ستحتاج إلى دعم غربي لسنوات قادمة، حتى عندما تنتهي الحروب، يمكن أن تستمر الظروف التي تخلقها. حيث أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يهدف إلى انتزاع أكبر قدر ممكن من الأراضي الأوكرانية، لأنه لا يعتقد أن البلد دولة حقيقية تستحق سيادة حقيقية، حتى إذا اضطر هو أو من...
تحليل: هال براندترجمة: م. فاطمة رضا عطية/ مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
بدأ الحلفاء بالتخطيط لعصر ما بعد الحرب العالمية الثانية قبل أن تتبين معالم النصر وتشغل حيزاً في الأفق، لذا اليوم وبعد مرور عام على صراع أوكرانيا ضد روسيا، حان الوقت لكي تحذو كييف والغرب خطوات مماثلة. فمن المؤكد أن أوكرانيا لم تنتصر في الحرب بعد، وبالنظر إلى الهجوم الروسي الذي بدا واضحا للعيان فقد تستغرق التسوية شهورا أو حتى سنوات، ولكن كلما اندلع السلام، سيظل على أوكرانيا ضمان أمنها ضد النظام الروسي الذي بالكاد يعترف بحقه في الوجود سواء أكان ذلك منصفًا أم لا، فمن المحتمل ألّا تكون أوكرانيا قادرة على حل هذه المشكلة من خلال أن تصبح حليفا في المعاهدة للولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإنها ستحتاج إلى دعم غربي لسنوات قادمة، حتى عندما تنتهي الحروب، يمكن أن تستمر الظروف التي تخلقها. حيث أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يهدف إلى انتزاع أكبر قدر ممكن من الأراضي الأوكرانية، لأنه لا يعتقد أن البلد دولة حقيقية تستحق سيادة حقيقية، حتى إذا اضطر هو أو من يخلفه إلى إبرام اتفاق سلام أو ببساطة خفض حدة هذا الصراع، يمكن لموسكو تجديد عدوانها عندما تبدو اللحظة مناسبة.
بالتالي، قد تكون الخطة (أ) بالنسبة لأوكرانيا هي العضوية في منظمة حلف شمال الأطلسي، وهو طموح منصوص عليه في دستور البلاد، ولسبب يمكن معرفته بسهولة؛ حيث تأتي عضوية الناتو بالمعيار الذهبي للضمانات الأمنية: تعهد من أقوى تحالف في العالم، والذي يضم القوة العظمى الوحيدة في العالم، بالتعامل مع أي هجوم على أحد على أنه هجوم على الجميع. حيث لا يوجد تأمين أفضل ضد الغزو في العالم الحديث. لكن للأسف، من غير المحتمل أن يحدث ذلك.
كقاعدة عامة، لا يقبل الناتو البلدان التي تشهد نزاعات حدودية مستمرة، بغض النظر عن النزاعات شبه المجمدة على أراضيها، لأنه لا يريد أن يجعل مشاكل الأعضاء الجدد مشاكل خاصة به. لذلك ما لم تنتهي الحرب بانسحاب روسي كامل واستسلام بشأن مسائل تتعلق بوحدة أراضي أوكرانيا، فقد تُترك كييف في الخارج ضحية المفارقة القاسية المتمثلة في أن الشرط الذي يجعل عضوية الناتو مرغوبة يجعل ذلك مستحيلا أيضا.
إن أي فرقة يمكنها أن تضع قواعدها الخاصة وان تغيرها في الوقت ذاته. لكن الناتو يعمل على مبدأ الإجماع، ومن المشكوك فيه أن أعضاءه الثلاثين سيكونون على استعداد لمواجهة روسيا إذا استأنفت الحرب. كما قال الرئيس الامريكي جو بايدن: لن "يخوض الحرب العالمية الثالثة في أوكرانيا". قد تستحق أوكرانيا عضوية الناتو: فقد أظهرت شجاعة وقدرة لا تصدق في دموية العدو الرئيسي لذلك التحالف، لكن في السياسة العالمية كلمة "تستحق" لا تعني الكثير.
