بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)
الأنوار المادية والمعنوية والغيبية للرسول الاعظم المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)([1])
الآية الشريفة تتضمن وتستبطن الكثير الكثير من اللطائف والحقائق والعبارات والإشارات على حسب التقسيم الرباعي الذي ورد في رواية سيد الشهداء (عليه السلام).
وهنا نشير الى بعض الإشارات فيما يتعلق بمفردة واحدة من مفردات هذه الآية الكريمة وهي مفردة: (وَسِرَاجًا مُنِيرًا).
المحتملات الخمسة في معنى (وَسِرَاجًا مُنِيرًا)
ففي هذا المقطع قولان للمفسرين إلا أننا سنضيف إليهما ثلاث احتمالات لتكون خمسة:
1) التشبيه.
وهو ما ذكره البعض من ان المراد من قوله تعالى: (وَسِرَاجًا مُنِيرًا) هو التشبيه أي ان إطلاقه على الرسول (صلى الله عليه وآله) هو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، كقولنا: زيد كالقمر أي يشبهه.. وعلى هذا يكون الكلام مجازا وليس حقيقة.
وفحوى هذا الرأي ان السراج في اللغة هو: المصباح الزاهر الذي يسرج بالليل أو مطلق المصباح، وقد يشمل الشيء المضيء كالشمس لكنه خاص بالمضيء إضاءة مادية، والنبي ليس سراجا تكوينا حسب هذا الرأي كما ان وجه زيد ليس قمرا تكوينا كما ليس هو بأسد حقيقة. وقد ذهب الى هذا الرأي صاحب الميزان في تفسيره.
2) المجاز بالحذف.
وذهب البعض إلى أن (وَسِرَاجًا مُنِيرًا) أي: وذا سراج منير، وهو القران الكريم، فالنبي (صلى الله عليه وآله) صاحب هذا الكتاب المنير وربانيه وقيمه فهو ذا سراج منير.
فليس هنا تشبيه بل هنالك حذف، وهذا الرأي ذهب إليه الزجاج.
وهذا الوجهان لا نرتضيهما لان المجاز سواء أكان بالتشبيه او بالحذف ام غير ذلك، لا يصار اليه الا عند تعذر الحقيقة او عند قيام قرينة على المجاز، اما اذا كان المعنى الحقيقي ممكنا وكان على مقتضى القاعدة، فكيف لو دلت عليه سائر الأدلة ايضا، فما الموجب للعدول الى غيره؟.
ومن هنا نذكر ثلاث احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية وهي سيالة نافعة في غير المقام أيضاً اذا ما استفيد منها ووظفت في العديد من الآيات الأخرى؛ بعد ملاحظة خصوصياتها والروايات المفسرة وبعض التفاسير المعتمدة.
3) الوضع للاعم من المادي والمعنوي.
ان نقول: ان السراج موضوع للأعم من السراج المادي والمعنوي، كالشمس والهداية من الضلال. وعندئذ فلا مجاز في البين؛ لان السراج –على هذا- لا يختص بالسراج المادي كالمصباح، بل هو موضوع للأعم.
وبعبارة اخرى: ان المدعى هو ان لفظة السراج في اللغة العربية او في المصطلح القرآني([2]) موضوعة للأعم من السراج المادي والمعنوي.
وقد ذهب الى هذا الرأي بعض المفسرين في آية أخرى وتبناه بشكل مطلق في كافة الكلمات، وتوضيح ذلك من خلال المثال الآتي:
أنواع الميزان ومصاديقه
فمن المعروف ان الميزان هو الميزان ذو الكفتين والقبان المتعارف والذي توزن به البضائع.. الا ان هذا مصداق واحد من مصاديق الميزان حسب هذا الرأي الثالث؛ لان هناك موازين متنوعة كثيرة من سنخ اخر إذ هناك الكثير من الاشياء أو الامور توزن بميزان اخر غير الميزان ذو الكفتين، فالشاقول مثلاً توزن به الأعمدة، والمحرار ميزان للحرارة، والإسطرلاب ميزان للمواقيت والارتفاعات، والمسطرة ميزان للخط، وغير ذلك من أصناف الموازين المادية.
