تشهد مصر، مثل الكثير من دول العالم، موجة حر بدأت قبل عشرة أيام، مع بلوغ درجات الحرارة نهارا أكثر من 45 درجة مئوية في بعض مناطق البلاد. ويعيد انقطاع التيار الكهربي إلى الأذهان الأزمة التي شهدتها البلاد خلال عهد الرئيس محمد مرسي عندما فجّر الانقطاع في الكهرباء...
يعاني المصريون منذ حوالى الأسبوعين من انقطاعات في التيار الكهربائي، تزامنا مع موجة حرّ شديدة تضرب البلاد، الأمر الذي خلق حالة من الغضب يفجّره البعض أحيانا بالسخرية، لا سيما بعد سنوات من عمل السلطات
وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي استمرار قطع الكهرباء في أنحاء البلاد بهدف تخفيف الأحمال عن الشبكة بسبب الطقس الحار غير المسبوق، طالبا من موظفي الحكومة العمل من المنزل من كل أسبوع خلال الشهر المقبل.
وأوضح مدبولي خلال مؤتمر أن انقطاع الكهرباء قد يراوح بين ساعة أو ساعتين في اليوم "على الأكثر". ولكن خلال الأيام الماضية، أكدّ سكان سواء في دلتا النيل أو الجنوب أو أحياء في العاصمة أن الانقطاع تجاوز ساعتين وذلك مرارا في اليوم الواحد.
وقال مدبولي إن الحكومة ستتخذ خطوات طارئة من بينها تقنين استهلاك الكهرباء وزيادة واردات زيت الوقود (المازوت) في إطار مساعيها لمواجهة انقطاع التيار في الصيف.
وأضاف مدبولي أن مصر ستستورد ما قيمته 250 إلى 300 مليون دولار من المازوت للتغلب على انقطاع الكهرباء المتكرر، وأنها ستعلن عن خطة لتقنين الاستهلاك في الأماكن العامة.
وتشمل التوجيهات الجديدة قرارا يلزم بعض موظفي الحكومة بالعمل من المنزل في بعض أيام أغسطس آب.
في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الحكومة المصرية قطع التيار الكهربائي بشكل منتظم في محاولاتها للحد من الاستهلاك خلال موجة الحر.
وأوضح مدبولي أن الحد الأقصى لاستهلاك مصر اليومي من الغاز الطبيعي والمازوت في العام الماضي بلغ 129 مليون متر مكعب. ووصل الاستهلاك اليومي في يوليو تموز إلى 152 مليونا.
وقال مدبولي إنه تم استنفاد كل المتاح من المازوت حيث بدأ سحب المزيد من الغاز الطبيعي.
وقال وزير البترول طارق الملا إن مصر ستبدأ تصدير الغاز الطبيعي مرة أخرى في الخريف في الوقت الذي تتصدى فيه لارتفاع الاستهلاك المحلي في الصيف.
وأوضح الملا أن معظم إنتاج مصر يُستهلك محليا في الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة لكن هناك كميات فائضة متاحة للتصدير خلال الشتاء.
ونفى مدبولي أن يكون انقطاع الكهرباء نتيجة تراجع إنتاج الغاز الطبيعي أو مشاكل في حقل ظهر.
وقال "نحن نتحدث عن ظروف غير طبيعية يواجهها العالم أجمع، مع اختلاف درجة المشكلة من دولة إلى أخرى".
وأضاف رئيس الوزراء أنه بالإضافة إلى التوجيهات الجديدة، من المتوقع أن يستمر انقطاع التيار الكهربائي في أغسطس آب، لافتا إلى أن "الدولة قررت عدة إجراءات في هذا الصدد سيتم اتخاذها خلال الأيام القليلة القادمة".
وتشهد مصر، مثل الكثير من دول العالم، موجة حر بدأت قبل عشرة أيام، مع بلوغ درجات الحرارة نهارا أكثر من 45 درجة مئوية في بعض مناطق البلاد، بحسب هيئة الأرصاد المصرية.
ويعيد انقطاع التيار الكهربي إلى الأذهان الأزمة التي شهدتها البلاد خلال عهد الرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي عندما فجّر الانقطاع في الكهرباء ونقص المحروقات غضبا عارما بين المصريين دفعهم الى التظاهر ضد حكم مرسي إلى أن عزله الجيش في تموز/يوليو 2013.
بعدها، طوّرت مصر قطاع الكهرباء من خلال التعاقد في 2015 مع شركة "سيمنز" الألمانية لبناء ثلاث محطات كهرباء عملاقة باستثمارات بلغت سبعة مليارات دولار تقريبا. فزادت قدرة شبكة الكهرباء إلى أن وصل إنتاجها حاليا إلى نحو 60 ألف ميغاوات لتغطي ضعف الاستهلاك، في مقابل 29 ألف ميغاوات خلال عامي 2012/13.
