أدى ضعف الإمكانات المادية لدى كل وكالة عربية على حدة، وضعف التعاون البيني بين تلك الوكالات إلى تكريس الاعتماد الإعلامي العربي على الوكالات الدولية التي تمثل المصدر الأهم للأنباء الدولية في الصحف العربية، وهو اعتماد له تأثيرات سلبية بالغة الخطورة للأسباب الآتية (1):
1ـ ترتبط تلك الوكالات بجهات/ دول، منظمات، احتكارات/ معادية بوضوح للحقوق والآمال العربية.
2ـ تحصل تلك الوكالات على مساعدات ودعم مالي من حكوماتها من أجل تسويق خطط وبرامج إعلامية تخدم المصالح العليا للدولة الداعمة.
3ـ إن الوكالات الدولية الكبرى، هي في النهاية، مصالح ومشاريع اقتصادية ترمي إلى تحقيق غايات ربحية مالية، لذلك يكون التركيز الإعلامي لها في خدمة ربحيتها وليس للنقل الموضوعي للأخبار، فالوكالتان الأمريكيتان مثلاً، تغطيان بوضوح تفاصيل دقيقة عن الأمريكيين، بينما تهتم رويترز بدول الكومنولث.
إن صورة التسلط الإعلامي انقلبت من العرب إلى أمريكا والشكوى من الأحادية انتقلت من الولايات المتحدة إلى العرب(2).
من هنا بدأ (الخبر) يخضع لعملية تكرير جعلت الموضوعية ( Objectivity) في الأخبار مسألة يحتدم فيها الجدل الساخن مرة أخرى(3).
فالدعاية الثقافية المضادة الموجهة من دول الشمال إلى دول الجنوب وما يترتب عليها من سيطرة ثقافية غربية وتهديد للثقافات المحلية تؤدي إلى تكريس أخطر أنواع الاستعمار الإعلامي(4).
ومع قانون الدعاية، التكرار والملاحقة، سوف يصدق ويصبح ما يقوله حقائق لا يرقى إليها الشك(5)، استناداً إلى العبارة الشائعة ( أكذب.. أكذب حتى يصدقك الآخرون)!.
إن وكالات الأنباء الدولية أصبحت أدوات للإعلام والدعاية، تعبر عن مصالح النخب الحاكمة سواء في المجتمعات الرأسمالية أم النامية، ولا تعبر عن هموم شعوبها وآمالها وطموحاتها(6).
وبرغم وجود ما يسمى بالنظام الإعلامي العالمي الجديد إلا أنه ما يزال يتميز بالدعاية المضادة والموجهة من دول الشمال إلى دول الجنوب(7).
وعلى الصحف أن تحذر من الوقوع في براثن الأهداف والأغراض غير الظاهرة لوكالات الأنباء الأجنبية ويتم ذلك بالحرص على الموازنة بين برقيات مختلف الوكالات حول كل خبر، وفي ضوء خبرة الصحيفة باتجاه كل وكالة والسياسات التي تخدمها عليها أن تنقي الخبر مما يشوبه من أشياء غير ظاهرة وتقدمه إلى القارئ خالياً من أي تأثير(8).
ولا بد أن تحرص الصحيفة، في أثناء ترجمتها برقيات وكالات الأنباء الأجنبية وحين تعيد صياغتها لتعدها للنشر، أن تنقيها من بعض المصطلحات والمفاهيم التي تتعارض مع المصالح القومية للمجتمع الذي تصدر فيه(9).
إن الأخبار الدولية اهتمت بالدعاية السياسية وأغفلت اهتمامها بموضوعية الأخبار بخاصة أبان الحرب العالمية الثانية.(10).
وفي العملية الدعائية، لا بد أن يكون (الخبر)، بالطبع مركز تفكير المخطط الدعائي الذي صار يتعامل مع الخبر على نحو يتناسب مع الجهة التي تتلقاه وأهداف الجهة الدعائية المخططة له(11).
