ان الحروف الخمسة تشكل كلمتين مفيدتين إذ تعني (قِف) ان تتوقف بين فترة وأخرى لتقييم وضعك ومشروعك وإنجازاتك ونقاط ضعفك وقوتك وفرصك والمخاطر التي تتهددك ثم بعد التأمل والتدبر والتفكير العميق (إمض) ولا تثبطنّك المخاطر أو نقاط الضعف والأهاويل، أو كلام الأصدقاء أو هجوم الأعداء...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً)(1)
من البصائر: تأثير الشاكلة على الفهم، والمرجعيات
سبق: (ثم انه يمكننا ان نعرض المسألة في إطار أوسع فنقول: ان المراد من (يعمل) في قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) إذا كان هو الأعم من يفهم – كما قويناه سابقاً – فيكون المراد أيضاً (إن كلّا يفهم على شاكلته) فكيف تكون أفهام المجتهدين حجة؟ وألا ينتج ذلك ما يذهب إليه الهرمنيوطيقيون؟
وقد أجبنا عن ذلك بوجوه عديدة في كتاب (نقد الهرمنيوطيقيا) وكان من الوجوه ان أفهام المجتهدين كواشف نوعية، وان تأثير الشاكلة ليس بنحو العلة التامة بل هو بنحو المقتضي.. وانه مع ذلك فقد قرّر الله تعالى مرجعيات وموازين ومقاييس بها يمكننا ان نكتشف مدى سلامة التفكير وتأثره عن الشاكلة أو المحيط وغيرهما وعدمه..
ولنختم باقتطاف مقطع من الكتاب ثم سنضيف إليه في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى ما لم نذكره في الكتاب)(2)
مرجعيات في عالم التكوين والتشريع، لتصحيح الأخطاء
وهنالك مرجعيات كثيرة في عالم التكوين والتشريع وفي عالم الإدارة والسياسة والاقتصاد وغيرها إضافة إلى المرجعيات في عالم الاجتهاد والفهم والاستنباط، ومن تلك المرجعيات:
النقطة
1- (النقطة) فقد كان الخط الكوفي قديماً بدون نقاط وكان الكثير من الناس يقع في الخطأ أو في العنت لاكتشاف الصحيح من الخطأ، إلى ان جاءت النقطة كمرجعية علمية لتمييز الكلمات فمثلاً كلمة (حد) فإنها على منهج حذف النقاط لا يعلم انها حَدّ (حد الشيء طرفه) أو هي خدّ (الخد من الوجه) أو هي جَد (جد الإنسان) ثم جاءت الحركات والتشكيلات كمرجعية مكمّلة إذ ان (جد) على منهج حذف الحركات لا يعلم انها بكسر الجيم (جِدّ) أي كن جاداً في درسك مثلاً أو بضمه (جُدْ) امر بالجود والكرم أو (جَدَّ) بفتحها أي جدَّ في المسير مثلاً وهكذا حال جبار وختار ونصر وبصر وبرح وترح إلى ما لا يحصى من الكلمات.
الاختصارات
2- مرجعية الاختصارات، فان كثيراً من المطالب أو المسائل أو العلوم تنمحي من ذهن الإنسان، إلا ان اختصارها يصلح مرجعية سهلة للذهن ليستخرجها من الأرشيف.. ولذلك أمثلة كثيرة في كل العلوم.
اطرّست للعمرة
ففي علم الفقه: يختصر الشيخ البهائي العظيم أفعال العمرة ثم الحج في أوائل حروفها هكذا:
(أطرّست) للعمرة اجعل نهج......(أوو إرنحط رسّطر مر) لحج(3)
والعمرة: إحرام، طواف، ركعتا الطواف، السعي، والتقصير.
والحج: إحرام، وقوف بعرفة، وقوف بالمشعر، إفاضة إلى منى، رمي، نحر، حلق، طواف، ركعتاه، سعي، طواف النساء، ركعتاه، مبيت بمنى، ورمي الجمرة في أيام التشريق.
قاعدة (قفِ إمض)
وفي علم الإدارة: اخترع علماء الإدارة قاعدة أسموها (SWOT) وهي اختصار للكلمات الإنجليزية الأربع المعروفة:
(القوة: عناصر القوة في المشروع Strengths.
الضعف: نقاط الضعف في المشروع Weaknesses.
الفرص: وهي التي يمكن أن تأتي من خارج المشروع Opportunities.
التهديدات: Threats).
وقد قمتُ بتطوير القاعدة بعد ان حوّلتها للعربية وأضفت لها خامساً هاماً وأساسياً فصارت القاعدة هي (قِف إمض) واللطيف في هذا الاختيار ان كل حرف إضافة إلى انه يرمز إلى كلمة مفتاحية فان الحروف الخمسة تتشكل منها كلمتان مفيدتان في حد ذاتهما هما (قِف) و(إمض) عكس الاختصار الإنجليزي.. وتوضيح ذلك:
ان القاف: تشير إلى نقاط القوة.
