هل يمكن أن ننتصر على الغرب.. وكيف؟ بين الحل الطوباوي والحل العملي

وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ (5)

قد يبدو الحل العسكري هو العمل العملي والواقعي بينما تبدو فكرة أسلمة الغرب طوباوية. ولكن نقول: العكس هو الصحيح تماماً كما تشهد بذلك المعطيات الميدانية الأخيرة والأرقام والإحصاءات الغريب اننا نرى معظم الدول الإسلامية تنتهج منهج التسلح حتى العظام، لا لمواجهة الدول الاستعمارية وإسرائيل بل لمواجهة عدو مفترض مجهول...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

قال الله العظيم في كتابه الكريم: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) (سورة آل عمران: الآية 140).

حكومة الثوابت على المتغيرات

من البصائر القرآنية: في عالم التكوين توجد ثوابت كما توجد متغيرات، والأمر في المجتمع الإنساني كذلك، وفي عالم التشريع أيضاً هنالك ثوابت ومتغيرات.

فالكون في حركة دائبة من أقمار وشموس ومنظومات ومجرات وأشجار وأنهار وحيوانات وسحب وأمطار وذرات وإلكترونات وفوتونات وأمواج و...

وفي المجتمع الإنساني حركة دائمة صاعدة ونازلة ودائرية وأفقية: من قوة وضعف وازدهار وانحطاط وكثرة وقلة وطفولة وشباب وشيخوخة وصحة ومرض وحياة وموت... إلخ

وفي عالم التشريع هنالك متغيرات إذ تحكم العناوين الثانوية، كالضرر والحرج والاضطرار والإكراه و...، الأحكامَ الأولية، كالصوم والحج ونظائرهما، فلا يجب الصوم الضرري مثلاً بل قد يحرم وهكذا.

ولكن متغيرات الأحكام تحكمها ثوابت، منها مثلاً: المستقلات العقلية إذ تدور جميع الأحكام في دائرة العدل ونفي الظلم.

والمجتمع الإنساني كذلك متحرك متغير، ولكنه تحكمه قاعدة ثابتة هي سُنّة التغيير والتي يشير إليها قوله تعالى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) فالناس جميعاً في حركة دائبة بين قوة وضعف وغنى وفقر ودولة حاكمة وأخرى محكومة ثم ينعكس الأمر أو يحكم ثالث، وبين مستعمر ومستعمَر ومضطِهد ومضطَهد، ولكن قانون (المداولة) يبقى هو الحاكم: فلا الغرب يبقى حاكماً على الكرة الأرضية أبد الدهر، ولا الشرق يبقى محكوماً إلى النهاية.

وكما حكم المسلمون العالم ألف سنة ثم أزيلت منهم القوة لصالح الغرب، فكذلك حكم العالم الغربي في العصر الراهن، وتاريخ الهند والصين واليابان وغيرها شاهد على المداولة كسنّة حتمية من سنن الله تعالى، قال جل اسمه (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْديلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْويلاً)[1].

هل وضع بلادنا مأيوس منه؟

ومن هنا ننطلق إلى حالتنا كدول إسلامية وعلاقتنا مع الغرب.. وانه لمن المستقبل؟ وهل يمكننا أن ننتصر على الغرب؟ وكيف ذلك ومتى وأين؟ فنقول:

لا شك ان وضع بلادنا الإسلامية مما لا يسر القريب ومما يشمت بنا العدو.. من فقر إلى بطالة إلى تضخم إلى خراب يحل ببلادنا واحدة بعد الأخرى.. السودان.. اليمن.. لبنان.. سوريا.. والقائمة مفتوحة.. ولكن مع ذلك يجب أن نتساءل: هل يمكن أن لا تطاردنا الانكسارات وأن لا نتكبّد الخسائر يوماً بعد آخر في بلد إثر آخر؟.. وهل يمكن أن ننعم بالاستقرار أولاً ثم بالازدهار.. بل هل يمكن لنا أن نتصدّر الحضارات من جديد؟

مَثَلُنا والغرب كسيارتين متسابقتين..

قد يبدو الوضع مأيوساً منه لأن مَثَلَنا والغرب، كما يقول أحد المفكرين، كمثل سيارتين احداهما تسير بسرعة 70 والأخرى تسير بسرعة 120 فلا شك ان الفاصل بين السيارتين يزداد ساعة بعد ساعة: 50 كيلو متراً في الساعة الأولى ثم 100 في الساعة الثانية.. وهكذا.

ولكن ما بالك إذا كانت السيارة الأولى تزداد سرعة بمرور الوقت: 120 ← 130 ← 140 ← 150 وهكذا بينما السيارة الثانية تزداد بطأً بمرور الوقت: 70 ← 60 ← 50.. وهكذا؟

ان المأساة ان سيارتنا تزداد بطئً بمرور الوقت، إما للاستبداد الداخلي أو للتخطيط والتدخل الخارجي بطرق مختلفة ومنها الحروب المفروضة علينا أو التي ننجر إليها، لسبب أو آخر، انجراراً.. فلاحظ سوريا مثلاً حيث انها، بتقدير الخبراء تحتاج إلى أكثر من 200 مليار دولار أو أكثر، وإلى عشرات السنين من الإعمار في البنية التحتية والبيئة و... لتعود إلى حالتها الأولية ما قبل 20 سنة!

وهكذا لبنان.. التي دمرتها إسرائيل بوحشية، وقد خمّن بعض الخبراء عدد البيوت التي دمرتها إسرائيل (أو التي تضررت بشدة) بحوالي مائة ألف منزل وبيت وشقة.. وهو رقم مهول حقاً.. ولاحظ اليمن أيضاً والسودان...

أما الغرب فيزداد ثراء وقوة واستذئاباً.. على حساب بلادنا في جانب وبالتقدم الصناعي والعلمي والمبتكرات في جانب.

