q
يعد الاقتداء بالقادة من أوائل الدروس التي نتعلمها. فنحن نتطلع إلى القياديين كمصدر إلهام ليرشدونا على الطريق الصحيح. ولكن عندما تكون تطلعات القادة غير واقعية، ماذا يحدث للأشخاص التابعين لهم؟ وهل يتحمل القادة المسؤولية عندما يتصرف الموظفين في أسفل السلم الوظيفي بشكل غير أخلاقي...
كريغ سميث

 

الأهداف غير المنطقية للإدارة، يترتب عنها أفعال غير أخلاقية

يعد "الاقتداء بالقادة" من أوائل الدروس التي نتعلمها. فنحن نتطلع إلى القياديين كمصدر إلهام ليرشدونا على الطريق الصحيح. ولكن عندما تكون تطلعات القادة غير واقعية، ماذا يحدث للأشخاص التابعين لهم؟ وهل يتحمل القادة المسؤولية عندما يتصرف الموظفين في أسفل السلم الوظيفي بشكل غير أخلاقي في سبيل تحقيق أهداف الشركة؟

لمعرفة ذلك، قمت مؤخراً بدراسة ثلاثة شركات يعجز قادتها عن قيادة مؤسساتهم على طريق النجاح ضمن الأطر القانونية، الشركات الثلاثة هي: فولكس واغن، ويلز فارغو، وأوبر.

الأهداف غير المنطقية

يدرك أغلب مندوبي المبيعات الضغوطات المترتبة عن تحقيقهم للرقم المطلوب منهم في نهاية كل شهر. ولكن أولئك اللذين لا يتم توظيفهم للقيام بمهمة المبيعات ليفاجئوا بعدها بنسبة معينة عليهم تحقيقها غير قواعد اللعبة. مثل الصرافين في بنك ويلز فارغو عقب اندماجه مع بنك نورويست في 1998. كانت وظيفة الصراف قبل الاندماج خدمية بحتة، تركز على العملاء وليس المستهلكين. إلى أن بدأ ريتشارد كوفاسيفيتش، الرئيس التنفيذي لبنك ويلز فارغو التعامل مع فروع البنك على أنها متاجر.

هذا التحول في ثقافة البنك، واستخدام مصطلحات مثل "متجر، مستهلك، منتج" دفع الموظفين للنظر إلى العملاء الحاليين كعملاء محتملين لزيادة المبيعات. وطلب من الصرافين تبني نهج "Go for Gr-eight"- والذي يتوجب عليهم بموجبه إشراك كل عميل بثمان خدمات مختلفة يقدمها البنك.

طُلب من المدراء إعطاء تقارير للمشرفين عن النسب التي يحققوها كل ساعتين. وشعر الصرافون بالضغط جراء مدرائهم. تحتم على موظفي البنك في ظل تلك الظروف فعل أي شيء مقابل تحقيق المبيعات المطلوبة منهم، بما في ذلك إضافة خدمات بنكية أو حسابات لعملائهم الحاليين دون علمهم.

تمنع اللوائح الداخلية للبنك السلوكيات غير القانونية. ولكن استخدام الرقم السري للعميل لخلق حساب جديد تحت اسمه كان من السلوكيات الشائعة في البنك. وعندما تم الإبلاغ عن التجاوزات لم يتم اتخاذ أية إجراءات رادعة ضد الاشخاص المسيئين. فلا يوجد في البنك بنود تنص بعواقب مثل تلك الأفعال.

أدت الضغوطات التي مارستها الإدارة إلى خلق أكثر من 3.5 مليون حساب مزيف، وتعرض ويلز فارغو إلى مخالفات وصلت قيمتها إلى 185 مليون دولار.

المواعيد غير المنطقية

في إطار الوصول إلى مبيعات تقدر بـ 10 ملايين سيارة بحلول 2018، حددت فولكس واغن موعداً نهائياً لعمل سيارات صديقة للبيئة تحت شعار "انبعاثات أقل" وكان من المستحيل الوصول لذلك بحسب التاريخ الذي حددته الشركة لإنجاز ذلك. عُرف مارتن فنتركون الرئيس التنفيذي لفولكس واغن بسياسته الصارمة مع التنفيذيين، الأمر الذي دفعهم بدورهم إلى وضع ضغوطات على فرق الإنتاج. ولضمان الانتهاء بحسب الموعد المحدد، تحايل المهندسين على اختبارات انبعاثات عوادم السيارات، لتتجاوز نسبتها 40 ضعف لنسبة التلوث المسموح بها في الولايات المتحدة.

لم يكن فنتركون الوحيد، فقد سبق وقام فيرديناند بييه، الرئيس التنفيذي الأسبق (ورئيس الشركة) بتغييرات جوهرية في التصميم مرغماً مهندسيه على إنجازها بمهلة ضئيلة كي لا يتعرضوا للطرد في حال عدم التزامهم بالمهلة المحددة. تلك كانت الثقافة المؤسسية السائدة في الشركة، والتي تتمحور حول إنجاز أعلى التوقعات بأي ثمن.

خط النار

نفت كل من فولكس فاجن وويلز فارغو عند اتهامهما بانتهاكات أخلاقية واسعة النطاق، ضلوع الإدارة بأي من تلك المخالفات. ولم تبديا أي رغبة بإعادة النظر بمدى تأثير الضغوطات التي تمارسها الشركة على تصرفات الموظفين.

