للبلاد العربية قصارى جهدها لإطلاق وابل من المعلومات المضللة لإرباك الأمة وتقسيمها.
هناك حاجة لفهم قيمة النزاهة الأخلاقية والنزاهة الفكرية، والتي نحتاج إلى استثمارها في جيلنا الجديد، من أجل جعلهم محصنين ضد التأثير الانقسامي للدعاية والتضليل، إن جيلنا الشاب محبط وغاضب لمجموعة من الأسباب، بما في ذلك الافتقار إلى الجدارة، والبطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم الاستقرار السياسي المستمر، يتعين علينا أن نقبل هذه الحقائق قبل تقديم العلاجات الخيالية والأدوية الوهمية، التي قد لا تخدم غرضاً كبيراً في هذا العصر الغني بالمعلومات.
ما يحتاجه الجيل الجديد هو الأمل القائم على الواقع، في شكل خيارات ملموسة واختيارات حياتية ومهنية، بدلاً من المواعظ الساذجة. إنها مهمة شاقة ولا يمكن لأي مؤسسة أن تفعل ذلك بمفردها. يحتاج التربويون إلى صياغة نظام مصاحب للمؤسسات التعليمية يطور صفات مثل التسامح والتعاطف والنزاهة والوطنية لدى خريجي جامعاتنا الشباب. ولا يمكن كسب معركة السرد إلا من خلال أفكار أقوى وعقول أفضل تعليماً: عقول ليست تحت رحمة الغوغائيين والشعبويين الذين يمكنهم التأثير على العقول القابلة للتأثر من خلال شدة العاطفة وفورية المعلومات.
يمكن تحقيق ما سبق من خلال تنمية الفكر بجد من خلال تعرض الطلاب لأعضاء هيئة تدريس عالية الجودة وموارد معرفية متنوعة وتفسير غير متحيز للدين، يجب تعزيز روح الاستقصاء والمناظرات النقدية من خلال إعادة تنشيط جمعيات المناقشة والمنتديات الأدبية ومهرجانات الفكر.
وأخيرًا، يجب إعادة تنشيط تقاليد الرياضة المتدهورة، بما يذكرنا بعصر المجد الرياضي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إن إعداد وتعليم جيلنا الشاب مسؤولية جماعية للمجتمع، ومن هذا المنطلق يجب علينا جميعًا أن نتعاون لتوجيه طاقاتنا ومواردنا لتحقيق هذا الهدف النبيل المتمثل في إعداد أجيال المستقبل، وخاصة جيل إكس X، كأفراد أصحاء نفسيًا ومتعاطفين اجتماعيًا ومرنين فكريًا قادرين على التعامل بسهولة مع فوضى التغييرات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية التي جلبها (عصر الثورات).
اضف تعليق