بل وهناك موازين من نوع اخر كعلم العروض فانه ميزان للشعر، وعلم المنطق فانه ميزان للفلسفة وكثير من العلوم الأصولية.
بل وفوق ذلك فأن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) هو ميزان الأعمال كما ورد ذلك في الروايات والزيارات "السَّلَامُ عَلَى مِيزَانِ الْأَعْمَال"([3]).
فكل عمل يقاس بأمير المؤمنين (عليه السلام) فصلاتنا مثلا ما هو مقدارها ووزنها؟ وما هي قيمتها؟ ان الميزان لذلك هو أمير المؤمنين (عليه السلام)... وهكذا سائر الأعمال الاخرى.
وكذلك الموازين القسط في يوم القيامة كما قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)([4]) فالموازين هنا هي: ميزان الأعمال وميزان الافكار والمواقف.. كما فسرت موازين الآخرة أيضاً بالامام علي بن ابي طالب (عليه السلام).
والحاصل: ان الميزان لفظ لا يختص بالميزان المادي المتعارف بل له مصاديق متعددة.
وبعض المفسرين من مَن لهم نوع ذوق عرفاني كالصافي ارتأى ذلك وقال: ان كل الالفاظ لها روح ولها صورة.
لكننا لا نرتضي ذلك.. وهو بحث يرتبط بالوضع، فانه لا دليل –في عالم الإثبات- على ان الواضع وضع كل لفظ للأعم من المعاني المادية والمعنوية سواء أكان واضع اللغة العربية هو يعرب بن قحطان او مجموعة من الحكماء العرب على التدريج او غير ذلك من الآراء في الواضع، بل ذلك مستبعد فيهم: الالتفات لهذا المعنى الشمولي بشكل عام أو حين وضع كل مفردة مفردة، نعم لو قلنا بان واضع اللغة العربية هو نبي من الأنبياء أو هو الله تعالى مباشرة فانه لا وجه للاستبعاد لكن لا دليل على ذلك.
وبعبارة فنية: يمكن ذلك في عالم الثبوت، لكن في عالم الاثبات نحتاج الى دليل في كل مورد مورد، بل لعل تتبع مختلف الكلمات في كتب اللغة يبعّد ذلك([5]) بل قد يدل على عدمه الارتكاز أيضاً.
وبالتالي ففي حال استظهرنا ان السراج موضوع للأعم من السراج المادي والمعنوي فيمكن قبول هذا الراي الثالث ويكون رأياً جديدا يضاف الى ما تقدم من الوجوه.
4) الرسول (صلى الله عليه وآله) سراج مادي حقيقي ايضا
ان يقال ان الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) بالفعل هو سراج منير فهو سراج مادي ايضا وعلى هذا الرأي فاننا لم نتصرف في لفظة السراج بالتوسعة في الموضوع له كما في الرأي السابق ولا قلنا ان النبي كالسراج او انه ذا سراج كما هو الرأي الاول والثاني، بل نقول انه (صلى الله عليه وآله) بنفسه سراج منير كما ان الشمس والمصباح سراجان ماديان منيران.
فهو (صلى الله عليه وآله) سراج حقيقة ومنير بنور مادي أيضاً وليس بنور معنوي وحسب.
فان قيل: ان الذين رأوا النبي (صلى الله عليه وآله) لم يشاهدوا نورا يسطع منه (صلى الله عليه وآله)؟
قلنا: بل الامر عكس ذلك فان الكثير من الناس رأوا ذلك النور واخبروا عنه ومن لم يرَ ذلك فلأجل مانع كان على قلبه وبصره فأغشاه عنه أو أعماه، بل ان الامر غير مختص بالرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) بل ان هنالك الكثير ممن رأى نور الامير (عليه السلام) والزهراء والامام الحسن والامام الحسين (عليه السلام) واما من لم يرَ ذلك فشأنه شأن من لم يشاهد الشمس لكونه أعمى أو لوجود حجابٍ حاجز فالمشكلة فيه لا في الشمس.