وفي الوقت الذي تحرص الصحيفة على الانتباه إلى ما وراء برقيات وكالات الأنباء الدولية من أغراض سياسية فأنها مطالبة ـ في الوقت نفسه ـ أن تحرص على تقديم الأخبار على نحو موضوعي غير متحيز(12).
إن الصحف العربية تمتنع عن نشر كثير من المصطلحات التي تستعملها بعض وكالات الأنباء الغربية مثل إطلاق صفة الإرهابيين على المقاومة الفلسطينية(13) والمقاومة العراقية، لأنها لا تريد أنْ تعطي هوية تعتقدها هي تبريرية للكثير من أعمال المقاومة أو النيل من سمعة طرفٍ لا تريد هذه الوكالات النيل منه.
والصحيفة مطالبة بإعادة صياغة الأخبار الخارجية مهما تعدت مصادرها إذ يعاد ترتيب أهمية ما يتضمنه الخبر من وقائع وأحداث إذ يقدم كل ما له علاقة مباشرة بقارئ الصحيفة أو ما يدخل في دائرة اهتمام القراء الذين تصدر الصحيفة لهم إذ يؤخر ما هو أقل أهمية بالنسبة إلى القراء المحليين(14)، وذلك لعدم ترويج بعض المفاهيم والتسميات التي تمسُّ قناعات الجمهور ومؤسسات الدول التي تتسلم الخبر.
إن وزارة الدفاع الأمريكية ـ بحسب ما ذكرت النيويورك تايمز، كانت تستعين بمجموعة ريندون للمساعدة في تأسيس وكالتها الدعائية الجديدة التي سمتها بـ (مكتب التأثير الاستراتيجي) وحُلَّ (مكتب التأثير الاستراتيجي) رسمياً بعد ردّ الفعل العام وبعد أن ذكرت التايمز بأنه سيزود المراسلين الأجانب (بمواد إخبارية) وحتى أنه من المحتمل أن تكون تلك المواد غير صحيحة (15).
إن الدور السياسي للوكالات هو استخفاف بالممارسة المهنية بالرغم من أن ذلك الدور قد يطور العاملين مهنياً إلا أنه يدمر مصداقية أية وكالة(16).
وفي الوقت الذي تتصارع الدول سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتتعقد فيه أساليب الدعاية وفنونها ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، تلعب وكالات الأنباء دوراً وثيق الصلة بإستراتيجية الدولة بصفة عامة، كما يرتبط نشاطها اليومي بتكتيكاتها ومناوراتها ودعاياتها(17).
إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن طريق أساليبها الدعائية قد أدخلت مصطلح (blow back) أي الخبر المدسوس، وهو مصطلح ينصرف في الدعاية الأمريكية إلى الأخبار التي تقوم هي بزرعها وتسريبها إلى الصحف ووسائل الإعلام خارج الولايات المتحدة، وحين يشيع هذا الخبر في الخارج تقوم وسائل الإعلام الأمريكية بنشره داخل أمريكا وعده ضرباً من المشاجرات أو المهاترات الداخلية ( domestic Fallout ) (18).
لكن الأمر المشترك بين وسال الإعلام الجماهيري، والعلاقات العامة، والإعلان والإرهاب، هو النظرة إلى الاتصالات التي تعد في أفضل الأحوال (أنموذجاً دعائياً) (19).
العوامل التي تساعد في تحقيق أهداف الدعاية:
هناك جملة عوامل تساعد ـ على نحو مباشر أو غير مباشر ـ في تحقيق مرامي الدعاية الغربية، ومن هذه العوامل وهي شائعة في حياتنا العربية إلى حد كبير(20):
1ـ التشكيك في مصداقية أجهزة الإعلام.
2ـ السلبية واللامبالاة.
3ـ الانفعال وسرعة الاستهواء.
4ـ سيادة الانطباعات الجاهزة.