والفاء: تشير إلى الفرص.
والميم: تشير إلى المخاطر.
والضاد: تشير إلى نقاط الضعف.
واما الألف الوسطى التي أضفناها فهي تشير إلى إدارة هذه العملية كلها أو الاتقان في الإدارة أو إدارة الوقت أو الاتزان أو الاعتبار.
وهذه الخمسة يجب ان يتخذها المرء مرجعاً لتقييم كل مشروع أو مؤسسة أو نشاط أو عمل يقوم به، حتى إمامته للمسجد أو تدريسه في الحوزة أو الجامعة أو إدارته لعائلته أو منظمته أو حزبه أو حكومته أو حتى تقييم ذاته: فما هي نقاط ضعفه الشخصية (كالجبن والحسد أو كثرة النسيان) وما هي نقاط قوته (كالذكاء والكرم فرضاً) فان البعض قد يكون ذكياً لكن ذاكرته ضعيفة، والبعض على العكس يكون ذا حافظة قوية ولكنه غير ذكي فكيف يستثمر نقاط قوته ليسد بها ثغرات نقاط ضعفه؟ وما هي الفرص التي تنتظره: كأن يصبح مجتهداً أو طبيباً أو مديراً ناجحاً، وما هي المخاطر التي تعترض طريقه (كحاسد أو حاقد أو واشٍ أو سلطان ظلوم أو عدو غشوم).
ثم ان المهم جداً إدارة هذه العملية بدقة وإحكام بحيث يوازن بينها بإتقان ليخرج بمخرجات تتناسب مع مزج مجموع تلك العوامل الأربعة حتى تكون الثمرة السليمة لإدارة العملية كلها بنجاح.
وكما سبق فان الحروف الخمسة تشكل كلمتين مفيدتين إذ تعني (قِف) ان تتوقف بين فترة وأخرى لتقييم وضعك ومشروعك وإنجازاتك ونقاط ضعفك وقوتك وفرصك والمخاطر التي تتهددك ثم بعد التأمل والتدبر والتفكير العميق (إمض) ولا تثبطنّك المخاطر أو نقاط الضعف والأهاويل، أو كلام الأصدقاء أو هجوم الأعداء.
ضوابط الانصراف الأصولي
وفي علم الأصول: طوّر الأعلام الضوابط للكثير من المسائل الاصولية، والمشهور منها بحث (الحكومة والورود) و(الترتّب) وغيرها، وأيضاً – وهذا مثال هام – بحث الانصراف فان الانصراف مادام يعود إلى أمر وجداني وهو إنصراف الكلي في ذهنه إلى حصة خاصة، فانه سينسد باب النقاش حينئذٍ، إلا ان علماء الأصول تجاوزوا هذه الإشكالية المعرفية بتقييم (الانصراف) عبر (مناشئه) ومناشؤه مما يمكن محاكمتها:
فإذا كان منشؤه كثرة الوجود لم يصح منشئاً، وإذا كان كثرة الاستعمال بحيث أوجد انساً ذهنياً خاصاً بالحصة الخاصة كان حجة.
كما ان الميرزا النائيني طوّر بحث المناشئ بإضافة منشأ آخر ثم طوّرناها لاحقاً بإضافة ثلاث مناشئ أخرى(4) – كما فصلناه في بحث الأصول فراجع.
ضوابط الأحلام
وفي الأحلام: هنالك مرجعيات محددة، مثلاً: ان الأحلام ليست حجة أبداً في علم العقائد وشؤون اصول الدين كما ليست حجة أبداً في علم الفقه وفي معرفة التكاليف الشرعية، ولذا لم نجد نبياً ولا إماماً يستدل على وحدانية الله بالأحلام! أو يستدل على وجوب الصلاة أو حرمة الخمر بالأحلام! كما ليست الأحلام حجة في كشف الموضوعات الخارجية ككشف السارق مثلاً فانها وإن فرض انها أصابت أحياناً إلا انها كخبط عشواء فكثيراً ما يُتّهم بها المظلوم البريء، فلذا يحرم شرعاً الاعتماد عليها إنما المعتمد الامارات مثل البينة العادلة الجامعة للشرائط، وقد فصلنا ذلك في كتابي (فقه الرؤى دراسة فقهية وأصولية في عدم حجية الأحلام على ضوء الكتاب والسنة والعقل والعلم) و(مناشئ الضلال ومباعث الانحراف).
