لم تعد السياسة الأمريكية الداخلية تصنع بناء على ديناميكيتاها الخاصة، بل أضحت تتغذى بالمتغيرات الدولية التي تؤثر فيها بطريقة ما. وقد أدت التركيبة المجتمعية الخاصة بالولايات المتحدة إلى وجود جماعات تضغط على صناع القرار لإقرار سياسة خارجية تنسجم مع رغبات ومصالح بلدانها خارج الحدود الأمريكية، وتختلف درجة تأثيرها...
بقلم: سلسبيل سعيد
تقف الولايات المتحدة الأمريكية على رأس هرم النظام العالمي بمستوياته السياسية والاقتصادية والعسكرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية 1939-1945، وهو ما منح القرار الأمريكي أهمية بالغة تستوجب دراسة مدخلاته وطرق اتخاذه. حيث يتشكل القرار الأمريكي (الداخلي والخارجي) بناء على مجموعة من العوامل المختلفة ذات المستويات الشعبية والرسمية والدولية، ويأخذ المستوى الداخلي النصيب الأكبر في بناء القرار الأمريكي، وذلك من خلال دور الحزب الفائز في الانتخابات، ودور القادة والسياسيين البارزين في الكونجرس، وتأثير أصحاب رؤوس الأموال، ومراكز البحث والفكر، بالإضافة إلى تأثير الرأي العام.
كذلك فإن الجهود الخارجية في التأثير في القرار الأمريكي تستعين بأدوات داخلية، حيث تضطلع جماعات الضغط بدور كبير في التأثير في السياسة الخارجية لواشنطن، إذ تستطيع من خلال قنواتها المختلفة تمرير قوانين واتخاذ قرارات مصيرية ربما يصعُب تمريرها على مجلس النواب بالطرق التقليدية، بالإضافة إلى قدرتها على تغيير مواقف وآراء للمكونات الحكومية والشخصيات السياسية البارزة تجاه القضايا التي تنشط فيها جماعات الضغط.
ولا تعد أنشطة جماعات الضغط مخالفة لمبادئ الدولة الأمريكية وإداراتها المؤسساتية والفصل بين السلطات، حيث يشجع هذا النظام الأمريكي جماعات الضغط على ممارسة أنشطتها وتأثيرها في السلطة التشريعية والتنفيذية، وذلك وفق وسائل يجيزها التشريع الأمريكي بوصفها جهات رسمية تمثل شرائح المجتمع المختلفة أمام المشرع وأجهزته. فضلاً عن استثمار جماعات الضغط لآليات العمل الديمقراطي المتنوعة؛ من حرية الصحافة، وحرية التعبير عن الرأي، وممارسة التأثير داخل المؤسسات الرسمية المباشر وغير المباشر.
ولم تتوقف جماعات الضغط عن ممارسة أنشطة الضغط والتأثير منذ أن بدأته رسمياً خلال القرن التاسع عشر، ولم يحدث أي توقف أو خفوت في دور هذه الجماعات لصالح التشريعات والإجراءات الحكومية، ولهذا تطورت القوانين المنظمة لها، والأساليب المستخدمة من قبلها في أروقة السياسة، وأصبحت جماعات الضغط عملاً مشروعاً يعترف به رسمياً في نظام سياسي شديد التعقيد.
أما بالنسبة للعلاقة بين جماعات الضغط والمنطقة، فهناك علاقة وطيدة بين عدد من المكونات الشرق أوسطية، سواء كانت حكومات مركزية أو أقاليم فيدرالية أو حتى أجهزة معارضة، وبين جماعات الضغط في الولايات المتحدة، وذلك بهدف الحصول على مواقف مساندة من قبل المشرع الأمريكي، ولهذا تسعى هذه المكونات إلى بذل ما يمكنها لتحسين علاقاتها، والحصول على عقود دفاعية أو اقتصادية، وتختلف مستويات جماعات ضغط المنطقة باختلاف درجة المصالح المرتبطة بالنظام الأمريكي، وقنوات التأثير المستخدمة من قبل أطراف الضغط. ويقف على رأس جماعات الضغط في منطقة الشرق الأوسط لوبي الكيان الإسرائيلي، ثم الخليجي بدوله المختلفة، فاللوبي التركي والإيراني.
،، تحاول الدراسة أن تبحث في آليات عمل جماعات الضغط وقدرتها على التأثير في القرار الأمريكي من خلال أربعة محاور أساسية ،،
يراجع المحور الأول مفهوم جماعات الضغط بشكل عام، واختلافها مع المفردات السياسية المشتبكة معها، في حين يحاول المحور الثاني التعمق في جماعات الضغط داخل الولايات المتحدة، والتعرف على تاريخ أنشطتها وأبرز خصائصها وأهم وسائلها في التأثير. ويبحث المحور الثالث في تأثير عمل جماعات الضغط في المشهد العام في الشرق الأوسط، وذلك من خلال ضرب أمثلة لجماعات الضغط الخاصة بالدول الخليجية ولوبي الكيان الإسرائيلي واللوبي التركي واللوبي الإيراني. وأخيراً يبحث المحور الرابع الملامح المستقبلية لجماعات الضغط وأثرها في المنطقة العربية.
المحور الأول: جماعات الضغط.. الماهية والأهداف
السمة البارزة لجماعات الضغط عموماً ارتبطت بممارسة الضغط على الحكومات من أجل الوصول إلى أهداف وغايات معينة مرتبطة بحماية مصالحها وغاياتها، وفي هذا المحور نحاول التعرف على هذا المفهوم ودوره في صناعة السياسة العامة، ودرجة التشابه والاختلاف مع المفردات المرادفة له.
أولاً: مفهوم جماعات الضغط
هناك تعاريف متعددة لمفهوم جماعات الضغط، وذلك حسب المنهجية العلمية المتخذة في تحديد عناصر ومجالات عمل هذه الجماعات، ومن أبرزها تعريف فهمي الفهداوي، الذي استند إلى الجانب التنظيمي لتعريف جماعات الضغط، حيث عرفها بأنها “تلك الجماعات المؤثرة، التي تتصف بنوع من التنظيم وممارسة الضغط السياسي على صناع السياسة العامة الرسمية، في سبيل تحقيق هدف مقصود تسعى إليه جماعة الضغط، من خلال قوتها التأثيرية ومن خلال ممارستها للضغط الفعلي والواقعي على الحياة السياسية العامة”[1].
وهي- في تعريف آخر لماجد الزمالي، الذي ركز فيه على آليات تأثير جماعات الضغط-: “مجموعة من الأفراد تجمعهم مصالح مشتركة ينشطون في سبيل تحقيقها، وتستخدم هذه الجماعة كل ما تملك من وسائل متاحة، تتباين في نشاطها من مجتمع إلى آخر بناء على درجة تطور وتعقد المجتمع القائمة فيه، وتختلف فيما بينها في الحجم والثروة والقوة والأهداف، ولكن تتشابه في وسائلها عند ممارسة الضغط على السلطات العامة، بما في ذلك: أعضاء المجالس التشريعية، والهيئات التشريعية، وتوجيه الناخبين ونشر الدعاية المؤثرة في الرأي العام”[2].
وفي تعريف آخر ذكره إدمون رباط في كتابه (الوسيط في القانون الدستوري)، واعتمد فيه على نشاط عمل جماعات الضغط: “هي تلك الجماعات التي تضم مجموعة من الأفراد يتحدون في عدة صفات تجمعهم ببعضهم البعض وفقاً لمصالح معينة، ولكنهم لا يسعون إلى تحقيق أرباح تجارية، كما هو الحال بالنسبة للشركات التجارية، أو الاستيلاء على السلطة مثل الأحزاب السياسية، ولكنها تهدف من نشاطها وأعمالها تحقيق ما تتطلب مصلحة تلك الجماعات”[3].
ويطلق على جماعات الضغط “لوبي الضغط” أو (lobby)، وهي كلمة إنجليزية تعني “الرواق أو الردهة الأمامية في فندق، وتكون عادة قبالة مكتب الاستقبال. وأطلقت هذه الكلمة على الردهة الكبرى (الصالة الكبرى) في مجلس العموم البريطاني، وعلى الردهة الكبرى في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهذه الردهة يستطيع أعضاء المجلس مقابلة الأفراد، وفيها يتم تبادل الآراء والمصالح المشتركة، وعقد الصفقات، وإدارة المناورات والمشاورات”[4].
وبهذا يعرف مصطلح “اللوبي” التعريف ذاته لجماعات الضغط بأنه عبارة عن “مجموعة من الأشخاص الذين يسعون للتأثير على النواب والمشرّعين من أجل قضيةٍ ما”، حسب ما يعرفه قاموس أكسفورد [5](Oxford Dictionary).
بناء على ذلك، فإن مفهوم جماعات الضغط- مثله مثل أي مفهوم في العلوم الإنسانية- يصعب تحديده في قالب واحد، وقد اختلف المختصون بشأن تعريفه نظراً لتنوع أشكال جماعات الضغط وأساليبها في الممارسة وحجم تأثيرها، لكنهم متفقون جميعاً أن الهدف العام لهذه المجموعات التأثير في صناع القرار.
كما أن من الأهمية بمكان تمييز مفهوم جماعات الضغط عن المفاهيم الأخرى المشابهة له. أول هذه المفاهيم مفهوم “جماعات المصالح”، الذي يعد من أكثر المفاهيم التباساً مع مفهوم جماعات الضغط، وعادة ما يستخدم المصطلحان لمفهوم واحد، نظراً لتشابه وجود المصالح المدافع عنها عند كلتا المجموعتين.
وللتحقيق أكثر، هناك من يرى أن جماعات المصالح ليست نفسها جماعات الضغط، فقد نشأت جماعات المصالح تحت مبرر توسع الوظائف المهنية للدولة، وهو ما أدى إلى ظهور جماعات تدافع عن نفسها بوصفها منتجة في القطاعات الإنتاجية التي تنشط بها دون أن تستخدم القوة للتأثير في الأسعار أو سياسة معينة في الدولة، ومن ثم لا تعد جماعات المصالح جماعات ضغط ما لم تستعمل سلطة التأثير على الحكومة لتحقيق مطالبها[6].
إضافة إلى ذلك، تتشابه الأحزاب السياسية مع جماعات الضغط في رسم السياسة العامة للبلاد وصنع القرار، وفي التكوين الداخلي لكل منهما بالتشكل من مجموعة من الأفراد تجمعهم مبادئ وأهداف مشتركة. إلا أن الأحزاب السياسية تختلف عن جماعات الضغط في كونها تحترف العمل السياسي وتسعى للوصول إلى السلطة، أما جماعات الضغط فتسعى إلى التأثير في السلطة دون أن تتقلدها.
وأسلوب عمل الجماعات الضاغطة هو أسلوب وقائي، يهتم بالتشريع قبل صدوره وأثناء مناقشته لضمان حماية مصلحة الجماعة الضاغطة وليس المصلحة العامة، أما أسلوب عمل الحزب السياسي فيركز على ما هو قائم من تشريعات، ويحاول تكييفها لمصلحة الحزب وتوجهه لإدارة المصلحة العامة[7].
كذلك فإن التأثير الذي تمارسه جماعات الضغط في رسم السياسة العامة يكون وهي خارج السلطة، أما الحزب السياسي فيمارس التأثير عند تسلمه للسلطة وخارجها. وتختلف جماعات الضغط أيضاً عن الأحزاب السياسية في عدم تعرض الأولى للمراقبة الشعبية على خلاف الثانية التي تخضع للرقابة الشعبية[8].
ثانياً: أهداف جماعات الضغط
تتنوع جماعات الضغط تنوعاً كبيراً وذلك تبعاً للأهداف التي تسعى إلى تحقيقها أو إلى طبيعة نشاطها أو طريقة تنظيمها، ويمكن أن نصنف جماعات الضغط بحسب طبيعة أهدافها إلى ثلاثة أصناف أساسية[9]:
الصنف الأول: يتمثل بجماعات المصالح السياسية، وهي أبرز الجماعات الضاغطة التي تسعى إلى التأثير في القرار الحكومي لحماية مصالحها المتنوعة عن طريق وسائلها المباشرة أو غير المباشرة.
الصنف الثاني: يتمثل في جماعات الضغط شبه السياسية، التي تمزج بين الأهداف السياسية والاقتصادية، كالنقابات العمالية واتحاد أصحاب الأعمال.
الصنف الثالث: يتمثل في الجماعات الإنسانية الضاغطة، التي تسعى إلى ممارسة التأثير لحماية مجال حقوق النساء والأقليات والأطفال، والتي تمارس نشاطها للحصول على دعم مالي، أو دفع المجتمع والحكومة للإيمان بالقضايا التي تدافع لأجلها.
وحتى تتمكن أي جماعة ضغط من تحقيق أهدافها والتأثير في قرارات الحكومة تأثيراً فعالاً، فلا بد أن تتوافر فيها ثلاثة عوامل رئيسية، وهي: القاعدة الشعبية والمقاربة والتمويل. إذ تحاول أي جماعة ضغط حشد الدعم والتعاطف معها بشأن القضايا التي تؤمن بها والتأثير في قرارات المشرع بشأن هذه القضايا، ومن ثم فإنه من المهم جداً أن تتوافر للجماعة الضاغطة قاعدة شعبية داعمة لها حتى تتمكن من تحقيق أهدافها.
تكتسب جماعات الضغط قوتها أو ضعفها من الرأي العام؛ برضاه أو تذمره، فالرضا يكسبها الحيوية والانتشار والاستمرار، في حين يؤدي السخط على أنشطتها إلى الضعف والفشل. لذلك فإن ما يشاع عن أي جماعة ضاغطة لدى الأوساط الجماهرية له أهمية بالغة من حيث استقواء الجماعة أو ضعفها[10].
وبالإضافة إلى امتلاك قاعدة شعبية مهمة، فإن تطبيق مقاربة سليمة شاملة يبقى أمراً مطلوباً من أجل إحداث تغيير في السياسة. ويجب أن تشمل المقاربة حملة علاقات عامة، إذ من الصعوبة بمكان أن تضغط جماعة ما أو تحاول التأثير في مسألة ذات صورة سلبية. يجب أن تكون لدى الجماعة سردية ذات صدقية، ومتماسكة، وجاذبة للجمهور، وعليها تقديم مقاربة للمشرعين بطريقة استراتيجية؛ أي إن عليها أن تكون متنبهةً جداً للعناوين التي اختيرت لحملة الضغط ومحاولة التأثير[11].
وتتنوع الوسائل التي تنتهجها جماعات الضغط في تحقيق مقاربات شاملة، وأبرزها ضم مشرعين ومسؤولين كبار إلى صفوفها، والتأثير في الرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وتقديم الدعم المادي لمرشحي الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتقديم مسودات المقترحات للتشريعيات الجديدة، وإقامة التحالفات المتنوعة مع مسؤولين حكوميين أو جماعات ضغط أخرى للدفاع عن قضايا مشتركة.
وأخيراً، لا بد لجماعة الضغط أن تضمن تمويلاً مادياً كافياً يمكنها من الاستمرار في ممارسة الضغط والتأثير، ولا سيما أن كل مهمة من مهمات الضغط تتطلب تمويلاً مالياً لإجرائها؛ من حملات إعلامية، ودعم مراكز البحث لتقديم مسودات مقترحات، والتواصل مع المسؤولين، وإجراء الزيارات والمقابلات.
المحور الثاني: جماعات الضغط.. النشأة والأدوار
يختلف مستوى نشاط الجماعات الضاغطة حسب البيئات الاجتماعية والاقتصادية والإيديولوجية للبلد الموجودة فيه، إذ إن البُلدان التي تتمتع بهجرات كثيرة وتكتلات سكانية لأصول متنوعة في منطقة جغرافية واحدة يتكون فيها نشاط متزايد للجماعات الضاغطة، وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تقع على رأس هرم الدول التي تنشط فيها جماعات الضغط، حيث ينتمي حوالي ثلثي الأمريكيين تقريباً إلى جماعات الضغط[12].