والآيات والروايات الدالة على ذلك كثيرة ويمكن تصنيفها إلى أقسام، مما يحتاج إلى بحث مستقل، ولكن نشير إلى طائفتين فقط كإشارة سريعة دون استقصاء:
فقد ورد انهم سلام الله عليهم "خَلَقَكُمُ اللَّهُ أَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ"([6]) والظاهر انه بنور مادي وليس معنوي وحسب.
وقد ورد من طرق العامة ان عائشة كانت تقول: كنا نغزل وننظم الابرة على ضوء نور وجه فاطمة الزهراء، كما سيأتي، فلنبدأ برواية من طرق الخاصة:
كانت فاطمة تزهر لأمير المؤمنين بالنهار ثلاث مرات!
فقد روى الشيخ الصدوق: "عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَ سُمِّيَتِ الزَّهْرَاءُ (عليها السلام) زَهْرَاءَ فَقَالَ لِأَنَّهَا تَزْهَرُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي النَّهَارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِالنُّورِ كَانَ يَزْهَرُ نُورُ وَجْهِهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ وَالنَّاسُ فِي فُرُشِهِمْ فَيَدْخُلُ بَيَاضُ ذَلِكَ النُّورِ إِلَى حُجُرَاتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ فَتَبْيَضُّ حِيطَانُهُمْ فَيَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا رَأَوْا فَيُرْسِلُهُمْ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَيَأْتُونَ مَنْزِلَهَا فَيَرَوْنَهَا قَاعِدَةً فِي مِحْرَابِهَا تُصَلِّي وَالنُّورُ يَسْطَعُ مِنْ مِحْرَابِهَا مِنْ وَجْهِهَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي رَأَوْهُ كَانَ مِنْ نُورِ فَاطِمَةَ فَإِذَا نَصَفَ النَّهَارُ وَتَرَتَّبَتْ لِلصَّلَاةِ زَهَرَ وَجْهُهَا (عليها السلام) بِالصُّفْرَةِ فَتَدْخُلُ الصُّفْرَةُ حُجُرَاتِ النَّاسِ فَتَصْفَرُّ ثِيَابُهُمْ وَأَلْوَانُهُمْ فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا رَأَوْا فَيُرْسِلُهُمْ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَيَرَوْنَهَا قَائِمَةً فِي مِحْرَابِهَا وَقَدْ زَهَرَ نُورُ وَجْهِهَا (عليها السلام) فَإِذَا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ احْمَرَّ وَجْهُ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَأَشْرَقَ وَجْهُهَا بِالْحُمْرَةِ فَرَحاً وَشُكْراً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ يَدْخُلُ حُمْرَةُ وَجْهِهَا حُجُرَاتِ الْقَوْمِ وَتَحْمَرُّ حِيطَانُهُمْ فَيَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْتُونَ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) وَيَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِكَ فَيُرْسِلُهُمْ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ([7]) فَيَرَوْنَهَا جَالِسَةً تُسَبِّحُ اللَّهَ وَتُمَجِّدُهُ وَنُورُ وَجْهِهَا يَزْهَرُ بِالْحُمْرَةِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي رَأَوْا كَانَ مِنْ نُورِ وَجْهِ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ النُّورُ فِي وَجْهِهَا حَتَّى وُلِدَ الْحُسَيْنُ (عليه السلام) فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي وُجُوهِنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي الْأَئِمَّةِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ إِمَامٍ بَعْدَ إِمَام"([8])
ولنا بحث حول فلسفة هذه الألوان الثلاثة في الأنوار الفاطمية (سلام الله عليها) قد نتطرق له في وقت آخر إذا شاء الله تعالى.
وقد تتبع السيد المرعشي النجفي الرواية من كتب العامة في تعليقته على إحقاق الحق، فنقل مصادر عديدة لرواية عائشة المتقدمة فيقول:
عائشة: كنا نخيط ونغزل وننظم الابرة بالليل بضوء وجه فاطمة (عليها السلام)
(ضوء وجه فاطمة (عليها السلام)
رواه القوم منهم العلامة المؤرخ الشيخ احمد بن يوسف بن احمد الدمشقي الشهير بالقرماني في كتابه (اخبار الدول واثار الملل ) صفحة 87 قال:
(قالت عائشة كنا نخيط ونغزل وننظم الابرة بالليل بضوء وجه فاطمة ).