مرجعية استشارة عشرة أشخاص
وفي القضايا الاجتماعية وغيرها: قرر الشارع الأقدس الكثير من المرجعيات ومنها مثلاً مرجعية استشارة عشرة أشخاص فقد جاء في الرواية ((إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ أَوْ يَدْخُلَ فِي أَمْرٍ فَلْيَبْتَدِئْ بِاللَّهِ وَيَسْأَلْهُ
قَالَ: قُلْتُ فَمَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ خَيْراً لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَيَسِّرْهُ لِي وَإِنْ كَانَ شَرّاً فِي دِينِي وَدُنْيَايَ فَاصْرِفْهُ عَنِّي، رَبِّ اعْزِمْ لِي عَلَى رُشْدِي وَإِنْ كَرِهَتْهُ وَأَبَتْهُ نَفْسِي
ثُمَّ يَسْتَشِيرُ عَشَرَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى عَشَرَةٍ وَ لَمْ يُصِبْ إِلَّا خَمْسَةً فَيَسْتَشِيرُ خَمْسَةً مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ إِلَّا رَجُلَيْنِ فَلْيَسْتَشِرْهُمَا خَمْسَ مَرَّاتٍ فَإِنْ لَمْ يُصِبْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِداً فَلْيَسْتَشِرْهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ))(5).
فالتسلسل هكذا: استشر عشرة أشخاص عشر مرات.
فإن لم يوجد عشرة أشخاص فاستشر خمسة كل واحد منهم مرتين.
وإن لم يوجد خمسة فاستشر اثنين كل واحد خمس مرات.
فإن لم يوجد إلا واحد فاستشره عشر مرات.
والسرّ في ذلك: ان عشرة أشخاص من عشرة ألوان واتجاهات أو في عشر حالات وإن كانوا من اتجاه واحد، فان كلّا منهم يلاحظ – عادة – القضية من زاويةٍ فتتكامل الرؤية بتعدد زوايا الرؤية فيحيط المستشير، عبر المشورة معهم، بكل أو أكثر جوانب وزوايا القضية بما لا يقارن مما لو استشار واحداً أو اثنين، ثم لو عدم العشرة حتى وصل إلى الواحد فان استشارة الواحد عشر مرات، والظاهر انها ليست في مجلس واحد وإلا لكان أشبه باللعب إلا إذا أعاد التفكير كل مرة وتدبر في الأمر من جديد، تورث الظن النوعي العقلائي بالاقربية إلى الواقع والابعدية عن الخطأ، من استشارته مرة واحدة.
فهذا الضابط بدرجاته المختلفة ضابط مرجعي كاشف بالكشف النوعي المعتبر وإن لم يكن قطعياً عن الأفضل ولو النسبي.
وتصوّروا لو ان كل شخص اراد اتخاذ زوجة معينة أو قرر الإقدام على تجارة خاصة أو تأسيس شركة في منطقة خاصة أو غير ذلك، تصوروا انه لو اقتحم في ذلك بلا مشورة فكم كانت ستكون نسبة الأخطاء والفجائع؟ عكس ما لو استشار مجموعاً عشر مرات؟.
وببالي ان هناك رواية أخرى تقول: انه لو لم يجد من يستشيره حتى شخصاً واحداً فليفكر عشر مرات، وعلى أي تقدير فانه على مقتضى القاعدة.
مرجعية علم المنطق
علم المنطق: كما ان علم المنطق يعدّ ضمانة من وقوع الإنسان في الخطأ في التفكير من حيث العلة الصورية، فلاحظ الأشكال الأربعة وعكس النقيض والمستوي والموجهات.. الخ فإنها لا تعطيك ضوابط لمعرفة الخطأ من الصحيح في مادة القضية بل بعد فرضها صحيحة فانه يبحث عن شروط إنتاجها من حيث العلة الصورية وشكل الأقيسة.
مرجعية علم الضوابط (المبتكر)
علم الضوابط: ولكن يوجد هناك علم آخر لم تصل إليه البشرية حتى الآن، وهو ما اسميناه علم الضوابط وكتبنا عنه كتاباً مفصلاً تحت عنوان (الضوابط والطرق الكلية لضمان الإصابة في الأحكام العقلية) وهذا العلم مكانه شاغر جداً على امتداد التاريخ، إذ من المعروف ان كثيراً من الأخطاء وبتبعها المتناقضات تنشأ من الخطأ في مادة القضية نفسها، ولا يوجد حتى الآن علم مكتوب يضع الضوابط لذلك.
لا يقال: بحث الصناعات الخمس تكفل بذلك؟
إذ يقال: كلا؛ فانه بحث عن الكليات لا التطبيقات أي انه يبحث عن البرهان والمغالطة والجدل والخطابة والشعر عمّ تتكوّن منه؟ وعن ضوابطها الكلية العامة، ولكن من أين نعلم بان هذا الاستدلال مغالطة أو برهان؟ هذا مما لم يبحثه المنطق وهو موضوع علم الضوابط.
