ينبغي على المفاوضين الذين يرغبون بمسك زمام الأمور، صب تركيزهم على الأهداف الحقيقية، وتفادي الالتزامات المبكرة، والقيام بواجباتهم بحذر، والتخطيط بشكل مسبق للتعامل مع العقبات الحقيقية التي تعترض تحقيقهم للقيمة المرجوة. لا يتعلق ذلك بالسلطة، بل بوضع إجراءات تؤدي إلى اتخاذ قرارات صحيحة. فالسلوك التفاعلي...
هوراسيو فالكاو/إيلينا كومارومي
المفاوضون أقل عرضة للوقوع في فخ الصفقات غير المدروسة عند التحضير المسبق لجميع الاحتمالات
قبل جان مؤخراً فرصة عمل كانت بمثابة تحدي له كونها تتطلب منه الانتقال إلى مدينة جديدة. كان جان متحمساً كثيراً لإثبات نفسه بأسرع وقت ممكن، ولم يتردد في تحمل مسؤوليات العمل. نتيجة لذلك، لم يمتلك الوقت الكافي للبحث عن مكان يقيم به لا سيما مع نقص المعروض في السوق. وقبل أن يدرك ذلك، انقضت فترة الشهرين التي قامت خلالهما الشركة بتأمين سكن له.
عرض عليه زميل دراسة سابق في اللحظة الأخيرة استئجار شقة من الباطن قريبة من مقر عمله. قبل العرض بامتنان وعلى الفور، بالرغم من أن الإيجار كان مرتفعاً نسبياً. لكن ما أثار استياء جان لاحقاً، أعمال التجديد في المبنى التي بدأت عقب انتقاله. والضوضاء الكبيرة التي يحدثها جاره في الطابق العلوي والتي حرمته النوم ليلاً وسببت له الإرهاق. بدأ أداءه في العمل بالتراجع، وبعد عدة أسابيع تعرض للسرقة أمام منزله ليكتشف لاحقا أن الحي غير آمن وتنشط فيه الأعمال الإجرامية. للخروج من تلك الورطة استعان بمحامي ودفع مبالغ طائلة لفسخ العقد. تعلم جان من ذلك عدم التسرع والتفكير مرتين قبل عقد أي صفقة حتى وإن لم يمتلك الوقت الكافي.
الشركات ليست حصينة من الضغوطات المتعلقة بالوقت
الشركات ليست بمنأى عن السلوك التفاعلي الذي يترتب عن المواقف الحرجة. وثّق مانويل هيرموسيلا من جامعة جونز هوبكنز ذلك في بحث بعنوان: "البحث والتطابق في الأوقات الحرجة: التراخيص التفاعلية في قطاع الأدوية".
تقوم شركات الأدوية بتطوير الأدوية المقترحة من داخل الشركة، إلا أنها تلجأ أحيانا إلى التراخيص المشتركة للتعويض عن فشلها بإنتاج بعض الأدوية في الشركة. من الناحية النظرية، تتطلب عملية البحث من الشركة الاستثمار بالوقت وبعض الموارد الأخرى لتحديد الأدوية المطلوبة بشكل أكبر والتي يسهل إنتاجها وبالتالي الوصول للسوق المطلوبة.
بحث هيرموسيلا في 673 صفقة لتراخيص مشتركة أجرتها كبرى شركات الأدوية في الولايات المتحدة عن الفترة الممتدة ما بين 1997 و2016. مع الأخذ بعين الاعتبار أن واحدة من 12 ترخيص تم طرحها في السوق. نظر البحث في سلوك الشركات عند الانتكاسات خلال المراحل الخمسة لتطوير الدواء: الاكتشاف، المرحلة الأولى، المرحلة الثانية، المرحلة الثالثة، والمراجعة.
أظهرت الدراسة أن شركات الأدوية نادراً ما تنخرط في تراخيص مسبقة لأدوية التكنولوجيا الحيوية. وعوضاً عن ذلك، تقوم الإدارة بترخيص أدوية جديدة عندما تشهد الشركة انتكاسات في تطوير الأدوية داخلياً كتعويض عن عدم نجاح خطتها. وفي حين تؤثر تلك الانتكاسات سلباً على سعر الأسهم، فإن صفقات التراخيص الجديدة تنعش الشركة، مما يعود بالنفع على فريق الإدارة الذي يرتبط أداءه بسعر الأسهم بشكل مباشر.