تعود هذه النسبة الكبيرة في الانتماء لجماعات الضغط إلى أن الولايات المتحدة من حيث منشؤها عبارة عن دولة لوبيات، بالإضافة إلى كونها دولة مؤسسات؛ وذلك من جراء فلسفتها البراغماتية “الليبرالية”، وقوة اقتصادها الرأسمالي، وقطاعها الخاص، الذي تقوده شركات كبرى على جميع المستويات[13]، وهو ما يدفع بجماعات الضغط إلى إيجاد قنوات تحمي مصالحها في بيئة شديدة التنافس بين المصالح المتضاربة.
أولاً: مراحل نشأة جماعات الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية
مرت جماعات الضغط بمراحل متعددة، ومارست في كل مرحلة أدواراً مختلفة، حتى وصلت إلى صيغتها المتطورة، ومن أهم هذه المراحل:
المرحلة الأولى: الاعتراف بالحق في تقديم الالتماس والمطالبة بالإنصاف
ظهر حق تكوين جماعات الضغط في أمريكا قبل استقلالها عن بريطانيا. إذ نصت قرارات الكونجرس لعام ١٧٦٥ على أن من حق رعايا بريطانيا في هذه المستعمرات تقديم التماس إلى الملك أو مجلس العموم أو إلى كليهما معاً. وكذلك أُعيد تأكيد هذا المبدأ في البند الأول من الدستور بأنه يحق للمواطنين التجمع السلمي وتقديم التماس إلى الحكومة لتدارك تظلماتهم[14].
ثم صدر فيما بعد الاعتراف بظاهرة جماعات الضغط ودورها في التأثير في المشهد العام الأمريكي في التعديل الأول للدستور الأمريكي ضمن وثيقة الحقوق التي أُقرت في 15 ديسمبر/كانون الأول 1791، وضمن التعديل الأول حق مطالبة أفراد المجتمع الحكومة الأمريكية بإنصافهم من الإجحاف، ومنع الكونجرس من سن أي قوانين من شأنها تقييد هذا الحق، فضلاً عن حق أفراد المجتمع في تقديم التماس إلى الحكومة من أجل تصحيح المظالم[15].
المرحلة الثانية: تشكل الملامح العامة لجماعات الضغط
في منتصف القرن التاسع عشر بدأت جماعات الضغط تتشكل بأعداد محدودة، وتأخذ بعداً مؤسساتياً، وأخذ مجال نشاطها يتوسع نتيجة توسع المجتمع الأمريكي، وتعقد المهام المختلفة التي يمارسها، وازدياد حاجياته المتنوعة، وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت بالتوسع أكثر، وبرزت الملامح العامة لسياساتها الحديثة، وذلك حسب مسح ميداني أجراه معهد “ووكر” ونشر نتائجه بين عامي 1983 و1991 بشأن أصول جماعات الضغط والمصالح في الولايات المتحدة الأمريكية[16].
وفي عشرينيات القرن العشرين أصبح مصطلح مجموعات الضغط واسع الانتشار منذ استخدامه لأول مرة في الولايات المتحدة، وبدأ تدريس أساليبه بوصفه واحداً من المجالات البحثية الرئيسة في السياسة المعاصرة، التي وصفت في حينها بأنها سياسة ديمقراطية تحت الضغط[17].
وعلى الرغم من بساطة نشاط جماعات الضغط في النصف الأول من القرن العشرين، فإنها اشتركت في الجدال السائد في تلك الفترة بشأن القرار السيادي المتعلق بتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الدولية من عدم التدخل (العزلة السياسية)، ومن أهم جماعات الضغط التي دعمت التدخل في الشؤون الدولية: منظمة دافع عن أمريكا، ومنظمة قاتل من أجل الحرية، والتحالف العالمي للصداقة الدولية، التي كانت ترى أنه من الأهمية بمكان مشاركة الولايات المتحدة في نظام أمني عالمي للحيلولة دون وقوع حرب في أي مكان من العالم[18].
وعلى الجهة المقابلة كان الفريق المشجع لعدم تدخل الولايات المتحدة في المجال الدولي، والذي ضم عدداً من المنظمات أمثال المجلس الوطني لمنع الحرب، ومنظمة طرق السلام العالمية، وجماعة حب السلام، وغيرها من المؤسسات التي سعت إلى معارضة القرار الأمريكي آنذاك بشأن المشاركة في الحرب العالمية الثانية، وكان لها دور كبير في إصدار قرار من الكونجرس عام 1939، بشأن إلغاء الحظر المفروض على الولايات المتحدة بشأن شراء السلاح[19].
وقد نظمت التشريعات الأمريكية شؤون وإدارة جماعات الضغط، حيث صدر في الولايات المتحدة، عام 1938، قانون تسجيل العامل الأجنبي FARA))، الذي يعد مكملاً للقانون العام لتنظيم جماعات الضغط فيما يتعلق بمحاولة التأثير في حكومة الولايات المتحدة من جماعات تعمل باسم حكومة أجنبية أو حزب سياسي أجنبي.
“ويُلزم القانون أي شخص داخل الولايات المتحدة يعمل لصالح جهات خارجية أن يفصح عن أنشطته وطبيعتها، مع أي الجهات يتواصل، وكيف يتصل بها، ويلزم بالإفصاح عن موضوع التواصل وتاريخه، وعن الأموال التي تتلقاها شركات الضغط أو موظفوها، وعن الأموال التي يستعملونها لإتمام عملهم، أو تبرعاتهم للحملات الانتخابية لسياسيين أمريكيين”[20].
وفي عام 1946 صدر أول قانون عام لمحاولات الضغط والتأثير في المستوى الفدرالي (FRLA) ويحدد قواعد ممارسة أنشطتها[21]، بحيث يسمح هذا التشريع لجماعات الضغط بتقديم خدماتها الاستشارية لأعضاء الكونجرس والمساعدة في إعداد مسودات التشريعات، وتقديم النصائح دورياً لتنظيم الأنشطة أو الصناعات المرتبطة باختصاص جماعات الضغط[22]. وفي عام ١٩٩٥ صدر قانون توصيف الضغط (LDA)، الذي يعنى بممارسة الضغط من حكومة أجنبية، سواء عن طريق شركات مملوكة لها أو وكلائها النشطين في ممارسة الضغوط على حكومة الولايات المتحدة[23].
المرحلة الثالثة: ظهور شركات الضغط كاملة الخدمات
منذ أواخر الثمانينيات ظهرت شركات ضغط قوية كاملة الخدمات، عُرفت باسم “شركات الضغط الضخمة”، وأهم هذه الشركات: (Arnold) وPorter) (APCO Associates و(Hill)و(Knowlton). وغالباً ما تتقاضى شركات الضغط كاملة الخدمات هذه ملايين الدولارات، على عكس الشركات التي تقدم نطاقاً أصغر من الخدمات، وتتقاضى أجوراً أقل بكثير من الشركات الضخمة[24].
وعند تعقب مسيرة جماعات الضغط وتطور نشأتها من جماعات غير منظمة إلى جماعات مُعترف بها قانوناً، نجد أن لعوامل الثقافة الاجتماعية والحقبة التي ظهرت فيها دوراً كبيراً في تحول الحاجة إلى الضغط والتأثير من أمر غير مقنن ويعمل به من خلف الستار إلى عملية سياسية واضحة العالم تُصرح عن مصادر تمويلها وتعلن عن حملاتها الضاغطة للحصول على تأييد الشارع الأمريكي لمواقفها.
فكما ذكر سابقاً، فقد كان للتكتلات السكانية المتنوعة للمجتمع الأمريكي دور كبير في تطور صناعة الضغط، وتحولها إلى ما هي عليه الآن. كذلك، أسهم التوقيت الزمني المرتبط بتعاظم قوة الولايات المتحدة وخفوت مراكز القوة العالمية نتيجة الحرب العالمية الأولى والثانية في تسريع تطور عملية الضغط وتنظيمها في إطار التشريع الأمريكي، وذلك حتى لا تتصادم تكتلات الضغط المكونة للمجتمع الأمريكي، ويستقر القرار الأمريكي الصاعد حديثاً إلى النظام الدولي خلال القرن العشرين.
ثانياً: جماعات الضغط الداخلية وطبيعة حضورها في المشهد الأمريكي
جماعات الضغط لا توجد بشكل فعال إلا في بيئة مجتمعية مواتية تتصف بالحرية، والتنوع، والاستجابة التلقائية، والاستقلال، حيث تمثلُ تلك المقومات شروطاً ضرورية لقيام تلك الجماعات. إذ تحتاج جماعات الضغط إلى الحرية التي تسهل لها الدعاية والإعلان وطرح رأيها بسهولة على المجتمع، بالإضافة إلى التنوع الذي يمثل الركيزة الأساسية لجماعات الضغط المختلفة، والاستجابة التلقائية لحاجات المجتمع ومشاكله، وأخيراً التمتع بالاستقلالية بعضها عن بعض في نشأتها وتطورها، واستقلالها عن الدولة أيضاً[25].
وهذا ما توافر في المجتمع الأمريكي، فضلاً عن انسجام أساليب الإدارة القائمة في الولايات المتحدة مع ما يمارسه لوبي الضغط. وصحيح أن شروط الوجود الفعال لجماعات الضغط تتوافر معظمها لدى المجتمعات الغربية، إلا أنه من الملاحظ عدم وجود فعالية قوية لجماعات الضغط في أوروبا، ولعل ذلك يعود إلى شكل المجتمعات الأوروبية الهرمية، فالمجموعات المهاجرة، التي تعد جزءاً من تشكيلة المجتمع الأوروبي، تظل في مستوى أقل عن تلك المجموعات التي تميل جذورها الأولى للقارة الأوروبية.
وجود جماعات الضغط وتأثيرها القوي في التشريع الأمريكي يعد من الأهمية بمكان، فقواعد اللوبي وآليات الضغط مستقرة داخل أروقة السياسة الأمريكية، وعقلية الفرد الأمريكي متقبلة لفكرة اللوبي، ومستوعبة لأسلوبه في التأثير والضغط على إدارة الحياة الأمريكية، وهذا ما يُشاهد من حجم قواعد جماعات الضغط المنتشرة في الولايات المتحدة، والأعداد الضخمة المنتمية لتلك الجماعات، والتي تنافس ربما القواعد الشعبية للحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة الأمريكية (الجمهوري والديمقراطي). ومن أهم جماعات الضغط المؤثرة داخلياً:
1. الرابطة الأمريكية للمتقاعدين (AARP)
تقف الرابطة الأمريكية للمتقاعدين على رأس هرم تلك الجماعات. وقد أُسست في العام 1958، وتمارس نشاطها على نطاق واسع كمنظمة وطنية رائدة لمن تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكبر. تحصد الرابطة مليار دولار تقريباً من الإيرادات سنوياً، ويبلغ عدد أعضائها قرابة 36.3 مليون عضو[26].
تمارس الرابطة نفوذها وتأثيرها في القرار التشريعي الفيدرالي والمحلي في مختلف القضايا، وبما ينسجم مع أطروحاتهم، كقضايا الحروب الخارجية، وبيع الأسلحة للخارج، وإصلاح الضمان الاجتماعي، والسلاح، والأدوية، وما إلى ذلك.
2. شركات السلاح الأمريكية
تعد شركات السلاح الأمريكية إحدى أهم جماعات الضغط في الولايات المتحدة، ويعدهم بعض المراقبين صانعي القرار الحقيقيين، فهم القوى الخفية التي تدير وتنتج برامج ومخططات الحرب للحزب الحاكم في أمريكا ما بعد الحرب الباردة[27]، إذ لم تتوقف مصانع السلاح في الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو ما جعل شبكة مصالح تجار السلاح تتطور وتمارس كل ما تملكه من وسائل الضغط والتأثير.
من أبرز جماعات الضغط المرتبطة بالسلاح: الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة (National Rifle Association)، الذي يمارس نشاطه على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم نحو مليون عضو موزعين على 12 ألف ناد منتشرة في جميع الولايات، فضلاً عن تمثيلها من عشرات أعضاء الكونجرس في كل جولة انتخابية يدافعون عن مصالح الاتحاد[28].
كذلك ينشط الاتحاد بقوة في حملات التبرعات لمرشحي الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وذلك ضمن آليات حماية مصالح تُجار السلاح في الولايات المتحدة. ولا تقتصر أنشطة وحملات دعم الاتحاد على حزب بعينه، إذ يوجه دعمه للمرشحين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بهدف ضمان منع إصدار أي مشروعات قوانين تحد أو تمنع تصنيع وتسويق وحمل كل أنواع الأسلحة[29].
وهناك أيضاً لوبي الصناعات العسكرية، الذي تتصدره شركات مثل لوكهيد مارتن وبوينغ، ويعمل على تشجيع مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية خارجياً بشكل أساسي[30].
3. شركات الطاقة والتعدين
تبرز جماعات ضغط أخرى في الولايات الأمريكية كتلك الخاصة بشركات صناعات التعدين، التي لها دور كبير في التأثير والنفوذ على القوانين الخاصة بصناعات الفحم الحجري وخفض انبعاثات الكربون، بالإضافة إلى تعديل قوانين العمل الجماعية في القطاع. وهناك أيضاً لوبي الشركات النفطية الذي يتولى الدفاع عن شركات النفط الكبرى التي تملك أصولاً عالمية[31].
وهكذا نجد أن سيطرة جماعات الضغط على القطاعات المركزية داخل الولايات المتحدة، فضلاً عن القطاعات الأخرى، منحها شرعية راسخة مارست من خلالها التأثير في السابق، والاستمرار في المضي قدماً؛ من خلال استغلال قنواتها ووسائلها لتحقيق أهدافها المؤمنة بها. والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فتأثير اللوبي يصل إلى قطاعات السياسة والاقتصاد والأمن العالمي، التي تتفاعل فيما بينها في ظل عولمة النظام الدولي الذي تعد الولايات المتحدة على رأسه في عملية التفاعل والتأثير.
كما تتسم طبيعة عمل اللوبيات وجماعات الضغط في الولايات المتحدة بالتعقد والتشعب الشديدين، فطبيعة النظامين الاقتصادي والسياسي في الولايات المتحدة تتسم بتعدد مستوياتها ونقاط تقاطعها، فهناك المستوى المحلي والمستوى الفيدرالي، وفي كل مستوى يحدث التأثير الرسمي وشبه الرسمي وغير الرسمي[32].
يعتمد الشكل الرسمي على الضغط المباشر لمجموعة من الأفراد والجماعات من ذوي المصالح المشتركة على المشرعين الأمريكيين، سواء من حيث تمويل الحملات الانتخابية أو التكتلات التصويتية وغيرها. أما التأثير شبه الرسمي فيعد قريباً من التأثير الرسمي، ولكنه بمستوى أقل، كاللعب على الانتماء الحزبي لأفراد المصالح، وما إلى ذلك.
أخيراً، يعتمد الشكل غير الرسمي بالأساس على العلاقات الشخصية، ومن ثم يؤثر أصحاب النفوذ ورؤوس الأموال في التشريعات الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية[33].
ينتسب 65% من الشعب الأمريكي رسمياً إلى إحدى جماعات الضغط الموجودة على الساحة، إذ إن لهذه الجماعات دوراً في التعبير عن الرأي العام الأمريكي وتمثيلها لأهم قضاياه، بل وتؤثر بطريقة ما في مشاريع القوانين العامة في البلاد. حيث تساهم جماعات الضغط بعون تنظيمي في تقديم مقترحات القوانين أو مراجعة التشريعات القائمة لتنقيحها، وهو ما يعد مهمة أساسية لجماعات الضغط التي تستثمر كثيراً في طرح كل ما يلزم للحصول على التشريع المراد إقراره[34].