بالتالي تكمن الخطة (ب) في أن أوكرانيا تنتمي إلى الغرب ولكنها ليست متحالفة رسميا معه، ولديها جيش قوي للغاية لحماية استقلالها. حيث من المرجح أن تخرج أوكرانيا من هذا الصراع كواحدة من أهم القوى العسكرية في أوروبا، ولن يتعامل أي بلد في القارة مع مسألة الدفاع بجدية أكبر؛ أوكرانيا لديها أيضا احتياطات ضخمة من القوى العاملة المدربة، جيشها الذي ينتقل الآن من المعايير السوفيتية إلى المعدات القياسية للناتو، سوف يمتلك أسلحة ذات جودة أعلى مما كانت عليه عندما بدأ الصراع، بما في ذلك القدرات المتطورة مثل نظام الصواريخ عالية الحركة ودبابات برامز.
يتعلق هذا المنظور بالمكون الثاني لأمن أوكرانيا: شراكة وثيقة ومستمرة تقدم فيها الدول الغربية المشورة والمساعدة في تدريب الجيش الأوكراني، مع الاستمرار في تزويد كييف بالأسلحة والإمدادات التي تحتاجها للدفاع عن النفس. هذا النموذج اخذ في الظهور بالفعل. دبابات ابرامز التي تعهد بايدن بتقديمها لأوكرانيا هي قطع معقدة من المعدات تشكل تحديات لوجستية كبيرة وتحديات الاستدامة. إنها ليست من نوع القدرة التي تقدمها واشنطن إلا إذا كانت تخطط للبقاء منخرطة بعمق مع المتلقي.
قد تذهب دول الناتو الفردية إلى أبعد من ذلك حيث تشارك دول الجبهة الشرقية -بولندا ودول البلطيق على وجه الخصوص- مخاوف أوكرانيا الوجودية من روسيا وتعمل على تعزيز جيوشها. اذ من الممكن أن ينبثق هناك (حلف وارسو الجديد) المكون من كتلة عسكرية من دول أوروبا الشرقية وربما يقترب من تحالف رسمي، لكن هذه المرة مكرس لحماية الحرية بدلاً من خنقها.
من المرجح أن تثير هذه الاستراتيجية تحديات فعلية فعلى سبيل المثال تاريخ العلاقات بين بولندا وأوكرانيا، لا يمكن وصفه بأنه مثاليا تماما، لذا فإن أحد الأسئلة المطروحة هو ما إذا كانت التحديات الحالية يمكن أن تسمح لأوروبا الشرقية بتجاوز الانقسامات السابقة. ومن هنا تعتبر الخطة (ب) ثاني أفضل حل لأوكرانيا، حيث -كما توضح الحرب الحالية- يمكن أن يكون الاختلاف بين (حلف الناتو) و(شريك أمني وثيق) وجوديا. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تقلل من شأن التكاليف.
من المحتمل ان تبني أوكرانيا جيشا هائلا، لكنها ستواجه صعوبات كبيرة في الحفاظ عليه، بالنظر إلى أن الحرب دمرت اقتصاد البلاد. فليس هناك ما يكفي من الأصول الروسية المجمدة لدفع تكاليف إعادة الإعمار، حتى لو اتبعت واشنطن ودول أخرى هذا النهج. لذلك قد تظل أوكرانيا جناحا اقتصاديا للغرب، حيث تمول واشنطن وحلفاؤها الدفاع عن البلاد في المستقبل المنظور، حتى لو لم تكن كييف متجهة إلى الناتو، فإن نهاية الحرب قد تكون مجرد بداية لالتزام غربي طويل تجاه أوكرانيا.
* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2023 Ⓒhttp://mcsr.net
اضف تعليق