ثم يذكر السيد المرعشي روايات عديدة بهذا الشان فمن احب يمكنه مراجعتها في التعليقة المذكورة.
والحاصل: ان المتتبع للروايات سيجد الأدلة الوافية على ان نورهم كان ماديا ايضا اضافة الى نورهم المعنوي الذي لا خلاف فيه.
وعليه: فالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان سراجا منيرا بالفعل: معنويا وماديا، وقد لا يراهما من عميت عينه وبصيرته إذ حجبت بحجاب الشهوات والمعاصي والموبقات وسُور الانا والانانية التي عزلته عن مشاهدة النور والانوار فأصبحت نفسه ملوثة أو متسافلة منحطة الى درجة تعذرت عليه مشاهدة ذلك النور.
الشيخ عباس القمي والنور الذي يسطع منه
كان احد الأخيار يمشي في ظلام الليل البهيم في احدى أزقة مدينة مشهد المقدسة وفي قلب الشتاء القارس فرأى في وسط الزقاق نورا يتصاعد الى السماء وكان نوراً عجيباً متميزاً لم يعهد نظيراً له من قبل وكان الغريب في النور انه كان يتحرك إلى الأمام وكان ينطلق من ارتقاع معين من الارض باتجاه السماء فاقترب منه واذا به يرى شخصا يمشي والنور يخرج من فمه ويصعد إلى السماء فاقترب اكثر واذا به – على ما ببالي - الشيخ عباس القمي رحمه الله فاستغرب اكثر فانه وان كان يعلم ان للشيخ عباس مقاما ساميا الا انه ما راء كمن سمعا فسلم عليه وسأله عن ذلك؟
فاشترط عليه الشيخ ان يكتم هذا الامر الى حين وفاته وقال له ما يقرب من هذا: انني عندما انشغل بذكر الله تعالى او اصلي على النبي واله يخرج هذا النور من فمي الى عنان السماء.
ومن جهة أخرى فقد ورد ان النظر الى وجه العالم عباده.. ولا شك ان هذه الحقائق يدركها من كانت له القابلية اما من لم يكن لائقا قلا يرى شيئا.
5) الاشعة والطاقة الايجابية
النور على حسب التعريف المشهور هو: الظاهر بنفسه المظهر لغيره.
وهناك أشعة كونية مختلفة تملأ فضاءات الكون وذلك رغم أهميته ليس مورد حديثنا لكن ما يهمنا الان هو الاشعة التي تصدر من بدن الانسان أو مخه أو نفسه وروحه وتترك تأثيراتها على ما يجاورها، بنحوٍ أو بآخر، حيث ان كل انسان تصدر منه اشعاعات مختلفة تحمل طاقة إيجابية أو سلبية حسب درجات ايمانه او فسقه فانها تزداد كلما ازداد إيماناً أو فسقاً إلى ان تصل إلى أعلى درجاتها في خاتم الانبياء والمرسلين وسيد الكونين محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله)؟
ومن المحتمل ان يكون (سراجاً منيراً) أي بأنواع من الأنوار والاشعاعات التي تزيل الظلم والشوائب والعوالق وأشباهها فليس المراد على هذا – النور الكاشف عن الواقع فقط، بل النور والشعاع – أو والأمواج والذبذات – التي تؤثر في الواقع وتغيره أو حتى تصنعه.
ولقد ثبت علمياً ان هناك امواج واشعة وذبذبات مختلفة، يمكن ان ترصدها الاجهزة الحديثة ومن الاشعة التي تصدر من بدن الانسان: الاشعة الكهرومغناطيسية وهي تترك تاثيرا على المكان وعلى المكين.
كما ان من الأشعة التي تصدر من المخ: امواج (الفا)، وكذا امواج (بيتا) وأمواج (ثيتا)، وامواج (دلتا)، وأمواج (غاما) وهذه يمكن ان ترصد من خلال اجهزة التخطيط المسماة (eeg).