ولهذا فإنه من الطبيعي أن تنشر دورياً مئات بل آلاف الوظائف المتعلقة بجماعات الضغط تحت تسميات مختلفة، أبرزها وظيفة المنسق التشريعي (Legislative Coordinator)، ومدير العلاقات الحكومية (Government Relation Director)، ويشترط أحياناً للحصول على الوظيفة خبرة لا تقل عن 3 سنوات في إحدى لجان مجلسي الشيوخ أو النواب أو العمل في مكاتب أحد أعضاء الكونجرس، ويبدأ متوسط راتب هذه الوظيفة من 60 ألف دولار ويصل إلى 90 ألفاً سنوياً[35].
يبلغ عدد ممارسي الضغط المُسجَّلين (الذين سجلوا عن أنشطتهم وعن عملهم بمجال الضغط السياسي لدى الجهات الرسمية) في عام 2019 حوالي 11 ألفاً و885 شخصاً[36]، وينشط آلاف الأعضاء من جماعات الضغط المختلفة داخل الكونجرس بعد أن كانت أعدادهم لا تتجاوز ١٠٠ عضو في عام 1970[37].
“وتشير بيانات مركز السياسات المستجيبة (The Center for Responsive Politics) -وهو مركز بحثي متخصص في شؤون اللوبيات والشفافية- إلى إنفاق 3.5 مليار دولار خلال عام 2020 على أنشطة اللوبيات والضغط والتأثير على الحكومة الأمريكية من مختلف القطاعات والصناعات والجمعيات الأمريكية، إضافة إلى لوبيات الدول الأجنبية”[38].
تُظهر هذه الأرقام حجم التأثير الذي تمارسه جماعات الضغط، والذي أصبح أمراً لا بد منه في الحياة السياسية الأمريكية، فليس ثمة قرار أو تشريع يمر دون ممارسة اللوبي لنفوذه وتأثيره، وهو ما يثير التساؤل حول مدى الشرعية القانونية التي يتمتع بها القرار بعد صدوره نتيجة تأثير لوبي ما، وهل يجعل ذلك الولايات المتحدة منسجمة مع ما تدعيه من قيم الديمقراطية والشفافية والالتزام الأقصى بتنفيذ آليات الحكم الرشيد؟
ثالثاً: جماعات الضغط الأمريكية.. وسائل التأثير وأدوات الاستقطاب
هناك عدد من وسائل الضغط الرئيسة لجماعات الضغط الأمريكية، ويعد المال الركيزة الأولى التي تستند إليها جماعات الضغط في سبيل تحقيق أهدافها، وهناك أمثلة كثيرة على استخدام الأموال للتأثير في القرار التشريعي في الولايات المتحدة، مثل ما قامت به الجمعية الطبية الأمريكية عام 1965 من إنفاق أكثر من مليون دولار خلال ثلاثة أشهر في حملتها ضد التشريع الذي اقترحه الرئيس جونسون المتعلق بالعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية[39].
وسيلة أخرى تستخدمها جماعات الضغط الأمريكية تتعلق بالتأثير في الإعلام بمختلف أنواعه؛ من قنوات تلفزيونية وصحف يومية ومجلات شهرية، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. وتهدف جماعات الضغط من خلال التأثير في الرأي العام من خلال وسائل الإعلام إلى جعل عملية صنع القرار تصب في مصلحة قضايا تلك الجماعات؛ إذ إنه من المعروف أن للرأي العام دوراً فعالاً في عملية صنع القرار، سواء الداخلي أو الخارجي، والحصول على تأييد الرأي العام يجلب استقراراً سياسياً للإدارة الحاكمة، ويساهم في اتخاذ قرارات مصيرية خارجية كما حصل مع القرارات الأمريكية بشأن أفغانستان والعراق وإيران وغيرها، من خلال الدعاية الإعلامية والمغالاة في تضخيم العدو “الخصم المستهدف”، وتقبل الرأي العام لما أقدمت عليه الولايات المتحدة من إجراءات[40].
كذلك تستخدم جماعات الضغط للوصول إلى غايتها التأثير في قرارات المحاكم الأمريكية، بحيث تعمل المجموعات على إقناع القضاة بعدالة القضية التي يدافعون عنها؛ ويكون ذلك بتقديم المعلومات في صورة مذكرات قانونية أو عن طريق استخدام ما يسمى بأصدقاء المحكمة (friends of the court)[41]، وربما يسبق تأثير جماعات الضغط على التشريع الأمريكي بالتأثير المسبق على اختيار القضاة وبذل كل ما يلزم لضمان أصوات مشرعين تقف إلى جانب مصالحهم.
ومن الوسائل الجماهيرية التي تقوم جماعات الضغط من خلالها بالتأثير في مكونات المجتمع تكليف الأعضاء بإلقاء الخطب الداعمة للقضايا التي تناصرها في مختلف المدن الأمريكية، فضلاً عن إلقاء المحاضرات ونشر الكتب والمطبوعات، والمشاركة في المناقشات السياسية. كما تشجع أعضاءها على الكتابة في الصحف والنشرات الدورية، والتفاعل مع المواضيع التي تطرح في الإذاعة والتلفاز، وطرح وجهات نظرهم حتى تصل إلى جمهور أوسع[42].
وفي حال قرب موعد إقرار مشروع يدعم أو يهدد مصالح جماعة الضغط، فإنها تلجأ إلى حشد الرأي العام للوقوف إلى جانب قضيتها؛ وذلك من خلال المظاهرات الكبيرة في الساحات العامة، وحشد الآلاف من المجتمع لمقابلة ممثليهم في الكونجرس وحثهم على إرسال الرسائل الداعمة لهم، بالإضافة إلى إرسال الرسائل إلى المسؤولين الحكوميين تأييداً أو رفضاً للقرارات المزمع إصدارها[43].
وكما ذُكر سابقاً، لا تسعى جماعات الضغط للوصول إلى الحكم مثلها مثل الأحزاب السياسية، وإنما يقتصر مرادها على التأثير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أصحاب السلطة؛ لدفعهم للاستجابة لمطالب معينة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية[44]، وتتمثل الوسائل المباشرة في الاتصال بأصحاب القرار في الدولة، وبذل كل ما يمكن لإقناعهم بإصدار القرارات التي تخدم المصالح الخاصة بجماعات الضغط، في حين تشتمل الوسائل غير المباشرة على تعبئة الرأي العام لدفع أصحاب القرار إلى اتخاذ قرارات معينة تصب في مصلحة اللوبي.
المحور الثالث: آليات وأدوات جماعات الضغط وتأثيرها في بناء سياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية
تحتل المنطقة العربية أهمية استراتيجية في السياسة الأمريكية؛ نظراً لموارد النفط والموقع الهام، بالإضافة إلى وجود الكيان الإسرائيلي الحليف الرئيس للولايات المتحدة في تلك المنطقة. وهذا ما جعل دول المنطقة تسعى للحصول على دعم أمريكي في القضايا التي تلامس مصالحها؛ كصفقات الأسلحة والنفط والقيود التجارية والحرب على الإرهاب وغيرها من القضايا.
وفي هذا الصدد تعتمد دول المنطقة العربية على النخبة من أعضاء الكونجرس السابقين، والدبلوماسيين السابقين ووسطاء السلطة العاملين في شركات العلاقات العامة الضاغطة بهدف التأثير في القرار التشريعي الأمريكي.
ويعد الكيان الإسرائيلي أهم لوبي ضاغط على القرار الأمريكي، لا على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً؛ إذ بدأ بممارسة نفوذه في الضغط والتأثير منذ ما يزيد على مئة عام، يليه بذلك التأثير لوبي دول الخليج بمباشرة نشاطهما في فترات متقاربة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، ويتبعه بعد ذلك تأثير اللوبي الإيراني والتركي، اللذين بدأ نشاطهما في تسعينيات القرن الماضي.
يحاول هذا المحور التعرف على أهم وسائل هذه الجماعات، ومدى نجاعة تأثيرها في القرار الأمريكي، والمسائل التي أخفقت فيها، وأسباب هذا الإخفاق.
أولاً: آليات وأدوات جماعات ضغط الكيان الإسرائيلي
يعد لوبي الكيان الإسرائيلي من أكثر جماعات الضغط الأجنبية تنظيماً على المستوى السياسي والإعلامي والمالي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويتألف معظم اللوبي من يهود أمريكيين ملتزمين بالدفاع عن الكيان الإسرائيلي، والضغط من أجل تبني الولايات المتحدة سياسة تحمي مصالحه من حيث الوجود والأمن. ولا يقتصر تأثير اللوبي على السياسة الخارجية الأمريكية، ولكنه يمتد ليتفاعل مع شريحة واسعة من القضايا الأمريكية الداخلية.
وتعود نشأة اللوبي إلى هجرة اليهود من القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة على شكل دفعات متفاوتة، والبدء بتنظيم أنفسهم داخل المجتمع الأمريكي في مجالات السلطة والتأثير. وبعد إنشاء دولة الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1948، قرر عدد من اليهود الأمريكان الانتقال إليها، لتبدأ مرحلة جديدة في ارتباط اليهود الموجودين في الولايات المتحدة بالوطن الجديد المعلن لهم، حيث أصبح الالتزام بالكيان الجديد عاملاً أساسياً لهوية اليهود الأمريكيين، الذين أصبحوا يوجهون جزءاً كبيراً من أنشطتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمنفعة الكيان الإسرائيلي[45].
يمارس لوبي الكيان الإسرائيلي مهامه داخل الولايات المتحدة على نمطين: رسمي، وغير رسمي. إذ تحاول أجهزة اللوبي الرسمية بصفاتها التنظيمية المحددة قانوناً التأثير في الكونجرس وتوجيه قراراته لمصلحة الكيان الإسرائيلي. وحينما لا ينجع النهج الرسمي يتجه لوبي الكيان الإسرائيلي إلى الوضع غير الرسمي؛ من خلال تشجيع أعضائه ومؤيديه على المشاركة في الضغط العام لخدمة قضايا اللوبي، أو التأثير في نتائج الانتخابات بما يساهم في الضغط على البرلمان الأمريكي لخدمة قضاياه[46].
لوبي الكيان الإسرائيلي مثله مثل أي حركة اجتماعية أو سياسية، حدودها الشاملة لا تكون واضحة تمام الوضوح، لذلك لا يمكن تحديد لوبي الكيان بدقة، حيث يظل دوماً أشخاصاً ومنظمات خارج الحدود العامة للوبي[47]، في حين يسهل تصنيف منظمات عديدة أخرى في هذا الكيان كأمثال منظمة إيباك، والمؤتمر الأمريكي اليهودي، والمنظمة الصهيونية في أمريكا، واللجنة الأمريكية اليهودية، والرابطة المناهضة للتشهير، والمنتدى السياسي الإسرائيلي، وأصدقاء الليكود الأمريكيين، ومركز العمل الديني للإصلاح اليهودي، والأمريكيين من أجل إسرائيل آمنة، والمؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي، ومنتدى الشرق الأوسط، ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى[48].
ويمكن اختصار الجانب الرسمي للوبي الكيان الإسرائيلي في ثلاث مجموعات ضغط رئيسة، وهي: اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة (AIPAC)، التي تمارس ضغوطاً مباشرة على الكونجرس الأمريكي، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، التي تعد جهة الاتصال الرئيسة بين الجالية اليهودية والسلطة التنفيذية للحكومة الأمريكية، وأخيراً اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل، اللوبي الأمريكي “الأكبر” الموالي للكيان الإسرائيلي[49].
ومن هذه الكيانات الثلاثة يتفرع لوبي الكيان الإسرائيلي إلى منظمات فرعية أخرى في عموم الولايات المتحدة، وبهذا تصبح تشكيلة اللوبي مشابهة للهيكل الهرمي؛ تتلقى فيه منظمات اللوبي الموجودة في عموم الولايات الصياغة العامة بشأن الموقف اليهودي الموحد في أي شأن من شؤون السياسة الخارجية الأمريكية من جهات التنسيق الأولى، وعلى رأسها مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية.
ولا يُكتفى بتوحيد موقف اليهود الأمريكيين، بل تتوجه جهود اللوبي إلى اصطفاف شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي إلى جانب قضايا الكيان الإسرائيلي، وذلك بالتنسيق مع اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل وغيرها من المنظمات التي تنشط في تعزيز قضايا اليهود الأمريكيين لدى الشارع الأمريكي بشقيه الجمهوري والديمقراطي.
وقد تمكن لوبي الكيان الإسرائيلي من إقناع المشرع الأمريكي خلال الحرب الباردة بأنه خير حليف له في الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية في الشرق الأوسط ضد النفوذ السوفييتي، وهو ما أتبعه زيادة الاعتماد الأمريكي على الأطروحة السياسية التي يسوقها اللوبي بين أروقة الإدارة الأمريكية، ولا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، حيث نشط لوبي الكيان الإسرائيلي نشاطاً كبيراً على حساب اللوبي العربي في تسيير الرأي العام وصناع السياسة بما يتوافق مع مصالحه.
ومنذ ممارسته التأثير والضغط، ضمن لوبي الكيان الإسرائيلي صوته داخل الكونجرس ولدى كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحصل على التزام واضح بالكيان الإسرائيلي وأمنه، وهو موقف يشدد عليه جزء كبير من مسؤولي الدولة والتشريع الأمريكي دون تردد، إذ يشكل دعم الكيان الإسرائيلي عقيدة أساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، وذلك انطلاقاً من القيم الديمقراطية المشتركة، حسب ما يصفونه[50].
1. اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة “إيباك”
عند الحديث عن لوبي الكيان الإسرائيلي لا يمكن إغفال منظمة “إيباك” بوصفها أكبر منظمة مؤثرة في القرار الأمريكي السياسي والعسكري لحماية مصالح الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية. وتعد منظمة “إيباك” من أهم جماعات الضغط المؤثرة في القرار الداخلي بواشنطن بعد الرابطة الأمريكية للمتقاعدين (AARP)، وأكثرها نفوذاً في صناعة القرار الأمريكي العام مقارنة بجماعات الضغط في شركات النفط والتسلّح والغذاء، أو مقارنة بالإعلام والكنائس وبيوت الخبرة والبنوك والمحاماة وغيرها[51]، متغلبة بذلك على كثير من جماعات الضغط الأمريكية الأخرى كالاتحاد الوطني للسلاح، واتحاد العمل الأمريكي، ومجلس المنظمات الصناعية.
أُسست “إيباك” في ستينيات القرن الماضي، وسعت منذ تأسيسها إلى لم شمل اليهود في الولايات المتحدة وتوحيد توجهاتهم للدفاع عن الكيان الإسرائيلي والعمل لمصلحته[52]، وذلك من خلال استثمار المال والاقتصاد في التأثير في المراكز العليا لصناع القرار الأمريكي، واستقطاب تضامن كبار المسؤولين الأمريكيين من نواب ووزراء ومستشارين وغيرهم.
تضم إيباك حوالي “4500 من كبار الشخصيات اليهودية في المجتمع الأمريكي، ويشارك في عضويتها أكثر من 50 ألف عضو يتبرع كل منهم على نحو سنوي منتظم بمبالغ من 25 دولاراً إلى 5000 دولار”[53]. ولم تتشكل هذه الأعداد بين ليلة وضحاها، بل كانت نتيجة عمل مستمر ومتسلسل في الانتقال بين خطوط الضغط والتأثير إلى أن أصبح لوبي الكيان الإسرائيلي جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في تشكيلة الجماعات الضاغطة في الولايات المتحدة الأمريكية.