بيان وشرح وسخرية
وقبل أسبوع، نشرت الشركة القابضة لكهرباء مصر بيانا مقتضبا يوضح للمواطنين خطة قطع التيار الكهربائي حتى يتسنى لهم الحذر والحفاظ على أجهزتهم المنزلية.
ولكن صيغة البيان كانت غير مفهومة بالنسبة للكثير من المصريين. وجاء فيه "يتمّ الالتزام بتنفيذ برنامج تخفيف الأحمال طبقا للقدرات المطلوبة من كلّ تحكم" و"مع مراعاة البدء في الفصل بمدة زمنية 10 دقائق قبل رأس الساعة و10 دقائق بعدها، وألا تزيد مدة الفصل عن ساعة من وقت فصل التيار".
لكن البيان لم يحدّد في أي ساعة سيتم هذا الفصل.
واستهل المصريون موجة السخرية من خلال تداول البيان الرسمي مصحوبا بمنشور آخر ساخر كُتب عليه "الترجمة". وفيه "لا يأخذ أحد المصعد قبل عشر دقائق من أي ساعة وعشر دقائق بعدها.. فقد تُقطع الكهرباء لمدة لا تزيد عن ساعة.. وهكذا في كلّ ساعة من اليوم".
وتساءل الإعلامي المصري البارز عمرو أديب عبر برنامجه على فضائية "إم بي سي مصر" عن معنى البيان، قبل أن يوضحه له المتحدث باسم وزارة الكهرباء أيمن حمزة عبر مداخلة هاتفية. فضرب مثلا قائلا "إذا كنا نتكلّم عن الساعة 12 (صباحا أو مساء)، هناك احتمالية كبيرة بانقطاع التيار الكهربائي في الفترة ما بين الساعة 11,50 و12,10. ولكن إذا تخطّت الساعة 12,15، فلن يشهد التيار انقطاعا".
فكتب أحدهم على موقع "فيسبوك" منشورا يشبّه المصعد بالقطار، وفيه "إذا فاتك مصعد (الساعة) الواحدة إلا عشر.. يمكنك اللحاق بمصعد الواحدة والثلث".
وتتالت التعليقات الساخرة على منصات التواصل الاجتماعي.
وكتب نجيب ساويرس، أحد أغنى رجال الأعمال في مصر، عبر حسابه على موقع "تويتر" أو "إكس" تعليقا على الأزمة "عندما توفى إديسون مخترع الكهرباء عام 1931، أُطفئت كهرباء العالم لمدة دقيقة تكريما له" مضيفا "ما زالت مصر ولبنان تكرّمان الرجل كل يوم".
وعلّق مستخدمون آخرون على "فيسبوك" قائلين "همّ يضحك"، في اجتزاء للمثل الشعبي العامي "همّ يضحك وهمّ يبكي".
وكتبت الناشطة الحقوقية البارزة ماهينور المصري عبر حسابها على "تويتر"، "وهو تخفيف أحمال الكهرباء يفرض على الكهرباء فقط، وليس على فواتير الكهرباء مثلا؟؟".
وبمرارة، يقول إسلام، المصري البالغ من العمر 36 عاما لوكالة فرانس برس، "لماذا نصدّر الغاز إلى أوروبا ونعيش في ظلام؟". ويشير إلى قرار الحكومة استثناء المناطق الساحلية من جدول قطع الكهرباء لعدم التأثير على الحركة السياحية، ويقول "أعتقد في البلدان الأخرى تكون الأولوية للمواطن".
وقفز إنتاج الغاز في البلاد، وفق السلطات، إلى 69,2 مليار متر مكعب عامي 2021/2022، وصادرات الغاز الطبيعي بشكل غير مسبوق لتبلغ ثمانية مليارات دولار في هذين العامين، في مقابل 0,6 مليار دولار عامي 2013/14.
وتشهد مصر التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين يعيش ثلثهم تحت خطّ الفقر، ظروفا اقتصادية قاسية.
وكانت صفحة التحقق من المعلومات "صحيح مصر" على موقع "فيسبوك" أوردت تصريحا سابقا لوزير الكهرباء المصري محمد شاكر أدلى به في آذار/مارس وقال فيه "زمن تخفيف الأحمال لن يتكرّر في مصر مهما بلغت الأحمال على الشبكة القومية للكهرباء، سواء خلال أشهر الصيف أو الشتاء".
وقالت الصفحة "لكن يبدو أن الوزير لم يفِ بالوعد الذي قطعه".
اضف تعليق