الحل حلان: الحل العسكري، والحل الإسلامي

ولكن هل من مخرج وحل؟

الحل حلّان:

الحل الأول: الحل العسكري والقوة الصلبة.

والحل الثاني الحل الإسلامي الذي يستخدم القوة الناعمة ونعني بها هنا السعي لأسلمة الغرب ونعني بالأسلمة أن نحوّل شعوبهم إلى مسلمين، فإنه لا يعقل إذا تحولت أكثريتهم إلى الإسلام أو تحولت شرائح واسعة جداً منهم، ولنسّمها بالأقلية الفاعلية، أن يسمحوا لحكوماتهم بتزويد إسرائيل بالسلاح ولا بإمدادها بالأموال ولا حتى باستخدام حق النقض في الأمم المتحدة ضد أي قرار يدين إسرائيل، وإسرائيل من دون دعم الولايات المتحدة لا يمكنها الصمود أبداً مقابل الدول الإسلامية والعربية بل ربما حتى مقابل الفلسطينيين وحدهم! هذا إضافة إلى اننا نرى ان إسلام الغرب هو لصالحهم لأن الإسلام المحمدي العلوي يجلب إليهم السعادة ويكسب حياتهم معنى ويزيدهم رخاءً، كما انه لصالح السلم العام والاستقرار الدولي فيما نرى.

أيهما العملي وايهما الطوباوي؟

وقد يبدو الحل العسكري هو العمل العملي والواقعي بينما تبدو فكرة أسلمة الغرب طوباوية...!

ولكن نقول: العكس هو الصحيح تماماً كما تشهد بذلك المعطيات الميدانية الأخيرة في لبنان وسوريا وكما تشهد به الأرقام والإحصاءات أيضاً.

والحل العسكري اختارته بعض الدول الإسلامية.. بل الغريب اننا نرى معظم الدول الإسلامية تنتهج منهج التسلح حتى العظام، لا لمواجهة الدول الاستعمارية وإسرائيل بل لمواجهة عدو مفترض مجهول مستقبلي أو مواجهة عدو معلوم حالي والذي غالباً يكون بلداً إسلامياً مجاوراً![2]

وقد اختارت منظمة التحرير الفلسطينية منهج الثورة المسلحة وخيار السلاح في مواجهة إسرائيل الغاصبة.. كما اختارت إيران التسلح بأبعاده الواسعة كخيار استراتيجي في مواجهة إسرائيل وأمريكا: داخلياً عبر تصنيع الأسلحة الاستراتيجية، وخارجياً عبر تزويد الوكلاء في المنطقة، خاصة لبنان ثم اليمن ثم العراق، بالأسلحة الخفيفة والثقيلة.

محطة توقف لدراسة استراتيجية الحل العسكري

ولكن يجب أن نتوقف لندرس هذه الاستراتيجية وما الذي حصدته من نتائج على أرض الواقع؟ وهل هذه النتائج هي ما كنا نتمناه ونريده ونصبو إليه؟ أم اننا أُخِذنا على حين غِرة وتكشفت لنا الأيام عما كنا نكرهه وعما لم نكن نتوقعه أصلاً؟

ولنعد إلى الوراء قليلاً لنستكشف رؤية عدد من أعاظم علمائنا تجاه الحل العسكري، والذي لا ينفيه أحد بقول مطلق وإنما الكلام في صحة التشخيص في هذا الظرف أو ذاك وانه قد يكون خاطئاً في ظل ظروف عالم اليوم وقد يكون صحيحاً، وقد توجد بدائل في المقاومة أجدى وأنفع من هذا النمط من المقاومة، وذلك كله بعد أخذ رأي أهل الحل والعقد من الأمة من مفكرين وعلماء سياسة واقتصاد واجتماع ورؤساء وقيادات عشائر وأحزاب ونقابات واتحادات وغيرها وبعد أخذ رأي شورى الفقهاء المراجع، في ظروف أخرى:

السيد ابن طاووس يواجه المغول بالقوة الناعمة وينجح

* السيد ابن طاووس المتوفى 664 هـ[3] والذي كان نقيب الطالبيين حينذاك.. فقد غزت قوات المغول البلاد الإسلامية واحتلوها واحدة بعد أخرى وأطاحوا بالامبراطورية العباسية.. ثم انه، وبحسب تاريخ ابن الطقطقي، وهو محمد بن علي بن طباطبا، فإن هولاكو جمع علماء المسلمين بالمستنصرية واستفتاهم: هل الحاكم المسلم الجائر أفضل أم الحاكم الكافر العادل؟ ويقصد بالمسلم الجائر الحاكم العباسي ويقصد بالحاكم الكافر العادل نفسه إذ كان بوذياً، ولكن سؤاله هذا كان يستبطن انه ينوي العدل في الحكم.

وهنا تتجلى حكمة السيد رضي الدين بن طاووس.. إذ حينما رأى سكوت جميع العلماء، لأن المذاهب الثلاثة، الشافعية والحنفية والحنبلية ترى وجوب إطاعة الحاكم الجائر المسلم وعدم جواز الخروج عليه بالسيف، خلافاً لأبي حنيفة[4] الذي جوّزه بل وشجّع على الانضمام إلى ثورة إبراهيم أخ محمد ذي النفس الزكية.

والمهم ان السيد ابن طاووس لم يختر الحل العسكري أبداً.. بل اختار مقارعة المغول بالقوة الناعمة ولو كان اختار القوة الصلبة والدعوة للثورة والجهاد الدفاعي ضد الغزاة المحتلين الكفرة، لدمّر المغولُ بلادَ الإسلام أكثر فأكثر فأكثر، كما فعلت إسرائيل الغاصبة الآن بلبنان وسوريا، وقد أجاب السيد ابن طاووس: بأن الحاكم الكافر العادل أفضل من الجائر المسلم (لأن جور المسلم يقع علينا بقتل ونهب وسلب ومصادرة بينما عدل الكافر يكون لنا، أما إسلام هذا فبينه وبين الله تعالى وكذا كفر ذاك).