في جانب آخر لدور “إيباك” التأثيري، فإن المنظمة لا تصرح بممارسة أي ضغوط على المشرعين الأمريكيين، وتكتفي بالقول إنها تقتصر على إطلاع المشرعين على التقارير الرسمية التي تصدرها، وتقديم النصائح والاستشارات عن طريق هذه التقارير، وهو ما يثمر إقرار حوالي 100 تشريع وقانون لمصلحة الكيان الإسرائيلي سنوياً داخل الولايات المتحدة الأمريكية، على حد وصفها[54]، ولكن في الحقيقة تمارس “إيباك” نفوذها بقوة على الكونجرس، وتفرض هيمنة مصالحها على أغلب قراراته، وتبنّي عدد كبير من أعضاء الكونجرس أولوية حماية أمن الكيان الإسرائيلي، وجعل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تصب في مصلحة الكيان[55].
ومن أبرز أدوات تأثير لوبي الكيان الإسرائيلي هي السيطرة على الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، فعلى الرغم من تشكيل اليهود نسبة 3% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، فإنهم يمولون نسبة 60% من تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحي كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري[56]. وتمارس إيباك أيضاً التأثير بواسطة الزيارات الشخصية والمكالمات الهاتفية، وتقديم المساعدات المالية، وتكريم أعضاء الكونجرس المتعاونين معها في حفلات عشاء على شرفهم، وإبداء الرغبة في التبرع لحملاتهم الانتخابية[57].
كذلك، تحاول إيباك من خلال قنواتها العلمية تزويد أعضاء الكونجرس بمعلومات تدعم الكيان الإسرائيلي ومصالحه الاستراتيجية، أبرز هذه القنوات مجلة تقرير الشرق الأدنى بإشراف منظمة إيباك، وهي مجلة نصف شهرية تركز في تقاريرها على العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، بالإضافة إلى ملحق تحت اسم الحقائق والأكاذيب، ويحتوي على متابعات مختصرة حول القضايا اليومية للصراع العربي الإسرائيلي.
نجد هنا أن أدوات لوبي الكيان الإسرائيلي تكاد تكون مستقلة بذاتها إلى حد ما، فلا وجود لمكاتب العلاقات العامة التي تنشط في دعم حكومات الدول مقابل أجور تُدفع لها، ولا نجد دوراً كبيراً لحكومة الكيان الإسرائيلي في توجيه نشاط اللوبي، بل ربما يضطلع لوبي الكيان الموجود في الولايات المتحدة بمهام تقديم الدعم المادي واللوجيستي المقدم من الولايات المتحدة لحكومة الكيان الإسرائيلي.
ومن أهم القضايا التي تتبناها إيباك قضية إيران وسلاحها النووي، حيث أصبحت من أهم القضايا المركزية في الاجتماعات السنوية للمنظمة، وذلك لما تمثله هذه القضية من تهديد للكيان الإسرائيلي. ومع ذلك تم الاتفاق الأمريكي مع إيران بشأن ملفها النووي خلال حكم أوباما (يوليو/تموز 2015)، ثم عادت الولايات المتحدة مرة أخرى إلى مناقشات العودة إلى الاتفاق النووي في عهد بايدن بعد أن قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو/أيار 2018، وهو ما أظهر تعثر اللوبي وعدم قدرته على التأثير في قرار المشرع الأمريكي، على الرغم من وسائل الضغط الهائلة التي مارسها طوال فترة النزاع بشأن ملف إيران النووي، وربما ارتبط ذلك بحجم نفوذ اللوبي الداعم للاتفاق، أو للتفضيلات الأمريكية القائمة على اختيار القضايا بالقدر الذي يضمن مصالحها في المنطقة العربية، وتجنب المواجهة المفضية إلى خلق تحديات جديدة داخلياً وخارجياً على الولايات المتحدة.
وفي اختلاف جوهري بين نشاط لوبي الكيان الإسرائيلي وغيره من جماعات الضغط، لا يقتصر نشاط اللوبي على القضايا المعاصرة فقط، فهو يسعى إلى ضمان تأثيره والحفاظ على الولاء له مستقبلاً داخل المجتمع الأمريكي، وتوريث القضايا التي يدافع عنها من جيل إلى آخر. لذلك يعمل اللوبي على تدريب جيل من اليهود الأمريكيين الشباب للدفاع عن الكيان الإسرائيلي في المستقبل ضمن مشروع “اكتب لأجل إسرائيل” (write on for Israel)، الذي تتبناه صحيفة “نيويورك جويش” (The New York Jewish Week)، وتدير المشروع مراسلة قناة “سي إن إن” السابقة ليندا سكيرزر[58].
يقوم هذا المشروع على التأهيل المكثف لطلاب الثانوية والجامعات حتى يصبحوا خطاً دفاعياً أول لمصلحة الكيان الإسرائيلي في المحافل الأمريكية والدولية، بحيث يتخلل التدريب زيارات ميدانية إلى الكيان الإسرائيلي، ورسم صورة متكاملة عن تاريخ وجود الكيان الإسرائيلي في أذهان المتدربين، وأبرز المخاطر التي قد يتعرض لها.
تمثل هذه الوسيلة مرحلة متقدمة من مراحل التأثير، فاللوبي لا يكتفي بالتحرك داخلياً بين شرائح المجتمع الأمريكي، ولكنه يخلق قناعات كاملة لدى شباب في مقتبل العمر عبر نقلهم إلى عين الحدث، وإيصال ما يُراد إيصاله إليهم، وهو ما يرسخ أفكاراً مؤيدة للكيان الإسرائيلي، تنتقل بثبات مع مرور الزمن طردياً لا عكسياً.
صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها قد غيرت معادلات كثيرة في مسألة التأثير، وقناعات كثيرة لدى الأفراد من حول العالم، والتي ربما يكون لها دور في توجيه الرأي العام الأمريكي ضد مصالح لوبي الكيان الإسرائيلي، لكن هذه الوسائل تُستَثمر بشكل كبير للوصول إلى غالبية فئات المجتمع، لا سيما الشابة منها، والسيطرة اليهودية على تطبيقات عالمية مثل فيسبوك وتوتير وغيرها، وتوجيه المحتوى الخاص بها لدعم الكيان الإسرائيلي ومصالحه.
2. مراكز الفكر (Think Tanks)
تعد مراكز الفكر من أبرز سمات المجتمعات المدنية الحديثة، وعادة ما تنشط في المجتمعات ذات المستوى السياسي والثقافي المرتفع، لذا نجد فعالية دورها ونشاطها في الولايات المتحدة الأمريكية على نحو لافت، نظراً لمساهمتها في التأثير المباشر أو غير المباشر في صناعة القرار السياسي فيها.
وبالطبع، لم يتأخر اللوبي الإسرائيلي في ممارسة الضغط والتأثير على هذه المراكز من خلال تمويل الأبحاث والدراسات واستثمارها بما يخدم مصالح اللوبي، بل وصل التأثير إلى إقامة مراكز أبحاث دائمة الكتابة للكيان الإسرائيلي مثل: معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة (American Enterprise Institute) (AEI)، ومعهد هادسون (Hudson Institute)، ومعهد تحليل السياسة الخارجية (Institute for (Foreign Policy Analysis) (IFPA، والمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (Jewish Institute for National Security of America) [59](JINSA).
تعد هذه المؤسسات رافداً أساسياً لنشاط اللوبي في الداخل الأمريكي ومن حول العالم، من خلال نشر المقالات المبررة لأفعال الكيان الإسرائيلي، والداعمة لانتهاكاته المستمرة ضد المدنيين العزل داخل الأراضي المحتلة، أو لحقه في إقامة المستوطنات وبيعه لبضائع ومنتجات المستوطنات حول العالم، وغيرها من القضايا. وتتميز هذه المؤسسات بأنها مؤسسات فكرية قائمة بذاتها، متفرغة لخدمة قضايا الكيان الإسرائيلي والتنظير لمصالحه، بمعنى أنها مثلها مثل بقية مؤسسات اللوبي الأخرى تنشط في مجال واحد دون تفرع وهو ما يمنحها قوة في طرحها المقدم، ودرجة تفوق من حيث مستوى تأثيرها في المشهد الدولي.
3. المؤسسات الإعلامية
يحضر لوبي الكيان الإسرائيلي داخل المجال الإعلامي الأمريكي بقوة؛ فهو يمتلك أهم شبكات تلفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، هي: ABC وNBC وCBC، بالإضافة إلى أبرز شركات السينما الأمريكية والعالمية، هي: فوكس وبارامونت ويونيفرسال. كما ينشط داخل أهم الصحف اليومية مثل: وول ستريت جورنال وديلي نيوز ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، وكذلك المجلات الأسبوعية الأمريكية وأشهرها: مجلة ويكلي شاندراد، ومجلة كومنتري، ومجلة تايم، ومجلة نيوزويك[60].
يعمد اللوبي الإسرائيلي من خلال هذه المؤسسات الإعلامية إلى غرس الاعتقاد لدى جميع الأمريكيين بأن الكيان الإسرائيلي يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة، واستثمار التعاطف النفسي مع اليهود الذي استحكم بالعقلية الأمريكية بشأن الهولوكوست ومذابح النازية ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن الترويج لفكرة قدرة الكيان الإسرائيلي على حماية المصالح الأمريكية من النفوذ الروسي في المنطقة العربية، وهو ما أظهر انسجام الكيان الإسرائيلي مع المسار العام للتفكير السياسي الأمريكي دون وجود تناقض معهم[61].
4. النقابات والاتحادات
لا يقتصر اعتماد لوبي الكيان الإسرائيلي على وجود أعضائه في كيان منظم يجمعهم فقط، بل ينتشر أعضاؤه في النقابات والاتحادات الأخرى، ويمارسون مسؤوليات ومناصب قيادية كبيرة فيها، وهو ما يدعم تمرير مصالح اللوبي إلى تلك الكيانات لتحسين صورة الكيان الإسرائيلي وكسب تأييد شعبي ورسمي على مستويات مختلفة[62].
أخيراً، ينشط عدد من المنظمات العاملة لدى لوبي الكيان الإسرائيلي داخل الحرم الجامعي الأمريكي، وقد أصبحت هذه المنظمات موجودة بكثرة بعد انتفاضة الأقصى عام 2001، وتعمل على مواجهة الأنشطة المناهضة للكيان في حرم الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وإنشاء بيئة جامعية صديقة له توجه الدعم له، وتمارس أنشطتها تحت اسم تحالف إسرائيل في الحرم الجامعي (The Israel on Campus Coalition)، ويشمل التحالف: المنظمة الصهيونية الأمريكية، ومنظمة إيباك، وأمريكيون من أجل السلام الآن، ورابطة مكافحة التشهير، واتحاد الصهاينة التقدميين[63].
وعلى الرغم من سيطرته على المجال العام الأمريكي تمكنت الحملات المناهضة للكيان الإسرائيلي من الوصول إلى نسبة تأثير معتبرة بين طلبة الجامعات الأمريكية، وإيصال صورة للعقلية الأمريكية مفادها أن الكيان الإسرائيلي ليس كما تتصوره (محب للسلام وللعيش جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين)، وهو ما جعل اللوبي يتحرك سريعاً لمواجهة هذا التحدي خشية من تطوره، وانتقاله إلى خارج الحرم الجامعي، وذلك ما حدث بالفعل؛ إذ دخلت الحملتان الداعمة والمناهضة للكيان الإسرائيلي في صراعات نقابية محتدمة مدة من الزمن عقب الانتفاضة الثانية، وكان للحملة المؤيدة للكيان نصيب إنجاز لا بأس به، نظراً لقوة الدعم الرسمي لتلك الحملة، على عكس الحملة المناهضة التي افتقرت إلى الحصول على التأييد الرسمي العربي (لا سيما الخليجي منه).
نستنتج مما سبق أن الكيان الإسرائيلي لا يزال يحتل موقعاً ثابتاً في القرار الأمريكي، فهو حتى اللحظة الحالية لا يزال يتمتع بدور كبير في تشكيل السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية، في حين يكون التعامل مع جماعات الضغط الأخرى على اعتبار أنها عناصر إضافية فرعية، وليست أساسية في هيكلة السياسة الأمريكية الخارجية. وقد أدى اعتماد لوبي الكيان الإسرائيلي على نهج التأثير من أسفل إلى أعلى، والتمدد أفقياً في التأثير في المجتمع والصعود من خلاله نحو رأس صناعة القرار الأمريكي، إلى استقرار موقع الكيان الإسرائيلي في السياسة الأمريكية.
للكيان الإسرائيلي قاعدة جماهرية كبيرة إذا ما قورن بغيره من جماعات الضغط، وهذه القاعدة تؤمن بأن لوبي الكيان يستخدم أساليب “ديمقراطية” تنسجم مع طبيعة المجتمع الأمريكي، ومن ثم فمن الضرورة الدفاع عن مصالح الحليف المشترك في الخصائص والصفات. وقد سهل هذا الأمر عمل لوبي الكيان وانتقال تأثيره بسهوله من قطاع إلى آخر، فضلاً عن استقرار تأثيره في مختلف المجالات، وهو ما جعل رفض تأثير لوبي الكيان الإسرائيلي أو انتقاده يواجه بشدة إعلامياً ومجتمعياً وسياسياً.
ثانياً: آليات وأدوات جماعات الضغط الخليجية
تعتمد دول الخليج على قوتها الاقتصادية النفطية بهدف الحصول على تأثير جيد في القرار الأمريكي، وذلك من خلال الاعتماد على شركات ضغط تروج للمصالح الخليجية في الولايات المتحدة مقابل حصول الإدارات الأمريكية على منفعة جيدة من الطاقة النفطية الخاصة بدول الخليج. بالإضافة إلى ذلك هناك لوبيات السلاح الأمريكية، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط الخليجي، ومن ثم تشترك مع اللوبي الخليجي من منطلق المصلحة المشتركة، والتأثير في قرار السياسة الخارجية في الولايات المتحدة.
كذلك يعتمد اللوبي الخليجي على شركات العلاقات العامة، وقد كان للشركات العامة دور كبير في تحسين صورة العرب في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي[64]، وذلك من خلال القنوات الإعلامية ووسائل التأثير محددة المعالم. لكن مع دخول الألفية الجديدة ووقوع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وما أعقب ذلك من حملة شرسة ضد العرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي، تضاءل هذا الدور أو سكن لمدة محددة.
وقد أدى توسع نشاط التكنولوجيا الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تصعيب مهمة جماعات الضغط الخليجية؛ نظراً لسيطرة لوبي الكيان الإسرائيلي على هذه التقنية، وهو ما ألحق ضرراً بتحقيق مستوى التأثير المطلوب للجانب الخليجي. ولكن ما لبث أن عاد اللوبي الخليجي مجدداً لدوره في السنوات الأخيرة، بعد أن برزت الحاجة إلى الاعتماد على شركات العلاقات العامة لتمرير عدد من التشريعات الخاصة بقضايا المنطقة الخليجية.
وتجدر الإشارة إلى أن اللوبي الخليجي العربي ودوره يعاني عدداً من العراقيل في ممارسة مهامه داخل الولايات المتحدة، أبرزها أن مفهوم اللوبي لدى الإدارات العربية مفهوم غير واضح، وذلك لكون “النظام العام السياسي والاجتماعي والسيكولوجي في الدول الخليجية والعربية يختلف عنه في الولايات المتحدة. ففي الولايات المتحدة حق التظلم للحكومة هو حق محفوظ دستورياً، وهذا يختلف عن الأنظمة الخليجية والعربية. فعلى الرغم من أن للدول الخليجية والعربية مجالس يلجأ إليها المواطنون للتظلم، فإن هذه المجالس لا تقارن بعملية الضغط في أمريكا وهي عملية منظمة لها شكل مؤسساتي”[65].
بالإضافة إلى ذلك فإن لاختلاف الطبيعة الاجتماعية لسكان الدول العربية والخليجية دوراً سلبياً في مفهوم الضغط والتأثير، فطبيعة سكان الخليج تتميز بالولاء للقبيلة والعائلة أكثر من تحريكهم بالمصلحة المادية والأيديولوجية، وهي تلك التي تسير المجتمعات في الولايات المتحدة، وعليه يصبح المفهوم ناقصاً لدى عقلية المشرع العربي الخليجي، وهو ما ينعكس على فعالية اللوبي الخليجي في تحقيق مصالحه.