فالمخ له امواج والقلب له امواج بل وسائر البدن.. وقد اصبح هذا الامر من الواضحات في العصر الحديث.
وبذلك يسهل ان نعرف الحقائق التالية وان نكتشف بعداً جديداً من ابعادها:
سر الحب والبغض وتموجات الحقد والحسد
ان الانسان عندما يحن الى شخص او يحبه، فان ذلك يتموج على قلب الاخر فيؤثر عليه بدرجة أو أخرى، حتى ان لم يكن بالجوار.
وكذلك اذا حقد او حسد شخصا فان ذلك يتموج على قلبه بحيث يجعله يشعر بشعور سيء وانقباض.
وهكذا تجد انك اذا احسنت الظن برجل معين فانه سيحسن الظن بك ايضا آلياً أو إذا اسأت به الظن أساء بك الظن.
ولا يخفى ان كل ذلك إنما هو بنحو المقتضي وليس بنحو العلة التامة كما انه قد توجد عوامل أخرى مضادة تترك تأثيرات معاكسة وتكون لها الغلبة.
تموجات النية والحب أو الحقد والتواضع أو الكبرياء
كما انه ورد "نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِه"([9]) واحدى وجوه ذلك هو ان النية بنفسها تؤثر في ذاتك وفي الاخرين والجو المحيط، سواء أخذنا (من) تبعيضية أو نشوية.
فمن ينوي ان يؤذي الآخر ينعكس ذلك على قلب ذلك الآخر – إذ انه بنيته يصدر امواجا او اشعة اتجاه الجهة التي يروم أذيتها فتشعر به تلك الجهة ان كانت ذات حساسية وافية.
فكل انسان يمتلك طاقة ايجابية أو سلبية تتكون من النور والاشعة والامواج التي لا ترى بالعين المجردة.
والحاصل: ان مسائل الحب والحنان والرأفة من جهة، والحسد والحقد من جهة اخرى بل وحتى التواضع والكبرياء يشعر بها الاخرون ممن لهم الاستعداد لالتقاطها وان لم يتكلم الشخص أو تصدر منه أية حركة أو إشارة دالة على صفته النفسية هذه، وذلك لأن الانسان الحاقد او الحاسد او المحب أو المتواضع وان كان صامتا فانه تتموج منه أمواج أو أشعة الى قلوب الآخرين فقد تكون تحمل شحنات إيجابية كالحب والرحمة أو تحمل شحنات سلبية (كالحقد والبغضاء والحسد).
ولعل ذلك من وجوه ما ورد من ان "الْمُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّه"([10]) و "اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل"([11]) فهو يرى إلا أن الرؤية من نمط أخر.
تموجات حسن الظن وسوئه على الآخرين
ومن هنا ورد التأكيد في الروايات على حسن الظن بالناس فان له فوائد كثيرة منها ومنها ما أشرنا إليه وهو انه ينعكس هذا الشعور الإيجابي على الاخرين وتتموج على قلوبهم محبته وحسن الظن به فترتفع الاحقاد والاضغان وتنتشر طاقة ايجابية في المجتمع فيسود الوئام والحب والسلام.
اما اذا حصل العكس وأساء الكل الظن بالكل فسوف تنتشر شحنات سلبية في المجتمع فيكثر التوتر والقلق وتزداد الكأبة ويزداد التشائم واليأس فيكثر الانتحار حتى ان بعض الاحصاءات للسنوات السابقة تشير الى ان اكثر من 800 الف انسان ينتحرون في العالم سنوياً، وكذلك فانه قد تتطور المسالة فتكون تلك النوايا السلبية هي الشرارة التي تقدح زناد الحروب والنزاعات المحلية والإقليمية أو العالمية.
المصافحة
بل نقول اكثر من ذلك: ان العلم الحديث اثبت ان الذبذبات تتركز اكثر ما تتركز في أطراف الإنسان كأطراف الاصابع، ولذلك فانه لعل من وجوه استحباب المصافحة بين المؤمنين هو هذا المعنى.