ثم ان علماء الشيعة، وتبعهم علماء العامة، على أرض الواقع تجنبوا منهج الثورة المسلحة.. بل عمل علماء الشيعة بجد وصبر على (أسلمة المغول) وهكذا خلال ثلاثة عقود فقط تحول الغازي إلى مغزيّ وأسلم المغول فانتصر علماء الإسلام مرتين: مرة إذ جنّبوا البلاد الإسلامية الدمار الشامل، ومرّة إذ انتصروا على الكفار بتحويلهم، وهم الأقوى، إلى مسلمين مدافعين عن الإسلام (قال وزيرهم رشيد الدين فضل الله الهمداني في لحظة إسلامهم: "إن غازان خان نطق بكلمة التوحيد في أوائل شعبان سنة 694هـ (1294م) بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم بن حمويه، ومعه كافة الأمراء، صار الجميع مسلمين، ولقد أقيمت الولائم والأفراح، واشتغل الحاضرون بالعبادة"(جامع التواريخ، تاريخ غازان خان).)[5].

ومن الواضح ان هذه ليست دعوة إلى التطبيع مع إسرائيل أبداً، بل إنما نقول: لا بد من انتهاج طريقة أخرى في التصدي لها ومقاومتها وفي الجهاد معها بعد أن أثبتت هذه الطريقة أن خسائرها مفجعة بل مذهلة وانها لم تحقق أهدافها بل زادت العدو الصهيوني قوة وشراسة واستذءاباً.

مقارنة عابرة بين الثورة الفلسطينية وثورة غاندي

* الثورة الفلسطينية انتهجت المنهج العسكري والعنف والسلاح والاغتيالات ونظائرها وذلك رداً على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وعدوانهم المتواصل، ولكن كان الأصلح في رأي عدد من المفكرين والعلماء انتهاج طريقة غاندي وحزب المؤتمر في تحرير الهند من الاستعمار البريطاني.. فعلى الرغم من أن بريطانيا كانت حينذاك أقوى من أمريكا هذا اليوم وعلى الرغم من استخدامها العنف ضد الشعب الهندي الأعزل إلا ان عقلاء الهند، سواء المسلمون منهم أم البوذيون أم الهندوس، ارتأوا، متمثلين في تجمع الأحزاب المسمى بحزب المؤتمر وبزعامة غاندي انهم سيصلون إلى تحرير البلاد من الاستعمار عبر القوة الناعمة والمظاهرات العامة والإضرابات السلمية والضغط العالمي، بخسائر أقل وبنتائج مضمونة.. وهكذا كان.. وذلك وإن احتاج إلى قوة تحمل وصبر، استمر عشرات السنين، إلا أن مخرجاته كانت، وكما ترون، إخراج بريطانيا وإلى الأبد بأقل قدر من الخسائر، ولو انهم كانوا ينتهجون العنف لما كان يعلم إلى أين تصل المآلات، إلا انه مما لا شك فيه ان الخسائر في النفوس والأموال والبنى التحتية والبيئة كانت ستكون فادحة جداً، كما نجده الآن في لبنان وسوريا واليمن.

فوق ذلك فإن رجالات الأمة إذا سلكوا طريق اللاعنف فإنهم سيكونون أقدر على إقامة حكم ديمقراطي (أو استشاري) مستقر ثابت، إذ انهم تطبّعوا بالصبر والحلم والتعاون، عكس ما لو انتهجوا منهج العنف إذ أن العنيف طوال عشرات السنين، يكاد من المستحيل عليه أن يتخلى عن عنفه لدى وصوله إلى الحكومة، فستجده، كما وجدناه في غالب الثورات في العالم الثالث، ينتهج منهج إقصاء الآخر والاستبداد وخنق المعارضة بالقوة والسجون وغير ذلك.

إضافة إلى ذلك فإن الثورة السلمية، عبر المظاهرات والإضرابات الشاملة ونظائرها، سوف تؤدي إلى أن يقوم اليهود بأنفسهم، غالبهم أو كثير منهم، بالضغط على حكومات الغرب للكفّ عن دعم دولة إسرائيل (وتوجد الآن بالفعل جماعات يهودية ضاغطة) بل سيقوم المعتدلون من الشعب اليهودي بالضغط على حكومة إسرائيل ومنعها من الاعتداء على الدول الإسلامية والثوار السلميين، كما حدث في الهند تماماً حيث ان الشعب البريطاني شكل أكبر الضغط على الحكومة البريطانية المحتلة للانسحاب ومنح الهنود استقلالهم، وكذلك كان.

هل يمكن تحرير فلسطين عبر القوة الناعمة؟

ومن هذا المنطلق وغيره كان السيد الأستاذ الوالد (قدس سره) يرى أن الفلسطينيين يمكنهم تحرير فلسطين عبر القوة الناعمة والمظاهرات والإضرابات العامة، والضغط الدبلوماسي والحقوقي والإنساني العالمي وشبه ذلك، وبقدر أقل من الخسائر، لكنهم لم يصدّقوا ذلك وانتهجوا منهج العنف، وها نحن نرى (غزة) مدمرة، دمرها العدو الصهيوني الغاصب متشبثاً بذريعة انهم يضربون فلنا أن نضرب، وهذه الذريعة وإن كانت كاذبة، لكنها على أية حال ومع الأسف الشديد، فاعلة في عالم اليوم... والتجربة أكبر برهان فبعد عشرات السنين من العنف والعنف المقابل ها هي غزة مدمرة تماماً من دون أن يوجد أفق للقضية الفلسطينية إلا بتدخل القوة الناعمة الدولية.

