يجلس الجدّ السعودي التسعيني فرح المالكي يتابع بفخر ابنه وحفيده يعملان على زراعة البن الخولاني في منطقة جازان في جنوب المملكة، استمراراً لمهنة تتوارثها عائلته جيلاً بعد جيل منذ عقود، ولا يزال المالكي البالغ 90 عاما يعمل حافي القدمين في تقليم أشجار البن ذات الحبات الحمراء التي تنتج القهوة العربية...
يجلس الجدّ السعودي التسعيني فرح المالكي يتابع بفخر ابنه وحفيده يعملان على زراعة البن الخولاني في منطقة جازان في جنوب المملكة، استمراراً لمهنة تتوارثها عائلته جيلاً بعد جيل منذ عقود، ولا يزال المالكي البالغ 90 عاما يعمل حافي القدمين في تقليم أشجار البن ذات الحبات الحمراء التي تنتج القهوة العربية والتي قررت السلطات أخيرا تسميتها "القهوة السعودية"، وتحظى القهوة العربية ذات اللون الفاتح، التي تختلف عن القهوة السوداء المعروفة في ارجاء العالم، بمكانة مميزة لدى السعوديين. بحسب فرانس برس.
فهي رمز للكرم وحسن الضيافة وتقدم مرفقة بالتمور في بيوت جميع السعودين، بمن فيهم أعضاء الاسرة الحاكمة، وقال المالكي الذي ارتدى ملابس تقليدية هي عبارة عن قميص داكن وإزار ملوّن علق به خنجر لوكالة فرانس برس في مزرعته في جازان في جنوب غرب السعودية "والدي ورثها من أجداده وانا عملت بها وورّثتها لأبنائي واشتغلوا بها واحفادي ان شاء الله سيعملون بها"، وتابع الجدّ الذي احتفظ بهمّته ونشاطه رغم سنه ولفّ شماغا حول رأسه "أكبر مشاكل كانت تواجهنا هي نقص المياه وقلة الدعم"، لكن ذلك الوضع تغير أخيرا مع اعتبار السلطات العام 2022 كعام القهوة السعودية وإطلاقها مبادرات عدة لتنمية زراعة البن.
وأصدرت الرياض الشهر الفائت تعميمًا لكل المطاعم والمقاهي في المملكة، لاعتماد اسم "القهوة السعودية" بدلًا من "القهوة العربية"، فيما أعلنت شركة أرامكو السعودية العملاقة للطاقة الشهر المنصرم نيتها بناء مركز للبن في جازان، في خطوة تهدف "لاستخدام التقنيات لتحسين الإنتاج وزيادته"، وهذا المشروع من المبادرات المتعددة التي تندرج ضمن سعي المملكة إلى تنويع مصادر دخل اقتصادها المرتهن بالنفط.
ولدى الجدّ فرح تسعة ابناء يساهمون في أنشطة مرتبطة بتسويق البن الخولاني وتغليفه ونقله، لكنّ ابنه أحمد وأسرته هم من يتولون أمور الزراعة، وقال أحمد (42 عاما) الذي ارتدى ملابس تقليدية أيضا ووضع عصابة حول رأسه من زهور عطرية إنّ "زراعة البن موروث وغريزة تنتقل من الآباء للأبناء"، ويعرف عن البن الخولاني جودته العالية ومذاقه الفريد.
وفسّر أحمد ذلك بأنّ "كل المزارع عضوية خالية من المواد الكيماوية. نستخدم السماد الطبيعي دون اي مدخلات كيميائية"، وقال الباحث التاريخي يحي المالكي، وهو ليس من أقارب اصحاب المزرعة، إنّ "سر البن الخولاني" يرجع "لتميز بيئة زراعته في منطقة جازان حيث المناخ دافئ رطب مطير والتربة جيرية وبازلتية"، وتنتج المزرعة ما يصل إلى طنين ونصف طن من البن سنويا. ويتراوح سعر الكيلو منها ما بين 100 ريال إلى 150 ريالا للكيلوغرام (27-40 دولارا).
ورغم التجاعيد التي غزت وجهه، يصعد الجّد فرح بنشاط على سلم معدني ليقلم شجرة وينتزع منها أوراقاً وأفرع فاسدة، أما الابن أحمد فيحصد بعض الحبوب الناضجة ويناولها للحفيد منصور (11 عاما) الذي يضعها في كيس جلّدي بني اللون.
حلم اليونيسكو
وتضم المنطقة الجبلية عدداً من مزارع البن الذي يزرع على ارتفاعات عالية، ومع نهاية العام 2021، كانت لدى السعودية 400 ألف شجرة بن في 600 مزرعة تنتج 800 طن من البن سنويًا، وهو إنتاج ضئيل إذا قورن بإنتاج إثيوبيا على سبيل المثال، وتستهدف المملكة زراعة 1,2 مليون شجرة بن خولاني بحلول عام 2025، بحسب ما ذكرت صحيفة "عكاظ" المحلية، وتسعى السعودية إلى تسجيل البن الخولاني في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، ويأمل أحمد في أن يسهم إدراج البن الخولاني على قوائم اليونسكو في "دعم المزارعين والحفاظ على اشجار البن وأن يجذب مستثمرين أجانب" إلى المنطقة.
وهو يحلم بأن تنتقل المزرعة لابنائه "وابنائهم من بعدهم"، وأن تكون "مصدر رزق لهم"، وقسمت الأسرة المزرعة، التي تقع بمحاذاة جبل شاهق يفصل بين السعودية وجارتها اليمن، إلى مزارع عدة أصغر، وقال الجدّ فرح وهو ينظر إلى حفيده الذي يتولى أمور الري في المزرعة من بئر قريبة "قد تكون هذه المزرعة عزيزة عندي أكثر من ابنائي".
اضف تعليق