وفي الرواية اذا تصافح المؤمنان تحاثت ذنوبهما كما يتحاث الورق من الشجر في الشتاء.
"عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: لَقِيَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) حُذَيْفَةَ فَمَدَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) يَدَهُ فَكَفَّ حُذَيْفَةُ يَدَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) يَا حُذَيْفَةُ بَسَطْتُ يَدِي إِلَيْكَ فَكَفَفْتَ يَدَكَ عَنِّي فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِيَدِكَ الرَّغْبَةُ([12]) وَلَكِنِّي كُنْتُ جُنُباً فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَمَسَّ يَدِي يَدَكَ وَأَنَا جُنُبٌ فَقَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمَيْنِ إِذَا الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ"([13]).
ولعل هنالك ذبذبات ايمانية ايجابية تنتقل من يد المؤمن الى المؤمن الاخر.
ملامسة الأرحام
كذلك ورد في الحديث: "فَإِنَّ الرَّحِمَ إِذَا مُسَّتْ سَكَنَت"([14]) ولعل السبب هو ان هناك تناغماً طبيعياً بيم ذبذبات الارحام والاقارب والأمواج والأشعة الصادرة من أجسامهم أو نفوسهم وأرواحهم ولذا يهش بعضهم الى بعض ويبش ويشعر بعضهم بالانجذاب الطبيعي الى رحمه الاخر فترى الوالد ينجذب الى ابنه والام الى ولدها والاولاد الى ابائهم وامهاتهم والاخوة إلى اخوانهم أو أبناء عمومتهم أو أخوالهم وهكذا.
ومن هنا فاذا تحركت القوة الغضبية عند احد اتجاه واحد من أرحامه، فانه واستناداً إلى هذه الرواية ونظائرها([15]) فليلمسه فانه سوف تسكن قوته الغضبية حينئذٍ وتهدأ، الا ان ذلك إنما هو بنحو المقتضي كما تقدم.
فهذه الامور وان كنا نتلقاها على انها امور غيبية اخبر بها الرسول واهل البيت عن الله تعالى وهو كذلك الا ان لها عللا مادية ايضا، وهي هذه الاشعة والامواج والذبذبات المتناغمة المتجانسة والطاقة الإيجابية أو السلبية المنتشرة.
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) المنبع التكويني للفضائل والطاقات الإيجابية
والحاصل: ان العالم مشحون بالاشعة والأمواج والذبذبات المختلفة المتنوعة وان قمة هذه الأشعة والتموجات الايجابية الطيبة العطرة والسامية تتجسد وتتمركز في نفس رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، فهو المنبع الاول لكل الفضائل ومنها كونه المنبع والمبعث لكل انواع الاشعة الايجابية الطيبة بأفضل صورها وانقى تموجاتها وهي تنبعث من فكره وقلبه ومشاعره واحاسيسه اتجاه عباد الله ومختلف مخلوقاته.
بل يمكن القول: ان مجرد ذكره (صلى الله عليه وآله) وذكر اسمه الشريف وفضائله والصلاة عليه يبعث التموجات والانوار المادية – إضافة للمعنوية – والاشعاعات وأنواع الطاقة الايجابية الطيبة على الارجاء وفي الانحاء وعلى القلوب الذاكرة له صلى الله عليه واله، الامر الذي يشعر به المؤمنون عندما يذكرونه أو يصلون عليه ويسلمون له وعليه تسليما، وانت ايها القارئ الكريم تشعر الان بوجدانك وصفاء سريرتك وتشهد على صحة ما نقول حيث ينتابك شعور إيماني محبب وانشراح في الصدر وهدوء في النفس وبشحنة وطاقة إيجابية ونحن نذكر بعضا من فضائله وخصائصه صلوات الله عليه !!