إذ إن أغلبية الأنظمة لا تستعمل مصطلح الدعاية وإنما ( الإعلام ) برغم أن ممارساتها دعائية تضليلية بعيدة عن ما يعنيه مصطلح الإعلام ؛ لأن تلك الأنظمة تعلم أن الدعاية صورة سيئة الصيت لإدارة المواقف الجماعية باستعمال رموز معينة(21).
وهذا الأنموذج الدعائي يختلف في عدة وجوه مهمة عن الفرضيات السائدة عن مفهوم الاتصال كما نتوقعه في النظم الديمقراطية، تبدأ الاختلافات بطريقة الاتصال نفسه، لأن الدعاة ينظرون إلى الاتصالات كمجموعة من التقنيات التي ترمي إلى تلقين ( الجمهور المسترمي) في حين أن المفهوم الديمقراطي للاتصال يعرفه كعملية مستمرة من الحوار بين الأصوات المتنوعة(22).
ويكون هذا الحوار ذا أبعادٍ متجانسة تسهم فيه الأصوات المتنوعة التي تنتج رؤية متقاربة تحققها الآراء المتبادلة.
إن الكثير من الصحفيين الغربيين واقعون تحت التأثير الدعائي لرجال السلطة أو المسؤولين في الحكومات الغربية الذين يزودون وسائل الإعلام بخطط الدولة وبرامجها وسياساتها ويعطونها أرقاماً عن الميزان التجاري ومعدلات التضخم والنمو وإحصاءات عن الجريمة وغيرها، وهؤلاء الصحفيون يعتقدون أن من مصلحتهم إقامة مثل هذه العلاقة مع المسؤولين لأن الصحافة تحتاج إلى المعلومات التي تصلها عن طريقهم.
ويلاحظ أن الدعاية تناشد العواطف لا العقل فضلاً عن اعتمادها على المبالغة واستعمال بعض الوسائل غير العقلانية وغرس الكراهية في نفوس أبناء الشعب اتجاه الشعوب الأخرى بما يخدم مصالحها(22).
ويتضح ذلك في الكثير من التجارب، ومنها (الحرب الباردة) إذ إن تجربة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وسباق التسلح وفشل سياسة الوفاق الدولي حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي تلك التجربة الغنية قد أمدت المخطط الإعلامي والباحث الدعائي بأساليب متطورة لممارسة العملية الدعائية الموجهة. أما (التكنيك) الفني في الدعاية الأمريكية الذي أطلق عليه رجال الدعاية مصطلح (Propaganda technique) فقد شمل الأخبار وموضوعاتها وطريقة التعامل مع الأحداث في الداخل والخارج.
والعلماء الأوائل الذين درسوا الدعاية سموها بالاتصال بإتباع ( أسلوب الإبرة تحت الجلد) إذ يكون مرمى خبير الاتصال أن ( يحقن) أفكاره في عقول الجمهور المستهدف (23). وهو بذلك ينفذ إلى أعماق الوسط الذي يعمل لأجل بثِّ أفكاره ومعلوماته عن طريقها، وعليه فأنه (خبير الاتصال) يحقق أنموذجاً دعائياً لعمله. وعلى سبيل المثال فأن شركة كومسات الأمريكية قامت بتشغيل النظام البحري لاتصالات الأقمار الصناعية ( ماريسات ) ويتكون من ثلاثة أقمار فوق المحيط الأطلسي والهادي والهندي تقوم بإرسال الصوت والبيانات والمستندات المصورة إلى الأسطول الأمريكي(24). كما أن وسائل الإعلام الإخبارية تتجاوب ـ عادة ـ مع اهتمامات النخبة الحاكمة وقيمها ووجهات نظرها، وأن النخبة السياسية ومجموعة صغيرة مهيمنة من مؤسسات الإعلام الجماهيري الباحثة عن الربح تسيطر على قسم كبير من موارد وسائل الإعلام وسلطاتها(25).
اضف تعليق