ويعود الفضل في اكتشاف هذا العلم إلى الله تعالى وإلى أهل البيت الأطهار أولاً وأخيراً، وليس للعبد الفقير دور إلا ان اهتدى للمفتاح إليه والمفتاح هو: انني فكّرت انه لا بد ان تكون بالنظر لحكمة الله تعالى ضوابط في عالم الثبوت، لكن ما السبيل إليها في عالم الإثبات؟ السبيل الوحيد هو الكتب السماوية والمتصلة بالوحي، لذلك تدبرت طويلاً في القرآن الكريم ونهج البلاغة وغيرهما لاكتشف، بعد التدبر، مجموعة من الضوابط لضمان الإصابة من حيث العلة المادية، ولا ادعي الكمال ولا الإحاطة ولا الإصابة المطلقة بل هي محاولة أولى من نوعها، على انني استفرغت فيها الوسع ولله الحمد، ورغم انني كتبت الكتاب قبل حوالي عشر سنين، ويقع في حوالي 500 صفحة، إلا انني أخرته كي أعيد النظر فيه مراراً وتكراراً كي يخرج أقرب ما يمكن للهدف المتوخى بإذن الله تعالى.
لماذا لم يؤلف الأئمة عليهم السلام الكتب؟
ثم ان مما اشغل بالي حين التدبر في هذا العلم، وفي أوقات أخرى، السؤال التالي: وهو لماذا لم يكتب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام كتباً وافية بكل ذلك بحيث تصل إلينا؟
والجواب: أولاً: ان الكتب التي امليت على الزهراء (عليها السلام) كمصحف فاطمة (عليها السلام) ) والجفر، والجامعة – وهي مصحف علي – والتي تحتوي على كل التفاصيل (( عن أبي بصير قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي قَالَ فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام سِتْراً بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ فَاطَّلَعَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ شِيعَتَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم عَلَّمَ عَلِيّاً عليه السلام بَاباً يُفْتَحُ لَهُ مِنْهُ أَلْفُ بَابٍ قَالَ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم عَلِيّاً عليه السلام أَلْفَ بَابٍ يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ الْعِلْمُ قَالَ فَنَكَتَ سَاعَةً فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَمَا هُوَ بِذَاكَ قَالَ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا الْجَامِعَةَ وَمَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَامِعَةُ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا الْجَامِعَةُ قَالَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم وَإِمْلَائِهِ مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَخَطِّ عَلِيٍّ بِيَمِينِهِ فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَكُلُّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ حَتَّى الْأَرْشُ فِي الْخَدْش))(6) موجودة لديهم عليهم السلام وحيث ان الأمة اعرضت عنهم حرمها الله من هذا الفيض والنعيم نظير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(7).
ثانياً: ان الحكمة اقتضت في عالم الامتحان والابتلاء الذي أشار إليه تعالى بقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرينَ)(8) وفي عالم تقصير البشر وقصوره أو عناده ولجاجه وظلمه مجرد إلقاء الكليات ((عَلَيْنَا إِلْقَاءُ الْأُصُولِ وَعَلَيْكُمُ التَّفْرِيعُ))(9) و((إِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُلْقِيَ إِلَيْكُمُ الْأُصُولَ وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُفَرِّعُوا))(10) ويترك التفريع والتفصيل إلى جهد الإنسان، ولو انهم عليهم السلام كتبوا كل مسألة أصولية أو فقهية أو تفسيرية لتوقفت مسيرة العلم أي انهم كانوا قد أوصلوه منذ ذلك الحين إلى قمته فلم يكن هناك مجال للبشر لكي يتكامل.
بل ان هذه الفلسفة سيالة في كل العلوم فانه لأجل ذلك بعينه لم يكتبوا الكتب المفصلة في الطب أو الفلسفة أو الفيزياء أو غيرها مع انه كان من البسيط جداً ذلك خاصة في مدة قرنين ونصف وأكثر، ولكن ذلك خلاف حكمة الله وفلسفته في خلق الإنسان ولو فعل ذلك لكان ذلك عالماً آخر لا هذا العالم مع ان كل عالم يتطلب بلسان ماهيته إفاضة الوجود عليه.. إضافة إلى ان الثواب بالسعي والتكامل بالجهد لا بما حصل عليه دون سعي وجهد.
بل لو ورد عليهم الإشكال لورد – والعياذ بالله – على رب العزة والجلالة انه لماذا لم ينزل كتباً (ولتكن بالألوف) بها تفصيل كل شيء للبشر؟ بل لماذا لم يخلق كل المعلومات في امخاخنا لكي نستغني حتى عن المطالعة؟ وقد فصلنا الجواب عن هذه الشبهة في بحث سابق كما فصل السيد الأخ الأكبر الرضا قدس سره الجواب عنها في إحدى محاضراته القيمة.. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
اضف تعليق