وبالتالي فالأمر الذي نريد ان نقربه الى الذهن هو ان وصف الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) بكونه سراجا منيرا لا مانع من كونه وصفاً حقيقياً لكونه (صلى الله عليه وآله) منيراً إنارة حقيقية بنور ينبعث من بدنه الشريف ونفسه الكريمة إضافة إلى نور هدايته وإرشاده وعلمه ومعنويته، ولعل هذا هو الأقرب وهذا هو المعنى الرابع أو ان المراد هو المعنى الخامس وهو كونه (صلى الله عليه وآله) مصدراً منيراً للاشعاعات والطاقات الايجابية.
ومن التزم بالمعنى الثالث (السراج موضوع للأعم من السراج المادي والمعنوي) فانه يمكنه الالتزام بالتفسير الخامس وهو انه (صلى الله عليه وآله) سراج منير للاشعاعات والطاقات بكافة أنواعها الإيجابية.
واما من لا يلتزم بالوضع للأعم فسيكون ما طرحناه من المعنى الخامس مجرد معنى مناظر للمقام ولا يكون تفسيراً للآية على هذا – وإن صح في حد نفسه.
الطاقة والأمواج والذبذبات الإيجابية في المساجد والمشاهد المشرفة
ولنضف بعض الشواهد الأخرى على الطاقات الإيجابية في ما يحيط بنا:
فعندما يذهب الإنسان الى المسجد فانه يشعر بروحانية واضحة وما ذلك إلا لان هنالك طاقة ايجابية منتشرة في أرجاء المسجد ومصدرها الأذكار وتلاوة القران وصلوات المصلين والذاكرين بل والمسجد بما هو مسجد فانه مبعث الطاقة الإيجابية البنّاء، على العكس من السينما ومراكز الفساد حيث انها مبعث الطاقة السلبية الفاسدة الهدامة.
ومن جهة أخرى فقد اثبت العلم الحديث ان النبات له طاقة يختزنها بداخله واذا ما تناغمت طاقة هذا النبات مع مسار الطاقة الصحيح في داخل الانسان فانها تساعد على القضاء على المرض الذي أصابه فيشفى باذن الله تعالى.
ففي المساجد والمراقد والمشاعر طاقات ايجابية كثيرة ومتنوعة، ولعل ذلك من الأسباب الباعثة على الحث على زيارة تلك المراقد المقدسة وان من اكثر من تلك الزيارات كانت البركة في حياته وبيته وجسمه ورزقه واولاده أكثر وهي ليست مجرد بركة غيبية بل هي حقيقة خارجية ينالها الانسان من خلال تلك الطاقات والشحنات المختلفة التي تتمركز حول المراقد والاضرحة المقدسة.
فمثلاً: الانسان المقدر له –حسب لوح المحو والإثبات- ان يعيش 50 سنة اذا لم يكثر من الذهاب للمشاهد المشرفة والمساجد والحسينيات فانه يكتب له إذا أكثر الذهاب إليها ان يعيش 80 سنة مثلاً أو أكثر.
الطاقة والأمواج والذبذبات السلبية في مراكز الفساد
وبالعكس من ذلك ايضا فان الانسان الذي يذهب الى مراكز الفجور والفسوق وهي مليئة بالشحنات السلبية والطاقات والأمواج والذبذبات الهدامة فتنعكس على روحه ونفسه وبدنه وعافيته فان كان مقدرا له ان يعيش 70 سنة فقد يقصم الله عمره فيكون 50 سنة أو أقل من ذلك بكثير.
كما ثبت ايضا ان البيت الذي حصلت فيه جريمة قتل وتعذيب وصراخ قبل ساعة أو ساعات أو حتى أيام فانه إذا دخله الانسان فسوف يشعر بالانقباض والانزعاج والتشائم –حتى وان اخفيت آثار الجريمة تماماً بحيث لا يلحظ الزائر أي أثر ومظهر- وما ذلك الا لوجود طاقة سلبية منتشرة في المكان وقد ثبت ان الاثير يحمل كل الصور والأحداث وغيرها بحيث لا تمحى تلك الصور والاثار الحاصلة أبداً ولذلك بحث مفصل ليس هاهنا محل ذكره.
والأمر على العكس تماما في المكان الذي يقيم به جماعة من المؤمنين مجلسا حسينيا ويبكون على سيد الشهداء ثم يعقبونه بالدعاء والمناجاة ثم يخرجون منه، فانه اذا جاءه شخص بعد ساعتين او ثلاث أو أكثر فانه سيشعر بروحانية تغمر المكان وتتموج على قلبه وفكره وروحه، والسبب ايضا تلك الطاقة الإيجابية التي تشبّعت بها الأجواء.
ثم ان الاشعة الايجابية والطاقات الكونية الايجابية المنوعة الحسنة الطاهرة والتي تصدر من بدن النبي المبارك واهل بيته الكرام (عليهم السلام) هي كماً وكيفاً وجهة مما لا ترقى اليها عقولنا، ولعل ذلك من وجوه "وَلَوْ لَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَّا لَسَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا"([16]) كما ان الجاذبية والقوة الطاردة والجاذبة هي سبب حفظ الكرات في مساراتها.
ولعل ذلك أيضاً من وجوه تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)([17]) فإننا لسنا مطهرين من كثير من الجهات ومنها الأشعة والطاقة المنبعثة من ابداننا، بينما الرسول والأئمة (عليهم السلام) فانهم من كل الجهات مطهرون ومن تلك الجهات الأشعة والأمواج والذبذبات والطاقات التي تصدر من ابدانهم واجسامهم الشريفة.
الاثار التكوينية للقاء بسيد الكائنات الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
ومن ذلك كله نكتشف ان من يقترب الى شخص الامام (عليه السلام) او يحظى بنظرة منه او دعاء او مصافحة فانه، بذلك، قد يحدث فيه تحول جوهري وتنقلب حياته الى افضل حال واعود عائدة، على حسب قابليته وصلاحيته واستعداده.
ومن هنا نجد ان الصالحين والأبرار يبحثون ليل نهار عن سيدهم ومولاهم عجل الله تعالى فرجه الشريف وينشغلون بتهذيب أنفسهم وتزكيتها وبالأذكار والختومات الشرعية وبالتهجد والتضرع كي يحظوا ولو بنظرة مباشرة من الإمام أو بثانية من اللقاء المقدس به، روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء، فان ذلك شرف عظيم وله من الاثار الوضعية ما له، فان له آثاراً معنوية ومادية تتموج على قلب الإنسان وفكره وتقواه وعلى بدنه او على النطف الموجودة في ظهره وقد يكون ذلك السبب في ان يولد له ولد صالح مبارك وقد يكون من العلماء الابرار والمراجع العظماء ببركة تلك النظرة الخاصة أو ذلك اللقاء المبارك.
ولكن ومع الأسف الكبير فان الكثير من المؤمنين بل الأكثر منهم ليست لهم القابلية للقاء ولي الله الأعظم عجل الله فرجه فيحرمون من هذه الفيوضات الكبرى، الا انه – ومع ذلك فان هناك باباً آخر فتحه الله تعالى لغاية لطفه وكرمه وهو ان الإمام (عليه السلام) يتفضل على كثير منهم فيرونه وإن كان ذلك من حيث لا يشعرون فيكتسبون كثيراً من تلك الآثار الطيبة وهم لا يعلمون مصدرها، وذلك بمعنى ان الإمام عجل الله فرجه يتعمد ان يقترب ويراه بعض المؤمنين وان لم يعرفوه بحقيقة الحال مما يسبب البركة في إيمانهم وأولادهم وسائر شؤونهم، وقد ورد في الروايات ان الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عندما يظهر فان الكثير من المؤمنين سيتذكرون انهم رأوه وإن لم يعرفوه حينذاك.
ولكن يبقى مع ذلك الفارق بين من ترقى وارتقى حتى حظي بشرف اللقاء بولي الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهو يعرفه وبين من التقى وهو لا يعرفه، وذلك فضل الله يعطي من يشاء والله واسع عليم. اللهم ارزقنا بحق أوليائك الطيبين وبحق علي أمير المؤمنين وإمام المتقين رأفته ورحمته ودعاءه وخيره والفوز بلقائه ونصرته والشهادة بين يديه. أمين رب العالمين.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.
اضف تعليق