في حين يتفادي هيرموسيلا الإشارة إلى التراخيص التفاعلية على أنها "صفقات سيئة"، إلا أنه يدرك أنها تتسبب بتكاليف انتاج عالية للشركات التي تنخرط بها. بحسب بيانات الدراسة تزيد سلوكيات التراخيص التفاعلية من فرص التخلي عنها في المرحلة الثانية بنسبة 13%. وتنخفض احتمالية تحقيق تطابق في المرحلة الثانية بمقدار النصف.
من وجهة نظر أوسع، من الصعب الاختلاف على أن التراخيص التفاعلية ذات تأثير سلبي على المجتمع بشكل عام. فمع وصول عدد أقل من الأدوية إلى السوق، يتكبد إنتاج الأدوية الناجحة تكاليف أعلى، مما يرفع بدوره التكلفة على المستهلك.
كيف يرى المفاوض الناجح الأمور؟
بالعودة إلى جان، فإن تركيزه على عمله شغله عن البحث عن مكان للسكن وفشل بالقيام بهذه المهمة. على نحو مشابه، تنخرط شركات الأدوية في تراخيص لرفع قيمة الأسهم، على حساب خلق قيمة ونجاحها على المدى الطويل. قد يكون من الأفضل خلق قيمة مستدامة من خلال اختيار التراخيص الأفضل بشكل استباقي عوضاً عن الانغماس بترقيع الأشياء لحصول على مكاسب قليلة.
نجد في كلا المثالين أن عدة عوامل: مثل عامل الوقت والإحباط والتركيز على الأهداف من منظور ضيق وعدم الالتزام، أثرت على عملية صنع القرار إلى حد كبير وأدت إلى إضعاف الصفقة. فالسلوك التفاعلي خلال المفاوضات يؤدي إلى تخلي الأطراف عن السيطرة. على سبيل المثال، تزيد من تقديرهم للمخاطر وتحول انتباههم من تعظيم القيمة إلى مقاييس زائفة، مثل مؤشرات الأداء الرئيسية على المدى القصير. لذا ينبغي على المفاوضين الذين يرغبون بمسك زمام الأمور، صب تركيزهم على الأهداف الحقيقية، وتفادي الالتزامات المبكرة، والقيام بواجباتهم بحذر، والتخطيط بشكل مسبق للتعامل مع العقبات الحقيقية التي تعترض تحقيقهم للقيمة المرجوة.
لا يتعلق ذلك بالسلطة، بل بوضع إجراءات تؤدي إلى اتخاذ قرارات صحيحة. فالسلوك التفاعلي قد يضعف المفاوضات، ويسمح للطرف الآخر الأخذ بزمام الأمور. لذا كن حذراً من الخطوات التالية، والتي قد يستفيد منها الطرف الآخر لإجبارك على التعامل معها:
1- إعطاء انطباع خاطئ بأن العملية ملحة.
2- جعل العملية تبدو غير مرنة.
3- التلاعب بك للتخلي عن مطالبك.
4- تعظيم الأمور الصغيرة وغير الهامة، لجعل الصفقة تبدو أفضل.
5- صرف انتباهك عن أولوياتك، والمخاطر أو الأمور التي لم تنال رضاك.
6- الفشل في الإجابة عن الأسئلة بشكل كامل.
7- عدم المرونة والتعامل بشكل سيئ بما في ذلك استخدام التهديدات.
لا تدع الطرف الآخر أو الظروف تدفعك إلى الموافقة على صفقة. يعطينا روبرت ليفين في كتابه "قوة الإقناع" النصيحة التالية: لا تنسى أن الصفقة الجيدة اليوم قد تصبح صفقة أفضل غداً. ولا يوجد أفضل من صفقة مثالية. عليك فقط أن تقرر متى تشعر بالراحة".
يوصي ليفين بأن تكون متأكداً من قدرتك على تحمل تكلفة الأمور التي تسعى إليها "أعطى في كتابه السيارة كمثال على ذلك"، وبما يتماشى مع أهدافك ووضعك. وفي حال لم تمتلك القدرة يقول: "لا يوجد داعي لإتمام الصفقة حالاً. فغداً ستصبح الرؤية أوضح".
يجب اتخاذ بعض القرارات على وجه السرعة. يوصي ليفين بالتحضير لتلك القرارات من خلال الإعداد المسبق واليقظة في جيع الحالات. ليس من السهل القيام بذلك، ولكن مع التدريب ستتعامل مع المواقف الحرجة بشكل أفضل.
أخيراً، يجب أن تدرك أن السلوك التفاعلي عبارة عن استجابة عاطفية لأمور حدثت في الماضي. من جهة أخرى فإن السلوك الاستباقي هو خطوة مدروسة نحو الهدف المنشود مستقبلاً. فهل تفضل أن تبقى عالقاً في الماضي أو المضي قدما نحو غد أفضل؟
اضف تعليق