و(في هذا الصدد يقول الإمام السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي: "لقد وجهت رسالة إلى عرفات قبل ١٥ عاماً، وكان الغرض من رسالتي أن ألفت نظره إلى مسألة مهمة، فقلت له: إنكم سوف لا تنتصرون في الوقت الحاضر على إسرائيل.. لاستخدامكم العنف.. فالعنف الذي عندكم لا فائدة من ورائه، لأنكم كمن يملك سيفًا، وعدوّه مجهز بأحدث العدد الحربية، وإنكم لو أردتم أن تأخذوا فلسطين بالسيف والعمليات العسكرية واغتيال الأعداء فهناك مقومات أخرى يلزم توفرها، وإلاّ فلا تحصل النتيجة..

أما أن العنف الذي تتخذونه وسيلة لا يوصلكم إلى شيء، لأنَّ العدو هو الآخر سوف يواجهكم بالعنف أیضًا، فإذا كان سلاحه أقوى ينتصر عليكم، ثم قلت له في جانب من الرسالة: علينا أن نتخذ نفس الأسلوب الذي اتبعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فتح مكة، فالنبي استطاع أن يدخلها بسلم ودون حرب ودون أن يخسر ضحايا، والأفضل أن يكون الأسلوب في أخذ الحقوق بالطرق المنطقية وأسلوب الضغط السياسي وما أشبه مما تأثيره أكثر، بعيداً عن العنف")[6].

(يقول مبعوث الإمام الشيرازي الذي سلّم الرسالة المذكورة آنفًا إلى عرفات في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٨٢ في منطقة الكولا ببيروت: “إنَّ ياسر عرفات أخذ يضحك ضحكًا عاليًا بعد قراءته للرسالة دون أن يُبيّن سبب قهقهته)[7]!

القدرة من شرائط التكليف

والحاصل: ان ميزان القوى العالمي إذا اختل بشدة لصالح العدو، فيجب انتهاج منهج آخر غير المنهج العسكري للتغلب على العدو، فإن ذلك من الحكمة، ولذا لا تدخل الدول الإسلامية، سنية وشيعية، في حرب مع الصين مع أن ظلم الصين لمسلمي الايغور ليس بأقل من ظلم إسرائيل للفلسطينيين لماذا؟ لأنهم يرون أنفسهم غير قادرين على التغلب على الصين.. ولو وجد فريق متحمس يحاول جرّ دولة إسلامية إلى التحرش بالصين عسكرياً لواجه اللوم من عقلاء الأمة ولم يقبلوا استدلاله بأن الجهاد واجب وأن هذا جهاد دفاعي: دفاعاً عن مسلمي الايغور المضطهدين أشد الاضطهاد، والسبب واضح وهو أن القدرة من شرائط التكليف عقلاًن ولكن ذلك لا يعني عدم الضغط على الصين بطرق أخرى منوعة، والذي أهملته الحكومات الإسلامية بشكل مثير للتساؤل.

وعليه: فإن من الخطأ في التشخيص تصور اننا بالقوة العسكرية المجردة (ومن دون إصلاح أنظمتها السياسية غير الشورية) قادرون على القضاء على إسرائيل، كيف؟ وحكومة الولايات المتحدة تقف وراءها بكل قوة وبشكل غير عقلائي ولا إنساني أبداً (وبضغط من الانجيليين الجدد).. ولئن كنا نتصور اننا نقدر واننا الأقوى واننا كذا وكذا، فلقد كشفت لنا الأحداث الأخيرة انهم، ويا للمأساة، هم الأقوى، وبلا حساب.

كفتهم راجحة في... لكنّ كِفتنا الأرجح في...

وعليه: فاللازم انتهاج طريق جديد في مواجهة الغرب وأياديه في المنطقة.. وهذا الطريق ليس هو القوة العسكرية والصناعية أو الاقتصادية وغيرها؛ لأن كِفّتهم راجحة في ذلك كله دون ريب.

بل الطريق المفلح المنجح هو: ان نواجههم بما نحن أقوى منهم فيه، وبلا حدود، وهو أن نخطط، ونصرف المليارات بدل الاستمرار في صرفها في التسلح الذي أثبت انه مهما صنعنا فسنبقى الأضعف ونرجوا ان لا نخطئ في الحسابات أو يأخذنا الغرور مرة أخرى فندعي اننا الأقوى واننا سنفعل كذا وكذا.

سلاحنا الأقوى: مدرسة أهل البيت (ع) وأسلمة شعوبهم

والسلاح الأقوى الذي نمتلكه دون أن يكون لهم في مقابله أي سلاح ماض هو الإسلام المتجسد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

ونقصد بذلك أعلى المراتب وهي (أسلمتهم)، وهنالك حلول أدنى مرتبة ستأتي لاحقاً، لمن لا يمكنه أن يتقبل هذا الرأي، لكننا سنحاول برهنته في هذا البحث الموجز بشكل نراه مقنعاً لا يرقى إليه الشك إن شاء الله فنقول:

نعني بأسلمة الغرب: التخطيط لإدخال شعوبهم إلى الإسلام، فإن شعوبهم إذا اسلمت فإنه يستحيل حينئذٍ على حكومات الولايات المتحدة أو غيرها تأييد إسرائيل ودعمها بالمال والسلاح بهذه الطريقة المذهلة، ومن الواضح ان إسرائيل من دون الدعم الأمريكي لا يمكن لها البقاء أبداً، فتصوروا لو أن الجيش الأمريكي أسلم معظمه أو نصفه أو حتى 20% منه، وتصوّروا لو أن مئات الألوف من مفكريهم وصحفييهم ومن خبرائهم في الاقتصاد والسياسية والحقوق والصناعات والتكنولوجيا، أسلموا؟ وتصوروا لو أن كمية معتنى بها من أعضاء الكونغرس بشِقّيه أسلموا، أفهل كان يعقل أن يسمحوا للإدارة الأمريكية بالانحياز غير العقلائي – غير الإنساني لإسرائيل؟

الأدلة على أن أسلمة شعوبهم فكرة عملية

ولكن هل هذا حل طوباوي؟ نقول كلا، بل هو حل عملي جداً بالأدلة التالية:

1- لغة الأرقام عن اكتساح الإسلام، أكبر شاهد

أولاً: ان الإحصاءات الصادرة من أهم جهاتهم ومراكز دراساتهم المعتبرة تصرح بأن الإسلام ينتشر بسرعة في الغرب، وانه سيصبح دين الأغلبية في العالم، وانه في نهاية هذا القرن سيصبح دين الأغلبية في العديد من البلدان الغربية.

(أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- أفادت دراسة لمركز أبحاث "بيو" الأمريكي بأن الإسلام هو الديانة الأسرع انتشارا حاليا في العالم، متوقعة أن يتجاوز الإسلام المسيحية ليصبح الديانة الأكثر انتشارا بحلول نهاية القرن.

وقدرت الدراسة أن يزيد عدد المسلمين بين عامي 2010 و2050 بنسبة 73%، ويتبعهم المسيحيون بزيادة 35%، والهندوس بنسبة 34%. وأشارت الدراسة إلى أن ذلك يعني أن الإسلام، ثاني أكبر ديانة حاليا، سوف يتخطى المسيحية كأكبر ديانة في العالم بحلول نهاية القرن)[8].

(كشف مقال نشره موقع "الغارديان" الإلكتروني بناء على دراسة أجراها "مركز بيو للأبحاث" الأمريكي المتخصص في الإحصائيات الديموغرافية، أن الإسلام ينمو بشكل أسرع من باقي الأديان، ما سيمنحه الريادة عالميا في أفق سنة 2060، إذ سيبلغ عدد أتباعه 3 مليارات شخص.

وأضاف المقال أن المتدينين هم غالبا من فئة الشباب ولديهم نسبة إنجاب أعلى من الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي طائفة دينية، ما يعني أن الأديان هي في حالة نمو لأسباب ديموغرافية.

ففي سنة 2015، كانت المسيحية الديانة الأكثر انتشارا في العالم، إذ بلغ عدد أتباعها 2,3 مليارات شخص، ما يعادل 31,2 بالمئة من إجمالي سكان العالم، يليها الإسلام والذي كان يضم في نفس السنة 1,8 مليارات نسمة ما يعادل 24,1 بالمئة من سكان المعمورة)[9].

(وبداية القرن العشرين كان للمسيحية أكبر عدد من الأتباع بما بلغ نحو 560 مليوناً بينما بلغ عدد المسلمين 200 مليون مسلم فقط في ذلك الوقت. ففي عام 1900 كان المسيحيون يمثلون 34% من سكان العالم، بينما شكّل المسلمون 12% من السكان.

وتتوقع الدراسة الأمريكية أنه بحلول عام 2050 "سوف يساوي عدد المسلمين تقريباً عدد المسيحيين حول العالم"، إذا استمرت معدلات النمو السكاني الحالية على ما هي عليه. وستتساوى لأول مرة في التاريخ أعداد أتباع الديانتين.

فيما تقول دراسة أخرى أجريت عام 2017: "سينمو المسلمون بأكثر من ضعف سرعة نمو إجمالي عدد سكان العالم بين عامَي 2015 و2060، وسيتفوقون في النصف الثاني من هذا القرن، على المسيحيين ليشكلوا أكبر مجموعة دينية في العالم".)[10].

فهذا كله من جهة.. ومن جهة أخرى:

(ووفقا لنتائج الدراسة، فإن أعلى نسبة للتحول بين الأديان توجد بين المسيحيين، وتوقعت أن يتحول 106 ملايين شخص عن الديانة المسيحية بين عامي 2010 و2050، مقابل تحول 40 مليونا إلى المسيحية.

ومن المتوقع أن تخسر الديانة اليهودية 300 ألف نتيجة للتحول الديني، في حين سينضم ثلاثة ملايين للدين الإسلامي.

وتتوقع الدراسة أن تصل نسبة المسلمين في أوروبا 10% بحلول 2050، وأن تتجاوز نسبة المسلمين في الولايات المتحدة نسبة اليهود بحلول العام نفسه)[11].

ونسبة 10% لو كانت فاعلة لغيّرت معادلات الانتخابات بشكل كبير ضد اتخاذ أية سياسات معادية للإسلام والمسلمين أو محاببة لإسرائيل ضد المسلمين، كما أن عدد اليهود في أمريكا عام 2020م كان حوالي 7.6 مليون شخص يمثلون حوالي 2.4% من نسبة السكان (وقيل غير ذلك) ويملكون 36 من أعضاء الكونغرس بنسبة 7% مع 9 من أعضاء مجلس الشيوخ المائة ولو امتلك المسلمون مثل ذلك أو أكثر لتغيرت المعادلات فقد (ذكرت دراسة أمريكية حديثة أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يشهد تزايدا مستمرا، وأنه بحلول عام 2040، سيفوق عدد اليهود الذين يشكلون ثاني أكبر المجموعات الدينية بعد المسيحيين بالبلاد.

الدراسة التي أجراها مركز "بيو" للأبحاث، ومقره واشنطن، ونشر نتائجها، الأربعاء، أفادت أنه بناء على نتائج أبحاث استقصائية قام بها، تبين أن عدد المسلمين بالولايات المتحدة بلغ 3.45 ملايين مسلم في 2017.

وأوضح أن المسلمين بهذا العدد يمثلون 1.1 بالمائة من إجمالي سكان الولايات المتحدة.

