كريستوفر هيل
دينفر: لم يمر أكثر من شهرين على اعتلاء دونالد ترمب سدة الحكم لكن العديد من الأمريكان قد ضاقوا ذرعًا بهذه الدراما ويتسائلون ماذا تحمل الستة وأربعين شهرًا القادمة في طياتها.
ناهيك عن القلق المستمر فإن رئاسة ترمب الغريبة تطرح سؤالًا أكثر جوهرية وهو هل الديمقراطية الليبرالية مهددة الآن بفقد حصنها الحصين بعد أن أصبحت تحت الحصار في العديد من مواقعها الأمامية حول العالم؟ لو صح ذلك فإن آثار ذلك على سياسة الولايات المتحدة الخارجية والعالم ستكون بعيدة المدى.
وقد انتخبت الولايات المتحدة رئيسًا يبدو أن إدراكه للديمقراطية الأمريكية يقتصر على حقيقة أنه فاز بالمجمع الانتخابي وهذا يتطلب المرور سريعا على الدستور الأمريكي حيث يرد تعريف المجمع الانتخابي ولكن بإستثناء ذلك يبدو أن ترمب لديه قليل من الاحترام لنظام الدستور الخاص بالضوابط والتوازنات وفصل السلطات بين فروع الحكومة التنفيذية والقضائية والتشريعية ولا يحترم أيضًا السلطة الأمريكية الرابعة وهي الصحافة والتى شرع في وصفها بــ «عدو الشعب الأمريكي».
على الرغم من أن الانتخابات أمر ضروري فهي لا تكفي لدعم المبادئ الأساسية للديمقراطية الليبرالية فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعديد من الحكام المستبدين الآخرين وصلوا إلى سدة الحكم بعد الفوز بتصويت شعبي.
وكما يجب أن يعلم أي طفل في المدرسة فإن الانتخابات تفرض على جميع المواطنين أن يتقبلوا الآراء المختلفة عن آرائهم وليس المقصود من إجراء الانتخابات تخطي أو إلغاء المؤسسات الديمقراطية أو فصل السلطات وبغض النظر عن كيفية أداء إدارة ترمب في نهاية المطاف فإن المراسيم الرئاسية التي صدرت في شهرها الأول أو بلغة السياسة ما يطلق عليها «الأوامر التنفيذية» يصعب النظر إليها على أنها انتصار للديمقراطية الليبرالية.
يتوجب على ترمب دراسة الدستور وعندما يعكف على دراسته يجب عليه أن يجد الوقت لقراءة الوثائق التأسيسية الأخرى الخاصة بالجمهورية وبمقدوره البدء باتفاق ماي فلاور سنة 1620 الذي يعترف ضمنيًا بحقوق الأقليات السياسية والاجتماعية في واحدة من أوائل مستعمرات المتدينين الأمريكية.
لكن ترمب ليس هو الأمريكي الوحيد الذي يجب عليه استغلال هذه اللحظة لإمعان النظر في تاريخ بلده ودورها في العالم وعلى الرغم من أن إستخدام إدارته لشعار "أمريكا أولًا" ربما يبدو مخيفًا لبعض الأجانب فهو قد يبدو مريحًا لآخرين.
ومنذ انتهاء الحرب الباردة منذ أكثر من ربع قرن فإن الدور الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية هو نشر الديمقراطية حول العالم لكن الولايات المتحدة تعدت أحيانا حدود هذا الدور سعيًا وراء تحقيق هذا الهدف وعلى الرغم من أن تأييد أمريكا للديمقراطية يضعها في مصاف الأخيار، إلا أنه في بعض الأحيان تم تنفيذ سياساتها بغرور وحتى بغضب.
وفي بعض الأحيان تقوم أمريكا بإطعام الدول الديمقراطية بالقوة أو حتى بإستخدام السلاح ويوجد أسباب عدة وراء تراجع الديمقراطية الليبرالية حول العالم ومن بينها الإستياء المتزايد من دول أخرى وقادتها الذين سئموا من الإستماع إلى الإتهامات والمحاضرات والمواعظ الأمريكية.
على سبيل المثال في العراق شعر العديد من المراقبين الغربيين بالإعجاب والإلهام من مشهد العراقيين الذين تلونت أصابعهم بالحبر بعد أن قاموا بالإدلاء بأصواتهم في أول إنتخابات للبلاد لكن على الرغم من أن الانتخابات الحرة هي أول خطوة على طريق الديمقراطية فالمرحلة التي أعقبتها لم تسر على نحو جيد حيث أصبحت الطائفية سمة للهويات السياسية بدلًا من القضايا الموضوعية وسرعان ما أتضح أن المؤسسات الديمقراطية وثقافة التسامح التي تقوم عليها هذه المؤسسات لا يمكن إدخالها بسهولة ضمن مجتمعات لم تعرفها من قبل.
منذ بضع سنوات تحدثت إلى زعيم بلقاني كان قد قضى يومه في الاستماع إلى أمريكي صاحب أعمال خيرية ألقى عليه محاضرة حول أوجه القصور في النظام الديمقراطي في بلده حديث النشأة وبينما كان يتأمل الألم السياسي الذي قد يحصل جراء اتباع نصيحة هذا الرجل المجانية سألني: ماذا على أن أفعل الآن بهذه النصيحة؟ لقد قام بتحديد قصور رئيسي في حركة دعم الديمقراطية ألا وهو أن إخبار شخص بكيفية تنفيذ إصلاحات ديمقراطية ليس مثل خوض مخاطر تنفيذها وتولي مسؤولياتها.
على الرغم من المشهد السياسي السام حاليا في الولايات المتحدة حاليًا فإنه مازال لديها أنجح نظام ديمقراطي على مر التاريخ وهي تقدم نموذج عظيم يحتذي به الآخرون لكن هذا النموذج لا يمكن فرضه بالقوة على العالم فإخبار الناس أن بلادهم يجب أن تكون مثل أمريكا ليست سياسة سليمة.
لقد فقدت الديمقراطية الليبرالية توازنها قبل فوز ترمب أما الآن فقد فقدت مركز جاذبيتها وقد يتذكر الناس الأربع سنوات القادمة على أنها حقبة مظلمة ضمن نظام حكم مشرق لكن الديمقراطية الليبرالية قد تفوقت على منافسيها في الماضي ومن المحتمل أن تفعل ذلك مجددًا وهؤلاء الذين حاربوا بشدة وضحوا بالكثير من أجلها على أهبة الاستعداد لضمان ذلك التفوق.
اضف تعليق