ونحاول هنا دراسة الآليات الرئيسية لأهم جماعات الضغط الخليجية:
1. اللوبي السعودي
تمتلك حكومة المملكة العربية السعودية وسائل نفوذ جيدة لدى المشرع الأمريكي، وهو ما مكنها من القدرة على تشكيل السياسات والتصورات العامة في واشنطن عقوداً من الزمن. حيث تمكنت المملكة من تجنب عدد من الإجراءات الموجهة ضدها من خلال التعامل مع كبريات جماعات الضغط، وشركات المحاماة الكبرى، ومراكز الفكر البارزة والكبيرة، ومقاولي الدفاع المؤمنين بضرورة الحفاظ على المملكة في صف الولايات المتحدة.
تعود جذور اللوبي السعودي إلى أواسط الثمانينيات، عندما عُيِّن الأمير بندر بن سلطان سفيراً للمملكة العربية السعودية في واشنطن، واستمر في هذا المنصب أكثر من عشرين عاماً (1983-2005)، وكان له دور كبير في الحفاظ على العلاقات الأمريكية-السعودية، وتعزيز دور اللوبي السعودي للحفاظ على مصالح السعودية عند المشرع الأمريكي، فلم يكن هناك أي وجود للوبي قبل قدوم الأمير، بل كانت العلاقات الثنائية قائمة على النفط مقابل الأمن والسلاح.
يذكر بندر أنه بمجرد وصوله إلى الولايات المتحدة أتقن لعبة جماعات الضغط، وقد استطاع في أعوام وجوده الطويلة في واشنطن أن يعقد عِدّة صفقات سلاح مهمة للسعودية، ومنها بيع طائرات إف-15 في عهد الرئيس كارتر، وأسهم مع غيره في مفاوضات إنهاء الحرب العراقية الإيرانية[66].
ومع أحداث 11 سبتمبر/أيلول ركز الأمير بندر جل نشاطه على تخفيف وطأة الاتهامات الأمريكية ضد حكومة المملكة العربية السعودية بتمويل منفذي الهجمات، ويمكن القول إنه تمكن من إدارة هذا الملف بفاعلية جيدة. وبعد استقالته في بدايات 2005، وعودته إلى المملكة، بدأت مرحلة مختلفة في أنشطة التأثير والضغط، وذلك عن طريق المؤسسات النظامية ومكاتب شركات العلاقات العامة، وكانت المملكة قد بدأت التعامل معها من قبل.
فبعد أحداث سبتمبر/أيلول تعاقدت السعودية مع شركة كورفيز (Qorvis)، إحدى أكبر شركات العلاقات العامة، وكانت حديثة النشأة آنذاك، وكانت السعودية أول زبون أجنبي لها، وبلغت مدفوعات السعودية بين 2001-2010 للشركة قرابة 75 مليوناً و944 ألف دولار أمريكي. وقدمت الشركة منذ 2001 إلى الآن خدمات مختلفة للسعودية؛ من ضغط سياسي، وتنسيق إعلامي للظهور أمام وسائل الإعلام الأمريكية، وإقامة مؤتمرات ولقاءات إعلامية لمسؤولين سعوديين كبار، وإدارة حملات إعلامية في ملفات مختلفة مثل: حرب اليمن، وقانون جاستا، وصفقات التسليح، وملف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي[67].
كذلك تعد شركة إد نيوبري (Ed Newberry)، العاملة ضمن مجموعة سكوير باتون بوغز(SPB) وهي من أكبر شركات العلاقات في واشنطن العاصمة، إحدى أذرع الضغط للمملكة العربية السعودية، حيث سُجلت الشركة عام ٢٠١٦ بصفتها وكيلاً أجنبياً للمركز السعودي للدراسات والشؤون الإعلامية (Saudi Center for Studies and Media Affairs ) ، ووقعت الشركة اتفاقية مشاركة مع المركز السعودي في سبتمبر/أيلول 2016 مقابل رسوم سنوية قدرها 1.2 مليون دولار للدفاع عن مصالح السعودية نيابة عن المركز أمام مسؤولي الحكومة الأمريكية، ولا تزال الشركة تواصل تمثيل المركز السعودي، كما تم الكشف عنه في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب بتاريخ ٢٩ يوليو/تموز ٢٠٢١ [68].
ومن الشركات التي وردت أسماؤها أيضاً في الكشوفات الرسمية الأمريكية بشأن الدعم المالي السعودي لها: مجموعة BGR، وهي شركة أسسها الجمهوريان البارزان إد روجرز وهالي باربور، ومجموعة جلوفر بارك (Glover Park Group)، التي أطلقها عدد من الاستراتيجيين السياسيين الديمقراطيين، من بينهم جو لوكهارت وكارتر إسكيو؛ ومجموعةبوديستا(Podesta Group)، التي كان يديرها الديمقراطي توني بوديستا.[69] والقائمة تطول بشأن أسماء المكاتب التي تعاقدت معها السعودية من أجل قضية أو عدة قضايا للحصول على تأكيد المشرع الأمريكي بشأنها.
وربما اقترن التحول السعودي من التأثير القائم على العلاقات الشخصية إلى المنهجية المؤسساتية عبر مكاتب وقنوات خاصة بتبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، التي فرضت على حكومة المملكة العربية السعودية استثمار القنوات المتبعة داخل دوائر الحكم الأمريكي، بالإضافة إلى ما تملكه المملكة من وسائل نفوذ من خلال ثروتها النفطية، وما يرافقه من بناء شبكة علاقات شخصية تؤمن بضرورة الحفاظ على المكاسب النفطية للمملكة في علاقاتها مع واشنطن.
إلا أن دور هذه المكاتب لا يعدو كونه خدمة مقابل أجر تتقاضاه، وهو ما يؤثر في درجة الإيمان بالقضايا التي تمارس التأثير بشأنها، فضلاً عن تركيز هذه المكاتب على الجانب الرسمي على حساب المكونات المجتمعية، وهو ما يجعل الموقف السعودي وقضاياه مغيباً عن الرأي العام الأمريكي، الذي تنشط فيه جماعات ضغط أخرى ربما حملت أجندة مخالفة للحقائق وتنصب على مهاجمة السعودية داخل أروقة السياسة الأمريكية.
وما يثبت صحة هذا الرأي عدم نجاح المملكة في منع تمرير قانون جاستا “للدول الراعية للإرهاب”، الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين المتضررين من أحداث 11 سبتمبر/أيلول بملاحقة المسؤولين السعوديين ورفع الدعاوى عليهم. وقد أنفقت حكومة المملكة العربية السعودية الأموال الطائلة على مكاتب العلاقات العامة، ووقعت عقوداً عدة مع شركة هوجان لوفيلز (Hogan Lovells)، وشركة فلاي وييل (Flywheel Government Solutions)، وشركة براونستين هيات فاربر شكريك (Brownstein Hyatt Fafber Schreck)، ومجموعة جلوفر بارك (Glover Park)[70]، وغيرها، لتحقيق إنجاز يذكر بشأن هذا القانون، لا سيما أن إقرار القانون يعد انتكاسة في تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية، ويلحق الضرر بكبار مسؤولي الدولة السعودية، ويعرض المصالح المشتركة للبلدين للخطر في حال رفعت قضايا بالفعل ضد المسؤولين السعوديين.
صحيح أن القانون الذي أقره الكونجرس عام 2016 لا يتهم السعودية مباشرة بالإرهاب، ولكنه يجعلها في دائرة الاتهام والمساءلة، فقد رُفعت مئات من الدعاوى القضائية من الناجين وأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول ضد السعودية بمجرد إقرار القانون، وتنوعت بين المطالبات بالتعويض وقضايا كشف الوثائق الخاصة بالسعودية المتعلقة بالهجمات، وغيرها من القضايا.
الجدل الدائر حول قانون “جاستا” فرض على حكومة المملكة العربية السعودية واقعاً جديداً، استوجب تجديد قنوات تأثيرها في المشرع الأمريكي، وعدم الاكتفاء فقط بمكاتب العلاقات العامة. ففي مارس/آذار 2016 أُسست لجنة شؤون العلاقات العامة الأمريكية السعودية (SAPRAC) من قبل سلمان الأنصاري، المحلل السياسي المختص في الشؤون السعودية. تنشط اللجنة في تنفيذ الأنشطة التطوعية بالشراكة مع منظمات أمريكية محليَّة، وتُرسل متطوعين للمشاركة في الأعمال الإنسانية، فضلاً عن ترويجها للسياحة في السعودية، وتعريفها بالثقافة السعودية للمجتمعات الأمريكية[71].
بناء على ذلك، يبدو أن الجانب السعودي أدرك ضرورة الاضطلاع بنفسه بعملية الضغط والتأثير من خلال مؤسسات خاصة يُنشئها وفقاً للتشريع الأمريكي، وأهمية كسب رأي الجمهور والتأثير خارج دوائر الإدارة الأمريكية. لم يكتف اللوبي السعودي بذلك فحسب، فقد توسع مجاله ليصل إلى تمويل عدد من مراكز الأبحاث المؤثرة داخل الولايات المتحدة، وأبرزها: معهد الشرق الأوسط، ومجلس سياسة الشرق الأوسط، ومؤسسة بيل وهيلاري وتشيلسي كلينتون، وغيرها من المؤسسات البحثية[72].
يعد مركز الشرق الأوسط أحد أهم المراكز التي تتلقى تمويلاً سعودياً، فما بين عامي 2016 و2017، تلقى المركز تمويلاً يتراوح بين 1.25 و4 ملايين دولار من المصالح السعودية، وفقاً لإفصاحاتها العامة. وذات المركز يرتبط بعلاقات مع مؤسسات ضغط أخرى من خلال شبكة علاقاته، إذ يتصل المركز مع شركة (Qorvis Communication)، الناطقة باسم العلاقات العامة للسعوديين منذ مدة طويلة، عن طريق مايكل بتروزيلو، أحد أعضاء مجلس الإدارة، ومع شركة النفط السعودية فرع أمريكا الشمالية عن طريق جاك مور، العضو في مجلس إدارة المركز ومدير مكتب شركة النفط في واشنطن[73].
هذا النشاط للوبي السعودي المتأخر في مجال التأثير في الرأي العام الأمريكي ومن ثم الرأي العالمي يحتاج إلى مزيد من التنظيم في إدارة مؤسساته الضاغطة الخاصة به، والانتقال التدريجي داخل دوائر التأثير حتى يتمكن من تثبيت أدواته الضاغطة لدى المشرع الأمريكي ويحقق أهدافه المرجوة بالمستوى المطلوب. وربما يسهُل الأمر مع تقنيات التطور التكنولوجي وسهولة نشر التأثير والتفاعل مع القضايا التي تصب في مصلحة المملكة العربية السعودية، خاصة إذا ما استخدمت بطريقة صحيحة.
2. اللوبي الإماراتي
يعد اللوبي الإماراتي من أهم جماعات الضغط التابعة للشرق الأوسط، وتكمن أهميته في توسع أنشطته وحجم الإنفاق الضخم الذي يبذله في سبيل تأمين مصالحه، وقد لمع نجمه في الفترة الأخيرة منذ عام 2008.
لم يكن هناك لوبي إماراتي ضاغط في واشنطن قبل تعيين يوسف العتيبة سفيراً لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2008، وجاء تأسيس اللوبي بالتزامن مع الأزمة العالمية في ذات العام، التي فرضت على حكومة أبو ظبي تثبيت مصالحها لدى واشنطن وإعادة تموضعها في المنطقة بما يؤمن مصالحها الاستراتيجية.
خاصة أنه في الفترة السابقة لبدء إنشاء اللوبي تعرضت الإمارات لنكسة اقتصادية ضخمة نتيجة الترويج الإعلامي ضدها، وذلك بعد أن عقدت إدارة دبي صفقة شراء شركة موانئ دبي لشركة “بيننسلر وأورينتال”، وهي شركة إدارة موانئ عالمية، بالإضافة إلى شراء شركة موانئ دبي عقود إدارة ستة موانئ في أمريكا، وصدرت المواقفة الرسمية على الصفقة في ١٧ يناير/كانون الثاني ٢٠٠٦. ونظراً للمشاكل القانونية بين شركة “بيننسلر وأورينتال” وشركة “اللر”، حاولت شركة “اللر” عرقلة العملية، واستغلت ورقة الإرهاب لإقناع الجمهور والكونجرس، وروجعت الصفقة من جديد، وتعطلت الموافقة عليها بأكثرية ساحقة في الكونجرس في مارس/آذار 2006[74].
أدى فشل الإمارات في إتمام صفقة موانئ دبي إلى التنبه الحكومي لأهمية الاستثمار في قنوات الضغط على الكونجرس وتشريعاته، وقد توجهت حكومة الإمارات بعدها إلى توظيف كبار مختصي الضغط والتأثير، بالإضافة إلى تكوين كيانات مرتبطة بها للدفع بمصالحها الاقتصادية. ومنها الغرفة التجارية الأمريكية-العربية، التي تهدف إلى تقوية التعاون والاستثمار التجاري بين الأطراف العربية والأمريكية، وحمل المجلس الأمريكي-الإماراتي الهدف ذاته[75].
وقد بدأ العتيبة مهمة إنشاء لوبي إماراتي داخل الولايات المتحدة باختيار فريق عمل مختص من الخبراء في إدارة الأجندة السياسية لدولة الإمارات في واشنطن. وتولت إيمي توماس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية في إدارة بوش، مهام المراسم في سفارة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى هاجر العواد، مساعدة العتيبة في إدارة الشؤون التشريعية والعسكرية، وكانت شخصية بارزة في اللوبي الإماراتي وشملت مهامها التواصل مع الكونجرس والتنسيق مع السلطات الأمريكية[76].
خارج إطار السفارة اعتمد العتيبة على مجموعة هاربور (Harbour Group)، التي تعد واحدة من أهم شركات اللوبي الإماراتي؛ لكونها أشرفت على علاقات اللوبي المعقدة مع مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأمريكية، وكذلك مع كبار المسؤولين الأمريكيين، ولكونها أيضاً اضطلعت بدور أساسي في علاقات الإمارات مع الجماعات الموالية للكيان الإسرائيلي واليمين الأمريكي، وقد وصلت مدفوعات دولة الإمارات للشركة إلى حوالي 34,858,000 دولار من عام 2011[77].
تطور اللوبي سريعاً خلال مدة قصيرة ليصبح أداة ضغط وتأثير في قضايا الشرق الأوسط، وبلغت مدفوعات اللوبي الإماراتي التي كشف عنها لسجلات وزارة العدل الأمريكية حوالي 132.716.000 دولار منذ عام 2011، وذلك مقابل خدمات الضغط وحملات العلاقات العامة لمصلحة الإمارات[78].
التحرك الإماراتي للنفوذ والتأثير داخل أروقة السياسة الأمريكية كان محملاً بأهداف جيوسياسية واقتصادية أخرى، وهو ما أدى بالقرار الإماراتي إلى المضي قدماً في دفع أموال ضخمة لشركات العلاقات العامة، وذلك لتأمين تحركاتها المستقبلية وتغذية الدعم الأمريكي لخططها ومشاريعها داخل المنطقة. فلغة المال لا تخيب في أمريكا، ولها فعاليتها وتأثيرها في تحقيق الغرض المطلوب، فكلما أظهرت دولة ما قدرتها للكونجرس الأمريكي على تأمين رؤوس الأموال واستجلاب المنفعة للدولة الأمريكية ولشعبها، فإنها تتمكن من تحقيق مكاسب خاصة بها؛ من حيث منحها الأولوية في قرارات الخارجية الأمريكية، وفي التشريعات الداخلية الملامسة بصورة ما لمصالح تلك الدولة على الأراضي الأمريكية.
وهذا ما نهجته الإمارات منذ إنشائها للوبيها الخاص وممارسته للضغط والتأثير في القرار الأمريكي، والذي انصب أغلب اهتمامه على إتمام صفقات الأسلحة وحصول الإمارات على أسلحة نوعية أمريكية، فضلاً عن نقل صورة إيجابية للدور الذي بدأته الإمارات في المنطقة العربية في زمن مقارب لإنشائها للوبي، واعتباره دوراً مكملاً منسجماً مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
لم يكتف اللوبي الإماراتي بالاعتماد على الدعاية والإعلان وعقد المؤتمرات والفعاليات للحصول على الدعم والتأثير، بل اتجه إلى اعتماد عدد من الأساليب الأخرى، التي تميزه عن باقي جماعات الضغط الخليجية، ومنها إعداد بيانات وأرقام بحثية حول العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الإمارات والدولة التي يرغب اللوبي في التنسيق السياسي معها، فقد أصبحت هذه التقارير أداة لإدارة المصالح المشتركة المباشرة بين الجانبين ووسيلة للضغط على أعضاء الكونجرس لدعم الإمارات[79].
في سياق آخر، توجه الاستثمار الإماراتي في الضغط مؤخراً على محاربة قطر وتصويرها دولة داعمة للإرهاب في المحافل الأمريكية، وذلك خلال الأزمة الخليجية (2017- 2021)، وفي المقابل استثمرت قطر كل ما يلزم للحفاظ على صورتها حليفاً موثوقاً به، في مواجهة مباشرة بين الدول الخليجية داخل أروقة السياسة الأمريكية.
اعتمدت دولة الإمارات على إجراء حملة نفوذ شاملة أدت إلى إنفاق أكثر من الضعف بين عامي 2016 و2017، من 10.4 ملايين دولار إلى 21.4 مليون دولار، وفقاً لمركز السياسة المستجيبة ((Center for Responsive Politics. وهو ما دفع قطر إلى حذو نفس الخطوة، فرفعت ميزانية الضغط لديها أكثر من ثلاثة أضعاف خلال نفس الفترة، من 4 ملايين دولار إلى 12.9 مليون دولار[80].
3. اللوبي القطري
تقوم السياسة القطرية منذ إعلان استقلالها على عدد من المقومات والمحددات، لعل أهمها تبني السلطة القطرية سياسة امتلاك قنوات التأثير الناعمة والاستثمار العالمي في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الاستفادة من الحضور الأمريكي على أراضيها في أكبر قاعدة أمريكية داخل المنطقة العربية، واستثمار ذلك في تعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الكبرى.
اللوبي القطري مثله مثل جماعات الضغط الخليجية يعتمد اعتماداً رئيساً على شركات الضغط والتأثير، ولكن ما يميزه اعتماده على تشكيل شبكة من تكتلات الكونجرس (Congressional Caucus)، التي تتكون من مجموعة من أعضاء الكونجرس الذين تجمعهم أهداف تشريعية مشتركة، تخص قضايا أو دولاً محددة.
أُسس التكتل القطري في العام 2004، ويسمى اليوم “التكتل الأمريكي للعلاقات القطرية الأمريكية الاستراتيجية”، عن طريق تانيا رحال، الخبيرة في مجال الضغط السياسي والشؤون الحكومية، وكان مكوناً من 50 عضواً بالكونجرس[81].
سعى التكتل إلى الدفاع عن مصالح قطر على مختلف الأصعدة؛ السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقد ضم عدداً من أعضاء الكونجرس، وتضاف أسماء متجددة كل حين مع تطور نشاط التكتل وتوسع مجالات تأثيره. ومن أبرز أعضاء الكونجرس المنضمة إلى التكتل: النائبان الديمقراطيان أندري كارسون وكارولين مالوني، والنائبان الجمهوريان بيلي لونج وجو ويلسون، وغيرهم[82].
ويستهدف غالبية نشاط اللوبي القطري مراكز البحث العلمي أمثال: معهد بروكينجز، ومعهد واشنطن، ومركز التقدم الأمريكي، والمجلس الأطلسي[83]، بالإضافة إلى الجهات الإعلامية وكبار الموظفين في الدولة الأمريكية، للحفاظ على المصالح القطرية، وهو وسيلة منسجمة مع ما تملكه قطر من نفوذ إعلامي عالمي وإقليمي، يجعلها حريصة على تغذية قنواتها الإعلامية بمقالات وأبحاث ودراسات استراتيجية، ومن ثم يصب كل هذا في سبيل تحقيق الرؤية القطرية في مجال التأثير في الرأي العام في الداخل الأمريكي، وحول العالم.
أنشطة قطر في مجال التأثير توسعت إلى مجال آخر وهو عقد الاستثمارات المالية الضخمة في الولايات المتحدة، كاستثماراتها الضخمة في ولاية كارولينا الجنوبية في مجال الطيران والسلاح، واستثماراتها التعليمية مع مجموعة من الجامعات الأمريكية العالمية مثل جامعة جورج تاون، وتكساس إي آند إم، وكارنيجي ميلون[84].
تهدف قطر من خلال هذه الاستثمارات إلى ربط المصالح السياسية بالاقتصادية والتعليمية وغيرها، واكتساب أصوات مؤيدة من داخل الكونجرس كممثلي ولاية كارولينا الجنوبية مثلاً، ومن داخل المؤسسات التعليمية من عمداء ومحاضري الجامعات المذكورة سابقاً، وهو ما يكسب اللوبي القطري مزيداً من الزخم المجتمعي يجعله أكثر تأثيراً في تحقيق أهدافه.
إضافة إلى ذلك، من المهم الإشارة إلى اعتماد اللوبي القطري على شركات الضغط العاملة في واشنطن لتمرير مصالحه الخاصة. ومن أبرز الشركات التي استأجرتها حكومة قطر شركة بورتلاند (Portland) للعلاقات العامَّة، التي تعد من أرقى شركات العلاقات العامة، وتعاقدت معها قطر للترويج لملف حقوق العُمال في قطر، واستضافة كأس العالم 2022، وغيرها من الملفات. وشركة ميركوري للشؤون العامة (Mercury Public Affairs)، التي ضغطت لتمرير صفقة أسلحة بين الجانبين القطري والأمريكي، وشركة “ليفيك” للاتصالات الاستراتيجيَّة، التي تواصلت على نطاق واسع مع وسائل الإعلام مثل “وول ستريت جورنال” و”واشنطن بوست” و”بوليتيكو”، وغيرها من الوسائل الإعلامية الكبرى، لتحسين صورة قطر لدى المجتمع والمشرع الأمريكي[85].
في تقرير نشرته صحيفة (The Arab Weekly) عن مصروفات دولة قطر لشركات الضغط من عام 2017 وحتى بداية 2021، وجدت أن قطر استخدمت خدمات 35 شركة ضغط أمريكية، بتكلفة 19.5 مليون دولار، وذلك في سبيل الضغط والتأثير على أعضاء الكونجرس وكبار الموظفين في الإدارة الأمريكية لإقرار تشريعات وقرارات لمصلحة قطر واعتبارها حليفاً إقليمياً مهماً للولايات المتحدة[86].
يمكن القول إن وسائل الضغط والتأثير الخليجية لديها القدرة على خلق واقع يدعم أهدافها الخاصة، فكل دولة خليجية سبق ذكرها تتمتع بأسلوب فريد لدفع المشرع الأمريكي إلى حماية مصالحها. فضلاً عن اشتراكها جميعاً في التركيز على نهج من أعلى إلى أسفل في ممارسة الضغط، وهو ما مكَّن الدول الخليجية من تحقيق إنجاز يذكر في المصالح الآنية دون الحاجة إلى التأثير الكبير في كل مكونات القرار الأمريكي، بل تكتفي بتجاوب القليل منهم لتحقيق التأثير المطلوب.
وفي المقابل يعاني اللوبي الخليجي عدداً من التحديات حالت دون تحقيق إنجاز كبير في أسلوب السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية، على رأسها تحدي توحيد أنشطة التأثير الخليجية وتكاثف جهودها المشتركة لخلق تأثير طويل المدى، وهو ما يجعل الدول الخليجية أقل حظوظاً في امتلاك العناصر الأساسية لتحريك السياسة الأمريكية، واستمرار الكيان الإسرائيلي في موقع الصدارة فيما يتعلق بنهج الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه المنطقة العربية.
كذلك يعاني اللوبي الخليجي التنافس الداخلي، والانشغال بالخلافات البينية، ولذلك فعلى الرغم من كل هذه الجهود، لم تتمكن جماعات الضغط العربية من صناعة توجهات استراتيجية في السياسة الأمريكية، على عكس جماعات الضغط الأخرى التي تُركز على صناعة التأثير في قضايا جوهرية تلامس شعوبها لفترة زمنية ممتدة، وتبذل وسائل الضغط المختلفة لتحقيقها، وهذا الأمر يتطلب من الحكومات العربية والخليجية التركيز على القضايا الوجودية لأمنها ومصادر استقرارها، وأن تضع خططاً ذات أبعاد استراتيجية، تقوم بتحقيقها من خلال سلسلة مترابطة من الضغط والتأثير، لتتمكن مستقبلاً من إرساء قواعد متينة تدعم المصالح العربية عند المشرع الأمريكي.
ثالثاً: آليات وأدوات جماعات الضغط التركية
تعود جذور اللوبي التركي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما بين تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة، وتتنوع الأدوات التي يعتمد عليها اللوبي التركي في صناعة التأثير في القرار الأمريكي، ويمكن تمييزها في ثلاث مجموعات أساسية: المنظمات المدنية الاجتماعية والثقافية والتعليمية التي تديرها الجالية التركية، والمقدر قوامها بما بين 300.000-400.000 فرد داخل الولايات المتحدة[87]، والضغط الرسمي عن طريق التعاقد مع شركات المحاماة والعلاقات العامة ومؤسسات الفكر ومراكز الأبحاث، وجمعيات رجال الأعمال الأتراك الأمريكيين التي تستهدف تنمية الأنشطة التجارية والاقتصادية بين الجانبين.
ومن أهم المنظمات المدنية للوبي التركي جمعية الجمعيات التركية الأمريكية (ATAA)، التي أُسست في عام 1979، وهي منظمة شاملة لـ57 جمعية تركية أمريكية من الولايات المتحدة وكندا وتركيا، وتسعى إلى تعزيز التعاون بين المنظمات التركية الأمريكية الاجتماعية والثقافية في جميع الدول الموجودة فيها، والتأثير في الرأي العام والسياسيين الأمريكيين لخدمة المصالح الوطنية لتركيا والتي تتعلق بالشعب التركي بشكل عام في العالم[88].
نجد هنا أن اللوبي التركي حاول في مرحلة مبكرة إيجاد قاعدة شعبية مؤثرة تسعى لتنمية المصالح التركية ودعمها من خلال أنشطة الضغط والتأثير المجتمعي، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق الهدف المطلوب، وربما يرجع ذلك لأسباب مرتبطة بطريقة التأثير المتبعة أو لضغط التوجه الرسمي بدعم تلك الأنشطة، وهو ما جعل جمعية الجمعيات التركية الأمريكية (ATAA) على الرغم من الفعاليات التأثيرية التي أدارتها طوال السنوات الماضية غير قادرة على تثبيت قواعد راسخة وداعمة للمصالح التركية عند المشرع والمجتمع الأمريكي.
أيضاً، تعد لجان العمل السياسي التركية الأمريكية (PAC) وسيلة مؤثرة أخرى للوبي التركي، وتعتمد هذه اللجان على التأثير في الساسة الأمريكيين من خلال دعم المرشحين الأمريكيين الذين لهم دور موثر في خدمة المصالح التركية. تنحصر مهام هذه اللجان في الإشراف على حملات تمويل الانتخابات لمصلحة مرشح يدعم قضايا اللوبي التركي، وتمارس هذه اللجان مهامها مثلها مثل لجان العمل السياسي العاملة في الولايات المتحدة التي تنشط خلال الفترة الانتخابية المحلية والفيدرالية، وتخضع لتنظيم قانون الحملة الانتخابية الفيدرالية لعام 1971.
تعد هذه اللجان الأذرع المالية الأولى للجالية التركية في الولايات المتحدة، وتسعى لإثبات حضور اللوبي التركي في معترك الانتخابات الأمريكية. فعلى سبيل المثال ساهمت اللجان بمبلغ 26.000 دولار في حملة النائبة دونا إف إدواردز، التي خاضت المنافسة مع كريس فان هولين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عن مقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية ماريلاند عام 2015، لكون الأخيرة مؤيداً قوياً للقضايا الأرمنية واليونانية في الكونجرس الأمريكي في حين أن إدواردز عضو في التجمع التركي[89].
وتتلقى لجان العمل السياسي دعمها المالي بشكل كبير من مساهمات الجالية التركية في الولايات المتحدة، وهو ما يظهر إدراك الجالية التركية لأهمية مشاركتهم في صناعة القرار السياسي الأمريكي، ودورهم في محاولة التأثير في الكونجرس وقراراته. وقد كان للجان دور حاسم في خفض عدد مشاريع القوانين والقرارات المناهضة لتركيا إلى ثلاثة مشاريع عام 2015، في حين كان عددها 15 مشروعاً في عام 2007، العام الذي أنشئت فيه لجان العمل السياسي التركي الأمريكي (PAC)، وأيضاً ساهمت في تقديم مزيد من مشاريع القوانين والقرارات المؤيدة لتركيا طوال فترة نشاطها[90].
ربما يعد هذا الإنجاز الذي حققه اللوبي التركي أمراً نسبياً إذا ما قُورن بالقضايا العالقة في العلاقات الأمريكية-التركية، والتي لم يتمكن اللوبي التركي المرتكز على دعم لجان العمل السياسي من إحراز تقدم يُذكر بشأنها، وهو ما يبرز حاجة اللوبي التركي إلى إعادة النظر في فحوى عمل لجان العمل السياسي، واستثمار الوعي السياسي للجالية التركية وتنظيمه في فعاليات أكثر إنجازاً لقضايا اللوبي وأهدافه.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة عدد من المنظمات المدنية الأخرى مثل: معهد الدراسات التركية (ITS)، ورابطة العلماء الأتراك الأمريكيين (ATAS)، والمؤسسة الإسلامية التركية الأمريكية (TAIF)، والمجلس الأمريكي التركي (ATC)، والأصدقاء الأمريكيون في تركيا (AFOT)، وهي جمعيات مهمة تعمل في المجال الاقتصادي والثقافي والتعليمي والديني والدفاعي، ويركزون على تعزيز العلاقات بين تركيا وأمريكا، وزيادة مشاركة الشعب التركي في العملية السياسية الأمريكية[91].
من جهة أخرى، استثمرت الحكومة التركية في شركات الضغط والتأثير الأمريكية لتمثيل شؤون الحكومة التركية أمام الكونجرس، ومن هذه الشركات: شركة هيل ونولتون (Hill & Knowlton)، التي قدمت خدمات العلاقات الحكومية والعلاقات العامة، فضلاً عن الاستشارات الدولية، وشركة مكوليف كيلي رافايلي (McAuliffe Kelly Raffaelli)، التي تعاقدت معها الحكومة التركية لممارسة علاقات عامة مع السلطات التنفيذية الأمريكية، ومجموعة هاربورس (Harbours groups)، التي قدمت خدمات تتعلق بوسائل الإعلام والتأثير الإعلامي للحكومة التركية[92].
وتعد شركة مونتي أديفيزوري جروب (Monte Advisory Group) المملوكة لدوجلاس بيكر وأسرته، والتي تعد عائلة جمهورية سياسية مؤثرة[93]، إحدى وسائل الضغط الأساسية التي تعتم عليها الجهات الرسمية التركية، ومن خلالها سعت تركيا إلى الوصول إلى صانع القرار الأمريكي للضغط عليه بشأن تسليم فتح الله غولن، المتهم من قبل تركيا بالضلوع في محاولة انقلاب يوليو/تموز 2016، وكذلك التمكن من إسقاط الدعوى بشأن قضية بنك هالك التركي المرفوعة في المحاكم الفيدرالية بشأن خرق البنك العقوبات المفروضة على إيران، والنزاع الحقوقي بشأن مذابح الأرمن والحقائق التاريخية لأحداثها.
شركة أخرى تعامل معها اللوبي التركي في ذات القضايا هي مجموعة جيبهاردت (Gephardt Group)، التي تعد شركة ضغط رفيعة أشرفت على عمليات اللوبي التركي منذ عام 2008، “ونسّقت مع الجهات التركية لاستئجار عدة شركات أخرى وتمّت العقود بالكامل عبر مجموعة جيبهاردت”، وعمدت إلى تنسيق زيارات كبار المسؤولين الأتراك إلى الولايات المتحدة، ومنها زيارة وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو مع نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية الديمقراطية في الكونجرس عام 2012، واجتماع رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان مع أعضاء من الكونجرس عام 2013، وغيرها من الزيارات[94].
وبالإضافة إلى الملفات السابقة، سعت الشركات المتعاقدة مع اللوبي التركي إلى الضغط على الإدارة الأمريكية والحصول على الموافقة في ما يتعلق بطائرات إف-35، حيث بدأت الجهود التركية بشأن هذين الملفين منذ عام 2010 مع الجنرال الأمريكي المتقاعد موريس ماكفين، الذي عمل مع الشركة الدفاعية التركية (STM)، وأنشأ مكتباً للشركة في الولايات المتحدة، ووظف علاقاته العسكرية والسياسية لمصلحة الجانب التركي[95].
إلا أنه عندما وافقت تركيا على شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 في عام 2017، قرر الكونجرس الأمريكي وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية لتركيا وإزالة تركيا من برنامج F-35. وقد بذلت جماعات الضغط التركية جهوداً غير عادية للتراجع عن هذه العقوبات، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق إنجاز يذكر في هذا المجال[96].
أيضاً، عملت جماعات الضغط التركية على محاولة إقناع مشرعي الولايات المتحدة بتسليم فتح الله غولن، واستعانت الحكومة التركية بمكتب محاماة؛ لإجراء تحقيق عالمي في أنشطة منظمة غولن[97]، بالإضافة إلى شركة ميركوري للعلاقات العامة (Mercury Public Affairs)، التي ساهمت في حملة إعلامية تستهدف غولن داخل الولايات المتحدة[98].
وقد أظهرت الوثائق التابعة لوزارة العدل الأمريكية حجم إنفاق اللوبي التركي على أنشطة الضغط السياسي بين عامي 2010 و2020، إذ وصل إلى حوالي 33 مليوناً و652 ألف دولار أمريكي، وكان التركيز على الحكومة والكونجرس الأمريكي، مع تواصلٍ أقلّ مع المراكز البحثية، التي لم يتعامل معها الجانب التركي باهتمام كبير، وهي استراتيجية عمل مختلفة عن بقية جماعات الضغط في المنطقة العربية، التي تحرص بدرجات متفاوتة على التنسيق مع مؤسسات بحثية لخدمة قضاياهم المختلفة[99].
لم يختلف التوجه الرسمي التركي عن نظيره الخليجي في مسألة توظيف مكاتب العلاقات العامة في سبيل قضايا لحظية دون النظر إلى المؤسسات التركية الاجتماعية السابقة، وتقوية دورها في صناعة التأثير وتعميق روابطها مع صناع القرار الأمريكي، خاصة أن عدداً لا بأس به من القضايا التركية المُدفوع لأجلها ملايين الدولارات لم يتغير حالها حتى الآن، وهذا الأمر يدعو الجانب التركي إلى ضرورة تنمية الدور المؤسساتي للجالية التركية داخل الولايات المتحدة لخلق قاعدة تأثير طويلة المدى، والتركيز على مصالح أكثر ديمومة.
وقد يرتبط ضعف الإنجاز التركي في مجال التأثير والضغط بالتحركات التركية في المنطقة العربية، ومساعيها إلى أن تكون قوة إقليمية مستقلة عن الإملاءات الأمريكية، وهو ما تراه الإدارة الأمريكية أمراً غير منسجم مع سياستها الخاصة في المنطقة العربية، بخلاف بقية جماعات الضغط الأخرى التي لا تواجه مثل هذه المعضلة أثناء ممارستها لأنشطة الضغط والتأثير، إذ إنه لبقية جماعات الضغط مصالح مشتركة أو على الأقل غير متعارضة مع السياسة الخارجية الأمريكية. ويمكن اعتبار قضايا الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا بمنزلة ملفات مقايضة بين الجانبين، يحاول كل طرف منهما تحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر، وهو ما يحول دون الاستفادة التامة من أنشطة اللوبي التركي المرتبطة بالمنطقة العربية.
رابعاً: آليات وأدوات جماعات الضغط الإيرانية
تعود جهود إيران في إنشاء جماعات الضغط في الولايات المتحدة إلى عهد الشاه، الذي أنشأ مؤسسة بهلوي في نيويورك بداية السبعينيات والتي كانت تنشط في دعم المؤسسات الفارسية في كبريات الجامعات الأمريكية مثل هارفرد وكولومبيا وغيرها، وذلك بهدف إظهار إيران لدى الرأي الأمريكي بلداً ديمقراطياً ويدعم الحريات والحقوق العامة. وبعد ثورة 1979 سيطر نظام الخميني على مؤسسة بهلوي والمراكز العلمية التابعة لها، وحول اسمها إلى المؤسسة العلوية، وأضاف إليها تأسيس المساجد والحسينيات والمراكز الدراسية الشيعية، ومراكز تطوير التراث الفارسي في الولايات المتحدة الأمريكية[100].
وقد تنوعت مجموعات الضغط الإيرانية العاملة في واشنطن بتعدد توجهاتها الاستراتيجية تجاه النظام السياسي القائم في إيران بعد ثورة 1979. وجميع هذه الجماعات لا تمثل الجهات الرسمية الإيرانية، ولو ظاهرياً، حيث تصف نفسها بأنها مجموعات ومنظمات تنشط تحت عناوين منظمات حقوقية، ومجموعات مناهضة للحرب والتيارات التي تطالب بإعادة العلاقات مع إيران تحت شعار السلم والاستقرار في المنطقة[101].
حالياً، يقف على رأس مجموعات الضغط الإيرانية المجلس الوطني للمعارضة الإيرانية NCRI، الاسم المعترف به في أروقة الإدارة الأمريكية لمنظمة مجاهدي خلق المعارضة، والذي يسعى إلى حشد الرأي الأمريكي على اعتبار النظام الحالي في إيران نظاماً متطرفاً.
أُسس المجلس في عام 1981 بزعامة مسعود رجوي عقب الإعدامات الجماعية وحملة الاعتقالات الشرسة التي وجهها النظام الإيراني آنذاك لمعارضيه، لتتبعه بعد ذلك مريم رجوي بتولي رئاسة المجلس منذ 1993 حتى الآن.
استغل الجانب الأمريكي تأسيس المعارضة الإيرانية كياناً خاصاً بها، ووجه لها الدعم بعد أن نقل مقرها من باريس إلى واشنطن (حيث يوجد مكتب مجلس NCRI في واشنطن قريب من البيت الأبيض). لم يكن التحالف الأمريكي مع المجلس قوياً في بادئ الأمر، ولكن مع كشف المجلس عن أنشطة إيران النووية تحول الدعم الأمريكي إلى مستويات مرتفعة، فقد كشف علي رضا جعفر زاده، المتحدث باسم المجلس، في 14 أغسطس/آب 2002، عن معلومات حول تصنيع الحكومة الإيرانية أسلحة نووية في منشأة نووية سرية في “نطنز”، وخطط إيران لامتلاك قدرات نووية متطورة لأغراض عسكرية. كما كان للمجلس دور في الكشف عن الشبكة المالية للحرس الثوري الإيراني، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات على المؤسسات المالية المتعاونة مع الحرس الثوري.
وقد أثار الدعم المالي والسياسي الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة لمجلس NCRI الاستفهام حول أسباب توجيه هذا الدعم الأمريكي لمنظمة إيرانية معارضة دون غيرها من المنظمات الموجودة في الولايات المتحدة، وما هي الأسس التي اتخذها المشرع الأمريكي لجعل المجلس ممثلاً دائماً للمعارضة الإيرانية في كل المحافل الدولية والمحلية الأمريكية، على الرغم من عدم امتلاكه خططاً مستقبلية واقعية على أرض الميدان؟
ربما يكمن السبب في المراهنات السياسية الأمريكية في القضايا المتعلقة بإيران وملفاتها الخاصة، فالإدارة الأمريكية لم ترد يوماً جعل أطراف المنطقة العربية وما جاورها تمتلك عناصر القوة بما يهدد المصالح الأمريكية هناك، فضلاً عن استغلال واشنطن لمصالح الأطراف المتعارضة وضربهم بعضهم ببعض، والخروج بأقصى منفعة يمكن الحصول عليها، وهو ما معناه أن واشنطن تستثمر في مجلس NCRI بهدف تكسير النظام الإيراني داخلياً وفي المحافل الدولية أيضاً، ولكن بأصوات إيرانية بحتة.
في المقابل، يقف المجلس الوطني الإيراني الأمريكي NIAC، الذي أُسس عام 2002، ويسعى إلى حشد التأييد الأمريكي للعمل الدبلوماسي مع إيران وتفادي العمل الحربي معها، وهو ما أدى إلى توجيه اتهامات له بأنه يعمل لمصلحة النظام الإيراني. يعود تاريخ هذه الاتهامات إلى مؤتمر “الحوار والفعل بين شعبي إيران وأمريكا” (DAPIA) عام 1999، الذي عُقد في قبرص برعاية الحكومة الإيرانية، وتأسيس فرضية أن المجلس أنشئ بناء على توصيات المؤتمر[102]. حيث قدم كل من ترتيا فارسي وسيامك نمازي ورقة بعنوان: إيران وأمريكا جسور التواصل بين شعبين، واقترحا فيها إعادة العلاقة الأمريكية الإيرانية بما يسهم في تطوير العلاقات إيجابياً بين الدولتين، وبعد عامين فقط من المؤتمر ساهم كل من فارسي ونمازي في تأسيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي[103].
يرأس إدارة المجلس ترتيا فارسي، ويحاول المجلس ضمان وجود الصوت الإيراني داخل النظام الأمريكي، وذلك من خلال التحاور مع أعضاء الكونجرس، وممارسة الضغط في كابيتول هيل، بالإضافة إلى دفع المجلس الرواتب المرتفعة لاستقطاب الباحثين والكتاب والشخصيات النافذة في الجامعات ووسائل الإعلام الأمريكية لحث الإدارة الأمريكية على رفع العقوبات ودعم الحوار بين البلدين. ويعارض المجلس أي قرار أمريكي بفرض العقوبات على إيران، على اعتبار أن الشعب الإيراني هو أكبر الخاسرين في هذه العقوبات.
وعلى الرغم من انتقاده للنظام باستمرار، لم تتوجه الحكومة الإيرانية إلى محاربة أو ملاحقة أعضاء المجلس الوطني الإيراني الأمريكي (NIAC)، وذلك نظراً للبعد الاستراتيجي الذي مثله المجلس، ولكون حكومة طهران تعلم أنه عندما يتفاوض المجلس الوطني الإيراني الأمريكي من أجل الصفقة النووية، فهو يخدم النظام حتى مع انتقاده له، وأيضاً تدرك الحكومة الإيرانية أنه عندما يدعم المجلس الوطني الإيراني الأمريكي العلاقات بين الولايات المتحدة والشعب الإيراني، كما هو منصوص في تفويضها، فهو يساعد على دعم علاقة إيران مع الحكومة الأمريكية[104].
وبالحديث عن الحضور الرسمي الأمريكي في أنشطة المجلس، نجد أن أبرز الشخصيات الأمريكية تتمثل في السفير توماس فكري، أحد رموز الدبلوماسية الأمريكية وأحد أعضاء المجلس الاستشاري للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي، وسحر نوروزيان مستشارة الأمن القومي الأمريكي وموظفة سابقة في المجلس، بالإضافة إلى جون يمبرت، الذي احتجز رهينة من قبل النظام الثوري في عام 1979. بالإضافة إلى حضور مسؤولين رسميين لمؤتمرات المجلس، ومنهم جو بايدن عندما كان نائب الرئيس الأمريكي، وكولن كال مستشار الأمن القومي السابق، وروب مالي مدير البيت الأبيض في الشرق الأوسط الأسبق[105].
كذلك، يتلقى المجلس تمويلاً مالياً من منظمات أمريكية بارزة، مثل صندوق (Plowshares) وصندوق (Rockefeller Brothers)، إضافة إلى تبرعات أفراد الجالية الإيرانية السنوية[106]، وأكد المجلس أنه لا يتلقى أي تمويل من الحكومة الإيرانية أو الحكومة الأمريكية؛ لنفي الشبه عنه وتأكيد كونه منظمة أمريكية مستقلة ترعى شؤون الجالية الإيرانية وتدافع عن مصالح الشعب الإيراني.
وتنشط منظمات أخرى بالإضافة إلى ما ذكر؛ مثل منظمة إيرانيون من أجل التعاون الدولي، التي تعارض أيضاً فرض العقوبات على إيران، ومؤسسة بيناد علوي، التي تواجه تهماً أمام المحاكم الفيدرالية لخرقها الحظر المفروض على النظام الإيراني، وتصف نفسها بأنها جمعية غير ربحية تروج للثقافة الإسلامية واللغة الفارسية.
أما بالنسبة للدعم الذي يتلقاه اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كشف تقرير نشرته مجلة (Tablet Magazine)، عام 2015، عن أن الغالبية العظمى من تمويل اللوبي الإيراني يأتي من دعم المجتمع المحلي[107]، والبالغ أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وتصل ثروته إلى ما يقدر بـ400 مليار دولار، بحسب ما ذكر مركز كارنيغي للدراسات[108].
ولعل اللوبي الإيراني من هذا المنطلق يتميز عن غيره من لوبيات المنطقة العربية وما جاورها، فهو لا يسعى لتأييد مصالح النظام الرسمي، بل مصالح الشعب (التي تعد أكثر ديمومة)، ويقوم أيضاً على تمويلات أمريكية (حكومية أو خاصة) بالإضافة إلى تبرعات الجالية الإيرانية، ويحاول معالجة قضايا ذات أبعاد طويلة المدى لا مسائل مؤقتة في العلاقات الأمريكية-الإيرانية.
لذلك، ربما يبدو اللوبي الإيراني بهذه المنهجية يسير على خُطى لوبي الكيان الإسرائيلي، لكن السؤال هنا: هل الظروف المنشئة للوبي الإيراني هي ما جعلته بهذه الهيئة، أم أن للقرار الأمريكي دوراً في تشكيل اللوبي الإيراني لخدمة المصالح الأمريكية داخل المنطقة العربية وما جاورها في إطار المنفعة المتبادلة؟ خاصة إذا ما نظرنا إلى حجم الاستثمار الأقل الذي يبذله اللوبي الإيراني مقارنة بلوبيات المنطقة الأخرى، لا سيما الخليجية منها. فضلاً عن اختلاف مشاربه، وتباين أيديولوجياته ومناهجه، وهو ما يشير إلى مساهمة أمريكية في تفعيل اللوبي الإيراني، وذلك نتيجة تناغم المصالح الأمريكية في المنطقة العربية مع الدور الإيجابي للوبي الإيراني في التأثير في عملية صناعة القرار الأمريكي.
المحور الرابع: الملامح المستقبلية لجماعات الضغط وأثرها على المنطقة العربية
منذ عام 1945 لم يعد القرار السياسي الأمريكي شأناً داخلياً خاصاً بالولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك بسبب ظهور القطبين العالميين، وبداية الحرب الباردة، وانبثاق سباق التسلح لترجيح كفة الميزان الدولي نحو الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة، وظهور ما أصبح يطلق عليه الحروب الصغيرة أو الإقليمية التي تغذي عملية كسب التوازن ما بين القطبين[109]. ومنذ ذلك الحين، لم تعد السياسة الأمريكية الداخلية تصنع بناء على ديناميكيتاها الخاصة، بل أضحت تتغذى بالمتغيرات الدولية التي تؤثر فيها بطريقة ما.
وقد أدت التركيبة المجتمعية الخاصة بالولايات المتحدة إلى وجود جماعات تضغط على صناع القرار لإقرار سياسة خارجية تنسجم مع رغبات ومصالح بلدانها خارج الحدود الأمريكية، وتختلف درجة تأثيرها باختلاف درجة ارتباطها بصانعي القرار الأمريكي، واختلاف وسائلها المتخذة.
بالنسبة للوبيات ضغط المنطقة العربية هناك عدد من الاختلافات الحاسمة فيما بينها؛ فعلى سبيل المثال هناك اختلاف جوهري بين اللوبي العربي ولوبي الكيان الإسرائيلي، وهو تشتت أهداف قضايا اللوبي الأول في حين يتمتع لوبي الكيان الإسرائيلي بأهداف محددة حافظ عليها سنوات طويلة (حتى في حالة وجود خلافات بين إدارات البلدين). أيضاً تجري معاملة لوبي الكيان الإسرائيلي كأدوات ضغط أمريكية؛ لكون الغالبية منهم يحملون الجنسية الأمريكية، ويحصلون على تعاطف من المجتمع الأمريكي لقضاياهم، في حين يعد اللوبي العربي بدوله المختلفة وسيلة ضغط أجنبية، ولا يحصلون على نفس استجابة المجتمع الأمريكي لقضاياهم.
وقد أظهر اللوبي الخليجي ضعفاً في التأثير في عدة مستويات، وربما يعود ذلك- حسب استنتاج توصلت إليه دانيا الخطيب في رسالتها للدكتوراه التي حملت اسم (اللوبي الخليجي -العربي في أمريكا: بين الطموح والواقع)- إلى أن اللوبي الخليجي لا يعتمد على قاعدة شعبية تؤمن بأطروحاته، على عكس اللوبي الإسرائيلي وغيره من المكونات العرقية الأخرى الذين يمتلكون جماعات تقدم لها الدعم والمناصرة الكافيين. فضلاً عن عدم وجود استراتيجية مشتركة لكل الدول الخليجية مع الدول العربية في إيجاد تكتل موحد للوبي العربي، فكل دولة تبني علاقاتها مع أمريكا أحادياً، وليس هناك توجه مشترك للعلاقة مع أمريكا، فكل دولة تمارس الضغط بطريقة مستقلة وتسعى للتميز في علاقتها مع أمريكا، وليس للتعاون من أجل تحقيق تأثير أكبر[110].
أيضاً، لم تستفد الدول العربية من العرب الأمريكيين إفادة كافية في أنشطة الضغط كما استفادت جماعات الضغط للكيان الإسرائيلي من ذلك. صحيح أن الهجرة اليهودية لها تقليد أطول من مثيلتها العربية[111]، لكن كان يجب على الأطراف العربية أن تحقق فائدة أكبر من المجتمعات العربية الموجودة في الولايات المتحدة وربطهم أكثر مع مصالح دولهم، حتى يكون لهم دور أكبر في صنع السياسة بنفس الطريقة التي يمارس فيها اليهود الأمريكيون التأثير في العملية التشريعية الأمريكية.
فقد أنشأ المهاجرون العرب في سبعينيات القرن الماضي عدة منظمات عربية أمريكية، وذلك بعد الهزيمة في حرب الأيام الستة عام 1967، مثل: رابطة خريجي الجامعات من العرب الأمريكيين (AAUG)، ولجنة مكافحة التمييز العربية الأمريكية (ADC)، والمعهد العربي الأمريكي (AAI)، والرابطة القومية للأمريكيين العرب (NAAA)[112].
وتعد الرابطة القومية للأمريكيين العرب أقدم المنظمات العربية، حيث أُسست في أواخر السبعينيات، وكانت تسعى إلى محاكاة نموذج لجنة إيباك في الضغط على الكونجرس، إلا أنها وجدت نفسها ممزقة بسبب التوترات الناتجة عن الحرب الأهلية اللبنانية، وانفصال بعض أعضائها المسيحيين اللبنانيين الأمريكيين والعمل مع منظمات أمريكية بحتة. فضلاً عن مشاكل التمويل الصعبة التي دفعتها إلى الاندماج في لجنة مكافحة التمييز العربية الأمريكية، التي كانت هي كذلك تعاني مشاكل مالية مستعصية[113].
غياب التمويل الخليجي لمثل هذه المنظمات ربما يرجع إلى ضعف الاعتقاد الحكومي الخليجي بأهمية القاعدة الشعبية في جوهر ممارسة التأثير والضغط، وتفضيلهم للشركات التجارية التي يسهل التحكم فيها، وهذه الممارسة مختلفة تماماً عما يمارسه لوبي الكيان الإسرائيلي والإيراني والتركي، إذ تعد منظمات الضغط مؤسسات مستقلة توجه النقد لحكومات بلدانها الأم عندما تختلف معها، ودون أن يؤدي ذلك إلى إنهاء الدعم الحكومي لها كمؤسسات مدنية داعمة لها في الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك يساهم الشرخ الطائفي في جعل التعامل الخليجي ودعمه المالي مع قضايا السياسة الخارجية أمراً أكثر صعوبة، فلم يعد ثمة سياسة خارجية موحدة يمكن تحقيق إجماع حولها، مثل غزو العراق في عام 2003، حيث كان هناك إجماع عربي أمريكي على معارضة الغزو[114].
هذه الفرص الضائعة تتطلب معالجة عاجلة، لتلافي القصور والاستفادة من المتاحات المتعددة، بدلاً من مواجهة جماعات الضغط العربية بعضها لبعض، وتحركها بانفراد لحماية مصالحها الخاصة، وهو ما سيضر بالمنطقة في حال استمر الأمر على هذا النحو مستقبلاً.
بالنسبة للوبي الكيان الإسرائيلي فعلى الرغم من تفوقه لعقود في الضغط والتأثير فقد لا يستمر الأمر مثلما كان عليه الوضع سابقاً، فالولايات المتحدة بدأت تتجه نحو مصالحها القومية والابتعاد شيئاً فشيئاً عن المشاركة المباشرة في القضايا العالمية، وهذا التحول قد يؤدي إلى تعارض بعض المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، ولعل ملف إيران النووي والسعي الأمريكي لإتمام الصفقة خير شاهد على ذلك.
هذا التحول رافقه كسر أكاديمي ومجتمعي لتحريم الانتقاد العلني للكيان الإسرائيلي، ففي السنوات الأخيرة كتب كتّاب، مثل بيتر بينارت وجون جوديس ودان فليشلر وآخرون، أعمالاً مهمة تدرس دور الجماعات المؤيدة للكيان الإسرائيلي في السياسة الأمريكية، وانتقدت تأثيرها في السياسة الخارجية الأمريكية. وقد أظهر صحفيون بارزون، مثل توماس فريدمان وأندرو سوليفان وروجر كوهين، انتقاداتهم الخاصة لسياسات الكيان الإسرائيلي وأنشطة اللوبي. وأصبح المزيد من الأمريكيين على بينة من تعقيدات الحياة في الكيان الإسرائيلي وفلسطين، وأكثر تعاطفاً مع احتياجات ورغبات السكان في كلا الجانبين[115].
كذلك، أدت زيادة المفاهيم الليبرالية داخل المجتمع الأمريكي اليهودي إلى زيادة الانقسام بين شرائحه، ولا سيما بين الشباب، الذين أصبحوا يبتعدون أكثر عن الأطروحات الأرثوذكسية المتشددة لليهود ولمصالحهم التي يدافع عنها اللوبي الخاص. واتجه بعضهم إلى إنشاء لوبي مؤيد للسلام، مثل صوت اليهود من أجل السلام، وظهر عدد من الأصوات الإعلامية المعارضة لممارسات الكيان الإسرائيلي مثل مجلة موندويس الإلكترونية[116]، التي تنتقد الصهيونية وممارساتها بصراحة، وهو ما يعني أن الكيان الإسرائيلي قد يواجه مستقبلاً أصواتاً من داخل الولايات المتحدة ضد الممارسات العنصرية والاحتلالية التي يمارسها منذ سبعين عاماً.
إلا أن ذلك لا يعني حالياً انخفاض دور اللوبي وضعف نشاطه، فلا يزال الكيان الإسرائيلي في علاقة مزدهرة مع الولايات المتحدة، ويتلقى الملايين من الدولارات من المساعدات الأمريكية، ولا يزال محصناً من الانتقادات المباشرة عن انتهاكاته الحقوقية والسياسية من قبل أعضاء الكونجرس والمسؤولين الكبار في الإدارة الأمريكية.
وبالحديث عن اللوبي التركي، فهو ينشط بشكل أساسي حول صفقات السلاح، ويعدها مسألة حيوية للمصلحة الوطنية للبلد المعني، كما ينشط في المسائل الأمنية والتحركات التركية في الإقليم. ويحاول اللوبي التركي تحقيق إنجاز في السياسة الأمريكية الخارجية تجاه تركيا، إلا أن هذا اللوبي يعاني عدداً من الصعوبات والعراقيل.
أحد عراقيل اللوبي التركي الذي تظهر آثاره جلياً على ضعف قدراته التأثيرية هو عدم تمكن الجالية التركية من تطوير المهارات اللازمة للمشاركة في السياسة الأمريكية، فضلاً عن عدم استيعاب الأتراك الذين يعيشون في أمريكا نمط الحياة والاندماج في المجتمع الأمريكي، وشغل عدد ضئيل جداً من الأتراك المهاجرين المناصب العامة والوسائل الإعلامية. وهو ما أدى بدوره إلى ضعف القدرة على مجابهة جماعات الضغط المناهضة لتركيا، ومحو الصورة السلبية التي رسمتها لدى الرأي العام الأمريكي[117].
كذلك، تركيز اللوبي التركي الرسمي على شركات العلاقات التي تتوجه إلى أعضاء الكونجرس وكبار المسؤولين دون أن تتفاعل أيضاً كثيراً مع القنوات الإعلامية ومراكز البحث، أثر تأثيراً كبيراً في فعالية اللوبي في تحقيق أغراضه، ولا سيما أن تركيا تواجه معارضة قوية داخل الولايات المتحدة بسبب أنشطتها الإقليمية وأدوارها المستقلة شيئاً فشيئاً عن التبعية لواشنطن.
كما أدى الدعم التركي لأذربيجان إلى أن تنهي ثلاثُ شركات- وهي: (Greenberg Traurig) و(Mercury) و(Venable)- اتفاقياتها مع الحكومة التركية في أواخر عام 2020 بعد تعرضها لانتقادات داخلية خلال نزاع ناغورنو كاراباخ[118]. هذا الأمر لم يجعل الحكومة التركية تتراجع عن الاستمرار في مباشرة التأثير والضغط، فلا تزال مستمرة في إجراء العقود مع عدة شركات، إذ إن هناك عشر شركات مسجلة وقفاً لقانون تسجيل الأجانب (FARA)، وتعمل نيابة عن تركيا منذ سبتمبر/أيلول 2021 وحتى الآن.
وربما على الحكومة التركية أن تبذل كل ما يمكن لتصحيح مسار عمل شركات الضغط وتحقيق جزء من مصالحها الرئيسة، وإلا فإنه من المرجح أن يظل نفوذ الجانب التركي في واشنطن هامشياً، في أحسن الأحوال.
أخيراً، وعلى الرغم من حالة العداء العلني المستعصي بين الولايات المتحدة وإيران، فإنه يمكن القول إن اللوبي الإيراني حقق جزءاً لا بأس به في رصيد أهدافه الاستراتيجية، وذلك ربما يعود في جزء منه إلى ممارسة اللوبي الإيراني نشاطه بشكل منسق بطريق تشبه تحركات لوبي الكيان الإسرائيلي، من حيث تزويد الكونجرس بالمعلومات بانتظام، والنشاط الإعلامي، ووجود قاعدة شعبية تؤيد ما يطرحه على الإعلام الأمريكي.
يحاول اللوبي الإيراني أن يبذل جهداً كبيراً في “الدخول إلى المجتمع الأمريكي وإحداث حالة من الانفتاح حيال إيران”[119]، ولذلك تسعى الجالية الإيرانية إلى القيام بدور مؤثر في هذا الصدد، وتعمل باستمرار على تحسين صورة إيران ومساعي شعبها نحو الديمقراطية والانفتاح، مستفيدة بذلك من كون غالبية الإيرانيين الموجودين في الولايات المتحدة يعلنون صراحة رفضهم للنظام الإيراني القائم، وهذا الموقف للإيرانيين الأمريكيين سهل للوبي الإيراني الحصول على تأييد مجتمعي وإعلامي وأكاديمي أمريكي بمستويات لا بأس فيها، فضلاً عن قدرته على التغلغل إلى مواطن صنع القرار الأمريكي حول إيران، التي يعلن جزء كبير منها “الرفض والاستياء” من سياسات إيران الخارجية والداخلية، وتفرض عدداً من العقوبات على مسؤوليها ومؤسساتها الحكومية والخاصة.
خاتمة
تربُّع الولايات المتحدة على رأس النظام العالمي وامتلاكها لأغلب قنوات القرار الدولي جعل من المهم بمكان سعي الدول من حول العالم للحصول على معاملة خاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحاول الأطراف الدولية الحصول عليها عن طريق عملية الضغط والتأثير.
تلك العملية التي تعد عنصراً مميزاً للسياسة الأمريكية، لا تقوم على العشوائية والأهداف غير المحددة، بل هي مسعى طويل الأمد يُبنى على التخطيط الاستراتيجي العميق، والوقت الكافي لتحقيق نتائج قوية في التأثير، بالإضافة إلى امتلاك كل ما يلزم من التفوق المعلوماتي لإمداد الكونجرس الأمريكي وإقناعه بمشروعية قضيته وأحقيتها عن غيرها من المصالح.
لم ترسخ دول الخليج عمليتها التأثيرية من مقومات القوة التي تمتلكها، إذ تركز على حماية مصالح آنية دون أن تنظر إلى الأبعاد المستقبلية، وهو ما يوجب عليها تقوية دور المجتمع الخليجي والعربي المقيم في الولايات المتحدة، ومساعدته على تثبيت روابط طويلة الأمد مع الحكومة الأمريكية لتأمين مواقعها في التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية.
ويمكن القول إن الدول الخليجية لم تفقد الكثير، ولكن عليها الاستثمار السريع في تعميق عملية الضغط والتأثير، خاصة في الفترة الحالية مع تنامي تأثير القوة النفطية على السياسة الدولية وزيادة التحديات الأمنية للدول الخليجية، وتشابك المصالح المختلفة في نظام عالمي وإقليمي مضطرب.
وفي حال تمكنت الدول الخليجية ومن خلفها الدول العربية من استيعاب استراتيجية استثمار القوة المالية لديها في رعاية المنظمات العربية الأمريكية وضمها إلى صفها في إطار أهداف ثابتة وموحدة، فإنها قد تتمكن بفعالية من تحريك الشارع العربي الأمريكي على الصعيد الوطني، وزيادة نشاطه السياسي المنظم للدفاع على القضايا المختلفة، وربما يؤدي إلى إنشاء منظمات جديدة لرعاية المصالح العربية الخليجية، ويقلل من الاعتماد على شركات العلاقات العامة التي تحقق نتائج لحظية للمصالح الخليجية.
اضف تعليق