وتوقعت الدراسة أن يستمر عدد المسلمين في الزيادة بشكل كبير ليحُلّوا محل اليهود كثاني أكبر المجموعات الدينية في البلاد بحلول 2040، بينما لم يذكر عدد اليهود.

أوضح المركز أنه لا يوجد إحصاء رسمي لعدد المسلمين في البلاد لأن مكتب التعداد الأمريكي لا يسأل المواطنين عن ديانتهم)[12].

بل ذكر بعض مفكري بريطانيا ان المسلمين في بريطانيا في نهاية القرن سيشكلون الأغلبية في بريطانيا.

ومن الحسن أن نلقي نظرة أيضاً على الوضع في احدى أهم بلاد الشرق وهي الهند: (فإن دراسة مركز بيو تظهر أنه بعد ثلاثة عقود ستحظى الهند بأكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، لتحل محل إندونيسيا التي تضم حالياً أكبر عدد من السكان المسلمين حول العالم اليوم)[13].

الغرب مقبل على الإسلام لكن أي إسلام؟

إذاً.. هو أمر واقع ان الإسلام في اكتساح أو في تزايد مستمر.. ولكن الكلام أي إسلام؟ ان متطرفي السلف والوهابية حيث كانوا هم الأنشط في أسلمة الناس هناك، بدعم كبير من دول معينة معلومة، لذا وكما قيل فإن معظم، أو كثيراً من، المسلمين الجدد يحملون الفكر الإسلامي المتطرف ضد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وغيرهم، وهذا يعني أن المتطرفين يحكموننا الآن عبر بلد عربي متطرف معروف، لكنهم سيحكموننا غداً عبر بلد كأمريكا! وأية فاجعة ستحدث حينذاك، نقول بوضوح: بدل صرف مآت المليارات على التسلح الذي أثبت غير مرة انه لا يكافئ عشر معشار قوتهم (كما أثبتت التجربة المرة الأخيرة) فلنصرف هذه الأموال (أو نصفها على الأقل) لنشر الإسلام العلوي في بلاد الغرب.

وصدّقوا انه سيكون اسرع انتشاراً بكثير من الإسلام السلفي المتشدد؛ لأنه رحماني عقلاني منطقي يحمل معه كتاباً كنهج البلاغة وآخر كالصحيفة السجادية.. وقدرتهما على بث اشعاع الإسلام، بعد القرآن الكريم، كبيرة جداً.

2- لأن شعوبهم تتقبل، الحقيقة

ثانياً: لأن شعوب الغرب تختلف غالباً، عن جبابرة حكام الغرب، فإنهم ظلمة طغاة وهم الذين يقفون وراء الحكام المستبدين في العالم وهم الذين يبيعون الأسلحة الفتاكة والمدمرة للعالم بأرقام خيالية، أما شعوبهم، فإن الكثير جداً منهم، إن لم يكن أغلبهم يتقبلون الحقيقة أي الإسلام المحمدي – العلوي، لو عرضت عليهم، كما دلت على ذلك سرعة انتشار الإسلام في الغرب رغم كل الضجيج الإعلامي المذهل الذي رصدوا له المليارات لتشويه صورة الإسلام في أذهان شعوبهم.

الشعوب الغربية متلهفة للإسلام كشعب عُمان

والذي يبدو ان الشعوب الغربية يمكن أن تكون، كالشعب العماني في نموذجه التاريخي المشرق، والذي كان كافراً زمن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لكنه، لطيبته ووداعته وحبه للحقيقة، تقَبّل العرض النبوي (صلى الله عليه وآله) عليهم بالإسلام حيث استخدم (صلى الله عليه وآله) ما يسمى الآن بالقوة الناعمة، فأرسل رسائل إلى ملكي عُمان (جَيْفَر (على وزن جعفر) بن الـجُلندي وأخيه عبد) وقد أحصى المؤرخون خمسة رسائل منها هذه (الرسالة الثانية:

وهذه الرسالة محفوظة في متحف قلعة صحار، وكانت موجهه لأهل عُمان كافة وجاء فيها:

«من محمد رسول الله. إلى أهل عمان أما بعد فأدعوكم أن تقروا أن لا إله إلا الله واني رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وأن تعمروا المساجد»

الرسالة الثالثة:

جاء فيها:

«من محمد رسول الله، إلى جيفر وعبد ابني الجلندي. السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما، فأني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين. وأنكما إن أقررتما بالإسلام ولّيتكما وإن أبيتما فإنّ ملككما زائل عنكما وخيلي تطأ ساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما»)[14].

ومن الملفت انه (صلى الله عليه وآله) كان يُقرّ الرؤساء والأمراء والشيوخ على امارتهم وزعامتهم، بعد إسلامهم، ولم يكن يخلعهم لينصب عليهم حاكماً مسلماً عريقاً.. وكان ذلك من عوامل انتشار الإسلام واستقرار الوضع في العشائر والبلاد التي التحقت بالركب الإسلامي – وكذلك الحال لو اسلمت الشعوب الغربية فإن الإسلام، بحسب هذه السيرة وبحسب مثل المحقق النائيني، لا يغيّر من مِشيتهم الديمقراطية وانتخاباتهم وتداولهم السلمي للسلطة (ولهذا تفصيل ربما نتطرق له لاحقاً).

و(في عام 629م وصلت رسالة من الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى ملكي عُمان عبد وجيفر ابني الجلندي وهما في صحار تدعوهما إلى الدين الجديد، فكانت بينهم وفود متبادلة لدراسة هذا الدين وكسب معلومات إضافية حوله، وبعد اقتناع وطواعية قبلا الدخول في الإسلام، وهكذا دخل الإسلام إلى عُمان دون قتال.

وأثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل عُمان ومدحهم. فعندما بعث رجلاً إلى حي من أحياء العرب سبوه وضربوه فلما رجع إليه وأخبره قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لو أن أهل عُمان أتيتَ، ما سبوك ولا ضربوك". ووحّد ملكا عُمان القبائلَ العربية)[15].