عندما تم اكتشاف تحايل شركة فولكس واغن من قبل خبراء انبعاثات الغازات (كانت حكومة كاليفورنيا حينها تنظر في الأمر أيضاً)، لم يقر الرئيس التنفيذي للشركة بمسؤوليته عما حدث، وكبد الشركة خسائر تعادل 30 مليار دولار، بل وكما حدث في قضية ويلز فارغو، ألقت الإدارة بالمسؤولية على الموظفين.

عندما واجهتهم هيئة كاليفورنيا للموارد الجوية، حاول المدراء بشركة فولكس واغن التشكيك في نتائج اختبارات الانبعاثات، وتطلب الأمر عاماً كاملاً للاعتراف بأن سياراتهم مبرمجة بشكل مختلف لتجاوز الاختبارات. مع هبوط سعر السهم، نفى فنتركون علمه بالأمر وأشار إلى الأخطاء القاتلة. تنصلت الشركة من مسؤوليتها أمام الكونغرس الأمريكي، كما أقالت عشرة تنفيذيين خلال الأسابيع الستة التي تلت الفضيحة.

عقب طرد أكثر من 5000 موظف، تمسكت الإدارة العليا في ويلز فارغو بموقفها وأصرت أن السلوك غير الأخلاقي للموظفين لا يعكس ثقافة الشركة. وبحسب زميلي تشارلز غلينيك، فإن إقالة 2% من القوى العاملة يكشف عن الأفكار الخاطئة حول الثقافة المؤسسية. لا تزال الأمور تتكشف حول الفضيحة غير الأخلاقية لموظفي ويلز فارغو. على سبيل المثال: قاموا بتحريف معلومات حول الدخل في أوراق القروض مما كان له دور كبير في حدوث الأزمة المالية في 2008 بحسب الحكومة الأمريكية. ويقوم البنك حتى اليوم بإعادة المبالغ للعملاء الذين أضيفت له خدمة التأمين على الحيوانات الأليفة.

تحول الثقافة المؤسسية

ادعت كل من فولكس واغن وويلز فارغو، أنه تم إلقاء التفاحة الفاسدة من الشركة، ولكن لا يزال يوجد أشخاص ممن يتقلدون أعلى المراتب يمتلكون ذات المبادئ البالية. من جهة أخرى، تواجه أوبر قضايا أخلاقية منذ بدايتها وخلال السبع سنوات مما ساهم بخلل ثقافتها المؤسسية.

لا تتحمل أوبر أيضاً مسؤولية سائقيها، وواجهت الإدارة العديد من القضايا الأخلاقية الجوهرية. فعند تأسيسها في 2010 تحت اسم UberCab في سان فرانسيسكو، لم يكن ترخيصها يجيز لها العمل كشركة نقل، مما اضطر كاليفورنيا لإيقافها. فقامت حينها بتغيير بسيط من خلال إلغاء كلمة "cab" من الاسم، لتبدأ انطلاقة أوبر.

كان ترافيس كالانيك، الشريك في الشركة الناشئة، مؤيداً لنهج المواجهة، وأخذه لأعلى المستويات. على سبيل المثال، بالرغم من حظر UberPOP في فرنسا، طلبت الشركة من سائقيها الاستمرار بالعمل، إلى أن ألقي القبض على كبار مسؤوليها.

بالرغم من إقالة كالانيك من منصبه كرئيس تنفيذي في 2017 ، لازالت الشركة تواجه مشاكلاً حول العالم، بما في ذلك اسبانيا. فالمعايير الثقافية التي أرسيت عقب مغادرة كالانيك، أظهرت إدراك أوبر لواجب إصلاح ثقافتها المؤسسية. وتبنى دارا خسروشاهي الرئيس التنفيذي القادم من إكسبيديا شعاراً جديداً لأوبر : "نعمل ما هو صحيح"

بالنسبة لشركات مثل ويلز فارغو، وفولكس واغن، يتوجب عليهم إجراء تحول جذري بالثقافة المؤسسية للشركة. ففي الوقت الذي شرع فيه الرؤساء التنفيذيين للشركتين بالاستقالة دون الإقرار بمسؤوليتهم عما حدث، وخلافاً لما حدث في أوبر، تم استبدالهم بأشخاص يحملون نفس ثقافة الشركة. فعندما تواجه الشركة مشاكل عدة، يتوجب على الإدارة العليا مراجعة سياستها لمعرفة أسباب الخلل.

سبق وتناولت الآثار الفلسفية للمسؤولية في الشركات التي تتبع نهجاً خاطئاً. ففي الوقت الذي يتعين فيه على الأفراد تحمل المسؤولية العظمى عن أفعالهم، تتحمل الشركة ككيان جزءً من تلك المسؤولية، على الأقل نتيجة الأهداف التي وضعتها الإدارة العليا والثقافة التي نشرتها بين الموظفين. في حالة فولكس واغن، وأوبر، وويلز فارغو، يتوجب على الإدارة التفكير بعواقب أفعالها، والترويج إلى ثقافة مؤسسية تلهم الأشخاص الذين يتبعوها لتحقيق النتائج المطلوبة دون خروقات قانونية.

حازت دراسة نشرتها بعنوان: "فضيحة الانبعاثات في فولكس واغن: كيف حدث ذلك؟" على المرتبة الثانية في مسابقة استدامة الشركات لعام 2018 أجرتها مؤسسة " oikos". أما في عام 2017، حصلت على المرتبة الثانية مقالة لي بعنوان: "أوبر وأخلاقيات المشاركة: استكشاف المسؤوليات والوعود المجتمعية في الاقتصاد التشاركي".

* كريغ سميث، استاذ كرسي في علم الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية بكلية إنسياد
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق