في ظل خلفية تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، هناك مجموعة من التحديات الإقليمية والعالمية الناشئة. تفتقر أمريكا إلى القدرة والإرادة اللازمتين لمواجهتها، ولا يملك شركاؤها وحلفاؤها القدرة الكافية للقيام بذلك بمفردهم، كما تقدم الصين نموذجًا لا يحظى بشعبية الكثيرين. لا يسع المرء إلا...
بقلم: ريتشارد هاس
نيويورك ـ تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة العديد من التحديات الهائلة في آن واحد. هناك وباء كوفيد 19 الذي أودى بالفعل بحياة ما يقرب من 120.000 شخص ولا تظهر أي علامات تُذكر على التراجع في مساحات كبيرة من البلاد. كان التأثير الاقتصادي مُدمراً، حيث يوجد حاليًا حوالي 40 مليون عاطل عن العمل ويتوقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن العديد منهم سيُعانون من فقدان وظائفهم لفترة طويلة.
مما زاد الطين بلة، اندلاع الاحتجاجات في أعقاب مقتل جورج فلويد، الرجل الأمريكي الأفريقي الذي يبلغ من العمر 46 عامًا، على أيدي - وعلى وجه التحديد، على ركبة - شرطي في مدينة منيابوليس. لم تسلط الاحتجاجات التي اجتاحت مختلف أنحاء البلاد الضوء على المشكلة المُزمنة المُتعلقة بالعنصرية الراسخة في الولايات المتحدة فحسب، ولكن أيضًا على سلوك رجال الشرطة، والذي غالبًا ما يكون عنيفًا وخارج نطاق القانون الذي أقسم أولئك الذين يرتدون الأزياء الرسمية على الالتزام به.
ليس من المستغرب أن يركز الشعب الأمريكي والمسؤولين المنتخبين طاقاتهم على هذه التحديات الداخلية. تكمن المشكلة في أن العالم يواجه بالفعل العديد من الأزمات التي تستدعي اهتمام الولايات المتحدة لكنها لا تكترث للأمر.
والأسوأ من ذلك أن الاهتمام الذي تُوليه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعالم ليس صائبًا، والذي يتمثل في التهديد بسحب ما يقرب من ثلث القوات المسلحة الأمريكية المتمركزة في ألمانيا وجميع القوات من أفغانستان، وإعلان انسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية واتفاقية "السماوات المفتوحة". والنتيجة هي قلق متزايد بين حلفاء أمريكا بشأن مصداقيتها - وربما زيادة ضعف روح المغامرة لدى منافسي وأعداء الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، تتفاقم حدة العديد من المشاكل حول العالم على نحو سريع. في الشهر الماضي، على سبيل المثال، وافق البرلمان الصيني بأغلبية ساحقة على فرض قانون للأمن القومي في هونغ كونغ والذي يقضي بنهاية نظام "دولة واحدة ونظامين" الذي اعتمدته الصين عندما استعادت سيادتها في عام 1997. يبدو أن حملة القمع الصارمة على المستعمرة البريطانية السابقة كانت فقط مسألة وقت. وبالمثل، تتصرف الصين بحزم على طول حدودها المتنازع عليها مع الهند وتستخدم خطابًا أكثر حدة بشأن تايوان.
علاوة على ذلك، أعلنت كوريا الشمالية مؤخرًا عن قطع جميع خطوط الاتصال -بما في ذلك الخطوط الساخنة العسكرية- مع كوريا الجنوبية، مما يثير أسئلة جديدة حول الاستقرار على طول الحدود الأكثر تسليحًا على مستوى العالم. وجاءت البلاد عقب ذلك ببيان قطع العلاقة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وتعهدت بدلاً من ذلك بزيادة ترسانتها النووية. خلاصة القول هي أن كوريا الشمالية تفتخر بحيازة المزيد من الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية المُتطورة أكثر مما كانت عليه قبل القمم الثلاث التي انعقدت بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
مرة أخرى، أصبحت إيران مصدر قلق نووي واضح. في الآونة الأخيرة، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران ترفض التعاون مع المفتشين الدوليين في التحقيق حول إمكانية وجود مواد نووية غير مُعلنة.