كما بعث (صلى الله عليه وآله) مندوبين إلى المَلِكين دخلوا في حوارات سجّل بعضها التاريخ حتى أعلن الملكان الإسلام ودخل شعب عُمان في الإسلام منذ ذلك اليوم.

والذي يقوله الخبراء بعلم نفس الأمم أن الشعوب الغربية (إلا ما خرج) متطلعة لمخرج عن حالة الإحباط التي تحتوشهم، والكآبة، وحالة الفراغ واللاانتماء، كما سنفصله في بحث لاحق، وانهم باحثون عن الحقيقة وان الإسلام لو عرض عليهم بوجهه المشرق النقي لهجموا نحو اعتناقه هجوماً.

3- لأن انفتاحهم وحراكهم الفكري، كبير جداً

ثالثاً: لأن انفتاحهم وحراكهم الفكري والثقافي المعرفي كبير جداً، وذلك معروف للقاصي والداني حيث انهم يسمعون ويستمعون ويتساءلون ويبحثون ويتحاورون.. بل ان حراكهم المعرفي أضحى متسارعاً أكثر فأكثر مع توفر وسائل التواصل الحديثة.

ومن الشواهد الطريفة ما لمسته بنفسي حيث كنت في 9/11 في الولايات المتحدة حيث فجّر إرهابيون البرجين في نيويورك، فأثار الإعلام ضجة مذهلة ضد الإسلام، كي يوجدوا حاجزاً نفسياً سميكاً جداً يحول دون إسلام شرائح من الشعب الأمريكي وكي يبرر ذلك لهم اتخاذ مواقف عنيفة من المسلمين وكي يوقفوا تمدد الإسلام في العالم، إلا أن الغريب أن ذلك انتج، في عدة مجالات، العكس، حيث فتح في الأمريكيين شهية التعرف على الإسلام فأقبلوا على شراء القرآن الكريم بنسبة مرتفعة جداً و(أسلم الكثيرون بعدها) ولقد أخبرني صاحب مطبعة ودار نشر في نيويورك، معروف، انه كان يطبع ويبيع القرآن قبل 9/11 وكانت مبيعاته محدودة إلا انه بعد 9/11 زادت أضعافاً مضاعفة بشكل غريب حتى لم يعد بإمكانه أن يلبي الطلب رغم مضاعفته الطبعات أضعافاً مضاعفة.

4- لأن قوانين الإسلام هي الأصلح، والبقاء للأصلح

رابعاً: لأن قوانين الإسلام، هي الإصلاح والأكمل والأفضل، كما أوضحه السيد الوالد في (الغرب يتغير) وكما أوضحت جوانب منه في كتاب (التنمية الاقتصادية في نصوص الإمام علي عليه السلام) وسيأتي ذلك بإذن الله تعالى في البحث القادم، والمعادلة هي ان الأفضل سيفرض نفسه، كما فرض نفسه في عده أبعاد كما سيظهر.

ما هو نموذج الإسلام الذي نعرضه للغرب؟

ولكن يبقى أن الكلام كله في أن أي إسلام يجب أن نعرضه للغرب؟ وأي إسلام هو الذي يمتلك قابلية غير محدودة للتمدد والتوسع والانتشار؟

نقول: الإسلام الذي علينا أن نعرضه للغرب هو إسلام الرسول وأهل بيته بشكل عام، وتتجسد مظاهره، التي لا يرقى إليها الشك والتي لا يمكن لغربي منصف أن يرفضها بل سوف يراها أكثر تطوراً مما هو عليه؛ في العناوين والمانشيتات التالية:

1- إسلام (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ)[16]، و(إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ‏)[17] أي للرحمة خلق الخلق.

- إسلام (يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتي‏ كانَتْ عَلَيْهِمْ‏)[18].

- إسلام (لَكُمْ دينُكُمْ وَلِيَ دينِ)[19]، وقاعدتي الإمضاء والإلزام (يَجُوزُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ ذِي دِينٍ مَا يَسْتَحِلُّونَ‏)[20].

إسلام صحيفة المدينة

- إسلام صحيفة المدينة الذي كتبه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حسبما نقله ابن كثير في السيرة النبوية وابن هشام في السيرة النبوية وغيرهما[21]، وقد وضع في السنة الأولى للهجرة، وهذه مقتطفات منه، حسب عدد من المصادر:

(بسم الله الرحمن الرحيم.

هذا كتاب من محمد النبي الأمي بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم.

1. أنهم أمة واحدة من دون الناس.

2. المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيها[22] بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

3. وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين...

16. وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم...

26. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يُوتِغ[23] إلا نفسه وأهل بيته.

27. وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.

28. وأن ليهود بن الحارث مثل ما ليهود بني عوف...

39. وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.

40. وأنه لا يأثم أمره بحليفه وأن النصر للمظلوم.

41. وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

42. وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

43. وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.

44. وأن لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها).

إسلام عهد الإمام علي (ع) للاشتر

- إسلام عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر، والذي أوصت به الأمم المتحدة.[24]

- إسلام الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق.

- وأخيراً وليس آخراً إسلام (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) الذي كتبه شيخ الفقهاء الشيخ النائيني – وسيأتي تفصيله وعلى أثره جرينا في كتاب (السلطات العشر والبرلمانات المتوازية) والذي استخرجناه من فقه الآيات والروايات، والذي يعد تطويراً جوهرياً لما طرحه مونتسكيو في فكرة فصل السلطات.

لا يقال: قد تكون للفقيه قراءة أخرى؟

إذ يقال: سيأتي الجواب عن ذلك بوجوه شافية بإذن الله تعالى.

وعلى مستوى التجربة الميدانية: إسلام الاندلس.. كما مضى في بحث سابق وسيأتي إيضاح أكثر.

فهذه الأطروحة لا تقف أمامها العقبات بل اننا لو تبنيناها، كحوزات وكحكومات بشكل جدي، قوي وشامل ورصدنا لها حتى 50% مما رصدناه للميزانية العسكرية لوجدتم باننا سنحصل على مردودات أكبر بكثير من مردودات الميزانيات العسكرية.. ومن دون خسائر تذكر.. وسياتي مزيد من البحث مع الجواب عن بعض الإشكالات المتداولة.. فانتظروا يا مَن رحمكم الله تعالى.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم

http://m-alshirazi.com

.................................................

[1] سورة فاطر: الآية 43.

[2] لاحظ السودان ومصر واثيوبيا مثلاً، والسعودية مع اليمن وإيران مثلاً وهكذا...

[3] كان السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس (ت664هـ) نقيب الطالبيين، عرف بالحلي إذ ولد بالحلة، وكان صديقاً للوزير الشهير ابن العلقمي، وألف العشرات من الكتب، توفي ببغداد ودفن بالقرب من الضريح العلوي بالنجف الأشرف.

[4] كان أبو حنيفة، بحسب تاريخ بغداد وغيره، يرى الخروج بالسيف، في أمة محمد (صلى الله عليه وآله)

[5] https://elaph.com تحت عنوان (تفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر)

[6] الإمام الشيرازي؛ بين المسلمين واليهود، ص٦.

[7] صفحة (المجدد الشيرازي).

[8] https://arabic.cnn.com

[9] https://www.france24.com

[10] https://www.trtarabi.com

[11] https://alhourouf.com

[12] https://arabi21.com تحت عنوان (في أي عام سيفوق عدد المسلمين أعداد اليهود بأمريكا؟).

[13] https://www.trtarabi.com

[14] "رسالتان من رسول الله "محمد صلى الله عليه وآله وسلم" في متحف مدينة صحار العمانية - الرياضي - البيان". www.albayan.ae.

[15] وزارة الأوقاف والشؤون الدينية https://mara.om

[16] سورة الأنبياء: الآية 107.

[17] سورة هود: الآية 119.

[18] سورة الأعراف: الآية 157.

[19] سورة الكافرون: الآية 6.

[20] الشيخ الطوسي، الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج4 ص148.

[21] ككتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لابي الفتح محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى م 734 هـ.

كونستانس جيورجيو: نظرة جديدة في سيرة رسول الله، تعريب: محمد التونجي، د. م: الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، 1983م.

بسيوني، محمود شريف، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، المجلد الثاني، دار الشروق، القاهرة، 2003. وقد نشرت هذه الوثيقة بتصريح من المعهد الدولي لحقوق الإنسان بجامعة دي بول شيكاغو).

[22] العاني: الفقير.

[23] أي لا يهلك.

[24] اعتمد المستشارون القانونيون للأمم المتحدة على رسالة الإمام علي صلوات الله عليه لمالك الأشتر ومقولة (الخلق صنفان، إما أخ لك في الدين أو نضير لك في الخلق) كمصادر للتشريع القانوني لهيئة الأمم المتحدة، وذلك بحسب ما ذكره المتابعون:

أصدرت الأمم المتحدة، في العام 2002، تقريراً باللغة الإنكليزية بمائة وستين صفحة، أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم، حيث تم فيه اتخاذ الإمام عليّ (عليه السلام) من قِبَل المجتمع الدولي شخصيةً متميزة، ومثلاً أعلى في إشاعة العدالة، والرأي الآخر، واحترام حقوق الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين، وتطوير المعرفة والعلوم، وتأسيس الدولة على أسس التسامح والخير والتعددية، وعدم خنق الحريات العامة.

وقد تضمن التقرير مقتطفات من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام الموجودة في نهج البلاغة، التي يوصي بها عماله، وقادة جنده، حيث يذكر التقرير أنَّ هذه الوصايا الرائعة تعد مفخرة لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.

وشدد التقرير الدولي على أن تأخذ الدول بهذه الوصايا في برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، لأنها (لا تزال بعيدة عن عالم الديمقراطية، ومنع تمثيل السكان، وعدم مشاركة المرأة في شؤون الحياة، وبعيدة عن التطور وأساليب المعرفة).

والملاحظ أنَّ التقرير المذكور قد وزع على جميع دول الأمم المتحدة، حيث اشتمل على منهجية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في السياسة والحكم، وإدارة البلاد، والمشورة بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، وتحقيق مصالح الناس، وعدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة.

وتضمن التقرير الدولي أيضاً شروط الإمام عليّ (عليه السلام) للحاكم الصالح، التي وردت في نهج البلاغة، وفيها يقول (عليه السلام): (إنَّ من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، فمعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس).

واقتبس التقرير الدولي مقاطع من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لعامله على مصر مالك الأشتر، التي يؤكد فيها على استصلاح الأراضي والتنمية ويقول: (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنَّ ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً).

وورد في التقرير الدولي أيضاً أساليب الإمام عليّ عليه السلام في محاربة الجهل والأمية، وتطوير المعرفة، ومجالسة العلماء، حيث يقول لأحد عماله: (وأكثر من مدارسة العلماء، ومنافسة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك).

ومن شروط الحاكم العادل أخذ التقرير الدولي قول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الذي قال فيه: (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه؛ وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم في الحجج، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم؛ ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليلون، ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظراً بليغاً).

إنَّ هذا التقرير يبين أنَّ علياً بن أبي طالب (عليه السلام) يعد مفخرة يحار الإنسان إلى أي جانب منها يشير. وكيف لا؟ وهو قد تربى على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مما أنعم الله عزوجل به على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أنه كان في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أول ذكر من الناس آمن برسول الله، وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى.

 (https://www.taghribnews.com)

اضف تعليق