خلال هذه الفترة، وسعت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 50% في الأشهر القليلة الماضية، رغم أنه لا يزال عند مستوى أدنى بكثير مما هو مطلوب لتصنيع الأسلحة النووية. تمتلك البلاد اليوم حوالي سبعة أضعاف الكمية المسموح بها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقعته مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي. هذا يعني أن العالم سيكون لديه وقت أقل بكثير للرد حين يكتشف أن إيران كانت تتسابق لإكمال صنع ترسانة صغيرة من الأسلحة النووية وتقديم وضعها الجديد كأمر واقع.
في أماكن أخرى من الشرق الأوسط، تعتزم إسرائيل الشروع في عملية ضم أجزاء من الضفة الغربية، بتشجيع ودعم الولايات المتحدة. من شأن القيام بذلك أن ينهي أي أمل ضعيف لوجود أي دولة فلسطينية. وقد تؤدي هذه العملية أيضًا إلى تقويض الاستقرار في الأردن ومعاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية. وبالمثل، فقد تُعرض مستقبل إسرائيل للخطر باعتبارها دولة ديمقراطية ويهودية. إذا استمرت في تنفيذ عملية الضم، يمكن لإسرائيل أن تحظى بإحداهما، ولكن ليس بكليهما.
إن الصراع المتزايد ليس الخطر الوحيد الذي يواجهه العالم. تُمثل البرازيل عقبة رئيسية أمام مكافحة تغير المناخ، مما يجعله التحدي الدولي الرئيسي في هذا القرن. تحت قيادة الرئيس جايير بولسونارو، تسارعت وتيرة تدمير غابات الأمازون المطيرة. يُعد هذا الأمر بالغ الأهمية لأن الغابات المطيرة تمتص كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في العالم وتؤثر على أنماط الطقس العالمية. في حال تمت إزالتها أو حرقها، ستزداد حدة التغيرات المناخية، مما سيُلحق ضررًا كبيرًا بالكوكب وكل من يعيش عليه.
إن عدم مسؤولية البرازيل هو إلى حد ما نتاج ثانوي للاضطرابات الداخلية في البلاد، وذلك جراء الانتشار السريع لمرض كوفيد 19 والسياسة الشعبوية. لسوء الحظ، لا تواجه البرازيل هذه الأزمة بمفردها. ينتشر الوباء أيضًا في المكسيك وإيران ومصر وروسيا وبنغلاديش، مما يعكس عدم كفاية أنظمة الصحة العامة، أو سوء القيادة، أو كليهما.
لحسن الحظ، ليست الأخبار كلها سيئة. تبرز أهم التطورات الواعدة في أوروبا، حيث اتخذت المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، بدعم من فرنسا وألمانيا، خطوات حاسمة لمساعدة البلدان التي تُعاني جراء انتشار الوباء في تجاوز الأزمة الاقتصادية الناتجة وتحقيق الانتعاش. في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يُعد عزم الاتحاد الأوروبي على إحداث تغيير علامة إيجابية.
لكن هذا التطور الإيجابي هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة. وفي ظل خلفية تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، هناك مجموعة من التحديات الإقليمية والعالمية الناشئة. تفتقر أمريكا إلى القدرة والإرادة اللازمتين لمواجهتها، ولا يملك شركاؤها وحلفاؤها القدرة الكافية للقيام بذلك بمفردهم، كما تقدم الصين نموذجًا لا يحظى بشعبية الكثيرين. لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن تتمكن الولايات المتحدة من التغلب على الأزمات التي تواجهها عاجلاً وليس آجلاً. التاريخ ليس له زر توقف.
اضف تعليق